اسكندر أمبروز
الحوار المتمدن-العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 00:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد سبق وأن كتبت باستفاضة عن موقفي مما سمّي بالثورة السورية والتي وجدت نفسي فيها واقفاً على الحياد من كل ما حصل ويحصل اليوم في سوريا, حيث أن المقتلة والمجزرة التي حصلت لم تدع طرفاً متصارعاً إلّا وشوّهت لا بل بالغت في تشويه اي خصلة جيّدة عنده. وطبعاً ومنذ البداية الأمر لم يكن ببساطة الثورات العربية الأُخرى في كل من تونس ومصر على سبيل المثال, حتّى ليبيا التي لا تملك من التعقيدات الاجتماعية والطائفية ربع ما تملكه سوريا تطوّر الوضع فيها بسبب الخصل القبليّة في تلك البلد الى ما نراه اليوم من نزاع وصراع مسلّح مستدام. ففي سوريا وعلى تربة الطائفيّة العفنة, تحوّل الحراك الشعبيّ ومنذ بداية الأزمة الأمنية والشعبية الى صراع طائفيّ على السلطة نتيجة عقائد وثقافات حاقدة عند الطائفة السنيّة والشيعيّة بصورتها العلويّة.
فما يهم السوريين لم يكن ومنذ بداية الأزمة استبداد النظام أو قهر وظلم الأبرياء, وإنّما هويّة القاهر والظالم الدينية. فبعد ارتداء الكذب والتحريض لثوب الحقيقة, باتت الحقيقة عاريةً تماماً وجارحة لكل من يريد النظر اليها.
فمثلأً غالبية, إن لم يكن كل السوريين يعلمون قصّة الطفل حمزة الخطيب الذي قضى تحت التعذيب في سجون الجحش البائد, لا بل يعلم الجميع تفاصيل القصّة وماهيّة التعذيب وطريقة القتل الذي تعرّض لها ذلك الطفل البريء, والذي يجب اتخاذه كرمز لفجور النظام البائد وزبانيّته. ولكن وفي المقابل نرى أن عدد السوريين الذين يعلمون بقصّة طفل مشابه يدعى احمد الكلش الذي قتلته هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) عام 2015 في ريف حلب لا يتعدّى بضعة آلاف إن لم يكن أقل ! حيث أن هذا الطفل الذي تعرّض للاغتصاب من قبل كلاب الجولاني في ذلك الوقت, تم الحكم عليه بأنه مثلي الجنس وأنه اعترف بذلك للسلطات الداعشية, التي لم تجد دليلاً على أنه تعرّض للاغتصاب وانما وجدت اعترافاً منه بأنه مارس الجنس المثلي مع رمي حقيقة وجريمة الاغتصاب الذي تعرّض له من الشبّاك.
وبعد تدخّل الأهالي والأقرباء في المنطقة, تم تخفيف الحكم الشرعي القاضي برميه من شاهق الى رميه بالرصاص, وأُعدم الطفل احمد الكلش بعد عامين من السجن وبعد ان ظهرت عليه ملامح البلوغ. طبعاً اليوم لا يتحدّث احد عن تلك الجريمة بحكم هويّة الجاني التي تحدد ماهيّة الفعل في عيون الشعب السوري الطائفي إن كان الفعل جريمةً أم مبرراً.
وللتأكيد على محور المقال الرئيسي ألا وهو بقاء الوضع الاستبدادي في سوريا على ماهو عليه حتى مع رحيل الاسد علينا فقط ان نرى حقائق موثّقة كهذه, والتي تبيّن ان المعارضة والنظام متساويان في نوعيّة الاجرام مع الاختلاف في الكم لصالح النظام بفضل امتلاكه للسلاح الثقيل اثناء المقتلة السوريّة. ولتبيان هذه النقطة علينا بالنظر الى أرقام الضحايا الموثّقة التي سقطت في الحرب الأهلية السوريّة...حيث أن الرقم الذي يدّعيه بهائم المعارضة اليوم من الملايين لا يتجاوز في الحقيقة ال620 ألف وفاة بسبب الحرب, وحتى هذا الرقم فيه الكثير من الحقائق الخفيّة او المرميّة جانباً خدمةً للسيناريو أو للسرديّة الطائفيّة السنيّة الحاقدة على الآخر.
فمن ضمن ال620 ألف قتيل في الحرب الأهليّة السوريّة نجد أن ثلثيّ هذا الرقم تقريباً 388 ألف هم من الشبّان المقاتلين الذين قضو في المعارك, والتي ساوت من حيث عدد الضحايا بين الطرفين أي نصف هذا الرقم شهداء من الجيش السوري والمعارضة المسلّحة. وما تبقّى من اصل ال620 ألف هم مدنيون, أي لقي في سوريا تقريباً 231 ألف مدني مصرعه بسبب الحرب والنزاعات المسلّحة, ومن أصل هذه الأراقم يمكننا وبحسب الاحصائيات الموثّقة من جهات أمميّة ومراكز محايدة أن نفصّل هذا الرقم على الشكل التالي:
قتلى جرّاء استهدافات مباشرة على المدنيين من قبل النظام السوري : 60 ألف.
قتلى جرّاء استهدافات مباشرة على المدنيين من قبل فصائل المعارضة المختلفة : 31 ألف.
قتلى جرّاء المعارك التي دارت بين الطرفين من المدنيين : 140 ألف.
ومع مراعاة فارق القوّة من الأسلحة الثقيلة بين الطرفين يمكننا رؤية سبب ازدياد العدد من جهة النظام السوري, والذي يبيّن وكما ذكرت آنفاً أن الفارق هو في الكم بين الطرفين لا في النوع.
وعلى ضوء كل هذا نرى أن الواقع في سوريا لم يتغيّر بسقوط النظام على الإطلاق, فمن مجرم مستبد الى مجرم مستبد, ومن نظام اقصائيّ شموليّ على اساس الطائفة والقوميّة الى ذات الأمر باسم طائفة أُخرى ! وما نراه هو فقط تغيّر في هويّة الجاني الذي يعتبر من طائفة الأكثريّة السنيّة, حيث نرى اليوم عمليّات القتل الممنهجة والمحسوبة ضد العلويين على أساس الطائفيّة والعنصريّة الدينيّة, والتجييش والحشد والتحريض الإعلامي ضد الكرد على أساس القوميّة وأحقادها التي تميّز بها النظام السابق ويستمرّ بها النظام الحالي, وأضف على ذلك التبعيّة للجهات الخارجيّة, فمن كلب ايران الى كلب تركيا, وأمّا الواقع فهو ذاته. والسبب الرئيس في هذا الوضع المزري هو طبعاً الدين والعنصريّة المبنيّة على اساسه واساس نصوصه, فالسنّي لم يقرأ فتاوى ابن تيميّة بخصوص العلويين, ولكنّه تشرّبها مع حليب امّه بطريقة غير مباشرة من خلال رجال الدين والتحريض الطافي في الإعلام وحتّى قبل الثورة من خلال إرث ثقافيّ دينيّ حاقد.
والعلوي الذي عاش قروناً من الاضطهاد بسبب هكذا فتاوى على يد الأغلبيّة السنيّة, غالى في الوحشيّة وأمعن في القتل والحقد على اساس طائفيّ هو الآخر كرد فعل على ذات التحريض والثقافة السائدة الحاقدة عليه. وما يحدث من قتل صامت للعلويين في الساحل وأرياف حمص وحماه هو خير دليل على عدم تغيّر الواقع السوري, والذي سيتطوّر عاجلاً الى حرب جديدة أو على الأقل لانعدام للاستقرار والأمن. وأين الحقيقة من كل هذا ؟ مغيّبة تماماً !
وحتى الطوائف الأُخرى لم تسلم من هذه السرديّة العامّة اليوم, فالمسيحيون على سبيل المثال كانوا في سوريا قرابة ال10 بالمئة من السكان في 2011, واليوم هم 3 بالمئة فقط ! أي ان 70% من مسيحيي سوريا إمّا تم تهجيرهم أو تم قتلهم على يد ارهابيين متطرّفين أو ضمن المعارك الحاصلة بين الأطراف المتصارعة, وهذه الحقيقة تكفي للجزم بأن المسيحيين هم أكثر من هُجّر من سوريا على عكس السرديّة التي تدّعي المظلومية السنيّة فحسب ! وهذه النسبة خطيرة جداً لسبب واحد وهو كون نسبة السنّة الذين هُجّروا من البلاد لا تتجاوز ال35% من نسبتهم في سوريا, أي ان نسبة تهجير المسيحيين التي على الأقل يجب ان تكون متناسبة مع عدد السنّة الذين هجّروا اي 35%, ولكنها أكثر بكثير وهي قرابة 70% ومما يعني أن المظلوميّة السنيّة غير دقيقة وهي جزء من السرديّة والحشد الإعلامي المتحامل لطائفة واحدة دون غيرها رغم معاناة الجميع بنفس القساوة والطريقة مع اختلاف الكم بحكم قدرات النظام العسكريّة, وطبيعة السكّان ونسبة السنّة في البلاد.
المصادر:
Syrian Network for Human Rights
United Nations Commission of Inquiry on Syria
https://www.statista.com/topics/4216/the-syrian-civil-war/#statisticChapter
#اسكندر_أمبروز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟