|
جمالية سرد المرأة في رواية العودة إلى هليليكي
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 15:31
المحور:
الادب والفن
الروائية إلهام عبد القادر عبد الرحمن
نعيم عبد مهلهل
ـــ رؤية اولى ــ
(( رجعت يسرى لقراءة القرآن، واستسلمت ئالا للظلام،تاهت بين الصمت والموت. أضحى الجميع كأبراج خاوية، تبحث عن حقيقة عميقة في عالم مملوء بالفزع.))
الرواية صفحة 143
يفاجئك السرد في شعريته وواقعيته المسكونة بحس رومانسي وحياتي صادق وشخوصه تفكر بعمق وترصدهم الرواية بعين تكبر فيها مشاهد الحس والمعالجة الاجتماعية والتعامل مع البيئة وهاجس الاغتراب فيها مع رؤية مشاهدة بصرية لشخوص يعيشون مع مهمة الروائي في الحياة والذي يرصد من يعيشون من حوله ويصف احساسيهم وحياتهم وينقل لنا مشاعرهم وتحولات الدنيا معهم . تلك هي رؤية الواقعية ومشاعر الحب والأحلام عن مكان من أمكنة الذكريات في امكنة ظلت مشتتة الهوية والانتماء وتحاول الروائية إلهام عبد القادر أن تعبر عنها بلغة في غير لغتها القومية ( الكردية ) ، وتكتبها بلغة عربية فصيحة ، وهو جزء من الارادة والتحدي في التعبير ، وهي تعرف أن الانتماء الروحي والعاطفي والثقافي هو إلى لغتها الأم ( الكردية ) وأنها بسبب ظروف العيش والتحديات تنقل حياتها إلى كردستان العراق وتعيش هاجس الموهبة في القصة والرواية مع تعامل حي من حياة وظروف ليست بالسهلة عاشتها الروائية وتستفيد من تجاربها في نقلنا إلى عالم سحري بأناسه واحداثه هو حي الهليليكي في قامشلو حيث الهلالية تسجل ضياع الانتماء وفقدان طعم الهويات والنضال في سبيل اثبات وجود البشر في حس نضالي صامت ومعاند وثوري ، تنقله إلهام عبد القادر عبد الرحمن بواقعية وتضعه امامها كصرخة غضب من الداخل ضد التهميش والظلم والقهر المجتمعي الذي عاشه أكراد سورية ، فتنقل لنا سيرة روحية لذاتها وهي تصنع التحدي من اليتم إلى اضواء عاصمة الشام لتدرس فيها .هذه التحدي هو من وضع هليليكي في هاجس الذكريات مثل كون ومجتمع حقيقي لاحلام الفقراء والمهمشين وفاقدي هوية الانتماء إلى وطن ( السوري ) ، ولكن الرواية هي جزء من اسطورة حياتية لحلم شعب جسدت بجانب فردي تحدثنا فيه الروائية إلهام عبد القادر بصيروة مؤلمة ومشوقة عن الحياة من حي البؤس إلى مدينة الاضواء وعبر هذا السفر سندرك في الرواية التي ابتداتها بسطر من بوح عاطفة الانتماء إلى البيت الذي ارخت فيه احلام طفولتها الاولى فمان توهج ملامح عاطفة الام والأب هي اول سطر في الرواية : (( إلى روح والدتي التي علّمتني الصبر والقوة، وإلى ذكرى والدي الذي منحني حبا عميقا لايتزعزع . )) ثم يستمر الأهداء إلى الابناء والأخوة والاصدقاء.. هي واحدة من بانوروميات الوجع الأنساتي الذي تؤطره مشاعر الحب والتحدي واثبات الذات . وهي رواية تنتقل بين هاجسين هما البيئي ( المكان ) والروحي ( البيت ) وبينهما تسجل الحياة تفاصيل محطات تنتقل معها بطلة الرواية إلى عوالم وارواح وبشر من اهل المنزل والجيران وهي تنقل لنا مقطعا غير مؤلوف من حياة اهل هليليكي ولم يتعودوه عبر ازمنتهم البعيدة في عمق جغرافية وتضاريس هذا المكان المهمش عندما تحضى ئالا ابنة الحي والبيت الفقير بمرتبة النجاح الثانية على مستوى الاداء في الامتحانات العامة وهو لم يحدث أن تراه الهيليكي وتعيشه . هذا المتغير الذي سكن ئالا ورغبتها الدفينة لنيل هذا المجد على مستوى القومية والانتماء إلى الجهة المهمشة هو جزء من رسالة الوعي والسرد التاريخي والطبقي لعالم انتمت اليه إلهام عبد القادر وتجسده في رؤية النص وتسوقه الينا عبر لغتها الشعرية والتي تختصر فيها حكاية مكان وحكاية الناس عندما يكشفون لنا كبتا شعورا تتعقبه رؤية ذكية في رواية ترتدي ثوبها الانساني وحتى الثوري بحذر اصرار ونجاح . لتريني الرواية جزء من عاطفة السرد عبر مشاعر ئالا التي تصف لنا وبفيض من عبارات حميمية مشاعر بطلة الرواية ومقدار ما يسكنها من فرح وطموح حيث سيتغير شكل العالم امامها وتغادر منطقة التهميش إلى عالم من بعض خفايا تفكيرها وشجاعتها لتثبت ذاتها هو أن تعرف ان هذا العالم الذي ستذهب اليه برأس مرفوع :لماذا يمارس الظلم والتهميش وسلب الهوية ضدها وضد اهلها والجيران وبيوت هليليكي كلها ؟ ومنذ تلك اللحظة تحاول الروائية أن ترصد لنا التحولات الذاتية والنفسية لبطلة روايتها التي هي كاتبة الرواية ذاتها ليشعر القارئ انه امام سيرة ذاتية توثق وبأمانة لحياة حشد هائل من البشر عبر حلم ئالا وطموحها وهي ترتقي بأجتهاد على مستوى القامشلي وتنقل حلمها من المحلية المستلبة إلى عالم الجامعة التي ستحقق فيها طموحها الخاص وطموح الأبوين والجيران والحي ومن ثم طموح قوميتها . الرواية بدأت بالتنازع النفسي الذي يؤرشف حالة الطموح والنضال الصامت من اجل اثبات قوة الذات وما تفعله الروائية لتقريب هذا الهاجس هو النجاح والحبكة واللغة المتقنة التي تعكس مشاعر ما تبوح به ئالا عبر مراقبتها ونتباهها إلى التحولات الشعورية والظاهرية لإحساس المحيطين بها ( الاهل والجيران ) ومن ثم ترينا الرواية إفق الحلم الذي يسكن روح واجفان ئالا وامها تفتخر بها على إنها انجبتها أولا ...لتعيش الروائية لحظة ذاتية من دراما فرح المشاعر والحس الروحي الذي اتقنت الروائية الحديث عنه بتفاصيل بوح ناعم سكن قلب ئالا هي تعيش مشاعر الفخر والاعتزاز كما في ص 13 من الرواية : (( لم تستوعب أذناها بعد أن حلم الطفولة، الذي طالما راودها بالهرب من المدينة الضيقة، بات على وشك التحقق. غرق عقلها بالأفكار ،بينما جسدها يشعر بالخدر كما لو أن الزمن تجمد من حولها ، قدماها ، اللتان تحملتا سنوات من التحديات والأمل ، لم تستطيعا التحرك .لم يكن عقلها قادراً على استيعاب النجاح الباهر الذي تحقق )) من اليتم إلى مجد الذات تؤرخ الرواية الحياة بصورة ستشهد متغيرات قادمة في حياة تملأها دهشة الأيام الجامعية وأضواء المدن الكبيرة لتعاش المقارنات بين الحي الكردي الفقير والمهمش والمدينة الشامية التي تعتني بها البلدية والدولة فيما الهيليكي عالم من الحزن والعزل والهيمنة السلطوية فتشعر أن الروائية في تلك السيرة الذاتية الانسانية تضعنا عند كشوفات تاريخية لحياة مكون وعلى الرواة الكتابة وبأمانة عن فصول تلك الازمنة التي وثقت لها الرواية بدقة وامانة ونجاح متميز في احتراف لغة من السرد الجميل لنكون مع رواية سندرسها برؤى النقد والتحليل والسير مع فصولها ومحطاتها ومسارتها .وهي تبدأ من التفاصيل العائلية الدقيقة وحتى السرية وتأثير تلك العلاقات على حياتها وهي القريبة من جمالية الوصف لتلك العائلة والبيت واهله . الرواية التي سنقرأ تفاصيل ازمنتها هي رواية شجاعة ومغامرة تكتب في الزمن الصعب واثبات لوجود مكون حقيقي في الامة السورية ويريد ان يثبت أحقيته في الانتماء القومي والتاريخي في المكان وجغرافيته . وهليليكي هو الوطن المصغر الذي تبدا منه خطوة البحث عن الذات وعن الحرية وعن التحدي في صناعة نقطة ضوء في ليل حلم تعيشه ئالا بطلة الرواية التي هي ربما كاتبة الرواية ذاتها او اي كردية طموحة من اهل قامشلي وديرك وكوباني او اي مدينة صنعها ازل الانتماء لدى الشعب الكردي في المثلث الوجودي الذي تعيش ضمن تضاريسه وجغرافيته منذ الازل وإلى اليوم . الرواية حس مشحون بعاطفة لرؤى الروح وبلغة جميلة تاتي من موهبة انثوية واعدة هي إلهام عبد القادر عبد الرحمن المحامية التي تحاول اللجوء إلى الكتابة لتستريح من مشقة عملها وكفاحها الحياتي وهي تؤرخ لتلك الحياة بدقة وامان وحرفنة جميلة في اداء اللغوي تسكنة بداية احترافية في عالم الرواية بالنسبة لفتاة من قامشلو تهيء بمنجزها اداء حياتيا وابداعيا لوجود قوميتها التاريخي والنضالي عبر مسيرة حالمة وشاقة لفتاة من حي هليليكي توثقه لنا في سردية جميلة الروائية إلهام عبد القادر عبد الرحمن بجمالية وسردية مؤثرة وحقيقة .
فرانكفورت في 8 حزيران 2025
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائية العنود الشمري في روايتها -أعرف أني بخير -
-
كاظم الركابي ( شلونكم ..والخجل الذي في عيونكم )
-
مدخل لأول رواية عراقية عن عبد الحليم حافظ
-
الجواري وممثلات السينما
-
ابتسام عبد الله
-
آخر مرة زرت فيها الأهوار
-
الصابئة في ذكريات أيام اهلنا والناصرية
-
أغنية يا حريمة ( هاجس الحب في عراق القرن العشرين )
-
سكينة الروح في الطين السومري
-
مدينة جلجامش و الكولونيل الياباني ماساهيسا ساتو*
-
كما صوت أودنيس
-
مندائيات العطر وأنتِ منهن مطر
-
موسيقى النم نم
-
شه ونم الذكريات جبال عطرك وبنجوين
-
الشاعر مؤيّد الهوّاش في كتابه الشعري (هناء )
-
نابليون وحسقيل ساسون والعراق
-
سمفونية سومرية لشاكيرا وسلمان المنكوب
-
الرحابنة يبكون كل صباح
-
مداسُ الابْ ودروس بوذا
-
اشلاء محترقة تتزوج في ساحة مظفر
المزيد.....
-
تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة
...
-
الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد
...
-
من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع
...
-
أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
-
السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
-
هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش
...
-
التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
-
الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
-
تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير
...
-
سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي
...
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|