عمر حمش
الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 16:14
المحور:
الادب والفن
الليلة عاد مكتبي إلى مكانه مرتبا نظيفا، وقلت:
ما كلّ هذا الجمال؟
جلست بأريحيةِ مشتاقٍ، وبكامل طاقتي، ومن غير انفعالٍ، وكأن طارئا طرأ؛ كدتُ أمسكُ بالقلم، وأخطّ على الورق، لكن قدمي تحتي تلاعبت؛ واصطدمتْ بهيكلٍ يبسِ، فاقشعر بدني، وبرفق متحسسٍ ذُعِر؛ حككت بساقي الشيء؛ فاشتعل دمي، وتيقنتُ أنّ مصيبةً لاحقتني، وربما تتسبب بهلاكي، وبقوة قويّ خفيٍّ دفعني؛ هويتُ بجذعي، لأرى كيسا ازرقَ انتفخ.
دقّقتُ غير مصدق في حبّات الطماطم التي تزاحمت، فوق باذنجان أسود، ومن تحت هذا كلّه تراصّت بطاطا كثيرة.
شهقتُ، وعدتُ شهقتُ، وصحتُ:
يا ربّ الرزق الوفير.
من أين هذا؛ والدنيا جفاف، والأمعاءُ تحطبت من بعد جوعٍ طال، وقد شوتها شوربة عدس التكيّة إذ سنحتْ.
ولمّا تذكرتُ أنْ لا زيت لديّ؛ قفزتْ زجاجةٌ كاملةٌ إلى سطح المكتب، وشهقتُ لجرة غازٍ في الزاويةِ؛ تضاحكتْ، ورأيتها تراقصتْ.
للحقّ قلقتُ من فرحتي، وخشيت ضياع هذا، إذ لا أمان الآن لدنيا غزة، وقرصتَ كفّي كفي، وتفطنتُ، وهمستُ:
ربما صديقتي العراقية أتت بهذا كلّه هديةً ليوم مولدي.
وهكذا قمتُ متراضيا، قانعا باستنتاجي، وشرعتُ أصّبر معدتي الصائحة انتظارا لبزوغ فجرٍ، فيه طعام ..
خطوتُ؛ فنبت ولدي .. شامخا، وسيما، وكعادته ابتسم، فبللني العرقُ، ثمّ صحتُ في لحظةٍ:
ألم يقتلوك، وأنت تحاول تهريب صغارك؟
أشار إلى سريري،؛ فكانت أمّه راقدةً، ووجهها يضيء.
قلتُ منذهلا:
عدتِ؟
ظننتُ أنّهم أخذوك بعربة الإسعاف إلى مصر، وهناك متِ، وواروكِ في قبر صدقة.
وقاربتها؛ فهويتُ في فراغٍ، على أرض خيمةٍ يابسة، لا مهجعٌ وثير فيها، ولا مكتبٌ جميل، ومن بعيدٍ جاءتني صورةُ بيتي المهدّم، وقد أمسى ركاما من فوق ركام، من بعد أن كان قد دمرته الطائرات.
#عمر_حمش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟