حاتم عبد الواحد
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 23:59
المحور:
قضايا ثقافية
الحدث كان قبل سنوات، الآن انا أعيش فصلا آخر اشد وحشية صممه و يديره قيصر آخر من قياصرة الربع الخالي.
كانت رسالة الروائية والكاتبة الانكليزية مؤلفة رواية (مالموث) قد وصلت الى بريدي الالكتروني مساء ذلك اليوم الخالي من النكهة والرغبات، كان ذلك قبل سنوات طبعا.
وبعد مقدمتها التي تقول فيها (انا مسؤولة ترويج الحملات في منظمة القلم الدولية)، كانت فحوى رسالتها قد دعتني الى مؤازرة ودعم زملائي الكُتَّاب والشعراء اللاجئين في مدن العالم، غالبيتهم كانوا ممن عملت منظمة الايكورن التي تعمل في مدينة ستافجر النرويجية على اخراجهم من توابيت بلدانهم، وانا أحدهم، كثير منهم يستحقون عيشا أفضل وتضامن كل من يستطيع مساعدتهم، لكن قليل جدا منهم لعبت الاقدار دورا كبيرا في نجاتهم، فلا هم كتَّاب ولا يكتبون، بل ان بعضهم لا يستطيع ان يسطر سطرا واحدا ذا معنى وبلغة سليمة.
وثم كاتبات مدعيات معروفات في بلدي قد وجدن طريقا لحجز مكان لم يكن متاحا لهن، كنت سعيدا ان اضع توقيعي على النموذج الالكتروني المرفق برسالة الروائية الإنكليزية، ولسبب بدا لي فيه بصيص من ضوء، أرسلت بريدا الكترونيا خاصا لها ، فعساها ان تشفق علي وتسلط الضوء على قضيتي التي اريد لها ان تطمس وتنسى، سيما انها من كاتبات أعمدة الغارديان، قلت في بريدي الإلكتروني ذاك: انا الكاتب الوحيد من الكتاب الذين بعثوا الى المكسيك واسدل الستار على تفاصيل حياتي هنا ، كانت جميع المؤشرات تدل على ان المسؤول عن منظمة ستافجر التي ارسلتني الى المكسيك لم يفكر ولو لمرة واحدة ان يسأل عني وعن احوالي ، ولن يفكر بهذا ابدا، فقد كان خلال السنوات القليلة الماضية على بعد أقل من خمسة او ستة كيلومترات من بيتي ولمرتين على الأقل، ولكنه لم يطلب مقابلتي او الاستماع لما عندي، رغم عشرات الرسائل الالكترونية التي أرسلتها اليه او الى مساعديه خلال فترة وجودي في المكسيك ، ولم اتلق إجابة من احد، علما ان مصيري ومصير عائلتي مرهونان بقراره الذي اوصلني الى هنا، من وجهة نظري كان السبب مفهوما جدا، فمسؤول منظمة ستافجر هو اخ لسياسي من احفاد الجرمانيين الشماليين كان يشغل منصبا في احدى الكيمونات يعادل منصب وزير في بلادي التي كانت بلادا يوما ما، ومسؤول فرع المنظمة في المكسيك هو ابن سياسي اوربي ايضا ومن أصول لاتينية كان معروفا في بلده، والصلة بين الجرماني واللاتيني لا يمكن ان تتصدع بسبب مصير رجل مثلي انا، رجل موسوم بالموبقات الثلاث ، عربي ، اسمر ، من أصول إسلامية. بالإضافة الى كوني عنيدا، جابهت الموت مرات عدة، ولكني لم ابع روحي لمفستوفيليس حسب الأسطورة الفاوستية، كي افوز بمتع البقاء المزيف.
يستغل ذو الأصول اللاتينية الذي يدير فرع المنظمة في المكسيك، والذي يتشارك اسمه بثلاثة حروف مع اسم مفستوفيليس أموال المساعدات التي تقدم لمؤسسته من جهات ومؤسسات ومنظمات عالمية ومكسيكية في رحلات مكوكية عبر المحيط ، حاملا الهدايا الثمينة والنساء الجميلات والمريدين، حيث كان يسافر في كل سنة اكثر من عدد اشهر السنة، سفرات لزيارة عائلته الباريسية ذات الماضي البرجوازي، وزيارات لحضور مؤتمرات ونشاطات منظمة ستافنجر، ويستلم الجرماني ما يروق له من هذه الهدايا مقابل ان يدعم بقاء اللاتيني في منصبه، وهكذا ، فقد ادار اللاتيني فرع المنظمة العالمية في المكسيك لمدة تقرب من خمس عشرة سنة بروح ديمقراطية مرحة، بينما ما يزال الجرماني في منصبه منذ عقدين ، حيث يبدو انه اقسم ان يفني عمره كله من اجل حرية التعبير وإشاعة مبادئ الديمقراطية الغربية ، التي أوصلت بلاده الى المرتبة الأولى عالميا هذه السنة في تزعم الدول الحرة حول العالم !، وهذا ليس الحدث الغريب الوحيد الذي يصم أداء هذه المنظمة والذي اكتشفته عن بعد وانما مكاتب منظمته التي تحتل مركز عاصمة البترول النرويجية تفوح برائحة العنصرية النتنة ، كأن أبوابها ونوافذها ليست مطلة على خلجان ومحيطات انقى محيطات العالم.
كانت رسالة الزميلة الإنكليزية بمثابة ضوء في عتمة النفق فلماذا لا اتبعه؟
كتبت لها: انني في المكسيك منذ سنوات طويلة ، مهمل و وخائف ووحيد ، السعوديون الذين كشفت الاعيبهم في دعوة الناس الضعفاء في هذا البلد الى ( مراكزهم الثقافية ) يهددوني وجها لوجه بوساطة العاملين معهم من المكسيكيين بما هو غامض ، مثلا عندما سندت طلابي في كلية حقوق الانسان كي لا يقعوا في فخاخ سفير مملكة الصحراء يوم اقامت هذه السفارة لقاء ثقافيا داخل الحرم الجامعي، يتحدث عن شجاعة وحرية العربي بينما كان الهدف المخفي هو تغيير ديانة بعض الطلاب المكسيكيين بعروض منح الزمالات و تعليم اللغة العربية وعروض العمل في أرامكو ، ولكن عندما خرج سفير قيصر الصحراء مع مساعديه مثقلين بخيبتهم. ولم يستطيعوا غسل دماغ أفقر الطلاب بدولارات النفط. سعيدا نزلت الى محطة المترو كي أصل الى بيتي بعد يوم شاق، لم أكد أصل حتى رن هاتف المنزل، كان الصوت القادم عبر الاسلاك عربي صحراوي، قال: نحن نعرف اين تسكن وأين تعمل ومتى تخرج الى الجامعة ومتى تعود منها، وكما تعلم فان عمليات القتل في المكسيك تتم على مدار الساعة وبدون أسباب أحيانا، قد يعترضك مخمور، او لص، او أحد الحشاشين، فان احتجت الى شيء سنكون بخدمتك. واغلق الخط.
ما أرعبني في المكالمة انها قد حدثت بعد شهرين تقريبا من عرض قدمته السفارة السعودية في المكسيك لاحد زملائي المصريين الذي كان يعمل معي في الجامعة ليعمل معهم كمحرر اخبار براتب فخم رغم ان الرجل خريج كلية الزراعة في جامعة الازهر!
هذا الزميل الذي كان لا يفارق عتبة بيتي، حيث كان بحاجة الى مساعدتي الاكاديمية في عمله الذي لم يتقنه جيدا قد قطع كل علاقة بي، ومن المؤكد انهم سألوه عني وحصلوا على الإجابات المطلوبة.
قالت الكاتبة الإنكليزية في ردها على رسالتي " انه امر يؤسف له، سنعمل لقاء مصورا معك عبر شبكة الأنترنيت، لكي يطلع الراي العام عما حدث لك في المكسيك بعد سنوات طويلة من الإهمال.
لم اصدق عينيَّ عندما قرأت السطر المضيء الذي كان أجمل رسالة اتلقاها في حياتي، وها انا الان انتظر منذ سنوات لحظة اجراء هذه المقابلة المصورة، بقيت منتظرا أي ومضة تبدد العتمة التي غمسوني بها، ولم احصل على إجابة سوى ان الروائية الإنكليزية قد تركت منصبها في منظمة القلم الدولي، وان بريدها الإلكتروني لم يعد نشطا وفعالا وان هاتفها الشخصي مغلق، وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لا ترد على رسائلي!
#حاتم_عبد_الواحد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟