رحمة يوسف يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 21:00
المحور:
قضايا ثقافية
تتناقل في المجتمعات حِكم وأمثال تهدف إلى غرس القيم وتوجيه السلوكيات، لكن بعضها قد تحمل رسائل سلبية تُشجّع على أنماط خاطئة في التعامل. ومنها المقولة الشائعة في مجتمعنا: (تعب كتفك ولا تتعب قلبك)، والتي أرى أنها تُعزّز الفردية والأنانية داخل الأسرة، وتُربي جيلًا يتّسم بالكسل والاتكالية، ويتهرّب من أبسط واجبات التعاون والتراحم مع أقرب الناس إليه.
بل أرى هذه المقولة قد تُسهم في تشكيل ازدواجية في الشخصية، إذ كثيرًا ما نرى أشخاصًا يبذلون جهدًا كبيرًا في مساعدة الآخرين خارج المنزل، بينما يتجاهلون حقوق أسرهم، وكأن الإحسان واجبٌ على الغرباء فقط! ويُبرّر البعض هذا السلوك بثقافة تربوية خاطئة، حيث يُعتقد أن مسؤولية البيت تقع على عاتق فرد واحد فقط وهو الأم أو المرأة عمومًا (كالابنة أو الأخت) بينما يُعفى باقي الأفراد من أي واجب.
في الواقع، تُحمّل هذه المقولة المرأةَ عبئًا مضاعفًا، لكنني ألومها هي نفسها أولًا عندما تشكو من التعب أو تعاتب أبناءها على إهمالهم، لأن جذور المشكلة تعود إلى أسلوب تربيتها القائم على غرس قيم التعاون والعطاء، وحرمانهم من المشاركة في تحمل المسؤوليات المنزلية منذ الصغر. كما أن هذه المقولة تتعارض مع قيمة الصبر الأصيلة؛ فتعويد الأبناء على تحمل المسؤولية يتطلب صبرًا طويلًا من الوالدين، لكن الأم – في هذه الحالة – لا تصبر على فوضى المنزل، ولا تتحمل رؤية طفلها يتذمر أو يتكاسل عن إنجاز مهامه، فتُسرع بالقيام بها بدلًا عنه. وهذا يذكرني بالمقولة الدقيقة:
(الأم المعدلة أولادها ما يطلعون عليها)، والتي تعكس حقيقة التساهل في التربية، فالتربية ليست دروسًا نظرية وغرس قيم فحسب، بل إنتاج أبناء قادرين على تحمل أعباء الحياة.
حان الوقت لاستبدال هذه المقولة بثقافة جديدة تُرسّخ فكرة أن التعاون داخل الأسرة ليس مجرد فضيلة، بل واجبٌ أساسي لبناء مجتمع متماسك. فمن لا يُحسن إلى أهله، لن يُعطي الإحسان حقّه، حتى لو بدا كريمًا في تعامله مع الآخرين.
#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟