أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحمة يوسف يونس - الآلات وجوهر الإنسان














المزيد.....

الآلات وجوهر الإنسان


رحمة يوسف يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 20:16
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ انطلاق أولى الثورات الصناعية مع اختراع المحرك البخاري في القرن الثامن عشر، مرورًا بثورتَي الكهرباء والحواسيب، وصولًا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، كانت الغاية تحقيق رفاهية أكثر للإنسان ببذل جهد أقل. لكنَّ هذا التطور التكنولوجي المتسارع لا يخلو من تناقضات عميقة، فبينما تُختصر الأعمال الشاقة وتُحلُّ المشكلات بضغطة زر، يُطرح سؤال: هل نحن أمام مستقبلٍ يُستبدل فيه الإنسان بالآلات، ليس في الأعضاء الجسدية فحسب، بل في الإبداع والتفكير أيضًا؟
القصة بدأت مع الثورة الصناعية الأولى، حين حلَّت الآلات محل العضلات البشرية في الزراعة والصناعة، ثم جاءت الثورة الثانية مع الكهرباء، لتحوِّل الإنسان العامل إلى (ترس) صغير في ماكينة إنتاج ضخمة، ومع الثورة الرقمية صارت الحواسيب والإنترنت أدواتٍ لتحويل المعرفة إلى سلعةٍ افتراضية، أما اليوم، فصارت الآلات تنافس الإنسان في كتابة الشعر وتأليف الموسيقى.
هذا التحول المُذهل يلامس جذر الفلسفة الإنسانية، ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى:
(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا)
هنا تكمن الإشكالية، فالإنسان خُلق ليعمل ويُبدع، لا ليكون كائنًا استهلاكيًّا خاملاً. نعم، التكنولوجيا تختصر الوقت وتُسهل الحياة، لكنَّ تحويل الإنسان إلى كائن زائد عن حاجة الآلات يهدد قيمته الوجودية. تخيلوا عالمًا تُدار فيه المصانع بالروبوتات، وتُكتب فيه الروايات بالذكاء الاصطناعي، وتُحلُّ فيه المشكلات بالخوارزميات، أليس هذا هو جحيم العبثية بعينه؟
أنا شخصيًا أجد في العمل اليومي مثل تنظيف المنزل أو الطبخ متعةً لا تنبع من مجرد إنجاز المهام وسد حاجتنا من الجوع فحسب، بل من إحساسي بأنني أضيف لمسةً من روحي إلى العالم. وحين أبتكر تصميمًا لترتيب غرفة، أو أزرع نبتة، أو أصنع حلوى بوصفة جديدة، أشعر بأنني أخلق شيئًا لم يكن موجودًا من قبل. حتى القراءة، التي تبدو نشاطًا تأمليًّا، تكتسب معناها الحقيقي حين أسرق لها وقتًا من زحام أعمالي اليومية. واليوم الفارغ من العمل، رغم راحته الظاهرة، يُشعرني بالفراغ والملل، حتى أمل من القراءة نفسها، وكأن العمل وقودًا يقودني إلى القراءة، والقراءة راحة تجدد نشاطي للقيام بالعمل مرة أخرى.
جدتي (رحمها الله) عاشت ثمانين عامًا دون أن تتوقف عن العمل، كانت تعمل ما باستطاعتها أن تقوم به وهي في عمرها الكبير، وكثيرًا ما كنت أسمعها تقول:
(العمل جوهر بني آدم). كلماتها هذه تلخص سرَّ بقاء الإنسان، فالعمل ليس وسيلةً لكسب الرزق فحسب، بل هو وقود الروح، والرابط بين وجودنا الأرضي وغايتنا الكونية.
التكنولوجيا حرَّرتنا من الأعمال الشاقة، لكنَّ الخطر يكمُن في أن تُحررنا من ذواتنا، وحينها سنخسر أهم ما يميزنا، وهو قدرتنا على الخلق من العدم، وعلى إيجاد المعنى في أبسط التفاصيل.



#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكعب في رقعة أزلية
- الإيمان والأدب
- ضيفان
- حبة الزمن الميت
- مرفأ الوجوه العارية
- (خوش ولد) بين المثالية والواقع في مفهوم الرجل الصالح
- نافذة
- قلب يقطر
- التثقيف الجنسي للأبناء
- المجموعة الثقافية والجامعة
- فراشة
- بيوتنا وهوسة التنظيف
- معجنات شعرية
- لا أسود ولا أبيض
- لقطة على الجسر
- مقهى
- نفس في جسد
- مراثي المدينة القديمة
- حساب وهمي
- امرأة عادية


المزيد.....




- تلاسن بين قائدي سيارة عائلية ودراجة نارية على طريق سريع.. شا ...
- سلطنة عُمان تعلن اتفاقًا لوقف إطلاق النار بين الولايات المتح ...
- إبراهيم الدرسي.. فيديو صادم لعضو البرلمان الليبي المختفي منذ ...
- من يلحق بركب التطبيع؟ مبعوث ترامب ويتكوف يلمح إلى توسيع اتفا ...
- وزير الدفاع الأمريكي استخدم -سيغنال- 12 مرة في مواضيع حساسة ...
- ترامب يعلن -استسلام- الحوثيين وتوقف هجماتهم بحرا ووقف قصفهم ...
- مراسلنا في اليمن: غارات إسرائيلية عنيفة على مناطق عدة بصنعاء ...
- قبيل مغادرته للشرق الأوسط.. ترامب يعد بإصدار إعلان بالغ الأه ...
- الحوثيون: الصاروخ اليمني الذي ضرب مطار بن غوريون بدد وهم الت ...
- ترامب يجدد التأكيد على رغبته في ضم كندا بحضور رئيس وزرائها


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحمة يوسف يونس - الآلات وجوهر الإنسان