أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمة يوسف يونس - قراءة في شعر مصطفى الخياط/ ثوب على ذوق بيكاسو















المزيد.....

قراءة في شعر مصطفى الخياط/ ثوب على ذوق بيكاسو


رحمة يوسف يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 08:43
المحور: الادب والفن
    


شعر مصطفى الخياط جميل وممتع، لا يملّ القارئ من تتبعه، ولا يكاد يضع الكتاب من يده حتى يُنهيه. لغته سهلة ممتنعة، لا تحتاج إلى قاموس لفكّ رموزها، لكنّها تدهشك بصورها الشعرية البسيطة التي لا يصوغها إلا الموهوبون. ومع ذلك، فإنّك أحيانًا تضطر إلى البحث عن معاني بعض المفردات التي ينسجها في نصّه، مثل (قرط يوهانس)، لتعرف أنّك أمام شاعر مثقف، ينهل من عالم الفن والرسم، وكأنّ القصيدة عنده لوحة، واللوحة قصيدة.
في نص (ذاكرة الدم) يرسم الخياط صورة شعرية:

هكذا فجأة،
تطول أيامنا
كأظافر عازفي الجيتار
تذكرني بلوحة
لا أدري أين شاهدتها:
ثلاث نساء
يكشفن عن سيقانهن
ويرقصن في حوض
مفروش بالعنب الأسود.
ربما رأى الرسام كل ذلك في النبيذ
قبل أن يمسك فرشاته ...
ثمّ ينسج خيوط الصورة ببراعة، فيشبّه السيقان بانسياب الحليب الطازج، والشفاه بأطراف الخبز، قبل أن يختتم القصيدة بدم العنب الذي يتدفق من بين أصابع الأرجل، وكأنّه الدم الذي لا يُنسى: دم الأصدقاء، دم البلاد. 

وكما أن الشعر والرسم وجهان لعملة واحدة، الوطن والمرأة كذلك، وهذه ثيمة قصائد مصطفى، فهو يدور في فلكين: المرأة والوطن. حين يعجز عن العثور عن الوطن يلجأ إلى المرأة، كما في قصيدته (حياة في دائرة) :

سيقف أحدهم يوماً أمام شعري
وقوف جباة الضرائب
تاركاً حياتي
التي تُشبه لوحة الصرخة لـ (إدفارد مونك)
ما إن وقفت أمامها؛
وضعت إصبعين في أذنيك،
قائلاً:
لم يخرج من دائرة النساء
وظل حبيسها حتى آخر جملة
وافقوه على هذا الكلام وعاتبوه
لو أنه أخذ شكل الدائرة هندسياً
لوجدها عديمة الزوايا ..
الدائرة هنا هي المرأة، ملاذه من زوايا الحياة القاسية، حيث يجلس اليتامى يبكون، وتُصلب الشموع والأوطان. 

الشامات عند الخياط، عيوب الوطن وجمال المرأة.
نراه يلتفت في شعره إلى التفاصيل الصغيرة، كالشامات، فيرى شامات الوطن عيوبًا، بينما يرى شامات المرأة جمالًا. في قصيدة ( بعيدًا عن الضوء)، يسخر من الواقع المرير: 

تعالي نخدم الوطن
على نفقة جلدك الخاصة
لديك شامات كثيرة
اطلبيهن لاجتماع طارئ على ظهرك
كالذي يحدث في العالم السياسي
ويسلط الضوء على عيوب الوطن، الفقر والاهمال المتمثلين في الأطفال الجياع الذين يبيعون في الشوارع، وفي الكثير من المواطنين الذين لا مستقبل لهم ويهدر عمرهم في ضياع وتشرد، وحين لم يجد حلًا يتجه نحو المرأة بعيدًا عن الضوء.
وفي قصيدته (غصن متدل) يسخر من الرياضيات والمنطق، فبدل أن يرسم خطًا بيانيًا في درس رياضيات، يرسمه من شامات المرأة ، فلا ثمرة من دروس المنطق والرياضيات، ولا ثمرة من الدراسة في هذا الوطن، الثمرة الوحيدة التي يأمل في الحصول عليها هي المرأة. يقول في غصن متدل:
الرسم البياني
هو موضوع رياضي
نقلت فكرته
من السبورة إلى ظهرك
فبدلاً من إيجاد النقاط
وجدت شاماتك
وأوصلت بخط بعضها ببعض
وحصلت
على شكل غصن متدل
ثم توقعت سؤالك
فيما إذا كان يحمل ثمراً
كان يحملك .

ويبدو أن مصطفى لا يأمن بكل النساء، فليست كل امرأة هي الوطن الذي يبحث عنه، يحدثنا في مراهقته عن امرأة، المراهَقة تلك الفترة التي يبدأ فيها بنو الانسان بتعلم أن الحياة غير منطقية على الدوام، يقول في قصيدته (الزائد الذي يطرح) :

في سن المراهقة
تعرفت على فتاة تشبه الرياضيات
العلم الذي يدخل أنفه في كل شيء...
لن أطيل عليكم
انتهيت منها كتمرين يحل أنياً،
ومنذ تلك اللحظة،
وأنا أكره هذا العلم
واكتشفت بعض الاعيبه مؤخراً ...
خذوا مثلاً علامة الزائد
من المعروف أنها تجمع الأعداد كما يقال،
لكنها في ناظور القناص،
تطرح دائماً

مصطفى كتب عن كثير من النساء، قصائده لم تكن مجرد وصف لجسد المرأة، بل يكتب من خلالها عن الفلسفة والحياة،
فهو يرى في القروية ملاذًا من صعوبات الوجود:

(أحلم بالزواج من قروية؛
ذلك أنها ستخبئني في شقوق يديها
إذا ما هاجمتني الحياة..)

ويوجه كلمات قاسية إلى المرأة المثقفة:
(فكري باقتناء قبعة أوشنكا الروسية
لها جانبان ينسدلان على أذنيك
كي لا تشعري بالكلمات الباردة
لم تفسدين جمالك بالكتابة؟
وتضيعين فرصة أن تكوني ملهمة شاعر..)

واللغة عند الخياط كائن حي (أنثى) بسيطة ورقيقة، فيها الحياة والرفعة والجمال، والجذور والأصالة، وهي المنفذ أمام الأزمات الوجودية، كل هذه الصفات اجتمعت في المرأة الجنوبية:

(صحيح أني أميل إلى لغة
تبدو كأنثى جنوبية
ترتدي ثوباً بسيطاً
تفوح منه رائحة الخبز والعنبر
لكن ماذا يكتب الشاعر
حين يجد شعرك في آخر النفق..)

ويرى الجدة قصيدة جاهلية تبكي:
(ولأنها لم تعد سوى مطلع
من قصيدة جاهلية
تبكي
ولأنني جئت متأخراً؛
تبكي،
أريدها
إلا أنها تحبني
كأحفادها المشاكسين)

ويكتب بحنو عن الأم التي لم تمت في داخله، يقول في قصيدته جدية:

(أفكر بتناول أدوية أمي
لأنها لم تمت بداخلي
وأنها حتمًا تحتاجها الآن)

وحتى حين يبتعد عن المرأة، تظلّ فلسفته حاضرة، كما في نص (سبعة إخوة)، حيث يجسّد وحشية الحرب ودائرة العنف: 

كانوا سبعة إخوة،
سقفهم راحة يد
يد حرب
سحقوا إلا واحداً
يربت الآن على ظهر قطة،
ويقول:
بك سبع أرواح
ماذا ستخسرين
لو أعطيتني ستاً لإخوتي
وعشت بواحدة.
ففي هذا النص يجسد فقدان الإنسان إنسانيته حين يتعرض لظروف غير إنسانية، فهو ما إن يتمكن من النجاة حتى يتسلط على من هو أضعف منه.

ثوب على ذوق بيكاسو 
الكتاب يحمل عنوانًا دالًّا، فهو شعر يخرج عن المألوف، بسيط لكنه عميق، لا يعقّد اللغة بغموض مصطنع. بعض نصوصه وجدتها على مقاسي، كقصيدة (مزاج أقمشة قطنية) : 

أحبها وهي في الخمسين
لكنها تبعدني.. بوقارها 
مثلما تبعد القوارير الغامقة
الضوء عن زيوتها 

شعر مصطفى الخياط ثوبٌ قد لا يناسب كلّ الأذواق، لكنّه حتمًا ثوب فريد، يستحقّ أن يُقتنى في خزانة كلّ عاشق للشعر الحقيقي.



#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطف
- الآلات وجوهر الإنسان
- مكعب في رقعة أزلية
- الإيمان والأدب
- ضيفان
- حبة الزمن الميت
- مرفأ الوجوه العارية
- (خوش ولد) بين المثالية والواقع في مفهوم الرجل الصالح
- نافذة
- قلب يقطر
- التثقيف الجنسي للأبناء
- المجموعة الثقافية والجامعة
- فراشة
- بيوتنا وهوسة التنظيف
- معجنات شعرية
- لا أسود ولا أبيض
- لقطة على الجسر
- مقهى
- نفس في جسد
- مراثي المدينة القديمة


المزيد.....




- زوجات الفنانين العرب يفرضن حضورهن في عالم الموضة
- صور عن جمال الحياة البرية ستذهلك
- فاس المغربية تستضيف مهرجان الموسيقى العالمية العريقة في دورت ...
- الرئيس المصري يطمئن على الفنان عبدالرحمن أبو زهرة بمكالمة ها ...
- المجلس الثقافي البريطاني يعلن عن 5 مشاريع إبداعية حاصلة على ...
- نزالات عالمية في بطولة -971- للفنون القتالية المختلطة بدبي
- في الذكرى الـ77 للنكبة.. الثقافة الفلسطينية بين البقاء والمق ...
- الغاوون: قصيدة عامبة مصرية بعنوان(اهات وتنهيده)الشاعر ايمن ب ...
- الغاوون:قصيدة عامية مصرية بعنوان( أمى)الشاعر أيمن بطيخ.مصر.
- مصر.. السيسي يتصل بفنان شهير للاطمئنان عن صحته بعد إشاعة وفا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمة يوسف يونس - قراءة في شعر مصطفى الخياط/ ثوب على ذوق بيكاسو