أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!















المزيد.....

-قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 02:50
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


لم تكن زيارة "دونالد ترامب" إلى منطقة الخليج في مايو 2025م حدثاً عابراً، بقدر ما كانت امتداداً رمزياً وفعلياً لمسار طويل من التبعيّة والارتهان العربي للنفوذ الخارجي، الذي شكّل أحد أعمدة ما يمكن تسميته بـ"قرن الإهانة العربي".
وبينما تحوّلت الزيارات الرئاسية إلى محطات تُقاس فيها مكانة العرب في معادلة القوة الدولية، جاءت هذه الزيارة لتكرّس واقعاً عربياً مأزوماً: إبادة جماعية في "خاصرة الأمة" فلسطين، غياب المشروع العربي المستقل، تبددّ الإرادة السياسية الجامعة، وارتهان متزايد لأجندات خارجية لا تنظر إلى المنطقة إلا بوصفها "سوقاً للسلاح ومخزوناً للثروة والطاقة"، وعليه، يصبح الحديث عن "قرن الإهانة" ليس مجرد توصيف تاريخي، بل واقعاً مستمراً تُجدد معالمه مع كل مشهد سياسي "مُهين".
شكّل مفهوم "قرن الإهانة الصيني" (1839–1949) في الوعي السياسي الحديث للصين، حجر الأساس في بناء السردية القومية، إذ أشار إلى مرحلة طويلة من التفككّ والاحتلال الأجنبي والخذلان الوطني، بدأ بحرب الأفيون الأولى عام 1839، حين اضطرت الصين لفتح موانئها بالقوة والتنازل عن أراضيها، وخضوعها لنفوذ القوى الاستعمارية الأوروبية، ثم انهارت السلطة المركزية إثر انتفاضات داخلية وحروباً مع اليابان والدول الغربية، وانتهى قرن "الإهانة" بقيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949، التي حملت وعداً بإنهاء الإذلال واستعادة ما أسمته "النهضة الصينية القومية".
هذا المفهوم، أي "قرن الإهانة"، والذي استُخدم كشحنة تحفيزية للنهضة والاستقلال في الصين، يطرح تساؤلاً مشروعاً في السياق العربي: هل عرفت المنطقة العربية قرناً مشابهاً من الانكسار والهوان والذل أكثر من القرن العشرين وما يليه؟ وهل يمكن استنساخ المفهوم أو تكييفه لصياغة ما يمكن تسميته بـ"قرن الإهانة العربي" الممتد منذ أوائل القرن العشرين حتى يومنا هذا؟
منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ثم سقوط الدولة العثمانية، دخل الوطن العربي مرحلة تاريخية من التحولات الجيوسياسية التفكيكية، فقد كان نهاية الخلافة العثمانية لحظة مفصلية أنهت معها آخر مظلة سياسية جامعة لأمة العرب، وفتحت الباب على مصراعيه أمام التدخل الأجنبي المباشر، فجاءت معاهدة سايكس-بيكو عام 1916م لتكرّس التفككّ الجغرافي، وتمهّد لتقسيم المنطقة إلى دويلات خاضعة للنفوذين الفرنسي والبريطاني، وتبع ذلك وعد بلفور عام 1917، والذي دشّن مسار ضياع فلسطين، وخلق جرحاً غائراً في قلب الوعي القومي العربي حتى اليوم.
وكحال الصين، خاض العرب قرناً من الاحتلال والتقسيم والتبعية الاقتصادية، والهزائم العسكرية المتكررة، منذ نكبة عام 1948 وحتى إبادة غزة بساعته وتاريخه (2025)! لكن على عكس الصين، التي حافظت، رغم التمزّق، على وحدة الأمة الموحّدة وسردية القومية، لم ينجح العرب في بناء هوية سياسية أو مشروع تحرري جامع يعيد الاعتبار لماضيهم أو ينقذ مستقبلهم.
في الصين، صيغ "قرن الإهانة" ضمن مشروع وطني يربط بين الإذلال التاريخي وبين مشروع "استعادة المجد"، وقد نجح هذا المفهوم في توحيد الهوية الوطنية الصينية، وتغذية طموحات الشعب بمشاريع تنموية وسياسية، لا سيما منذ عهد "دينغ شياو بينغ" القائد الأعلى لجمهورية الصين الشعبية (1978-1990)، ووصولاً إلى المشروع الطموح للرئيس الحالي "شي جين بينغ" المسمى بـ"الحلم الصيني".
في المقابل، يفتقر العالم العربي إلى سردية مماثلة، فما جرى بعد الاستقلالات الوطنية الشكلية في منتصف القرن العشرين، لم يكن إلا إعادة إنتاج للهزيمة بأشكال جديدة: (فقدان السيادة، أنظمة استبدادية، تغلغل القوى الأجنبية في القرار الداخلي، تشظي الهوية والولاء، صعود تيارات متطرفة كرد فعل على الانسداد التاريخي، فشل في التنمية، اعتماد على الخارج، وتضارب في المرجعيات الفكرية والسياسية والقواسم المشتركة للأمة بين (قومية، اشتراكية، إسلامية، قُطرية، ليبرالية وعلمانية)، وحتى حين ظهر المشروع القومي العربي في خمسينات وستينات القرن الماضي، اصطدم بعوائق ذاتية وبنيوية، وانتهى بانكفاء جماعي بعد نكسة 1967م.
وبخلاف التجربة الصينية، لم تنجح الأمة العربية في تحويل هذه الإهانات إلى سردية تحرريّة جامعة تُنتج مشروعاً قومياً، بل تحولت في الغالب إلى نزاعات قُطرية وانقسامات متزايدة، وذلك لجملة من الأسباب، أهمها:
 لم يكن العرب (دولة–أمة) كما هو حال الصين بالمعنى الحديث، بل شعوباً متعددة الهويات القُطرية والطائفية، ما أعاق بناء مشروع قومي موحد.
 ظل العرب أسرى صراعات بين مرجعيات متنافسة، أدت إلى استنزاف داخلي عميق، بعكس الصين التي جمعت بين قوميتها التاريخية والمشروع الاشتراكي التحررّي.
 غياب مشروع نهضوي مستدام، فالمشاريع النهضوية (القومية أو الإسلامية) لم تستطع -ذاتياً- تجاوز التحديات الموضوعية، بسبب الاستبداد والحروب والتبعية الاقتصادية.
 الاستقلال الشكلي والهيمنة المستمرة؛ لم تتح للعالم العربي لحظة استقلال فعلي شاملة، فبقيت كثير من الدول خاضعة لنفوذ القوى الإقليمية والكبرى، سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
ربما لا يمكن نقل مفهوم "قرن الإهانة" من الصين إلى السياق العربي بشكل مباشر، لكن التجربة الصينية تقدّم درساً عظيماً مفاده: أن الإذلال القومي، مهما طال، يمكن أن يتحوّل إلى وقود للنهضة إذا ما صيغ ضمن مشروع وطني جامع، كما إن إعادة التفكير في القرن العربي الماضي بوصفه "قرن الإهانة" قد يفتح الباب أمام بناء سردية قوميّة معاصرة، أكثر شجاعة ووضوحاً، تقود نحو "قرن الاستعادة" وإحياء الأمة، بدلاً من الاستسلام للانكسار.
فالسردية القومية الصينية، كانت أداة تعبئة وطنية صيغت بعناية لتعززّ ذاكرة الأمة الجماعيّة، ووضعت إطاراً استراتيجياً للنهوض والكرامة على أنقاض الإذلال، فنهضت الصين وأصبحت أمة واحدة ومن أعظم القوى العالمية، فمتى ننهض؟
لا يهدف نقاشنا من طرح مفهوم "قرن الإهانة العربي" إلى تكريس جلد الذات أو "البكائية السياسية"، إن صحّ التعبير، بل هو صرخة عربية جادة لبداية تأطير مرحلة كاملة من الفقدان الجمعي في سياق نقدي تحليلي، فكما فعلت الصين، يمكن للعرب أن يعيدوا قراءة ماضيهم لا بوصفه مساراً للهزيمة فقط، بل أيضاً حافزاً للنهضة والانبعاث من تحت ركام الانكسار.
غير أن هذه الدعوة تتطلب شروطاً موضوعية، تبدأ ببناء وعي جمعي تاريخي موحّد، يتجاوز الانقسامات الأيديولوجية والطائفية، ويمرّ عبر إعادة تعريف المشروع العربي على أسسِ السيادة والتحررّ والتنمية والعدالة، ولا بد من خلق سردية تحفيزية نهضوية جديدة، لا تعتمد على أطلال الماضي، بقدر ما تعتمد على فهم الحاضر وتحدياته بوعي نقدي وتاريخي.



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -العرب- بين فكرة القومية ومأزق الحريّة!
- حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!
- -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!
- الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد
- الدولة والمواطن .. كيف يكون المجتمع المدنيُّ رديفاً للدولةِ؟


المزيد.....




- حفل تخرج يتحول إلى قصة بطولية.. شاهد كيف أنقذ مراهقان عائلة ...
- الدفاع الروسية: إسقاط 51 طائرة مسيرة خلال سبع ساعات
- أمين عام -حزب الله-: بيان قائد الجيش اللبناني عبر عن وطنيته ...
- الدفاع الجوي الروسي يعترض طائرة مسيّرة قرب موسكو وتعليق الطي ...
- السفر برًا من الأردن إلى سوريا.. هل بات الأمر ممكنًا؟
- حصاد العام.. سنة سيئة للديمقراطية في دول إفريقيا
- أوغنداـ مقتل العشرات في هجوم لميليشيات مرتبطة بـ-داعش- على م ...
- أوغندا تقطع التعاون العسكري مع ألمانيا وتتهم سفيرها بالتدخل ...
- المؤرخ الألماني الإسرائيلي دان دينر يتسلم جائزة لودفيغ بورنه ...
- فرنسا.. مظاهرة حاشدة في باريس تأييدا لغزة (فيديو)


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!