أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد عادل زكى - الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة














المزيد.....

الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 00:19
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إن الجامعة، في لحظتنا الرَّاهنة، لم تعد تلك المؤسَّسة الَّتي وُجدت لتكون ضمير المجتمع وروحه الْعاقلة، بل تحولت إلى جهاز بيروقراطيّ لإعادة إنتاج الجهل في صورته الرسميَّة، وتدوير التَّفاهة في هيئة شهادات، وتكريس الانصياع في هيئة انضباط أكاديميّ. لقد ماتت الجامعة بوصفها فضاءً للحرية الفكريَّة منذ أن تم تدجينها تحت أوهام "الجودة" و"الاعتماد" و"سوق العمل"، وهي المصطلحات الَّتي تؤشر، لا على إصلاح، بل على تكريس لوظيفة واحدة: تطويع البشر. فلم يعد التَّعليم الجامعيّ، في مضمونه ولا في شكله، سوى استمرار للجهل، ولكن في صيغة أكثر تعقيدًا. الأساتذة ــ إلا من رحم ربي ــ موظفون في دولة اللامعنى، يحفظون النُّصوص، ويمتحنون طلابهم، ربما، في ما لا يفهمونه هم أنفسهم. والمناهج؟ خالية من كل نقد، وكل جدل، وكل حياة. إنها جثة معرفية تُقدَّم في قاعات الدرس، ملفوفةً في شرشف "الحياد الأكاديمي"، وكأن الفقر والتبعية والتَّخلف ليست قضايا فكرية تستحق أن تُدرّس وتُنتقد. بل إن الكثير من هؤلاء الأساتذة لا يصححون أوراق الامتحانات بأيديهم، بل يوكلون الأمر لمعيدين أو موظفين، وكأن الطالب لا يستحق حتى لحظة مواجهة فكره أو خطئه. وحين تُختزل العلاقة الأكاديمية في رقم على ورقة، تُختزل معها كل إمكانيات الحوار والنمو والنقد. إن ما يُنتَج في الجامعة اليوم ليس معرفة، بل صمت. صمتٌ كبيرٌ يغطي على واقع قاسٍ: أن التَّعليم قد فُسد، لا فقط لأنه لا يعلّم، بل لأنه يجهّز خريجيه كي لا يسألوا، ولا يعترضوا، ولا يحلموا. لقد صارت الجامعة مصنعًا لشهادات قابلة للتَّسويق، لا للعقول القابلة للتفكير. تُمنَح الألقاب العلميَّة كما تُمنح الرتب العسكريَّة، ويُحتفَى بالتفوق لا كمحاولة معرفية، بل كمؤشر على الطَّاعة والانضباط. وحين نبحث عن الجذر، نجد أن العطب ليس إداريًا ولا لوجستيًا، بل حضاريّ. إن الجامعة العربية، في بنيتها العميقة، لم تتحرر من سلطتين: سلطة الموروث السلطانيّ، الذي يرى في الأستاذ شيخًا، وفي الطالب تابعًا، وسلطة السُّوق، الَّتي ترى في الجامعة "مشروعًا" وفي العلم "منتجًا". بين هاتين السلطتين، تُذبح الفكرة، وتُغتال الحرية، ويُكفَّن العقل. فساد التعليم الجامعي إذًا ليس عارضًا، بل هو تعبير ضروري عن أزمة حضاريَّة شاملة. الجامعة ليست معطوبة لأن بعض المسؤولين فاسدون، بل لأنها، في شكلها الحالي، مؤسَّسة لإنتاج كل ما هو: غير عادل، وغير عقلاني، وغير قابل للتغيير. إنها، باختصار، مؤسَّسة محافظة، حتى حين تتظاهر بالتَّجديد. ولذلك، فإن الإصلاح لا يكون بتطوير اللوائح ولا بتغيير القيادات، بل بطرح الأسئلة الجذريَّة: لأي شيء نُعلّم؟ ولمن؟ وهل يمكن للجامعة أن تصبح، يومًا، فضاءً للمعرفة الحرة في حضارة لا تعترف بالحرية إلا إذا كانت خادمة للسُّوق أو للسلطان؟ إن أي ثورة حقيقية لا تبدأ من ميادين وسط البلد، بل من مدرجات الجامعات. من هناك فقط يمكن أن يولد العقل الحر، وأن تنبعث الأسئلة الكبرى، وأن يُكسر صمت الطَّاعة الطويل. الجامعة إما أن تكون شرارة التغيير، أو أن تبقى مقبرة للأحلام.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- سرّ إنتاج المعرفة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة
- نقد الريكاردية في تفسير التبادل الدولي
- طريقين إلى روما...النهاية الواحدة دائمًا، بقلم لوجينا صادق


المزيد.....




- فيديو منسوب إلى حوادث مرتبطة بالجيش الهندي.. ما حقيقته؟
- وزير خارجية عُمان يصف ما حدث خلال خامس جولات التفاوض بين إير ...
- كفيل سعودي يهين وافد مصري وتحرك دبلوماسي
- ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على الاتحاد ال ...
- وكالة رسمية ترصد خطر التمييز العنصري في الشرطة الألمانية
- مصر.. مقتل عناصر إجرامية خطرة في اشتباكات نارية بين الشرطة و ...
- فانس: عصر الهيمنة الأمريكية على الساحة العالمية انتهى
- لافروف: روسيا ستكون جاهزة قريبا لتقديم مسودة وثيقة تسوية الأ ...
- بوتين يشيد بجودة السلاح الروسي ويؤكد أن روسيا تحتفظ بموقعها ...
- العراق.. والدان يحاولان بيع طفلتهما الرضيعة والأمن يتحرك


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد عادل زكى - الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة