فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 04:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حسب تصورات ترامب للعالم والمستندة على تصورمنظري الرأسملية للعالم واستنادا لمعطيات العولمة المتحققة خلال السنوات الثلاثين الماضية والتي أدت إلى إزالة أغلب الحواجزـ خاصة الجمركية والثقافية بين الأمم والشعوب . يمكننا القول أنه لم يعد هناك ما نسميه دول وحدود اقتصادية وسياسية بين أغلب دول العالم وبالتالي لم يعد هناك وجود لخليج عربي أو فارسي .
لكن بما أننا كعرب لا نستطيع أن نلغي ما تعودنا وتربينا عليه من مصطلحات ومفاهيم .لذلك نقول جولة ترامب في الخليج العربي .في حين تشير الحقيقة الفعلية والواقع إلى انه بات خليجاً أمريكياً تابعاً لأمريكا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً .
وتشير الوقائع أن حكام الدول العربية خاصة الخليجية باتوا أقرب ما يكون إلى حراس (ولا نقول نواطير ) على بلدانهم وشعوبهم خدمة لمصالح السياسة الأمريكية .وإن كنا ومعنا حكامنا وترامب لا نقول ذلك صراحة او لا نعترف به رسمياً الا اننا في أعماقنا نعرف ان هذا هو الواقع الفعلي الذي نخشى من الاعتراف به كي نتجنب مما قد يترتب عليه من مواقف واعمال .
وعلينا ان نعترف بأن بات ما كان يعرف عبر التاريخ بالخليج العربي لم يعد كذلك منذ ثمانين عاما بسبب الواقع الذي فرض علينا كعرب بعد الحرب العالمية الثانية بسبب عملية اقتسام العالم التي تمت وفق اتفاقات مؤتمر يالطة (بين روزلفت وتشرشل وستالين )والتي أعطت الحق لأمريكا بالسيطرة على الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي .
وهو ما تحقق ثم تعمق لاحقاً بسبب تقبل حكام وأغلب نخب وشعوب المنطقة ما جرى فعلا على ارض الواقع منذ ذلك الوقت وحتى اليوم من بيع كل ثرواتنا لأمريكا بأرخص الأسعار كي تزداد قوة وغطرسة، وهو ما اتضح اليوم بصورة فاقعة من خلال تقديم ما يزيد عن ثلاثة آلاف مليار دورهدية (جزية ) لترامب حيث ثبت أن حكام هذه الدول هم مجرد حراس يقومون على خدمة مصالح سيدهم القابع في البيت الأبيض كما كان يفعل الولاة الذين يعينهم الباب العالي خدمة لسيدهم القابع في إسطنبول قبل الحرب العالمية الأولى .
وهو ما يتوجب علينا ان نذكر به نخبنا وشعوبنا وأن نعترف بان هذا الخليج العربي بات ـ خاصة بعد الاتفاقات الإبراهيمية بكل ما يحتويه من خيرات وموقع استراتيجي من حصة أمريكا وإسرائيل وانه بات بالفعل خليج أمريكي إسرائيلي ونحن كعرب عدنا كما كنا منذ حوالي ثمانمائة عام منذ ان سقطت بغداد عام 1256 على يد المغول مجرد كائنات عابرة وجدت عليه بالصدفة لمجرد العيش خدمة للأغراب بعد ان بات حكامنا مجرد حراس على بلدانهم وشعوبهم يقومون بتحصيل الجزية التي يفترض ان تدفع للسلطان ـولاستخدام القوة لتركيع كل من يرفع رأسه ضد هذا الأمر الواقع المفروض عنوة .وبالتالي بتنا منذ ذلك اليوم وحتى اليوم لا نتحكم، والحقيقة لا يحق لنا ان نفكر حتى بالتحكم ببلادنا وخيراتها التي باتت حسب منطق الإمبريالية الأمريكية والصهيونية التوسعية جزء ملحق أو تابع او خاضع ومكمل يقوم على خدمة المركز الذي يقود العالم ويسيطر عليه .
وكيلا نبتئس ونحزن لهذه التقدمات التي قدمها من يعتبرون انفسهم أمراء ـ علينا ان نعرف أنهم في الحقيقة ليسوا اكثر من حراس. ـ بما يفترض ان يجعلنا ننفجر غيظاً وغضباً ـ أيضا لأن أمراء الخليج لم يضغطوا على ترامب ـ بما يكفي ـ بما يجعله فقط يتكلم مع نتنياهو ويدعوه لأن يسمح للمنظمات الدولية إدخال مئات الشاحنات المتوقفة على حدود غزة منذ ثلاثة اشهر.بما قد يحول فقط دون موت آلاف الفلسطينيين خاصة أطفالهم .طالما أنه كما زعم استجاب لطلب الأمير محمد واردوغان وأمر برفع العقوبات عن سوريا .
لكن كما بين السيد " حسام مطر" وغيره من الباحثين ان رفع العقوبات عن سوريا كان قد اتخذ سابقا بعد ما أبدته حكومة الجولاني المصنف إرهابيا من موافقة على الشروط التي وضعها ترامب كي ترفع عنه العقوبات وليس بسبب الضغوط التي مورست عليه من قبل السعودية او تركيا او كرمال عيونهم او عيون الشعب السوري. بل تمت لأن سوريا وشعبها بات بعد عمليات التجويع والافقار التي مربها قابلا للرضوخ وموافقا على الشروط التي وضعتها أمريكا .
ولذلك كان علينا ان لا نتفاجأ لأنهم لم يضغطوا على ترامب كي يكلم نتنياهو ويدعوه لوقف حرب التجويع الممارسة على شعبنا في غزة، استنادا للمثل القائل "من لايمونون على مقدراتهم لا يمونون على سيدهم ".
أما إذا علمنا ان دلائل تاريخية كثيرة سابقة (لامجال لذكرها الآن ) تؤكد على ان هؤلاء الحكام ساهموا بعلم او بدونه ـ بتقديم كل ما يلزم لأمريكا كي تقيم دولة لليهود على أرضنا ـ ومن ثم تقديم الأموال لأمريكا كي تقوم شركاتها بتصنيع الطائرات والدبابات والقنابل وتقدمها للصهاينة ليس لحمايتها فقط بل لتركيع العرب وقتلهم وتركيعهم وسحق عظام كل من يرفع راسه منهم في معارضة إسرائيل .تجعلنا نتقبل أيضا .
أبعاد الدعم الخليجي غير المرئية لأمريكا :
ربما لا يعرف كثير من العرب ان ما قدمه حكام العرب الخليجيين لأمريكا في هذا الوقت بالذات .الذي بدأت فيه الادارة الجديدة في أمريكا تعاني اقتصاديا وسياسيا عالميا ومن داخلها بسبب سياستها السابقة .
فبعد ان باتت أمريكا في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد القائم على المنافسة الحرة (بعد سقوط النظام السوفيتي ) تعاني من أزمة خانقة نتيجة لتوقف كثير من المصانع داخل أمريكا التي باتت تعتمد على البضائع الرخيصة والمستوردة من الخارج، وتركت المجال للصين ولأوروبا واليابان وروسيا لأن تتمدد بدلا منها في العالم مما جعل الاقتصاد الأمريكي ينكمش وهيمنتها السياسية والعسكرية تتراجع فقررت الادارة الجديدة للدفاع عن هيمنتها ـ التي تكاد تفقدها ـ بفرض الحماية الجمركية على وارداتها مما أضعف اقتصادها المعولم وزاد من حجم البطالة، وأدى الى تعثر كثير من الصناعات المدنية والحربية مما جعل النظام الرأسمالي كله يعود لما كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى من تنافس وصراع ,قد يؤدي إلى حرب اقتصادية شرسة ستشكل بداية انهيار النظام القديم الجديد ،وتشكل بداية لفرض نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب .
ضمن هذا السياق يفترض ان نضع التقدمات التي قدمها أمراء (حراس ) الخليج لترامب والتي هي في الحقيقة لإنقاذ هيبة أمريكا وهيمنتها ومن ورطتها وبما يجعلها تستعيد قوتها الاقتصادية وهيمنتها السياسية وترمم قدراتها العامة بما يمكنها من مواجهة الصين وحلفائها في كندا واوربا وروسيا واليابان . وبما يمكنها من الاستمرار كقوة عالمية مسيطرة على الاقتصاد العالمي كله .
فالثلاثة الف مليار ونيف التي قدمها امراء الخليج لترامب لن تمكن الاقتصاد الأمريكي من التعافي مما أوقعها فيه ترامب من تراجع ، بل سوف يمكنها من التقدم نحو الأمام في مجالات كثيرة متفوقة فيها أساسا مثل الذكاء الصناعي والأتمتة عن بعد والفضاء والطاقة البديلة (مما قد ينعكس سلبا على المدى المتوسط والبعيد على دول الخليج المعتمدة على بيع النفط والغاز ).
بما يعني أن هذه الدول عملت (بدراية او بدونها ) ضد نفسها وضد شعوبها ومستقبلها وضد جميع بلدان وشعوب العالم .لأن ذلك الدعم المالي سوف يمكن امريكا من التفوق على غيرها في هذه المجالات باستثناء إسرائيل التي ربطت نفسها تاريخياً بأمريكا وبالتالي سيمكن إسرائيل من الهيمنة المطلقة على جميع دول وحكومات وشعوب المنطقة . وهو ما يعني أيضا أن ما قدمه أمراء الخليج يشكل انقاذاً لأمريكا واستفزازاً للصين وكل الدول الساعية للتحرر من الهيمنة الأمريكية مثل فنزويلا وكوبا وجنوب افريقيا ..الخ .بل يعني أيضا ان أمراء وحكام العرب ونخبهم المصفقة لترامب باتوا جزءا من محور عالمي تقوده أمريكا ووضعت نفسها في حرب اقتصادية وسياسية ضد كل شعوب العالم بما في ذلك شعوبها والشعب الأمريكي . وتكون دون دراية وضعتنا كشعوب عربية في خدمة الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية وفي مواجهة غيرمعلنة مع جميع شعوب ونخب وحكومات دول العالم الساعية للتحرر من الهيمنة الامريكية والصهيونية .
لا أريد ان أحرض الشعوب والنخب العربية على حكامهم لما قدموه لأمريكا لأنني أعرف انهم مسرورون ومعجبون بحكامهم الذين عينتهم امريكا لإدارة شؤونهم ولأنهم مقتنعون ويقنعون بكل شيء يقدمونه لهم . ولأننا مهما قلنا وبينا لن نغير في ما هو مغروس في داخلهم .بل سأكتفي بذكرحقيقتين :
أولا :أن ما قدمه امراء الخليج لترامب أمريكا (حوالي 3200 مليار دولار وهو ما يعادل الميزانية العامة لأمريكا البالغة 4000 مليار دولار ) سوف يصرف منه كالعادة ,3,3 مليار دولار كمساعدات مالية لإسرائيل .(عدا عن الإعفاءات الضريبية التي تقدمها الشركات الأمريكية والتي تزيد عن مئة مليار دولار للتهرب من الضرائب المباشرة التي يفترض ان تدفع للحكومة الفدرالية لكنها بدلا من ذلك تدفع كتبرعات لإسرائيل . هذا عدا عن الهبات والمساعدات العسكرية التي تدفع لها في الأزمات الطارئة كما حصل بعد عملية طوفان الأقصى، والمقدرة بحوالي مئتي مليار دولار ) في حين لا تدفع أمريكا لمصر سوى 1,5 مليار دولار بعد اتفاقية كامب ديفيد، وبشرط الالتزام بها وللأردن 1,7 مليار دولار وللسلطة الفلسطينية فقط 392 مليون دولارلتدريب الشرطة وقوات الأمن الفلسطيني لمحاربة الارهاب والتعاون الأمني مع إسرائيل ـ وبشرط عدم دفع أي مبلغ منه لعائلات الأسرى او الشهداء .وهو ما يشير إلى مدى رخص حكومات هذه الدول التي قبلت على نفسها التبعية لقاء تلقى واحد بالألف فقط ، مما تقدمه حكومات دول الخليج لأمريكا كي تنقذ هيمنتها ومعها هيمنة إسرائيل على المنطقة .
ثانيا : ماذا لو دفع امراء الخليج هذه الثلاثة آلاف مليار دولار لحكومات الدول العربية الفقيرة والمكافحة بشرط ان تستخدم في عمليات التنمية والبناء والتعليم والصحة والتقدم العلمي والرفاه الاجتماعي والثقافي والروحي بدلا من ان تدفعها لأمريكا ومن خلفها لإسرائيل المرفهتين زيادة عن الحد ؟
فتحي رشيد
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟