أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - أخر المحطات














المزيد.....

أخر المحطات


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 01:25
المحور: المجتمع المدني
    


بعد رحلة مهنية امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا، توقّف قطار زيد عند محطته الأخيرة. لم يكن هذا التوقف عاديًا، بل كان لحظة مفصلية، كُتب فيها فصل جديد من حياته، بعد سنوات من الالتزام والانشغال والعطاء في ميدان العمل.

زيد، الذي بدأ مسيرته وهو في الثانية والعشرين من عمره، كان شابًا يافعًا متحمسًا لوظيفته الأولى، والتي كانت تبعد عن منزله 45 دقيقة بالقطار. لم يكن يدرك حينها أن تلك الرحلة الصباحية ستكون البوابة لثلاثة عقود من التحديات والإنجازات والمواقف التي شكّلت حياته المهنية والشخصية.

مع مرور السنوات، تدرّج زيد في المناصب حتى وصل إلى منصب مدير عام. لكنه، كحال كثير من الموظفين، دفع ثمناً باهظًا لهذا النجاح؛ علاقات اجتماعية خفت بريقها، صداقات تآكلت تحت ضغط المواعيد، ووقت عائلي غاب خلف ستار الاجتماعات والسفر والعمل الممتد. في كثير من الأيام، كان زيد يغادر منزله وأطفاله نائمون، ويعود ليجدهم وقد غلبهم النعاس.

ثم جاء التقاعد. حفلة وداع بسيطة، خطابات شكر رسمية، وكلمات تقدير. ولكن ما بعد الحفلة، لم يكن بنفس البساطة. استيقظ زيد في اليوم التالي دون جدول، دون مكالمات عمل، دون ضغوط القرارات. ومع هذا الفراغ، بدأت الأسئلة تظهر: من أنا الآن؟ ماذا بعد العمل؟ كيف أملأ وقتي؟

الصدمة النفسية كانت حقيقية، كما يحدث مع كثير من المتقاعدين. فجأة يجد الإنسان نفسه أمام مساحة زمنية واسعة، دون بوصلة. يبدأ في إعادة اكتشاف حياته، أسرته، وذاته. زيد واجه هذه المرحلة ببعض التوتر، لكنه تدريجيًا بدأ يرى فيها فرصة لا أزمة.

بدأ يقضي وقتًا أطول مع زوجته، يتبادل معها أحاديث غابت طويلًا. جلس مع أبنائه، سمعهم أكثر، اقترب منهم أكثر. عاد إلى هوايات قديمة كان قد أهملها، قرأ كتبًا تراكمت على رفوف النسيان، وأعاد إحياء علاقات قديمة. بدأ يدرك أن ما ظنه نهاية، كان في الحقيقة بداية جديدة، أكثر عمقًا وهدوءًا ودفئًا.

التقاعد، في حقيقته، ليس نهاية طريق، بل عبور إلى مرحلة مختلفة من الحياة، مرحلة يمكن للإنسان أن يعيد فيها ترتيب أولوياته، ويركز على ما أهمله سابقًا، ويستثمر وقته بطريقة تُغني روحه وتعزز علاقاته.

تجربة زيد تُبرز جانبًا مهمًا من واقع آلاف الموظفين، ممن يرتبطون بعملهم لدرجة تجعلهم ينسون ذواتهم. وعندما يأتي وقت التقاعد، يشعرون بأنهم فقدوا هويتهم. والحقيقة أن التقاعد لا يُفقد الإنسان هويته، بل يُعيد تشكيلها في إطار جديد، أكثر حرية واتزانًا.

خاتمة:
على المجتمعات أن تغيّر نظرتها للتقاعد. فبدلًا من اعتباره ختامًا حزينًا، ينبغي أن يُنظر إليه كفرصة للنمو الداخلي، وإعادة التواصل مع من نحب، واستكشاف عوالم طالما تأجلت. تمامًا كما فعل زيد... حين توقّف القطار، لكنه لم يتوقف عن العيش.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمشق وبغداد والتوجه الأمريكي
- غياب العراق عن القمة الخليجية الأمريكية الأسباب والتداعيات
- نجاح الدبلوماسية السعودية
- التيارات القومية العربية من جديد
- حزب العمال الكردستاني يحل نفسه هل هو ارادة قومية ام ضغوط أقل ...
- تقنية ال-VAR-هل سرقت المتعة من كرة القدم؟
- التمييز العنصري
- التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة
- فن الحديث
- العلاقات الأيرانية السعودية بداية تحول إقليمي قبيل المفاوضات ...
- الحرب الهندية الباكستانيه هل هي أنتصار للصناعة الجوية الصيني ...
- فيما اذا تغير أسم الخليج
- الوعود الأنتخابية في العراق بين الديمقراطية الوليدة وخيبة ال ...
- السكن العشوائي ومسؤولية التنظيم مقارنة بين الواقع المصري وال ...
- الأخلاق بين زمن العالم الرقمي والأزمنة السابقة
- الفساد الأداري بين الفجور والتقوى
- التسول بين الفرد والدولة ...
- عبق الماضي
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهوربة الصين ...
- الشارع التونسي والحركات الأسلامية المعتدلة بين الحقيقة والوه ...


المزيد.....




- عائلات الأسرى الإسرائيليين تدعو نتنياهو لعدم تفويت -فرصة تار ...
- اعتقال رئيس الوزراء التشادي السابق
- الشاباك: اعتقال فتى إسرائيلي نفّذ مهامًا لصالح إيران مقابل ا ...
- ترامب يحذر من المجاعة في غزة ويدعو إلى تحرك عاجل (فيديو)
- جيش الاحتلال يرتكب مجزرة بحق النازحين في بيت لاهيا
- خطة أمريكية لتوزيع المساعدات في غزة والأمم المتحدة -لن تشارك ...
- برلين ـ إصابات واعتقالات خلال مظاهرة في ذكرى -النكبة-
- بالأرقام.. نظرة على المهاجرين بأمريكا مع سياسات ترامب الجديد ...
- رئيس الموساد السابق: إسرائيل لا تعطي الأسرى أولوية قصوى
- روبيو منفتح على أفكار جديدة لتوزيع المساعدات في غزة والأمم ا ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - أخر المحطات