أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المصير














المزيد.....

الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المصير


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 07:39
المحور: الادب والفن
    


محاولة تجريبية في مديح الرؤية

ليست الرؤية الواثقة ترفاً فكرياً، ولا حالة تجريدية ينشدها نخبة معينة فقط، بل هي فعل وجودي، وأداة حياة، وإطار عقلاني يقي الإنسان من أن يكون رهين لحظة طارئة أو نزوة عاطفية متقلبة. فالرؤية هي عين العقل التي تبصر ما وراء الحاضر، وهي البوصلة التي تمنح الاتجاه حين تعصف الرياح، وتتشابك المسارات.
في حالتنا البشرية، هناك من يمتلك الرؤية، فتغدو له دليلاً وحارساً، وهناك من يفتقدها، فيمضي مبهوراً ببريق اللحظة، متأرجحاً بين ردات الفعل وتقلّبات الشعور. الفرق بين الطرفين ليس في الذكاء المجرد، بل في نوعية النظر، وعمق الفهم، ووضوح المسار. من يملك الرؤية لا يحيا يومه فقط، بل يعيش مستقبله قبل أن يصل إليه، بينما من يفتقدها يظلّ أسير الساعة، يتفاعل دون اتساق، ويخطئ التقدير في محطات حاسمة.
الرؤية ليست مجرد إحساس داخلي أو حدس طيب، بل هي بناء ذهني قائم على وعي بالواقع، واستشراف للمآلات، وربط محكم بين المقدمات والنتائج. إنها مشروع استراتيجي يبدأ من معرفة الذات والمحيط، ويعتمد على استبصار اللحظة من دون الذوبان فيها، فبين قراءة الواقع والتماهي معه شعرة رفيعة لا يدركها إلا من تمرّن على التفكير العميق، بعيداً عن سطوة الانفعال.
من يتخذ قراراته بوحي من البارومتر العاطفي، يفقد التوازن، ويقع فريسة لخيارات آنية قد تبدو مريحة في الظاهر، لكنها تفضي إلى مأزق طويل المدى. فالانفعال اللحظي، مهما بدت أسبابه منطقية، ليس أرضاً صلبة للبناء. في المقابل، من يحتكم إلى الرؤية، يرصد التغيّرات، يقيّم المعطيات، ويصوغ موقفه وفق منظور بعيد، لا تهزه العواطف، ولا يغريه الانحياز العابر.
إن عديم الرؤية يصدر قرارات متخبطة مترددة، غالباً ما تكون نتيجة شعور بالضياع والتردد، ويتشكك في رؤى الآخرين، غير مدرك أن التشكيك أحياناً يعكس فقدانه الداخلي للثقة. هو يعاني من عدم وضوح الهدف، ما يجعله يتخبط بين خيارات متعددة لا تؤدي إلى استقرار أو تقدم، بل تُسهم في تفاقم الموقف، وتزيد من الإرباك. بينما من يمتلك رؤية واضحة، يثق في مواقفه وفي المخرجات التي يبتغيها، ولا يخشى الاستماع إلى آراء الآخرين التي تتكامل مع رؤيته، بل يفصل بين النقد البناء والارتياب العقيم.
صحيح أن قراءة اللحظة أمر لا غنى عنه، لكن القراءة وحدها لا تكفي إن لم تتكئ على استراتيجية شاملة. الاستراتيجية هي النظام الذي يربط بين الحاضر والمستقبل، بين الخطوة الأولى والغاية النهائية. هي الخريطة التي تحمي من التيه، وتمنح صاحب الرؤية القدرة على الثبات حين تفقد الوقائع معناها أو تتكثّف ضغوطها. فإنه من دون استراتيجية، تصبح الرؤية أقرب إلى حلم يقظة؛ ومعها، تغدو الرؤية مشروعاً قابلاً للتحقق.
الرؤية الحقيقية تتيح للمرء أن يختار خياراته بناء على ما يجب أن يكون، لا على ما يفرضه المزاج أو الظرف. ولذلك، فالمعيار الأخلاقي والعقلي لكل قرار يجب أن يُستمد من وضوح الرؤية، لا من توتر اللحظة أو انجراف الجموع. اللحظة قد تكون مثقلة بالمفاجآت والانفعالات، لكنها ليست المرجع، وإنما معبر يحتاج إلى حذر في العبور.
ومن هنا، فإن الفرق الجوهري بين الفعل المرتجل والفعل المؤسس يكمن في امتلاك الرؤية. من يُبصر الهدف، يعرف كيف يخطو. أما من يسير دون مقصد واضح، فكل طريق تبدو له ممكنة، وكل منعطف قد يغريه، ثم يفاجأ بأنه عالق في مكان لم يختره، أو أنه بات جزءاً من مسار لا يشبهه.
إن من يمتلك الرؤية لا يطلب التصفيق اللحظي، ولا يستجيب لدعوات المديح الفوري، بل يتحمّل عناء الصبر، ويتقبّل العزلة أحياناً، لأنه يسير وفق مسار لا يراه كثيرون بعد. أما من يفتقدها، فسرعان ما يتقلب مع المزاج العام، ويفقد مصداقيته مع مرور الوقت، لأنه لم ينطلق من قناعة ثابتة ولا من أفق واسع.
ولذلك، فإن القيادة الفعّالة، والنجاح طويل المدى، وتحقيق الأثر الإيجابي المستدام، كلها تبدأ من امتلاك رؤية واضحة، مدعومة باستراتيجية صلبة، متفاعلة مع اللحظة دون أن تغرق في مستنقعها. فمن أراد التقدّم، لا يكفيه أن يرى خطواته، بل لا بد أن يعرف إلى أين تمضي تلك الخطوات، وما الثمن، وما الغاية، وما القيمة.
الرؤية ليست ترفاً للمتفلسفين، بل هي ضرورة لكل إنسان يريد أن يحيا حياة ذات معنى، مهما كان موقعه أو مجاله أو طموحه. من يمتلكها، يحيا بثبات داخلي، ويفهم ذاته والعالم، ويعرف متى يتوقف، ومتى يتقدم، ومتى يعيد النظر دون أن يهتز.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفع العقوبات عن سوريا: لا رخصة للذبح الحلال... !
- في متوالية الاستقواءات حين يفقد العالم شرعيته
- بعد ثلاث وستين سنة من قتله تحت التعذيب.. نجل الفنان الشهيد ي ...
- وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟
- وداعًا أيها السلاح: رواية الموت المؤجل والمعنى المنكسر-2
- وداعًا أيها السلاح...وداعاً أيها الظلم أم وداعًا أيها الحلم؟
- يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين ...
- سري كانيي... المدينة المنفية من الخرائط والضمائر
- الفنان الكردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لا ...
- مأثرة التدوين وسقوط التخوين
- ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات ال ...
- الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة


المزيد.....




- فاز بجائزة -بوليتزر- الأميركية .. مصعب أبو توهة: نحلم بالعود ...
- نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى با ...
- -باريس السوداء-.. عندما كانت مدينة الأنوار منارة للفنانين وا ...
- رحيل الفنان أديب قدورة.. رائد الأداء الهادئ وصوت الدراما الس ...
- معرض الدوحة الدولي للكتاب يناقش إشكاليات كتابة التاريخ الفلس ...
- الروائي الفيتنامي الأميركي فييت ثانه نغوين: هذه تكاليف الجهر ...
- وفاة الشاعر العراقي موفق محمد
- دور النشر القطرية.. منصات ثقافية تضيء أروقة معرض الدوحة الدو ...
- على -أرجوحة بالي-.. تواجه الممثلة تاراجي بيندا هينسون أكبر م ...
- قريبا.. صدور -تاريخ الدولة الروسية في قصائد- للشاعر الروسي إ ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المصير