ابو يوسف الغريب
كاتب وشاعر
(Zuhair Al Shaibani)
الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 07:32
المحور:
الادب والفن
منذ البدء…
كأنني وُلدتُ على هامشِ المكان،
لا تربطني الأرضُ بشيء،
ولا ينتظرني الزمان.
طفلٌ صغير، بالكادِ يفهم العالم،
لكنّه يتمنّى الرحيل…
يريد أن يغادر،
رغم دفءِ الأم، وحنانِ الأب،
رغم ضحكاتِ الإخوة،
ورائحة الخبز في المطبخ.
كنتُ أتشبّثُ بثوبِ أمي
حين تأخذني إلى بيتِ جدّي،
أُلحّ عليها بالعودة،
مع أنهم كانوا يحبونني،
يضحكون لضحكي،
ويمنحونني كل ما أريد…
لكنني كنتُ أبحث عن شيءٍ آخر.
شيءٍ لا يعرفونه، ولا أعرفه أنا.
كنتُ أنسحبُ من اللعب،
أتوارى خلف ظلّي،
أتأمّل الضجيج من بعيد،
كأنني أتفرّجُ على حياتي
من خارج جسدي.
في المدرسة،
رغم أصدقاءٍ كُثُر،
ورغم قرابةٍ جمعتنا،
كنتُ أجلسُ في آخر الصف،
تحت نافذةٍ مغلقة،
أرسم وجهي على الزجاج،
وأُخبّئ حزني في العيون.
المعلّمون شعروا بي…
سألوا، حاولوا…
لكني لم أكن أملكُ جواباً.
كيف أشرحُ ما لا يُرى؟
كيف أصفُ غربةً لا خارطة لها؟
كبرتُ…
وما زال الطفلُ في صدري
ينظر إلى العالمِ كضيفٍ ثقيل.
في الجامعة كنتُ حاضراً… وغائباً،
وفي الخدمةِ العسكرية
كنتُ كأنني أتيتُ من بلدٍ آخر،
لا يُشبهُ هذا الوطن،
ولا يُشبهُ أحداً.
حاولوا أن يجعلوني واحداً منهم…
لكنهم فشلوا.
أنا لستُ ضدهم،
لكنني لستُ منهم.
أنا الذي مرّ بكل الأمكنة،
وسكنَ كل الأزمنة،
ولم يجدْ نفسَهُ في شيء.
لستُ مريضاً،
ولستُ ناقماً،
ولم أكن معدماً لأخجل من فقري،
لكن في داخلي شيءٌ لا يهدأ،
لا يتأقلم، لا يستقر.
شيءٌ يشبه الطيور المهاجرة،
التي لا تبني أعشاشها في أيّ مكان،
ولا تبكي حين تبتعد.
غربتي…
ليست عزلة،
ولا تمرُّداً…
هي طبيعةُ روحي.
كلما حاولتُ أن أكون واحداً منكم،
فشلت،
وكلما حاولتُ أن أهربَ مني،
عاد إليّ ظلّي
وجلس إلى جواري صامتاً،
يهمس:
“لن تنتمي…
إلا إلَي .
#ابو_يوسف_الغريب (هاشتاغ)
Zuhair_Al_Shaibani#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟