أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الأحمد - المختصر المفيد في تاريخ -النقد الأدبي الحديث- (عرض المجلدات الكاملة)















المزيد.....



المختصر المفيد في تاريخ -النقد الأدبي الحديث- (عرض المجلدات الكاملة)


محمد الأحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 16:06
المحور: الادب والفن
    


1.
تاريخ النقد الأدبي الحديث من الكتب الموسوعية التي رصدتْ تطور النقد الأدبي منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر وإلى نهاية النصف الأول من القرن العشرين.
يتوزع هذا التاريخ في ثمانية أجزاء كتبها التشيكي-الأمريكي "رينيه ويليك" في نصف قرن تقريبا وبقي يعمل عليه حتى قبيل وفاته بثلاث سنوات عام 1995.
يتناول ويليك في الجزء الأول أو بالأحرى الكتاب الأول من هذه الموسوعة النقدية - نظرا لاستقلال مادة كل كتاب عن لاحقه وما التشابه إلا في مادة ك كتاب وكونه مكملا لمادة الكتاب السابق زمنيا- بدايات النقد الأدبي الأوروبي (الفرنسي والإنجليزي والإيطالي والألماني)، والكتاب يؤرخ بدايات النقد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وهي مرحلة مهمة من التاريخ الفكري الأوروبي.
إن حصر النقد الأدبي الحديث في القارة العجوز فيه من الحيف الكثير بحق آداب الأمم الأخرى، حتى وإن لم يكن لبقية الأمم القواعد القوية والراسخة في الانطلاق نحو مشروع نقدي قويم يعد البداية لها، ولا تخلو أمة من الأمم من آداب خاصة بها ونقد لهذه الآداب وإن لم تتضح ملامحه، فعنوان "تاريخ النقد الأدبي الحديث" يعني بالضرورة إلى أن يكون الأدب هنا عالميا والنقد عالميا، لكنه يحصر في دولٍ معدودة، هذا وإن كان في أرض الواقع أمرٌ ملموسٌ ولا غبار عليه لكن من الأولى التعامل بشكل أكثر ذكاءً مع الكلمات، فالقارئ يجد أن المحتوى حين يتكلم عن الحركة الكلاسيكية الجديدة في أوروبا وعصر التنوير، وهي من المراحل المهمة في تاريخ الفكر الأوروبي ولها تأثيراتها العالمية، يرى إقصاء كل ما هو غير أوروبي، هذا الإقصاء النابع من الذاتية الفوقية الأوروبية والتمركز الغربي في كونه القائد للعالم الحديث. وقد يسأل سائل أين النقد الأدبي للأمم الأخرى؟ وما دورها من معادلة التغيير العالمية؟ وهي أسئلة حقة ومشروعة وقد لا نجد لها أجوبة مقنعة لكن انعدامها أو عدم تبلورها في رؤية أو منهج نقدي لا يلغي وجودها ولا يحل النقد الأوروبي بديلا عنها، ففي النهاية النقد الأوروبي يتناول الأدب الأوروبي المعاصر والأدب الإغريقي القديم والآداب المكتوبة باللاتينية، اللغة التي كانت لغة الآداب حتى استخدمت اللغات الشعبية والمحلية وإن بشكل خجول في القرن الخامس عشر وبشكل تصاعدي في القرون اللاحقة حتى اضمحلت اللغة اللاتينية وانزاحت من دورها لغة للأدب، ودخلت اللغات المشتقة منها كالفرنسية والإنجليزية والألمانية في خط المنافسة حتى حلّت محلها في القرنين "الثامن والتاسع" عشر.
والنقطة الثانية التي تحدد النقد الأدبي في القارة العجوز هو كونه نقد محدد بحدود جغرافية القارة العجوز التي تتشابه الأقوام فيها فكريا وعقائديا واجتماعيا وسياسيا، فنرى أن العصر الحديث ورحلات الاستكشاف للعالم الجديد، والتطور الفكري والحضاري والأدبي والثقافي كان مقره القارة العجوز، ولم يتعدَ إلى مناطق خارج القارة العجوز. كل هذا يوحي برؤية مفادها أن الآداب الحديثة وما تجره من نقد فتأريخ للنقد هو خاص بالأوروبيين، وبقية الأمم خارج معادلة التأثير، لذا كان لزاما أن يكون العنوان تأريخ النقد الأدبي الأوروبي الحديث. ونلاحظ حتى عند الخروج من القارة العجوز في الكتب اللاحقة من الموسوعة يشمل النقد الأمريكي والنقد الروسي، لم يكن خروجا إلى مناطق ذات آداب ورؤى وأفكار مختلفة عن الفكر الأوروبي بل إلى مناطق ذات ثقافة وفكر تعد امتدادا لأوروبا كأمريكا وروسيا فكرا وثقافة وتأثيرا. لذا فإن أول ملاحظة على القارئ أن يسترعي لها انتباهه إن ما يقرأه يخص الآداب الأوروبية وما دار في فلكها حصرا، ففي الكتب الأخيرة من الموسوعة تنحصر المدة الزمنية ما بين 1900-1950، وهنا أضحى يقينا أن بعض كتب الموسوعة تخص نقد بلدٍ معين دون آخر وفقد صفة الكلية والعالمية.
نعود إلى مادة الكتاب، فهي ليست دراسة للمناهج النقدية في أوروبا بل عملية متابعة تأريخية لهذه المناهج وعرضها ودراسة أعلامها ومناهجهم النقدية بل ولنكن أكثر دقة فإن الكتاب الأول والثاني الخاص بالحركة الرومانسية ليسا تأريخا للنقد الأدبي الأوروبي لكنه دراسة وتأريخ لأبرز النقاد والأدباء الذين اشتغلوا في النقد أو كانت له رؤاهم النقدية ونرى هذا واضحا وجليا في الموسوعة. ويكون الأولى عنونة الموسوعة بـأعلام النقد الأدبي الحديث، وهو عنوان أقرب لمادة الكتاب ومحتواه.
يبتدئ ويليك موسوعته مع النصف الثاني من القرن السابع عشر وهو الزمن المتمثل في عصر التنوير والحركة العقلانية الأوروبية التي كان لها الدور الكبير في تشييء القارة العجوز سياسيا وفكريا وأدبيا وثقافيا واجتماعية، وكان من أبرز ما تأتى عنها الثورة الفرنسية في عام 1789، والتي يعد روسو وفولتير من أهم المنظرين لهذه الثورة وإن لم يشهدوها إلا أن إنتاجهم الأدبي والفكري والفلسفي الذي سبقها كان له الدور في تهيئة المجتمع لها وهذا ما حصل
لكن الكتاب لا يتناول هذا العصر إلا من الجانب الأدبي حصرا وعقلانية هذه المرحلة والحركة الكلاسيكية الجديدة التي انبثقت فيها. ويعلق ويليك على مصطلح عقلاني فيقول: إن مصطلح "العقلاني" مضلل إذا ما جرى تفسيره على أنه يعني أن النقد الكلاسيكي الجديد يتصور النقد على أنه بناء من العقل الواعي إلى حد استبعاد الشعور والتخيل، بل وحتى اللا شعور. إن نظرية الأدب هي موضوع العقل الواعي، لكن ما من ناقد محترم يقول إن الإبداع الفني نفسه ليس سوى سيرورة عقلانية مدركة.
ليفصل بعدها في معنى عقلانية هذه المرحلة وتأثيرها المحوري في النظرية الكلاسيكية الجديدة في الأدب، وهنا لا بد أن نفهم أن الكلاسيكية المقصودة هي الكلاسيكية الإغريقية بكل أعلامها والتي تعد المعيار المثالي والمرجع التي عاد إليه أعلام الفكر الأوروبي منذ عصر النهضة في القرن الثالث عشر على أيدي أدباء الإيطاليين مثل دانتي وبوكاشيو ثم الفرنسيين كرابليه ومونتين وتاسو والإسبان في عصرهم الذهبي كلوبي دي فيجا وسرفانتس، ليأتي بعدها أعلام عصر التنوير ولا سيما الفرنسيين والإنجليز لإكمال مسيرة تطور الفكر الأوروبي مع النظرية الكلاسيكية الجديدة في الشعر والمسرحية وما تفرع عنهما من أنواع مختلفة كالملهاة والمأساة والشعر الرعوي والملحمي والغنائي والوجداني والفطري، وهنا يتضح لنا تحدد هذه النظرية الكلاسيكية الجديدة في جنسين أدبيين بشكل مبرّز وهما الأقدم: الشعر والمسرحية، والرواية مبعدة عن النقد إلا ما ذكر بشكل عرضي وطفيف، ويوضح ويليك سمات هذه النظرية:
- محاكاة الطبيعة، والمحاكاة هنا لا تعني النسخ ولا النزعة الطبيعية الفوتوغرافية بل في التمثيل. وإن ما يطرحه الشاعر عبر هذا المصطلح هو ليس الطبيعة نفسها بل قصده أن يمثلها.
ومصطلح الطبيعة لا يعني "الطبيعة الميتة" (الطبيعة الصامتة أو منظر خارجي) على نحو ما يستخدم كثيرا اليوم بل المقصود به الطبيعة الإنسانية.
يضيف حول المقصود بالطبيعة في النظرية الكلاسيكية الجديدة:
"إن المصطلح يعني أشياء مختلفة جدا بالنسبة لمختلف الناس. فمحاكاة الطبيعة كثيرا ما فهمت على أنها تعني الواقعية…".
لكنه يخالف هذا ويقول: إن التفسير لـ"محاكاة الطبيعة على أنها نزعة طبيعية أو نسخ لم يكن سوى تيار واحد من النقد الكلاسيكي الجديد".
2.
- تجاوزت النظرة القاصرة التي اعتقدت أن الفن مجرة عبارة عقلية عن القواعد الأخلاقية، وقد فهم النقاد -في أحسن الأحوال وأسوأها- أن الأدب هو جزء من السياسة بالمعنى والواسع للكلمة، وأن الشاعر شاء أم أبى هو مشكل وصائغ النفوس الإنسانية.
- إن أهم ما جاءت به النظرية الكلاسيكية الجديدة هو في تحول الاهتمام النقدي إلى رد فعل الجمهور، مما أفضى إلى تحلل الكلاسيكية الجديدة إلى النزعة الانفعالية والنزعة العاطفية.
3.
أما فيما يخص التاريخ الأدبي الناجح، فإن ويليك يعد أن بدايته في القرن التاسع مع بيوترفك (فيلسوف وناقد ألماني) والأخوين شليجل وفلمين وسيسموندي (مؤرخ واقتصادي سويسري)، لكن الإعداد لهذا التاريخ الأدبي الناجح سبقه إعداد في القرنين السابع عشر والثامن عشر (وهو ما خصه ويليك بالدراسة في هذا الكتاب)، ويؤكد ويليك أن التاريخ الأدبي كان قاصرا على الأدب القومي، لأن أحد دوافعه هو النزعة القومية (التي علا شأنها ولا سيما في نهاية التاسع عشر وكانت السبب الرئيس في الصراع السياسي الذي انتهى بالحرب العالمية الأولى) ولكن كان هناك وعي متزايد بالآداب وأوجه النشاط الأدبية للأمم الأخرى.
تنقسم دراسة هذا الكتاب للنقد في أربع جهات أدبية هي الفرنسية متمثلة في فولتير وديدرو وآخرين، والإنجليزية متمثلة في دكتور جونسون وآخرين، والإيطالية التي يتناولها بالعموم، والإنجليزية، والألمانية موزعة في لسّنج، وحركة "العاصفة والاجتياح" التي تعد من الحركات المضادة لعصر العقلنة وكان جوته وهردر من أبرز روادها، والفيلسوف كانت وشيلر الذي جمعته صداقة مع غوته.
إذن، فالكتاب يتناول بالتفصيل هؤلاء وما كتبوه من مقالات وكتب وآراء ودراسات نقدية عن أعمال سواء معاصرة أو سابقة لهم، منطلقين من الآداب الإغريقية القديمة وأشهر الشعراء والمسرحيين.
يعطي الكتاب تفاصيل في قالب أكاديمي متخصص يمنحه الضبط والإتقان والجفاف، لكنه مهم لكل دارس ومهتم بالنقد الأدبي.
4.
النقد الأدبي الإنجليزي (1900-1950)
يفتتح ويليك النصف الثاني من موسوعته الأدبية التي نهج فيها نهجًا مغايرا عن الكتب الأربعة الأولى من جانبين، الأول هو في دراسته نقد كل بلد على حدة، فهذا الكتاب هو مخصص لأعلام النقد الإنجليزي في النصف الأول من القرن العشرين، وكذا الحال مع الكتاب السادس مع النقد الأمريكي، وهكذا تواليا كما أشرت في مراجعاتي السابقة، والجانب الثاني في توزيعه الأعلام النقدية ضمن حركاتهم التي اشتهروا بها، فالكتاب مقسم إلى الحركة الرمزية وأعلامها وأبرزهم ييتس، والنقد الأدبي الأكاديمي الإنجليزي وهو دراسة عن بدايات النقد الأكاديمي المؤسساتي الإنجليزي، والحركة الرومانسية الجديدة وعلى رأسها الروائي د. هـ. لورانس، وجماعة بلومزبري ومن بينهم الروائية فرجينيا وولف، والمبتكرون وعلى رأسهم إزرا باوند، وينهيه بدراسات عن نقّاد متفردين بنظرياتهم الأدبية ودراستهم النقدية وأبرزهم ت. س. إليوت.
أما فيما يخص تناوله لهؤلاء النقاد واستعراض آرائهم وتعليقاتهم ونظرياتهم النقدية فلم يتغير عن أسلوبه السابق، لكن الفصول والنقّاد يبدون أكثر ترابطا وتواصلا، وهو ما يمنح نوع من التتابعية والتسلسلية التي تمنح فهمًا أفضلَ في العرض النقدي عكس الكتب السابقة.
إنَّ النقد الإنجليزي في النصف الثاني من القرن العشرين بأعلامه الذين كان أكثرهم من الشعراء المعروض في الكتاب- يجعل من الكتاب مرجعا توثيقيا وتأكيديا لهذا الناقد أو ذلك يستفيد منه الدارس أو الباحث الأكاديمي من نقاط معينة أو من الدراسة كلية مصدرا ينوه به أو يعود إليه عند الحاجة.
وبعد قراءة خمسة كتب من هذه الموسوعة بت متيقنًا من رأيي بأن هذه الدراسة ولا سيما في الكتب الثالثة والرابعة وصاعدا هي دراسات أكاديمية مرجعية وليست بالمؤلفات التي ينتفع منها القارئ العادي أو غير المتخصص، فهي مكتوبة لطبقة خاصة من القراء، الأمر الذي يجعل منها ذات قيمة معرفية ونقدية لكن ليست للجميع أو حتى لمن هو غير متخصص أو الدارس الأكاديمي.
في تقديمه لهذا الكتاب، أجاب ويليك عن تساؤلات أو ملاحظات كنت قد أشرت إليها عن الكتب الأربعة الأولى، وبعضها يطرحها ويليك يفسر فيها محتوى كتبه أو المنهاج الذي اتبعه، فمثلا عن دراسته النقاد لا الحركات الأدبية يقول: "وتجميع النقاد ينبع من قناعتي بأن التيارات الفردية التي تأخذ المبادرة وليس التيارات الجمعية- هي التي تهم النقد، ولا يجب أن يُنظر للنقاد إطلاقا على أنهم مجرد ’حالات‘. إن تصوير النقاد والصور الجانبية العقلية لهم، والإحساس بالتيارات والظروف المختلفة تشكل معًا التاريخ".
ويقول أيضا في هذا الباب في موضع آخر: "وهناك نقطة يجب تأكيدها: إنني أركز تركيزا حادا على النقد الأدبي لشخوص ولا أناقش -ولا أستطيع أن أناقش- عملهم الكلي، وأبيّن أهميتهم في تاريخ الشعر أو الكتابة الروائية والفلسفة، فالكتاب سيصبح مرهقا إذا اهتممت بشعر ييتس، وبوند، وإليوت وروايات فرجينيا وولف، ود. هـ. لورانس، إلخ".
أما فيما يخص الترتيب فيقول مكملا حديثه السابق: "لكن الترتيب لا يمكن أن يكون جدليا أو تطوريا بالمعنى الدقيق، فكلما درست موقف عصر بعينه تجنبت الشعارات والتعميمات السهلة. وإنني أثق أنه في تخطيط المجال أستطيع أن أدلي ببيان عن مجاله واتساعه على غرار ما يفعله ماسح الأراضي باستخدام حساب المثلثات…
إنني وأنا أنظم هذه المجلدات كان لدي في عقلي تعاقب الوقائع المتاحة المؤكدة، وهناك تاريخ للأحداث متميز تماما عن تاريخ الأفكار. إن النقاد يولدون ويموتون في سنوات معينة، والكتب والمقالات تنشر في تواريخ محددة، لكن محاولة ترتيبها سرعان ما يكتشف المرء أن فكرة تتابع خالص للنقاد والتيارات النقدية أبعد ما تكون عن الوضوح…
إن الترتيب التعاقبي لهذه الكتب هو ترتيب تقريبي ويتحدد على نحو فج بتتابع الكتب الرئيسة، ولكن تحديد الكتب أو الأقوال الرئيسة يتم وفق اختيار يتحدد بطريقة "بعدية" بعد وقوعها".
وينهي المدخل لكتابه هذا بقوله: إن العالم سيكون أكثر فقرا بشكل لا يمكن تصوره بدون الأدب، والأدب -بدوره- يحتاج إلى فهم، يحتاج إلى غربلة وإصدار حكم من جانب النقد.
5.
أواخر القرن التاسع عشر.
القسم الأول.
أنهى ويليك بكتابه الرابع عن تاريخ النقد الأدبي الحديث (مع تحفظي على هذا الاسم كما ذكرت في مراجعات الكتب الثلاثة الأولى) دراسة أعلام النقد الأدبي الحديث الذي ابتدأه منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر والحركة الكلاسيكية الجديدة إلى نهاية القرن التاسع عشر مع رسوخ بعض المذاهب الأدبية الحديثة كالطبيعية والواقعية والانطباعية.
هذا الكتاب الذي كان مقررا أن يكون الكتاب الأخير لويليك حول تأريخ النقد الأدبي الحديث إلا أنه وسّع دراسته لاحقًا لتشمل النصف الأول من القرن العشرين موزّعة في أربعة كتب أخرى ومقسّمة إلى النقد الإنجليزي، والأمريكي، في الكتابين الخامس والسادس على حدة، والنقد الألماني والروسي وأوربا الشرقية في كتابه السابع، والفرنسي والإيطالي والإسباني في الكتاب الأخير. نُشر الجزءان الخامس والسادس، ولم ينشر بعد الجزءان الأخيران بالعربية.
وبالعودة إلى الكتاب الرابع الختامي لحقبة أدبية مهمة استمرت لقرن ونصف تحددت فيها الكثير من الملامح الأدبية والنقدية سواء في الشعر أو المسرح أو الرواية، والتي ابتدأت بشكل حركات بارزة لها أعلامها كما في الكلاسيكية الجديدة والرومانسية وانتهت ببروز نقّاد أكثر من بروز حركات أدبية شاملة، وكذلك في صعود حركات أدبية بفضل كتّاب معينين كما الحال مع بلزاك وفلوبير والنزعة الواقعية، وزولا والنزعة الطبيعية، وإمرسون النزعة الصورية الكلية، وكذلك بفضل نقّاد معينين كما الحال مع سانت-بوف في فرنسا، وهيبوليت تين في إنجلترا، ودي سنجتنيس في إيطاليا، وبلينسكي في روسيا، والروائي والناقد هنري جيمس كأبرز نقّاد الرواية في أمريكا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
يكمل الكتاب الرابع ما ابتدأه في الكتاب الثالث في دراسة الحركة الأدبية التي رافقت وتلت الحركة الرومانسية في الآداب الأوروبية والأمريكية، في فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وأمريكا.
ما يميز هذا الكتاب هو تسليط الضوء بشكل أكبر على الرواية التي لم تنل حتى هذا الكتاب الاهتمام الكافي إذ يكاد النقد ينحصر على الشعر والمسرح والنقد الأدبي وترسيم ملامح النقد والآراء النقدية العامة والمذاهب النقدية وأعلامها، ومفاهيم النقد وعلاقتها بعلم الجمال في الكتب السابقة، لذا فقد ابتدأ الكتاب بتناول أعلام الرواية الفرنسية في القرن التاسع عشر من فلوبير وبلزاك والنزعة الواقعية لديهم، وغي دي موباسان، وإميل زولا صاحب النزعة الطبيعية، لكن هذا التناول لهم كونهم نقّادا أو أصحاب رؤى وتعليقات نقدية أكثر من تناولهم روائيين وعرض رواياتهم نقديا، في حين ينتهي الكتاب بدراسة مفصلة ومهمة للروائي والناقد الأمريكي هنري جيمس أحد المؤسسين للرواية الحديثة التي ذاع صيتها في بواكير القرن العشرين وبلغت في هذا القرن أوجها حتى العقد القرمزي الذي أصاب أوروبا وأشاع بعدها ثورة جديدة في عالم الأدب عموما والرواية خصوصا.
6.
كان هذا الكتاب أكثر الكتب أكاديمية من بين الكتب الأربعة الأولى، ولا يسعني الوصاية بقرائته كاملا بسوى اختيار من درسهم من النقّاد بشكل فردي للقراءة الانتقائية، فالكتاب سيبقى مرجعا أكاديميا مهما للدارس للنقد والتاريخ الأدبي ولن ينفع القارئ غير المتخصص كثيرا إلا في بعض الفصول كالأول والأخير المتعلق بالرواية.
وأحب أن أشير إلى نقاط تخص هذه الكتب الأربعة (باستثناء القسم الثاني من الكتاب الرابع لأني لم أحصل عليه) التي عرضت تاريخ النقد الأدبي في مدة تتراوح ما بين 1750 - 1900:
- تتناول الكتب النقاد الأفراد أكثر مما تتناول حركات نقدية بالدرس والفحص ثم التعريج على أبرز أعلامها، الأمر الذي دفعني إلى عدم قبول العنوان الذي تمحور حول أعلام النقد الأوروبي الحديث لا النقد الأوروبي، وهنا لا بد من التفريق ما بين أفكار الأفراد وفكر الحركات، إذ الأولى تحمل مناهج فردية خاصة وغير محددة بسياقات معينة عكس الثانية التي تبرز فيها سياقات خاصة من خلال تناول الخطوط العامة للحركات النقدية الموزعة في مدد زمنية متباينة أو متداخلة وهذه وظيفة الكاتب في عرض مادته بشكل يؤرخ الحركة النقدية الأدبية.
- ركّزت الكتب بشكل بارز على الشعر والنقد (فهم ماهية النقد في ذاته) والمسرحية والملاحم الشعرية الكلاسيكية والحركات الأدبية التي ضمتهم، ولم تنل الرواية حظا وافرا من الدراسة بما يجعل ملاحظة استفهام حول هذا الموضوع دون أن ننسى أن الرواية لمّا تأخذ استحقاقها بعد حينئذ رغم بداياتها التي تعود إلى منتصف القرن السابع عشر في إسبانيا مع رواية دون كيخوته لسرفانتس، وكذلك صعودها بشكل لافت في القرن التاسع عشر في فرنسا وإنجلترا وألمانيا.
- غيابٌ كامل للنقد الإسباني، ولم يظهر النقد الروسي إلا عصر التحول في القرن التاسع عشر عبر تناوله لبلينسكي، الأمر الذي يمكن تقبله نظرا لازدهار الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وبالكاد يمكننا تحديد سمات للأدب الروسي قبل هذا القرن بل وقبل الشاعر بوشكين الذي به ابتدأ الأدب الروسي فعلا، في حين كانت المراحل التي سبقته هي مراحلة طفولية ليس لها ثقل يذكر إذا ما قُوبلت مع فرنسا وألمانيا وإنجلترا الدول الثلاث التي مثّلت محور وعماد الكتب مع دور ثانوي للنقد الإيطالي الذي له حمولته الثقيلة لا سيما في عصر النهضة منذ انطلاقته في القرن الثالث عشر وأعلامه الإيطاليين أبناء فلورنسا كدانتي وبوكاشيو. وهو ذات الأمر الذي حباني بالقول أن هذا التاريخ للنقد هو تاريخ النقد الأوروبي بل ويمكن حصره في دول فرنسا - ألمانيا - إنجلترا - إيطاليا ولا سيما الثلاث الأُول التي كانت مركز العالم الجديد المتطور في الألفية الثانية.
- الكتب الأربعة لا تكتمل فائدتها دون الاطلاع السابق لمؤلفات من تناولهم ويليك في دراسته وتعليقاته وشروحه وتقديمه لهم، المسألة التي تدعو القارئ لإكبار وإجلال هذه القابلية الفذة والعقلية الموسوعية التي استطاعت إنجاز هكذا مشروع عظيم وضخم جدًا.
7.
- ما الذي يمكن أن يخرج به القارئ غير المتخصص من قراءة كتب كهذه؟ أما أنا فأقرأ النقد الأدبي لتوسيع مداركي النقدية والوقوف على أكبر عدد ممكن الرؤى النقدية وفهم المذاهب الأدبية مما يساعدني على تشكيل وبناء رؤية نقدية خاصة لن تكتمل دون البدء من بواكير النقاد والأعمال النقدية، وقراءة المناهج الفكرية والأدبية والأسلوبية المتبعة في النقد وصولا إلى يومنا المعاصر.
هل سيخرج غير المهتم بالنقد من هذه الكتب؟ مبدئيا لا أعتقد أن غير المهتم بالنقد سيمد يديه إلى هذه الكتب، لذلك فهو سلفا لن يقرأها، أما إن كان يحب الاطلاع من باب الفضول، فلا أظنه سيملك النَفَس الطويل والمطاولة لقراءة الكثير من الصفحات التي لا يخرج من فائدة ملموسة أكثر من قراءته آراء عن أعمال في المقام الأول هي قديمة جدا لا تُقرأ اليوم، والثاني أنها آراء ذات طبيعة مدرسية وكلاسيكية جدا مما يتنافى مع عقلية القارئ المعاصر، والثالث أنها قراءة فكرية جافة وأكاديمية من الوارد جدا أن زمنها قد ولّى ولم يتبقَ لها دور في عالم الأدب اليوم
8.
عصر التحول.
إن الحركة النقدية الأوروبية الحديثة شهدت في القرن التاسع عشر توسعا ونموا وتفرعا كبيرا لا يمكن الإلمام بكل حركاته وسيرورة تطورها وصيرورتها بسهولة، بل الأمر أقرب إلى المستحيل بمكان، إذ لا بد من التفرغ الكامل لأدب أمة من الأمم بشكل كامل حتى يستطيع الباحث السيطرة على مادته وعرضها بالشكل المناسب والمفيد للقارئ، لكن ويليك في هذا الكتاب فهو يحاول الإلمام قدر الإمكان كما في كتابيه الأوليين بأبرز النقاد والحركات النقدية في الأرباع الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر، فيوزع كتابه على الأدب الفرنسي، والإيطالي، والإنجليزي والألماني، ويتناول لأول مرة الأدب الأمريكي متمثلا بشكل رئيس بإدغار الآن بو وصاحب النزعة الصورية الكلية والفلسفة المتعالية إيمرسون والأدب الروسي متمثلا بالناقد الشهير بيلنكسي والواقعية الاجتماعية.
تناول ويليك في كتابه الثاني الحركة الرومانسية وأشهر روادها ونقادها وهي التي امتدت تقريبا حتى ثلاثينات القرن التاسع عشر، لكن في ذات الوقت كان هناك أدباء آخرون ونقّاد لم يكونوا رومانسيين أو وقفوا بالضد من هذه الرومانسية، وشهد هذا القرن في آخره الوصول إلى ذروة القومية التي صعدت شيئا فشيئا في هذا القرن وكان لها تأثيراتها على الآداب القومية، وإعلاء الروح الوطنية، والذاتية الأممية، والتأكيد على قيمة الرواية التي تتناول القضايا الاجتماعية أو الواقعية الاجتماعية كما لدى بيلنسكي في الأدب الروسي، وكان من أبرز الحركات الأدبية التي ظهرت في هذا القرن الواقعية (لا تجعلوا الأشياء أفضل مما هي عليه لكن لا تجعلوها أسوأ كما يقول الناقد الفرنسي سانت-بوف.)، والرمزية، والنزعة الصورية الكلية (دعوة إلى الدين الانفعالي الحدسي غير القطعي الذي يبحث عن تعزيز فلسفي بقدر ما يحتاج إلى فلسفة الإيمان كما يعرفها ويليك)، والكلاسيكية الرومانسية (فضائل الاعتدال والتنظيم والكلية والحس الحسن هي محورية في قائمة أفضلياته، ومحاولة التوفيق ما بين العقلانية التنويرية والعاطفة والنزعة الانفعالية.)، وعداء الرومانسية (كما عند الناقد الألماني أرنولد روج الذي وصف الرومانسية بأنها هي اللا مسؤولية، والخيال، والانغماس في التأمل، الانغماس في الحلم، الانغماس في الرغبة المرادة المتركزة حول الذات، إنها العالم مقلوبا رأسا على عقب.
9.
يتوسع ويليك في كتابه في تناول أبرز النقاد على حدة وطرح رؤاهم النقدية وآرائهم في الأعمال المعاصرة والسابقة لهم، الأسلوب الذي يجعل الكتاب فصولا منفصلة بعضها عن بعض وتحولها إلى بحوث في دراسات استعراضية للحركات النقدية والنقاد. ليقف القارئ فيها على عدد كبير من الآراء والرؤى النقدية الأدبية التي تشكلت، والتي كانت أغلبها قائمة على ذات الناقد أحيانا أو تأثره بالنقّاد وآراء السابقين له، لكن لا يمكن الإقرار إلا للقلة ممن تحدث عنهم ويليك بأن لديهم رؤاهم ومناهجهم النقدية كما لدى سانت-بوف وبيلنسكي، أو أصحاب رؤى أدبية غير متبلورة بالكامل كما لدى ماركس وأنجلز، في حين عند آخرين تجد أنها آراء تعتمد على الفهم الخاص والتحليل الشخصي المعتمد على القراءات والإدراك لمفهوم الأدب والفن ودورهما في تغيير المجتمع أو تصويره أو الانبعاث منه فيقول رسكين على سبيل المثال في كتاب "محاضرات عن الفن" محددا غرض الفن بأنه 1- فرض الدين على الناس. 2- تحسين حالتهم الأخلاقية. 3- تقديم خدمة مادية لهم.، كما تبرز بصورة واضحة الكتابات النقدية لبعض النقاد ومحاولتهم في تعريف النقد كما يقول سانت-بوف "إن فن النقد يتألف من معرفة كيف نقرأ مؤلَّفًا قراءة مشروعة، وتعليم الآخرين كيف يقرأونه بالطريقة عينها"، وتبيين مهمة الناقد كـ "أن يكون الناقد الحقيقي سابقا للجمهور يوجهه ويرشده"، و"أن الناقد ليس سوى إنسان يعرف كيف يقرأ ويعلم الآخرين القراءة أيضا".
هذا وأكثر يرسم لنا الطرق التي شُرعت في بدايات النقد الأدبي الأوروبي الحديث وما نتج عنها من حركات فرعية أو جديدة، والتي دائما ما تقوم على نقد القديم وتجديده أو حتى الثورة عليه، وفي الأساس فإن النقد قائم على الإنتاجات الأدبية للشعراء والمسرحيين والرواة، ففهم هذه الحركات النقدية لا بد أن يسبقه قراءة وسبر غور هذه الأعمال ومواضيعها المعالِجة أو المطروحة، لتبرز لنا أهمية النقد كمصفاة تغربل الأعمال مخلصة الأدب من الأنواع الرديئة ورافعة الأعمال الجيدة، لكن هذا غير مضمون دائما، فالمعايير النقدية هي معايير شخصية وذاتية ولا يعني أبدا أنها معايير فوقية أو راسخة أو حتى صالحة لكل مرحلة أدبية، لكن بذات الوقت لا بد للناقد أن يكون مطلعا ومتمما للحركات التي سبقته بدون ضرورة الالتزام بها أو الثورة عليها، كما في الرومانسية الكلاسيكية التي حاولت التوفيق بين الاثنين.
10.
الحركة الرومانسية.
إن العصر أو الحركة الرومانسية في الآداب الأوروبية من المراحل التي لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها في تاريخ الأدب العالمي مما حملته في طياتها من آثار وتأثيرات وشعراء وأدباء حتى يومنا هذا في بلدان كفرنسا وألمانيا وإنجلترا التي شهدت قمة الحركة الرومانسية ولا سيما البلدين الأوليين ثم شاعت لتعم البلدان جميعا والأدب كله.
يمتد هذا العصر منذ نهايات العقد الأخير من القرن السابع عشر وإلى ثلاثينات القرن التاسع عشر كما يعينه الدارسون، ويحدد ويليك معنيين لهذه الحركة الرومانسية من خلالها يمكن أن تفهم انطلاقة النقد وسماته:
- إن هذه الحركة ثورة ضد الكلاسيكية الجديدة، والتي تعني رفضا للتراث اللاتيني واعتناق رأي في الشعر يتركز على التعبير والانفعال وتوصيله.
- تأسيس نظرة للشعر قائمة على الجدلية والرمزية. وعمل نقاد مثل الأخوين شلجل وآخرين على حماية هذه النظرة من الغوص في النزعة الانفعالية والطبيعية والتصوف.
لكن القارئ لآراء وشروح نقاد وشعراء العصر رومانسي يلتمس في أقوالهم الصوفية والفلسفية وغوصها فيها، مما يجعل الحركة الرومانسية تشوبها الكثير من الاتجاهات الفكرية والفلسفية والنزعات النفسية التي يجعل الوقوف على رؤية واضحة وذات معالم محددة من الصعوبة بمكان.
ولا بد من التأكيد على ما ذكره ويليك بأن العصر الرومانسي جاء رد فعل على عقلانية عصر التنوير والحركة الكلاسيكية الجديدة والمادية الميكانيكية، وكان من إرهاصات هذا العصر حركة العاصفة والاندفاع في ألمانيا والتي تمثلت بشكل كبير في رواية "آلام فرتر 1774" لغوته (1749-1832)، وتقص الرواية الشاب فرتر (وهو كناية عن الحب الفوري) المفعم بالحياة والعاطفة ووقوعه في غرام شارلوت المخطوبة، ليعاني ويقاسي من آلام هذا الحب اليائس الذي يقوده إلى الانتحار، لتجتاح أوروبا حالات انتحار تقليدية، ويرتدي الكثير من الشباب ومن بينهم غوته نفسه معطفَ فرتر الأزرق وصدريته الرجالية البرتقالية وبنطاله الأصفر، وكذلك لا يمكن أن نغفل عن القول الذي يشير على رواية "هيلواز الجديدة La Nouvelle Heloise" للسويسري جان-جاك روسو (1712-1778) إلى أن هذه الرواية تمثل بداية الحركة الرومانسية، لما استذرفته من الدمع من مآقي أوروبا كما يصفها رونالد سترومبرج في كتاب "تاريخ الفكر الأوروبي الحديث". في حين يشير رأي آخر بأنها تمثل مرحلة ما قبل العاطفة الرومانطيقية (الرومانسية) "فقد غلّفت توصيفاتها الحساسة للطبيعة والعواطف السامية هذه المرحلة" (Writers Their Lives and Works).
وهناك العديد من الأدباء الآخرين الذين مثلوا الحركة الرومانسية وعاشوا في النصف الأول من القرن التاسع عشر (قمة عصر الرومانسية) أمثال السيدة دي ستايل التي تعد من المؤسسين لهذه الحركة في أوروبا عموما وفرنسا خصوصا، وهي من الشخصيات الجدلية لا سيما بمناهضتها لحكم نابليون وحياة المنفى وعلاقتها المتعددة- حتى قيل عنها أنها تناهض نابليون وتمارس الجنس بالحيوية ذاتها والحماس نفسه، وشاتوبريان الذي يعد أب الرومانسية الفرنسية، وكذلك فيكتور هوجو الذي عدَّ شاتوبريان معبوده، رغم اختلافاتهما السياسية، والشاعر الإنجليزي وردزورث وكوليردج (جمعتهما صداقة أيضا)، وكيتس، ولورد بايرون الذي وصف بأنه جسّد بألمعيته وفكره المتحرر رومانسية القرن التاسع عشر، ولدينا أيضا المسرحي الألماني شيلر الأشهر في العصر الرومانطيقي، وأثارت مسرحيته "اللصوص" تفاعلا مشاعريا واستحسان الجمهور، وجمعته صداقة مع غوته وأنشآ معا "كلاسيكية فايمار" وهي تطوير لنظرية عن علم الجمال والحرية البشرية.
وتتجلى الكثير من مظاهر الحركة الرومانسية في إعادة إحياء المؤلفات والأعمال التي أهلمت أو لم تلقَ التفاتا في عصر التنوير كنظرة الاحتقار التي وسم بها دانتي وكوميدياه، في حين عُدت في عصر الرومانسية من الأعمال الخالدة، ويصف بعض النقاد أن "عصر التنوير كان عصر النثر، وعصر الرومانسية كان عصر الشعر"، ويمكن الإضافة للعصر الرومانسي الأدب المسرحي ولا سيما التراجيدي والدرامي، وهذه الأجناس الأدبية التي لاقت اهتمام النقاد التي سنمر عليهم بعد حين، ولم تلقَ الرواية ذاك الاهتمام الملموس، فالتركيز كان مصبوبا بالكلية على الشعر والرومانسية وإن ظهرت بعض الأعمال الروائية التي عبّرت عن العاطفة الرومانسية كما في أعمال فيكتور هوغو وستندال بالعودة إلى الكتاب الثاني لويليك فهو يتناول النقد الأدبي الأوروبي لهذا العصر -الممتد قرابة أربعين عاما- متمثلا بأشهر نقّاده الألمان والفرنسيين والإنجليز والإيطاليين، ومحتوى الكتاب يؤكد لي رأيي في الكتاب الأول أن الكتاب كان الأولى أن يعنون بـ "أعلام النقد الأوروبي الحديث" فالكتاب مفصل في دراسة النقّاد بشكل مقسّم ابتداءً من الأخوين شلجل مرورا بالرومانسيين الألمان الأوائل إلى النقاد الإنجليز كجفري وشيلي، ووردزورث وكوليردج إلى الفرنسيين كالسيدة دي ستايل وشاتوبريان وستندال وهوجو -نلاحظ أن الكثير من هؤلاء النقاد قد زاولوا الكتابة والنقد-، انتهاءً بالرومانسيين الألمان الصغار، والفلاسفة الألمان الذين تحدثوا وكتبوا عن علم الجمال (الأستطيقا) وهم: شوبنهاور وهيجل وسيلجر وشيلماخر. لهذا فالكتاب هو دراسة أكاديمية في مؤلفات وآراء ونقودات هؤلاء وما كتبوه في تحليل المؤلفات الشعرية والمسرحية في القرون التي سبقتهم أو التي عاصرتهم، وتواجه القارئ الذي فوّت قراءة الأدباء الذين تناولهم الكتاب أو لنقل القارئ غير الدارس- مشكلة أن الآراء والشروحات المطروحة (يعمل وليك على نقل الآراء ويربطها ويشرحها) تفترض سلفا أن القارئ على اطلاع قد قرأ هذه الأعمال، وهي من الكثرة بمكان أن القارئ لو قرأ بعضها فلن يقرأها جميعها، لذا فقد تكون القراءة المتسلسلة غير مثمرة كثيرا، يزيد الصعوبة أن الكتاب هو أكاديمي بامتياز ورغم هذا فلا يمكن تفويت الكثير من محتواه الذي يثري بشكل أو بآخر. وأما السبب الذي يدعو ويليك لتناول فلاسفة الجمال الألمان أو من لهم أطروحات في الأستطيقا هو أن النظرية الأدبية في رأي ويليك لا يمكن أن تُفصل عن علم الجمال من جهة، والتاريخ الأدبي ومجرد الرأي الأدبي من جهة أخرى.
يلاحظ القارئ للكتاب الثاني أن العصر الرومانسي بكثرة نقاده وأدبائه والمؤلفات والآراء لا يمكنه الخروج برؤية واضحة يحصر فيها الآداب للرومانسية أو التي تدخل في إطار هذه الحركة أو الإجابة عن ماهية هذه الحركة ومعناها، فمع الكم الهائل من الدراسات والآراء والشروحات، تجد المتضارب منها والمتباين في النزعة الطبيعية والصوفية والانفعالية والعاطفية ورفض العقلانية وتحرير المشاعر، وفي هذا السياق يقول رونالد سترامبروج:
"ما المذهب الرومانسي؟ الحق أن هذا السؤال بقي محيرا للأدباء طوال قرن من الزمن. فتعريف الرومانسية أمر مربك ومحير، ولذلك من حقنا القول إن هذا العجز عن تعريف المذهب الرومانسي هو بمثابة فضيحة القرن. فهذا المصطلح اتخذ له العديد من المفاهيم والمعاني. فرومانسية شاتوبريان مثلا كانت كاثوليكية، ولكن بسبب بغضه للثورة الفرنسية أصبحت ملكية. أضف إلى ذلك أن رومانسية هوغو كانت جمهورية (علما أنه بدأ محافظا) ليبرالية وحتى ثورية. فأن تتألم وتكابد، وأن تصلي وتقاتل (كما قاتل لورد بيرون في اليونان) وأن تغامر في رحلات بحرية، وأن تتصل بالطبيعة، وأن تتمتع بحس تاريخي، فأنت عندئذ رومانسي. وأن تعشق بانفعال وأن تتجاوز الحدود الأخلاقية التقليدية، فأنت عندئذ رومانسي أيضا. لكن القرن الثامن عشر، عرف ومارس جميع تلك المواصفات الرومانسية، شأنه في ذلك شأن القرون الأخرى جميعا. فأن تقرأ عن القرون الوسطى، وتطالع أشعار ذلك الشاعر شبه البدائي أوسيان، وأن تتعشق أيضا الكلاسيكية الغابرة، اليونان الجميلة وآثارها الحزينة… فهذا أيضا رومانسي، ناهيك بالقدر، إذ إنه رومانسي بدوره… وهكذا ترانا نتساءل أي شيء لا يكون رومانسيا إذا قمنا بإنجازه بالروح اللائقة به؟ ولهذا نقول إن الرومانسية هي مصطلح مزاج وأسلوب، أكثر منها مصطلحا لنظرية أو عقيدة أو مذهب، ومن العسير على المرء أن يقوم بتعريف الأمزجة والأساليب". (جزء من مشروع لم يكتمل وللموضوع بقيّة) بعقوبة. 1999-10-2



#محمد_الأحمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن -صدام حسين-
- العالم رواية 7- قراءة في التقانة
- العالم رواية 8 – قراءة في التقانة
- العالم رواية 9 - قراءة في التقانة
- نماذج من الرواية العراقية - نعل مقلوب - للكاتب سعد عودة
- نماذج من الرواية العراقية تستحق الوقوف (4)
- العالم رواية 5 القاع العميق في رواية نساء البن ل جورجي امادو
- العالم رواية 6 العنصرية المقيتة في رواية -مسلم ويهودية- للكا ...
- عن رواية -الباشا وفيصل والزعيم-
- عن رواية الاحتلال للفرنسية آني ارنو
- العجائبية في رواية -زمن للقتل- للكاتب -إينيو فلايانو-
- ايزابيل رواية أنطونيو تابوكي المذهلة
- عن رواية أيام الطالبية – ل عادل سعد
- البصري محمد خضير
- غياب التقانة الروائية في مسرات سود
- عن رواية قيامة الحشاشين
- عن امواج عبد الله ابراهيم
- مفاهيمي الخاصة في التجنيس الأدبي
- التأريخ وعاطفة المنبر
- التواضع والكاتب


المزيد.....




- المواطنة في فكر محمد بن زايد... أطروحة دكتوراه بامتياز لعلي ...
- تمثالان عملاقان من فيلم -ملك الخواتم- بمطار.. فرصة اخيرة لرؤ ...
- حمدان يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض ا ...
- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الأحمد - المختصر المفيد في تاريخ -النقد الأدبي الحديث- (عرض المجلدات الكاملة)