أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الأحمد - العالم رواية 8 – قراءة في التقانة















المزيد.....

العالم رواية 8 – قراءة في التقانة


محمد الأحمد

الحوار المتمدن-العدد: 7532 - 2023 / 2 / 24 - 10:56
المحور: الادب والفن
    


لعبة الأسرار السردية في رواية غراميات "خابيير مارياس"

عهدنا في اغلب الروايات العظيمة التي كتبها الكتّاب المجيدون، أنهم كانوا يتقمّصون الشخصيّة الى ابعد حد الى درجة الإلمام التام بتفاصيلها، وقبل أن يمنحونها صفة البطل المحوري. يسلطون الضوء الكامل عليها، من الداخل والخارج، حتى الإحاطة الشاملة بكل جوانبها لتكون واضحة.. نعهدهم قد اعتنوا جيداً لأجل أن يضعوها امام القارئ على السطور وكأنها تكتسي لحمًّا ودمَّا حتى تتشخص امامه حقيقية، دائمة الحيوية حتى بعد ان تُطبق عليها دفة الكتاب، سوف تبقى بفاعلية دائمة. ولها مكان على الواقع بالرغم من الخيال الذي أوجدها. وتكون المحور الذي يقيم عليه مركز الرواية، وكلما كان التقمّص دقيقا تأثثت عليها احداث الرواية بانسياب الماء الى المنحدر.
كما في الرواية الرائعة "غراميات" التي باتت تدهشنا كرواية أفكار ومعادلات سردية متوازية، كاتبها الروائي البارز والمترجم وكاتب المقالات الإسباني والاستاذ الجامعي "خافيير مارياس (Javier Marias) (1951-2022)"؛ ابتدع لنا شخصية "ماريا" التي تباغتنا بدخولها لتجتذبنا حتى نركز على دقائق المرأة عن المرأة الأخرى، وان الدرب الذي اختاره كان دربا بالغ الصعوبة لأنها كتابة عن صميم ومشاعر نسوية بحتة، تتطلب معرفة حيّة حتى تروي لنا بلسان امرأة تراقب علاقة معقّدة يكشفها المؤلف عن اسرار الأنثى وهي تحبّ وهي تكره، ومن ثم كيفية إخفاء غيرتها حتى عن القراء. كأنما تراها بعينيها اللتين تلامعان بشغف، وهي تخفيَّ زيف مشاعرها، اذ تحسبها غريمتها، (مفتونة بالزوج وتتمنى ان تقصيها عنه)، عبر سرد تحمله الينا جمل مشحونة حول تفاصيل دقيقة من داخل تكوينها الفسيولوجي، بإبداع حقيقي. انها مغامرة كتابية بامتياز عبر قصة حب متواترة بين الذكر "رجل أعمال" والانثى "لويسا" امرأة تعمل بالتدريس الجامعي، تلتقيهما الساردة الانثى كل صباح في "كافيه" متواضع. تعجب بهما كزوجين متحابين أول الأمر وأنها تحرص على ان تراقبهما. ولا تكشف "ماريا" الافصاح عن تعلّقها بشخصية الزوج "ميغيل ديسفيرن او ديفيرني" وميلها الشديد اليه. وهي تروي عنه التفاصيل حول ملبسه، ومأكله.
نعهد المؤلف يُقيمُ لعبته المشوّقة على التواري خلف شخصيات اختلقها بعناية وبراعة خيال مذهل، منذ السطور الأولى يجعلنا نتتبع حكاية متماسكة من البداية الى النهاية عبر سرد ممتع مبني على الملاحظة الدقيقة الشغوفة في عالم يتشكل بقوّة الصورة التي تراها العين، وتسمعها الأذن. نعهد الروائي كسارد عليم عارف بماهية "علم الرواية" ومساحة حريتها، حيث الروايات العظيمة، تستطيع الكشف عن معلومات دقيقة لا يمكن ان نجدها في بقية الكتب، انها تقول الكثير عن أشياء لا يمكننا ان نعرف عنها، وقيمتها بوفرة المعلومة الكاشفة حيث الرواية الذكية تحكي حكاية ظاهرة وأخرى باطنة، ونعدها عبر تفاصيل تحكيها أمرأه اسمها "ماريا" بقيت تتابع عن كثب مجريات تفاصيل جريمة غامضة فرقت بين زوجين، وغاية تلك الحكاية. مراقبة دقيقة واحاطة شاملة، لم تخفِ عن القارئ كل ما تعرفه من تحليل عميق عن تلك الشخصيتين اذ وقعت بين الحب والغيرة وسطوة الحقيقة.
ولكن الرواية منذ السطور الأولى تعلمنا ان الرجل انتقل الى العالم الآخر (عندما ظهرت صورته في الجريدة مطعونا وبلا قميص وعلى وشك التحول الى شخص ميت - الرواية)، ويتحطم الحلم الذي كانت تراقبه "ماريا" من بعيد، الذي بات ضحية جرت عليها جريمة غامضة. وهذه الرواية ليست مرتكزة في تشويقها على تلك الجريمة التي بدت وكأنها محور الحكاية الرئيسة. انه كاتب ينصب لقارئه فخاً ليوقعه في مطب متابعة قصة أكبر، بعد ان تسلح لها معرفيا وراح يعد عدته ليغزو علم الاعلام برمته، يدخله أول الامر من خلال بطلته التي تعمل صحافية ومرتبطة بدار نشر، ومن ثم الشخصية التي تراقبها شخصية رجل اعمال ناجح في تجارة الأفلام. تارة تفكك لقارئها التعاملات الرخيصة لدور النشر الاعلامية والتي ترتبط بالكتاب وفضح العلاقات المشبوهة بين الإعلاميين المعنيين بالنشر، علاقات متراكبة من المصالح، بعضها يفتح الباب نحو الآخر، ويكشف لنا كيفية نيل جوائز النشر، وكيفية تسويق بعض الأسماء التابعة لمؤسسات هي بالأصل لها رهان الشراء على ذلك الفوز. جعل المؤلف تلك المرأة تتحدث من داخل تلك المؤسسات وتفضح كل مكنوناتها السرية في الصفات التي تجري من اجل الكسب المادي، حيث لا شيء حقيقي سوى الربح المادي، وليس بحسبان آخر. كذلك موقع الرجل الذي تتابعه حيث كان يعمل في حقل انتاج الأفلام، وبمراقبته الدقيقة تكشف للقارئ تفاصيل لم يكن يعرفها عن تلك الصناعة. اسرار ارتباطات خفية بين المنتجين والموزعين والتي في نهاية مطافها غايتها الكسب على حساب التقانة.
كل ذلك لتغطية حكاية ظاهرة ملخصها التلصص والرغبة الإنسانية في معرفة الحقيقة، ينكشف السرّ على مسمع "ماريا" في حوار مطول بينها وبين القاتل كأنما أيضا هناك رواية أخرى داخل الرواية تبين هناك سبب إنساني للقتل، حول صديقه الذي طلب منه إنهاء حياته بعد أن أصيب بسرطان نادر، أصاب رجولته في مقتل ورغب في الانتحار ولم يتمكن من ذلك لوحده فاستعان بأحد أصدقائه المقربين لوضع تلك النهاية المروعة لنفسه وقد جرى الحوار على مسامع "ماريا" كأنما كان متعمدا ان يسلمها دليل براءة القاتل ويجعله ينجو من فعلته النكراء. هذه الرواية تحدثت عن الانتحار بعد هزيمة الانسان امام خصوصياته. بقيت تتحدث عن الضعف البشري إزاء الضغوطات الكبيرة التي تقف بين الانسان واحلامه. (ما لا أستطيعه هو ان اتفرغ لكراهيتهم بفعالية، كما لو انني أستطيع كراهية بعض رجال الاعمال المنافسين الذين أرسلوا قاتلا مأجورا، لا أدرى ان كنت تعلمين ان هذا الامر يصبح أكثر شيوعا، في اسبانيا ايضا. هنالك اشخاص. يطلبون احضار قاتل من الخارج، كولمبي، او صريبي، او مكسيكي كي يزيح من الطريق من يشكل منافسة كبيرة لهم ويمنعهم من التوسع، يأتون بشخص فيقوم بعمله، يدفعون له ويغادر، كل ذلك انهم قتلة متكتمون ومحترفون وهم معقمون ويخلفون اي أثر، وحين ترفع الجثة يكونون قد صاروا في المطار، او يحلقون في الجو عائدين الى المكان الذي جاؤوا منه- الرواية)
يبقى القارئ برغم استمتاعه يسأل نفسه هل يتلاعب بنا المؤلف في اغلب الفصول؟، وكأنه يقول لنا ان "ماريا" تنقل لنا اوهامها، حيث لا حقيقة سوى انه مجرد ظنون تحاور بها نفسها، وان معظم الاحداث لم تحدث على الاطلاق، وبطلته لم تستمع الى أي أحد سوى وهم، ولم يتحدث اليها أحد، (حقيقة ان ذهن المبدع يضج بالابتكار والخلق، ولا كأنما كل ما يسرد علينا حقائق، وليست أوهام "ماريا")..
برغم كل الاحداث التي تتابعها "ماريا" عن مصير الثنائي تكاد ان تكون الشاهدة الاكيدة على المجرم الذي قام بتلك الجريمة البشعة.. حيث يداخلنا الشك في كل التفاصيل، والقلق بشأن كل اعتراف: أهو الحقيقة أم الزيف والادعاء؟ في سرد أحلام الكتاب وأوهامهم، وليس المهم الحدث أو الشخصية، بل ما يلهمنا إياه من أفكار في التعبير عن الحب، والكشف عن الفساد الذي يلف بطانة اشباه المثقفين الذين تكشفهم الرواية.
باتت الرواية الفنية تشكّل عبر التّقنية محفّزًا فعّالًا في خصوصية الحبكة- الحدث المحوري- اذ تكون لها فاعلية الكاميرا السردية، الدقيقة وقد ذهبت الى توضيح تفاصيل المحتوى المليء بالإشارة من الدّال الى المدلول، حيث يتواشجان ليكونا متانة حدث روائي مثير، يجعلانه مشوقا في تقنية ذكية (لكن هل القصة حقيقية؟ هل يسرد "روبيريث" هذه الرواية على سمع "ماريا" لإبعادها عن إدانته أو عدم إبلاغ زوجة الصديق المغدور حتى لا تفسد خططه المستقبلية- الرواية). متورطة بدرجة ما في علاقة مع صديق المقتول، والذي يتبين أنه هو من اغتال صديقه الأثير، والواقع في غرام زوجة الراحل، وتلك عقدة أخرى تدخلنا اليها الرواية، تجعلنا نعيد النظر في تلك الخيالات المتوالية التي تدخلها "ماريا" وكأنها تتابع ما وراء حكاية الاغتيال، بتقمّص متواصل كأنما تغيب شخصية المؤلف وتظهر فوقها شخصية أخرى تملأ المكان بتفكيرها المستقل. لقد تُرجمت روايات "خابيير مارياس" إلى العديد من اللغات، ولم يكن أديبا مغمورا بعد أن حصل على الجائزة الوطنية للرواية سنة 2012، وتمَّ رفضها لأسباب شخصية لم يعلن عنها، ويذكر اصابته بفايروس "كوفيد" جعلته يعاني من التهاب رئوي حاد، وتوفي أثره في مدريد. ولعل ترجمة "صالح علماني" التي تعد من بين اهم التراجم لهذه الرواية الصادرة عن دار التنوير.
2022-10-11



#محمد_الأحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم رواية 9 - قراءة في التقانة
- نماذج من الرواية العراقية - نعل مقلوب - للكاتب سعد عودة
- نماذج من الرواية العراقية تستحق الوقوف (4)
- العالم رواية 5 القاع العميق في رواية نساء البن ل جورجي امادو
- العالم رواية 6 العنصرية المقيتة في رواية -مسلم ويهودية- للكا ...
- عن رواية -الباشا وفيصل والزعيم-
- عن رواية الاحتلال للفرنسية آني ارنو
- العجائبية في رواية -زمن للقتل- للكاتب -إينيو فلايانو-
- ايزابيل رواية أنطونيو تابوكي المذهلة
- عن رواية أيام الطالبية – ل عادل سعد
- البصري محمد خضير
- غياب التقانة الروائية في مسرات سود
- عن رواية قيامة الحشاشين
- عن امواج عبد الله ابراهيم
- مفاهيمي الخاصة في التجنيس الأدبي
- التأريخ وعاطفة المنبر
- التواضع والكاتب
- ملاحقة التأريخ
- اللغة الحس
- في ذكرى الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الأحمد - العالم رواية 8 – قراءة في التقانة