هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 09:53
المحور:
المجتمع المدني
"
ليست الحرية مطلبًا سياسيًا فقط، ولا شعارًا يُرفع في المظاهرات، ولا مادةً تُدرّس في كتب الحقوق. الحرية هي المعنى العميق لكونك إنسانًا، هي الحالة التي يولد فيها وعيك ويصبح لك صوت، ومسار، وأفق. من دون الحرية، كل ما تفعله مجرد أداء وظيفي تُمليه عليك الظروف أو المجتمع أو الخوف.
منذ اللحظة التي يبدأ فيها الطفل بقول "لا"، يكون قد دخل عتبة الحرية الأولى. هذه الـ"لا" الصغيرة ليست عنادًا بقدر ما هي إعلان: "أنا كائن مستقل". لكن مع مرور الوقت، تُربى المجتمعات على كبت هذه النزعة الطبيعية، بحجج كثيرة: التربية، الأعراف، الدين، الأمن، الخوف من الفشل، وغيرها.
ما الحرية؟
الحرية ليست مجرد التحرر من سجن مادي، بل هي التحرر من كل سجن داخلي: من الخوف، من القطيع، من الشعور بالذنب الموروث، من الصور النمطية. الحرية أن تفكر لنفسك، أن تشعر بحقك في الحياة دون اعتذار، أن تكون كما أنت لا كما يُراد لك أن تكون.
لكنّ الحرية مسؤولية. ليست إذنًا بالعدوان أو الفوضى. من لا يملك وعيًا، قد يستخدم الحرية كأداة دمار. ومن لا يعرف ذاته، قد يخلط بين الحرية والأنانية، أو بين الرأي والإساءة.
في مجتمعات يغلب عليها القمع أو التقاليد المتوارثة، تصبح الحرية قضية شائكة. من يتكلم يُخوَّن، ومن يعارض يُتهم، ومن يختلف يُقصى. هكذا تصبح الحرية فعلاً شجاعًا. تصبح "نَفَسًا" يختنق في زحمة الأصوات المفروضة. ولذلك فإن أول ثورة يجب أن تبدأ من الداخل: من فك قيود الخوف، من نقد الذات، من إعادة النظر في المسلّمات.
ربما تكون المرأة المثال الأوضح على الصراع مع الحرية. ففي كثير من الثقافات، تُربى على الطاعة، على الخضوع، على الصمت. كل محاولة منها للاختيار تُواجَه بالرفض، وكل قرار شخصي يُحمّل عبء الشرف أو التقاليد. أن تكوني امرأة حرة في هذا العالم، هو أن تمشي على حد السكين، بثبات وقلب لا يعرف التراجع.
ليست الحرية قرارًا يُتخذ مرة واحدة. بل هي فعل يومي، مقاومة دائمة لكل ما يريدك أن تكون نسخة. أن تقول "لا" عندما تكون "نعم" خيانة لذاتك، أن تمشي عكس التيار حين يكون التيار جارفًا نحو الهاوية. أن تكتب، أن تصوّت، أن تُحب، أن تؤمن أو لا تؤمن، كلها تمارين على الحرية.
الحرية ليست نهاية، بل بداية. إنها الباب الذي نخرج منه من العبودية إلى الإنسانية. أن نكون أحرارًا، لا يعني أن نعيش بلا قيود فقط، بل أن نعيش بما نختار، لا بما يُفرض علينا. أن نحلم بأعين مفتوحة، ونسير بأقدام ثابتة نحو ما نؤمن به.
الحرية هي أن تولد من جديد... كل يوم.
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟