ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 12:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يتحوّل القصفُ الإسرائيليّ شبهُ اليومي على سوريا إلى مشهدٍ اعتيادي، لا ترتعد له الروح، ولا يضطرب له الضمير، وتكتفي بلعن القاتل بكسلٍ، قبل أن تمضي إلى فنجان قهوتك... فاعلم أنك لم تعد كما كنت.
وحين تُسفك دماء أطفال غزة على أرصفة الصمت، أمام أنظار الدول التي تدّعي صداقتها للشعوب، ولا تدمع عيناك، بل تزيح النظر كما تُزيح ذبابةً عن كتفك... فهذا يعني أن شيئاً عميقاً قد انكسر في داخلك.
وحين تُرمى صواريخ الحقد الأمريكي على اليمن كما تُرمى الحجارة على قبرٍ بلا اسم، فتمرّ عليك كأخبار عابرة لا تثير فيك سوى زفرة ضجر، ولا يرتجف منك شيء..
عندما تُعرِض ببرودٍ عن طفلٍ أو امرأة ينبشان في حاوية قمامة بحثاً عن لقمة، فلا يختنق صدرك، بل تتذمّر من "إفساده منظر الشارع".
وحين يقودك الفضول لمشاهدة مقطع ذبحٍ لا يقلّ وحشيةً عن أفلام الرعب، فتكتفي بتجهّمٍ باهتٍ أو شتيمةٍ مائعة، ثم تمضي وكأن شيئاً لم يكن...
فاعلم أن الجثة هنا ليست على الشاشة، بل في ضميرك.
* * *
لقد تسلّل البرود إلى دمائنا كالسُمّ البطيء.
أصبحنا كتلك الشمعة التي تحترق من دون أن تُضيء.
كتب ممدوح عدوان يوماً:
"الرائحة النتنة تُربك أنفك في البداية، ثم تعتادها.. ليس لأنها زالت، بل لأنَّ أعصاب الشمّ فيك ماتت".
فكم من أعصاب الروح قد شُلّت فينا؟
كم من دموعنا جفّفتها أصواتُ المُذيعين الذين يقرؤون أخبار المذابح بنبرةِ أسعار البورصة؟
قتلتنا الأنظمةُ ببطء، وخدعتنا الأحزابُ بأكذوبة "الثورية"، وصدّقنا أنَّ اللامبالاةَ "ذكاء"، وأنَّ الصمتَ "حكمة".
اليوم.. الجنازة ليست تحت الأنقاض، بل في عيوننا التي لم تعد تُبصر، وفي قلوبنا التي توقّفت عن النزف.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟