أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة البروليتارية















المزيد.....

القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة البروليتارية


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 08:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبتداءً اود ان أوجه إهداء ورد للسيد نعيم ايليا، وهذه المقالة تتمة لمقالتي السابقة: الدولة المدنية والديمقراطية:

قبل الولوج إلى تفاصيل هذا الرد العلمي، لا يسعني إلا أن أعبر عن تقديري لكلمات السيد نعيم إيليا، الذي وصفني بصفات أخجل أمامها: “مفكر مبحر في الماركسية يتميز فوق ذلك بخلق جميل وروح سقراطية”. هذه شهادة أعتز بها كثيرًا، وأؤكد للسيد إيليا أن هدفنا المشترك هو الارتقاء بالحوار الفكري إلى أعلى مراتبه، بعيدًا عن الأحقاد والمهاترات، خدمة للحقيقة وحدها.

تمهيد: جوهر النظرية الماركسية للدولة

تستند النظرية الماركسية إلى فرضية أساسية مفادها أن الدولة ليست هيئة فوق المجتمع أو كيانًا محايدًا، بل هي جهاز قمع طبقي منظم يخدم مصالح الطبقة السائدة. كتب إنجلز في مؤلفه “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”:

“الدولة ليست سوى آلة قمع تستخدمها طبقة لقمع طبقة أخرى.“¹

بالتالي، يصبح القمع جزءًا لا يتجزأ من وظيفة الدولة ذاتها، وليس مجرد انحراف عن دورها أو خلل عرضي.

أولًا: تعريف القمع في الماركسية

في التحليل الماركسي، القمع لا يُختزل في العنف الفيزيائي المباشر وحده. بل يُفهم بوصفه ممارسة بنيوية تقوم بها الدولة عبر أجهزتها (الجيش، الشرطة، القضاء، الإعلام…) لضمان استمرار سيطرة طبقة اجتماعية على طبقات أخرى. القمع في الماركسية ثلاثي الأبعاد:
1. قمع مادي مباشر: اعتقال، تعذيب، قتل، سحق الحركات العمالية.
2. قمع قانوني/مؤسساتي: تشريعات تمنع التنظيم الثوري أو تحظر الإضرابات.
3. قمع إيديولوجي: عبر الإعلام والتعليم والدين لتبرير الوضع الطبقي القائم (ألتوسير سماه “جهاز القمع الإيديولوجي”).²

هذا الفهم البنيوي يميز النظرية الماركسية عن المقاربات الليبرالية التي ترى القمع فقط كحالات استثنائية في “دولة القانون”.

ثانيًا: القمع في الدولة البرجوازية

حتى في ظل الأنظمة “الديمقراطية الليبرالية”، يبقى جوهر الدولة البرجوازية قمعيًا لأنه يخدم الهدف النهائي: حماية الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستمرار علاقات الاستغلال الرأسمالي.
• أمثلة تاريخية:
• قمع كومونة باريس عام 1871 كان تعبيرًا صريحًا عن “الديمقراطية البرجوازية” التي لم تتردد لحظة في إبادة عشرات الآلاف من العمال حين هددوا أسس النظام الرأسمالي.³
• بريطانيا في عهد تاتشر استخدمت قوانين صارمة والشرطة لقمع إضرابات عمال المناجم (1984-85) دفاعًا عن رأس المال.⁴

كتب لينين في “الدولة والثورة”:

“حتى أبسط أشكال المقاومة الطبقية يتم سحقها فور شعور البرجوازية بتهديد حقيقي.“⁵

إذًا، القمع البرجوازي دائم ومتعدد الأشكال، ويُعاد إنتاجه باستمرار من خلال أجهزة الدولة.

ثالثًا: القمع في الدولة البروليتارية

بعد انتصار الثورة البروليتارية، تنشئ الطبقة العاملة سلطتها الجديدة – دولة البروليتاريا – كأداة مرحلية لقمع الطبقات المستغِلة السابقة وضمان استقرار مكاسب الثورة.
• الفرق الجوهري: الدولة البرجوازية تمثل أقلية تفرض سلطتها على الأغلبية، أما الدولة البروليتارية فتمثل الأغلبية الساحقة (الطبقة العاملة والحلفاء الفقراء) ضد أقلية الرأسماليين. الهدف النهائي ليس تكريس القمع بل القضاء على كل الطبقات وبالتالي على الدولة ذاتها.

كتب ماركس في “الحرب الأهلية في فرنسا”:

“لا تستطيع الطبقة العاملة أن تستولي على آلة الدولة الجاهزة وتستخدمها لأغراضها، بل عليها تحطيمها.“⁶

وفي نفس السياق أوضح لينين:

“الدولة البروليتارية ليست غاية بحد ذاتها، بل أداة انتقالية نحو مجتمع بلا طبقات، وبالتالي بلا دولة.“⁷

• أمثلة تاريخية:
• بعد ثورة أكتوبر 1917، قامت السلطة السوفييتية بحل الجيش القيصري وأجهزة الشرطة القمعية القديمة، وبنت جيشًا جديدًا (الجيش الأحمر) وأجهزة أمن جديدة تحمي سلطة الأغلبية.⁸

رابعًا: الرد على المقارنة بين الدولة البروليتارية والدولة الدينية أو القومية

*** أشكر السيدة أو السيد الذي قدم التعليق التالي: (تمت صياغته أدبيًا ليحافظ على المعنى دون ذكر الاسم مباشرة). التعليق يقارن بين دكتاتورية البروليتاريا وبين أنظمة مثل الإسلاميين والبعثيين والنازيين، ويدّعي أنه لا فرق جوهري بينهم طالما أن الجميع يبرر القمع باسم “الأغلبية”.

ردنا واضح:

أولًا، من المهم التمييز بين الشبه السطحي وبين الجوهر. نعم، قد يستعمل الجميع مصطلحات “الأغلبية”، لكن المعيار الماركسي يحلل ماهيّة هذه الأغلبية:
• الدولة الإسلامية (أو أي دولة دينية): تستند إلى عقيدة فوق طبقية وتفرض رؤية شمولية باسم نصوص مقدسة، أي أنها تُخرج الطبقات من التحليل أصلًا وتبرر سلطتها باسم الله.
• الدولة القومية (مثل النازية والبعثية): تستند إلى إثنية أو قومية وتُعيد إنتاج الانقسام القومي بدلًا من الطبقي.
• الدولة البرجوازية: سلطة أقلية مالكة لوسائل الإنتاج تسيطر بالقوة حتى لو غلّفت قمعها بديمقراطية شكلية.

أما الدولة البروليتارية، فهي – وفق الماركسية – أول سلطة طبقية للأغلبية الكادحة، لا تسعى لإدامة القمع بل تهدف إلى إنهاء الظروف الطبقية التي تُنتج الحاجة للدولة ذاتها.

التعليق الذي قُدم يقع في مغالطة التماثل السطحي، متجاهلًا الفوارق البنيوية التي تشكل جوهر الماركسية. ماركس وإنجلز كانا واضحين:

“لا تُلغى الحرية الحقيقية إلا حين تتوقف الطبقات عن الوجود.“⁹

وعليه، لا يجوز مقارنة سلطة تهدف إلى تجاوز القمع ذاته (البروليتاريا) بسلطات دينية أو قومية تكرس القمع إلى الأبد.

ختامًا، أما الإشارة إلى أن “بلداننا ليست صناعية ولا توجد فيها بروليتاريا”، فهي تحتاج إلى تصحيح معرفي: ماركسية القرن العشرين، خاصة مع لينين وغرامشي، وسّعت مفهوم البروليتاريا ليشمل كل الكادحين والفقراء، لا فقط عمال المصانع التقليديين. وقد كتب لينين:

“الثورة في البلدان المتأخرة لا يمكنها إلا أن تكون تحالفًا بين البروليتاريا والشرائح الفقيرة من الفلاحين.“¹⁰

الخلاصة:

التشابه السطحي لا يلغي الفرق الجوهري. الدولة البروليتارية، في التحليل الماركسي، ليست مجرد آلة قمعية جديدة، بل أداة مرحلية في سبيل إنهاء القمع ذاته باضمحلال الدولة. هذا هو ما يميزها جذريًا عن كل أشكال الديكتاتوريات الدينية والقومية.

*** ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.



المراجع:
1. إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة.
2. ألتوسير، حول أجهزة الدولة الأيديولوجية.
3. ماركس، الحرب الأهلية في فرنسا (1871).
4. تقرير BBC عن إضرابات عمال المناجم، 1984.
5. لينين، الدولة والثورة (1917).
6. المرجع نفسه.
7. المرجع نفسه.
8. تروتسكي، تاريخ الثورة الروسية.
9. ماركس وإنجلز، البيان الشيوعي (1848).
10. لينين، المهام الفورية للحركة العمالية (1905).



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا نساء العراق، توحدنَّ!
- حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرور ...
- العراق في قبضة الاحتلال المالي: كيف تُنهب ثروات بلد نفطي بأد ...
- الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار ال ...
- الدولة المدنية والاشتراكية: جدلية الضرورة والإمكان في الواقع ...
- العشائرية، الدين، والدولة المدنية: قراءة ماركسية في عوائق ال ...
- نشيد الأممية - محاولة ترجمة شعرية عربية
- -بين المدنية والطبقية- حوارات مهمة، اطروحات ر. د. حسين علوان ...
- بين المدنية والطبقية: قراءة ماركسية-لينينية في طروحات الحزب ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ ج5: خاتمة، ج6: الملخص
- هل انتهى اليسار الماركسي؟، ج3: البعد النظري: الماركسية بين ا ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ - ج1- جذور فكرة نهاية اليسار, ج2- ...
- حول جدوى النقاش السياسي الاقتصادي مقابل الانزلاق إلى المجازا ...
- قراءة نقدية علمية ماركسية لأسئلة د. طلال الربيعي على ردي الس ...
- حول اطروحات د. طلال الربيعي على مقالتي: العصبيات والعداء لاي ...
- رد إلى الرفيق د. حسين علوان حسين - حول دور الحزب ومهام اليسا ...
- رد إلى الرفيق حسين علوان حسين حول طروحاته حول مقالة: اللينين ...
- رد على تعقيب السيد لبيب سلطان الأخير حول مقالتي: العراق ليس ...
- رد على تعليق الرفيق صباح كنجي على مقالة -نقد ذاتي للخطاب الي ...
- رد علمي ماركسي على ملاحظات السيد طلال الربيعي على مقالة: الع ...


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل غاراته على مطار صنعاء ومناطق ال ...
- رنا رئيس تحتفل بزفافها وتفاعل على حضور ماجد الكدواني
- الحوثيون: هجمات إسرائيلية وأمريكية على مطار صنعاء
- ردود مصرية على تصريحات سموتريتش حول حشر سكان غزة قرب مصر
- شاهد: العائلة المالكة تشارك البريطانيين الاحتفال بثمانين عام ...
- شاهد: مؤيدون لفسلطين يعرقلون مراسم إحياء الذكرى الثمانين لتح ...
- هل تتحمل إسرائيل تبعات خطتها باحتلال غزة؟
- هل يعود شبح هتلر بعد 80 عاماً على انتحاره؟
- إعلان خطة إسرائيل لاحتلال غزة جاء في توقيت حساس - الغارديان ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مطار صنعاء ومحطات كهرباء في اليمن ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة البروليتارية