خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 04:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة:
"العلم يبني بيوتاً لا عماد لها............و الجهل يهدم بيت العز و الكرم"
عن أمير الشعراء أحمد شوقي
عبر البحار:
عشية السابع من كانون الثاني 2025 كانت حظوظ الحزب الليبرالي الكندي معدومة تقريباً في نيل أي مقعد في مجلس النواب الفيدرالي الكندي في حال تمت الدعوة لانتخابات مبكرة, رغم تلميحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطموحاته بضم كندا لتكون الولاية الأمريكية الواحدة و الخمسين, حيث خسر الحزب الكثير من شعبيته بسبب الاداء الاقتصادي الرديء بعد توليه للسلطة لمدة عشر سنوات و فشله في تحقيق وعوده الوردية لكندا و الكنديين.
يوجد في كندا عدد من الاحزاب الفيدرالية و لكن أهمها ينحصر بثلاثة احزاب عند كل انتخابات دورية و هم الحزب الليبرالي و حزب المحافظين و حزب الليبرالين الجدد. هناك عشر مقاطعات كندية و ثلاث أقاليم البعض منها يدعم حزب من تلك الاحزاب بحكم المصالح الاقتصادية و الايولوجية و بعضها لا يُعتبر منحاز لأي حزب و يكون التصويت حسب أداء الحزب و خطابه الانتخابي عند نهاية كل دورة انتخابية.
العلاقات الكندية الأمريكية علاقات تاريخية و فريدة و ترتكز الشراكة بينهما على الموقع الجغرافي المشترك و القيم المتشابهة و المصالح المشتركة و الروابط الشخصية و العائلية ناهيك عن الروابط الاقتصادية المتينة متعددة الجوانب و وفقاً للارقام فإن إجمالي تجارة السلع و الخدمات الامريكية مع كندا كصادرات و واردات بلغ 908,9 مليار دولار عام 2022 حيث تتركز صادرات كندا بشكل كبير نحو الولايات المتحدة و تعتمد جميع قطاعات تصدير السلع باستثناء الزراعة و المعادن على اسواق السلع الأمريكية بنسبة تتراوح بين 74% و 100% من إجمالي الصادرات.
سجلت كندا عجزا تجاريا بقيمة 1.5 مليار دولار كندي في شباط-فبراير 2025، متحولة من فائض بقيمة 3.1 مليار دولار كندي في كانون الثاني-يناير بعد تعديله، ولم تحقق التوقعات بفائض بقيمة 3.4 مليار دولار كندي. انخفضت الصادرات بنسبة 5.5% خلال شهر واحد إلى 70.1 مليار دولار كندي، وهو الثاني على التوالي منذ أيار-مايو 2022.
شهدت انخفاضات في 10 من أصل 11 أقسام للمنتجات، كمنتجات الطاقة (-6.3%)، والمركبات وقطع الغيار (-8.8%)، والمنتجات المعدنية وغير المعدنية (-6.6%). علاوة على ذلك، انخفضت صادرات منتجات الغابات ومواد البناء والتعبئة والتغليف بنسبة 10.8%. زادت الواردات بنسبة 0.8% لتصل إلى مستوى قياسي جديد بقيمة 71.6 مليار دولار كندي، مما يشكل ارتفاعًا للشهر الخامس على التوالي، بعد زيادتها بنسبة 2.4% في يناير.
زادت الواردات بشكل أساسي لقطاعات المركبات وقطع الغيار (+5.8%)، والآلات والمعدات الصناعية وقطع الغيار (+3.1%)، ومنتجات الطاقة (+5.2%)، والمنتجات المعدنية و غير المعدنية بنسبة (+3,5%).
حاول رئيس الوزراء السابق جوستن ترودو, التمسك بكرسي السلطة و رفض أي محاولة لتنحيته من قبل حزبه عدة مرات, لكن و نتيجة التصويت داخل الحزب الليبرالي اضطر أخيراً لإعلان استقالته و خلفه السيد مارك كارني بتولي منصب رئيس الوزراء حتى نهاية الدورة الانتخابية التي كان من المفترض أن تكون في نهاية العام.
الكنديون أمام التحدي:
حتى مساء يوم تنحية السيد توردو كان حزب المحافظين هو الأكثر شعبية و خاصة بين الشباب حيث كانت الازمة الاقتصادية هدفاً اساسياً لزعيم الحزب السيد بيير بويليفر و لأداء خصمه الليبرالي السيد ترودو المتواضع جداً و حتى الفاشل خلال عقد من الزمن, لكن قضيتين مصيريتين قلبت الموازين:
أولها تصريحات السيد ترامب المطالبة بانضمام كندا للولايات المتحدة الامريكية و طريقته المتعالية و المتعجرفة التي أثارت و قد تكون للمرة الاولى الشعور القومي الكندي, و على الرغم من ميزايا الكنديين الكثيرة الانسانية و أهمها اللطافة و الاحترام لكنهم كانوا واضحين و متماسكين بقوة بكنديتهم و انعكس ذلك على حملات مقاطعة المنتجات الامريكية في الاسواق و إظهار العلم الكندي على كل منتج.
ثانيهما الأزمة الاقتصادية التي احدثها حكم السيد ترودو الذي كان محبوباً في بداية توليه للسلطة و لكنه متواضع الامكانيات العلمية و الأكاديمية, و ايضاً تهديدات السيد ترامب بزيادة التعريفات الجمركية على البضائع الكندية مما يعني تهديداً حقيقياً للاقتصاد الكندي المرتبط كثيراً بالاقتصاد الامريكي مما يعني حرباً تجارية بينهما.
الرجل المناسب في الوقت المناسب:
السيد مارك كارني من مواليد فورت سميث غرب كندا عام 1965, تلقى تعليمه في جامعة هارفارد و حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد عام 1988 (بدون كذب أو تزوير), ثم على درجة الماجستير و الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة اسكفورد في التسعينات (أيضاً دون كذب أو تزوير).
أصبح حاكماً لبنك كندا بعد سنوات عمله فيه في شباط-فيبراير 2008 و بعد خمس سنوات انتقل ليصبح حاكماً لبنك أنكلترا عام 2013, بعد ذلك أصبح مبعوث الأمم المتحدة الخاص للعمل المناخي و التمويل و قادته مسيرته المهنية التي استمرت ثلاث عشر عاماً مع غولمان ساكس إلى لندن و طوكيو و نيويورك و تورنتو. في عام 2020 انضم إلى شركة الاستثمار بروكفيلبد. في أيلول-سبتمبر من العام الماضي, تم اختياره لرئاسة فريق عمل الحزب الليبرالي المعني بالنمو الاقتصادي.
اللحظة المناسبة:
عشية انتخاب السيد مارك كارني من قبل الحزب الليبرالي الحاكم كرئيس للوزراء, قام بالفعل بمهاجمة الرئيس الامريكي مؤكداً في كلمة ألقاها بعد انتخابه أن بلاده لن تكون جزءاً من الولايات المتحدة بأي شكل من الاشكال و أن كندا بحاجة إلى بناء اقتصاد جديد و إقامة علاقات تجارية جديدة.
الأهم أنه أعلن عن انتخابات مبكرة و هي خطوة محفوفة بالمخاطر لكنه و كرجل علم التقط الفرصة لما لديه من معلومات و احصاءات عن تزايد شعبية الحزب الليبرالي أمام منافسه القوي حزب المحافظين القريب للسياسات الامريكية و لسلطة الشركات الكبرى.
الشعب الكندي يختار:
جرت الانتخابات البرلمانية الفيدرالية الكندية في 28 نيسان-ابريل 2025 بعد قبول طلب رئيس الوزراء مارك كارني بحل البرلمان و اتسمت الحملة الانتخابية بتنافس شديد في الحزبين الرئيسيين مع تقلب ملحوظ في نتائج استظلاعات الرأي مما زاد من أهمية الإقبال على صناديق الاقتراع.
تمكن الحزب الليبرالي من التفوق على منافسيه و حصد 169 مقعداً مقابل 144 للمحافظين مما يعني قدرة رئيس الوزراء مارك كارني على تشكيل حكومة أقلية بعد أن فصلت بينه و بين الحصول على الأغلبية ثلاث مقاعد فقط.
قراءة في اختيار الكنديين:
إن التحول في موقف الرأي العام الكندي قبل الانتخابات لصالح حزب المحافظين و خلال الانتخابات لصالح الحزب الليبرالي كان يرتبطاً بنفس القضيتين السابقتين و هما تهديدات ترامب بضم كندا و استيقاظ الشعور القومي الكندي كنتيجة, و الأهم الوضع الاقتصادي و ضرورة ايجاد حل علمي و منطقي للأزمة و لمنعكسات الرسوم الجمركية الامريكية فكان اختيار الشعب الكندي الواعي و الحضاري هو العلم فلا حل آخر سوى العلم و لذلك فقد أختار الكنديون من يملك العلم و الخبرة و المعرفة بشخص السيد مارك كارني على الرغم من كل التحديات التي سيواجهها و فريقه في المحادثات القادمة مع ترامب و فريقه و تبعات كل قرار سيتخذه السيد مارك كارني كرجل دولة مسؤول و يعرف أن الشعب الكندي لن يرحمه في حال الاخفاق أو الفشل.
قراءة سورية من منظور كندي:
من الاجحاف أن نقارن بين دولة قوية كإحدى أهم دول العالم اقتصادياً ككندا و بين سورية التي نفضت منذ شهور عار حكم النظام الأسدي المتخلف علمياً و وطنياً و اخلاقياً.
سورية التي لا دولة فيها و لا مؤسسات و بمؤشرات اقتصادية صفرية و التي ترزح تحت عقوبات دولية و عقوبات أمريكية مجحفة اصابت المواطن السوري بمقتل و بعوز لم يشهده السوري منذ حكم الاحتلال العثماني.
سورية اليوم التي تحكمها سلطة أمر واقع انتقالية متواضعة الاداء و المتخبطة بصراعات و تحديات أمنية نتيجة ممارسات النظام البائد و نتيجة عقم تصوراتها و مفاهيمها العقائدية عن الحكم و السلطة و الدولة و التي تتلاقى, عملياً, مع النظام الاسدي في ضرورة الولاء في كل التعينات الحكومية على حساب الكفاءة و المعرفة و الخبرات العلمية.
كنتيجة, لا حل في أي بلد في العالم, متقدماً كان أم متخلفاً, لكل مشكلاته و ازماته سوى بالعلم فأي مشكلة اقتصادية لن يستطيع حلها المقامرون و المغامرون بل الاقتصاديون وحدهم من يستطيع ذلك و أي مشكلة اجتماعية لن يستطع أن يقدم حلولاً لها رجال الدين و المتطرفون و الطائفيون بل رجال علم الاجتماع و المتخصصون بحل النزعات الاجتماعية و أي مشكلة سياسية داخلية أم خارجية لن يحلها المرتهنون و الايديولوجيون و أصحاب الاجندات بل يستطيع أن يحلها من تخصص بالعلوم السياسة و من خاض العمل السياسي الحقيقي.
كل هؤلاء يقفون على قاعدة راسخة و قوية و هي العلم و الخبرة و المعلومات و البحث و قبل أي شيء آخر يجب أن يجمعهم الوطنية السورية و فكر العمل المؤسساتي لبناء الدولة.
حتماً, لا حل في سورية إلا بالعلم و الوطنيين السورين الذين يملكون القدرات العلمية كثر و ليسوا عملة نادرة رغم فيض الفقاعات و مدعي العلم و التحصيل العلمي و بعض علماء الدين و الدين و العلم منهم براء.
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟