أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ناجي الغزي - الخطاب السياسي العراقي – صناعة الإدراك وتشويه الوعي الجمعي..!















المزيد.....

الخطاب السياسي العراقي – صناعة الإدراك وتشويه الوعي الجمعي..!


ناجي الغزي

الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 17:46
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تقول المنظرة السياسية حنّه أرندت، في كتابها أسس التوتاليتارية
“حيثما يفشل الناس في صياغة تصور عقلاني عن واقعهم، يتكفل الخوف والأساطير بملئ الفراغ.”

في تحليل المشهد السياسي العراقي منذ العام 2003 وحتى اليوم، تتجلى ظاهرة خطيرة أصبحت جزءاً من البنية الذهنية العامة: هي فقدان الثقة بالعملية السياسية برمتها، وتكريس صورة العراق كـ”ساحة” تُدار إرادتها من الخارج لا كـ”فاعل” مستقل في السياسة الإقليمية والدولية. هذا التصور لم ينشأ صدفة، بل هو نتيجة مباشرة لنوعية الخطاب السياسي الذي ساد الفضاء العام،

والذي أدى الى التمزق المعرفي والتشظي الوجداني، حيث أصبح الخطاب السياسي ليس أداة تواصل سياسي فحسب، بل وسيلة هندسة لإدراك مشوه للذات الجمعية. لم يعد السياسي العراقي فاعلًا يسعى لإعادة تشكيل الواقع بما يحترم إمكانات المواطن ومطالبه المشروعة،

بل تحول إلى صانع لرؤية تقوم على نفي الفعل، وإعادة إنتاج صورة العراق كـساحة مستباحة لا كـذات سياسية. ومن خلال تحليل هذه الرؤية يمكن تفكيك المشهد السياسي إلى ثلاثة محاور رئيسية: لغة التخوين، وثقافة التخويف، وآلية التسويف.

الخطاب السياسي كمنتج ومُنتِج

يعمل الخطاب السياسي عبر آلياته اللغوية والرمزية على تكريس منطق اللاجدوى السياسية. حين يتماهى الخطاب مع التخوين والتخويف والتسويف، والخطاب السياسي ليس مجرد مرآة تعكس الواقع، بل هو أداة لإعادة تشكيله.

ففي الحالة العراقية، الخطاب السائد غالباً ما يعيد إنتاج الهزيمة، ويزرع اللاجدوى، ويغذي خيالات المؤامرة والهيمنة الخارجية.

والسياسي العراقي حين يستخدم لغة التخوين، فهو لا يسعى فقط لتشويه خصومه، بل يؤسس لبنية عقلية جماعية تستبطن العجز كحقيقة وجودية. كما يُسقط عن خصمه صفة الوطنية، وحين يعتمد التخويف، يحوّل كل مشروع إلى تهديد وجودي، وأداة لتسطيح الرؤية المستقبلية.
بينما يتحول التسويف إلى تمرين جماعي، يستهلك الزمن والمطالب المشروعة، مؤجلاً الحلول إلى أفق مجهول.

انعكاسات الخطاب على الإعلام

الإعلام العراقي، في غالبيته، وقع فريسة لهذا الخطاب، وتحول من أداة تحليل وفهم نقدي إلى صدى يردد خطابات السياسيين دون تمحيص. وكأنه فقد وظيفته الأصلية كمؤسسة نقدية.

لقد ارتدَّ عن مهمته كوسيط للفهم والتحليل إلى مجرد مكبر صوت يردد صدى الخطابات الطائفية والشعبوية المتشظية، محولاً كل جدل سياسي إلى طقس تعبوي يشبه الحروب الكلامية في العصور المظلمة.

أما البرامج السياسية انحدرت من فضاءات التحليل إلى مستنقعات السجال الفارغ، حيث تحولت إلى ساحات صراع وجدل عقيم بين أطراف تتقاذف الاتهامات، دون أن تقدم للمواطن أي إطار فهم حقيقي للمشهد السياسي، أو استشراف واقعي لمستقبله.

حيث ساهمت في إنتاج الانقسامات المجتمعية تحت لافتة الحياد، بينما تتم عملية تسميم الوعي العام بطريقة ناعمة لكن عميقة الأثر.

بهذا الشكل، أصبح الإعلام يغذي العقل الجمعي بوعي مسموم والإحساس باللاسيادة، ويعزز قناعة المجتمع أن الانتخابات، والحكومات، والمشاريع الوطنية، هي مشاريع نهب وسلب وفشل، وهي ليست سوى استجابات لإرادات خارجية. إنه إعلام يكرس عقدة المفعول به، ويدفن أية بادرة أمل بإمكانية الفعل الذاتي والتحكم بالمصير.

العقل الجمعي واستبطان الهزيمة

تدريجياً، تسرب الخطاب السياسي المأزوم إلى البنية التحتية للوعي الجمعي. حتى صار العراقي لا يتخيل ذاته إلا كـ”مفعول به” لا يمتلك قدرة على تقرير مصيره. الانتخابات باتت تُختزل في صورة سيناريوهات خارجية مُعدة سلفاً، والحكومات تُرى كـ”كومبرس” يؤدي أدواراً مقررة في مسرح إقليمي دولي عابر للحدود. يقول كارل ماركس “الوعي الزائف ليس فقط قناعة خاطئة بالواقع، بل هو بالأساس خضوع لا واعٍ لبنية إنتاج الاغتراب.”
هكذا تشكلت في العقل الجمعي ميتافيزيقا الهزيمة: قناعة راسخة بأن الفعل الوطني مستحيل بطبيعته.

هذه الشكوك لم تعد مجرد آراء متفرقة، بل أصبحت نمط تفكير راسخ: كل مشروع محكوم عليه بالخيبة، كل إصلاح هو واجهة لخداع أكبر، وكل نصر محتمل هو مجرد استراحة لمؤامرة قادمة. هذا الاستبطان للهزيمة صنع جداراً نفسياً هائلاً أمام إمكانية التغيير الحقيقي.

مغذيات هذا الخطاب

تتعدد منابع ومغذيات هذا الخطاب السلبي والكارثي، ومن أبرزها:

1- الواقع السياسي الهش: عجز النخب عن بناء مشروع دولة يحترم الحقوق ويحمي السيادة.
2- الفساد السياسي والإداري: الفشل في تقديم نموذج ناجح يزيد من سهولة تصديق أن القرار الوطني غير موجود أصلاً.
2- الاستقطاب الإقليمي والدولي: الواقع الموضوعي لتدخل القوى الإقليمية والدولية يجعل من السهل على الخطاب السلبي أن يجد مصداقية ظاهرية.
3- تراجع الثقافة النقدية: غياب التعليم النقدي وانهيار مؤسسات التثقيف المدني ترك المجتمع عارياً أمام أي خطاب تعبوي طائفي أو تآمري.
4- انعدام التربية المدنية والنقدية: ترك المجتمع نهباً لخطابات التجييش العاطفي دون دفاعات عقلانية.

نحو خطاب بديل

التعافي من هذه الأزمة يتطلب ثورة إبستيمولوجية في الخطاب السياسي والإعلامي. لا بد من استعادة اللغة كأداة لتحرير الإرادة، لا كأداة لتدجينها.

وذلك عبر بناء خطاب وطني يزرع الثقة بين الجماهير دون أن يزيّف الواقع. خطاب يعترف بوجود معوقات داخلية وتحديات خارجية تواجه النظام السياسي القائم، لكنه يؤمن بالإمكانيات، ويحفز الفعل الذاتي بدلاً من التسليم بالعجز. خطاب يعيد الاعتبار لمفهوم “الإرادة الوطنية” لا كشعار بل كخطة عمل.

وهذه المهمة مسؤولية النخب السياسية والإعلامية التي يفترض ان لا تقتصر رؤيتها على مجرد “وصف الواقع”، بل تتجاوز ذلك إلى مهمة أعمق، صناعة واقع جديد. واقع ينبثق من خطاب نقدي وعقلاني، يضع الإنسان العراقي في مركز المعادلة، بوصفه مصدر الشرعية وحامل مشروع التغيير، لا مجرد ضحية دائمة لمؤامرات لا تنتهي.

إن بناء مستقبل العراق لن يتحقق عبر شعارات جوفاء ولا بخطابات تغذي الخوف والاتهام، بل يحتاج إلى إرادة نقدية متسلحة بوعي عميق بجذور الأزمة، وإلى شجاعة قادرة على ابتكار السبل لتجاوزها.



#ناجي_الغزي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حملة تطهير الدولار: بين الشعارات المثالية وأهداف الهيمنة..!
- التضخم في الاقتصاد العراقي: العوامل المؤثرة وتفاعلها
- طرق التفكير بين الواقع والوهم
- الوعي السياسي والهذيان الجماعي
- الأقنعة السياسية
- العراق بين سلاح العشائر والمليشيات
- العراق دولة ريعية ورعوية مقيدة
- دولة القانون بين الواقع والطموح
- قراءة أنثروبولوجية في بنية النظام السياسي العراقي
- العقل الجمعي والنزعة الفضائحية
- تأثير الاحزاب على النظام السياسي
- الثقافة السائبة
- النزعة القبلية وسلطة الدولة
- عملة جديدة تحد من هيمنة الدولار الأمريكي
- المصداقية السياسية
- الاستراتيجية التنظيمية للأحزاب
- التخلف السياسي في المشهد السياسي العراقي
- الشعبوية السياسية وتداعياتها الاجتماعية
- لماذا تنتظر السعودية النجف في التطبيع مع اسرائيل؟
- الهوية الصناعية الإماراتية .. والهوية الصناعية العراقية


المزيد.....




- توجيه تهمة -السلوك الجنسي الإجرامي- لشرطي أمريكي اعتدى على ط ...
- مصر.. أول رد رسمي بعد موجة شكاوى قائدي السيارات من جودة الوق ...
- أسباب الفشل الإسرائيلي للتصدي لصاروخ حوثي باليستي استهدف مطا ...
- التلفزيون الجزائري يصف الإمارات بـ-الدويلة المصطنعة- بعد حدي ...
- العدل ترفض دعوى ضد الإمارات والحكومة السودانية تجدد اتهاماته ...
- حكومة نتنياهو تهدد حماس بـ-عربات جدعون- إذا لم تقبل بشروط إس ...
- قوات الدعم السريع تستهدف بورتسودان
- الشرطة الإسرائيلية تعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من الأردن
- ترامب يهاجم الديمقراطيين ويتهمهم بمحاولة عزله
- الجالية الروسية في تونس تحيي عيد النصر


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ناجي الغزي - الخطاب السياسي العراقي – صناعة الإدراك وتشويه الوعي الجمعي..!