الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 04:48
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
في فاتح ماي، يخرج الوطن ليحتفل بطبقته العاملة، وهي ممددة في الإنعاش، موصولة بأجهزة تنفس اصطناعي من عهد الحماية، بينما الطبيب المكلّف بالملف مشغول بصفقة تجهيز مصحته الخاصة. نُحيي عيد الشغل تمامًا كما يُقام عيد ميلاد لطفل لم يولد قط، ببالونات فارغة وكعكة بلا سكر، وتُطلب من الجميع ابتسامة جماعية لألبوم لا يُعرض.
العامل المغربي لا يملك ترف الاحتفال، لأنه في الغالب لا يملك عملًا. وإن ملكه، فلا يملكه. يشتغل في مصنع لا يعرف فيه اسم صاحبه، أو في مقاولة مكتوب على بابها "الحياة فرص"، بينما لا تمنحه حتى فرصة الذهاب إلى المرحاض دون إذن. وفي يوم العيد، يُطلب منه أن يتذكر "مكتسبات النضال"، بينما هو ما يزال يضع حذاءه البلاستيكي في قنينة ماء، ليعود إلى البيت برجليه سالمتين.
النقابات بدورها تحتفل، تطبع بلاغات مليئة بالحنين لعبارات شاخت قبل أن تولد الأجيال الجديدة. يخرج الزعيم النقابي بخطاب مرتجل، يرتدي نظارات تخفي أثر النوم، ويصرخ في الحاضرين: "كفى استهتارًا"، فيصفّق الواقفون ليس لأنهم يصدّقون، بل لأن التصفيق لا يُكلفهم أكثر مما كلفهم السكوت.
في هذا اليوم، يتذكر الجميع أن هناك طبقة عاملة، مثلما نتذكر يوم عاشوراء أن هناك أيتامًا. تُوزع الوعود المجانية، ويُطلب من العامل أن يصبر، أن يتفهم، أن يقتنع أن الوطن مشروع طويل الأمد، وأن "الخير جاي". والمكتسبات عندنا، تشبه القطار الذي لا يصل، لكن المذيع في المحطة يصر أن القطار لم يتأخر، فقط الركاب جاؤوا أبكر من اللازم.
العيد، في الحقيقة، ليس للعامل. العيد للذين نجحوا في أن يبقوا فوقه: فوق أكتافه، فوق أنفاسه، فوق دمه. هو مجرد كومبارس موسمي في مسرحية سنوية، دوره أن يهتف، أن يرفع لافتة، أن يُصفّق، ثم يختفي خلف الستار ليغسل قميصه من بقع الشعارات.
في عيد الشغل، يُطلب من العامل أن يبتسم لأن الدولة تذكّرته ليوم واحد. أما بقية العام، فيُطلب منه أن ينحني، أن يوقّع، أن يشتغل صامتًا، أن يموت قليلًا كل مساء، كي يعيش الوطن طويلًا في نشرات الأخبار.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟