دور الثقافة في التحرر البشري: دراسة مقارنة بين شوبنهاور وهوبز

مزوار محمد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 21:59
المحور: قضايا ثقافية
    

بقلم الدكتور مزوار محمد سعيد
مكتبه في بورتون أون ذا ووتر

في فلسفة آرثر شوبنهاور، تُعتبر الثقافة حالة من الفهم العميق للطبيعة البشرية وتطور العقل البشري بعيدًا عن غرائز الذات والمصالح الشخصية. يربط شوبنهاور الثقافة بالأبعاد الروحية والفكرية التي تتجسد في مجالات الفن، الفلسفة، والعلم، والتي تهدف إلى تحرير الإنسان من المعاناة الناجمة عن رغباته المفرطة وأوهامه. يرى شوبنهاور أن الحياة مليئة بالصراع الداخلي والتوتر نتيجة للغريزة والرغبة المستمرة في الامتلاك، ولكن الإنسان يستطيع من خلال الثقافة أن يصل إلى لحظات من التنوير الفكري التي تمنحه القدرة على التراجع عن هذه الصراعات. بالنسبة لشوبنهاور، يُعد الفن الوسيلة الأسمى التي يمكن من خلالها للإنسان أن يعيش تجربة العالم بعيدًا عن الأنا، بحيث يتجاوز القيود الذاتية التي تفرضها رغباته.

في المقابل، ترتبط فكرة الثقافة عند توماس هوبز ارتباطًا وثيقًا بنشوء الدولة وتنظيم المجتمع. فهوبز يرى أن الثقافة ليست مجرد فكر وفن، بل هي الأطر الاجتماعية التي تحفظ النظام وتوفر الأمن. في فلسفته، يُعتبر الإنسان في حالته الطبيعية كائنًا يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية بعيدًا عن أي اعتبار للآخرين، مما يؤدي إلى حالة من الفوضى المستمرة. ومن هنا جاءت ضرورة إنشاء الدولة والسلطة السياسية كوسيلة لضبط هذه الفوضى وتوجيه الطاقات البشرية نحو التعاون الاجتماعي. لذا، الثقافة في منظور هوبز هي أساس التنظيم الاجتماعي الذي يضمن التوازن ويحفز التعاون في المجتمع.

إن مقارنة أفكار شوبنهاور وهوبز تكشف عن اختلاف جوهري في كيفية فهم دور الثقافة في الحياة الإنسانية. ففي حين يرى شوبنهاور الثقافة كوسيلة لتحرير الفرد من الصراعات الداخلية والرغبات الذاتية من خلال الفن والفلسفة، يُنظر إلى الثقافة عند هوبز على أنها منظومة من الأطر الاجتماعية التي تضمن النظام وتوجه سلوك الإنسان نحو المصلحة الجماعية. وبالتالي، يتخذ شوبنهاور من الثقافة وسيلة للارتقاء الروحي، في حين أن هوبز يجعلها أداة للحفاظ على النظام السياسي والاجتماعي.

في هذا السياق، يُمكننا القول إن فكرة الثقافة في فلسفة شوبنهاور تتماشى مع كثير من الأطروحات الفلسفية التي تركز على الوعي العميق والتحرر من قيود الرغبات الفردية. وهذه الأفكار تتناغم مع فكر الدكتور مزوار محمد سعيد الذي يرى في الثقافة أداة أساسية لفهم الذات والوجود بشكل أعمق. ربما تجد هذه التأملات الفكرية مكانًا في مكتبه في بورتون أون ذا ووتر، حيث تساهم في إثراء النقاش الفلسفي حول دور الثقافة في الارتقاء بالإنسان وتجاوز حدود المعاناة اليومية.

#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات