أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - نادين كورديمر ومضات اليراع















المزيد.....

نادين كورديمر ومضات اليراع


محمد نجيب السعد

الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 17:12
المحور: الادب والفن
    


لماذا يصبح موت الرواية موضوعاً جيداً يتدارسه المعنيون مرة كل سنة تقريباً، في حين لا يتعرض أحد منهم للقصة القصيرة؟ لا يمكن ان يكون السبب (لنستعير اللغة التي يتحدثون بها) أن النقاد الأدبيين يعتبرون القصة القصيرة مجرد شكل أدبي ثانوي. لكن معظم هؤلاء النقاد، عندما يتعرضون للضغط، سيصرحون قائلين بان القصة القصيرة شكل أدبي عالي المهارة والتخصص وأقرب ما يكون الى الشعر .. الخ. لكن يجب الضغط على هؤلاء والا فأنهم سيعافون مناقشة القصة القصيرة نهائياً. عندما يُبرّز تشيخوف فأنه يُبرّز ككاتب مسرحي، وتصبح كاترين مانسفيلد وجه آخر من وجوه السيدة تشاترلي . لكن أحداً لم يوح بأننا نكتب شكلاً فنياً ميتاً . واصلت القصة القصيرة العيش مثل طفل يعاني من الإهمال الصحي .
كتب غور فيدال مؤخراً في مجلة أنكاونتر قائلاً :" لا نبالغ كثيراً عندما نقول بأنه ما من أحد يفضل الرواية كثيراً . إن القراء الكثيرين الذين أعتادوا على الإستمتاع بقراءة الأعمال القصصية النثرية يفضلون الأفلام السينمائية والتلفزيون والصحافة والكتب المرجعية." فأن أستولت السينما والتلفزيون على مساحات واسعة من أراضى الرواية ، مثلما أجبر التصوير الرسم على الانسحاب الى أراضٍ بورٍ تزهر أو لا تزهر ، ألم تُستباح القصة القصيرة أيضاً ؟ هذا النقاش نقاش مهني ولن يبدو ضرورياً لنا المرور بالتعريفات القديمة التي تتناول أين وكيف تختلف القصة القصيرة عن الرواية، لكن الجواب على ذلك السؤال يجب ان يكمن في مكان ما هنا. تستعمل القصة والرواية نفس المادة وهي التجربة الإنسانية وللأثنين نفس الهدف وهو نقل تلك التجربة. كلاهما يستخدمان نفس الوسيلة وهي الكلمة المكتوبة. هنالك بغضٌ عام ومتكرر للرواية بإعتبارها وسيلة لتوضيح الحقيقة - وهو تعبير أخر لنوعية الحياة الإنسانية - وهنالك حتماً نزعة لتحميل الوسائل المسئولية - لقد أصبحت الكلمات بليدة بصورة ميئوس منها بسبب كثرة الاستعمال وأشبعها رجال الإعلانات ضجيجاً، وفوق كل شيء حقرتها العقائد السياسية التي غيرت وحورت معانيها. جُربت العديد من الطرق للخروج من هذا الوضع. في إنكلترا تم الرجوع الى الأسلوب الكلاسيكي والتحول نحو غرائبية الانحراف الجنسي والشذوذ العقلي والجسدي بوصفها إمتداداً للتجربة الانسانية وإمتداداً لموضوع الكتابة. وفي ألمانيا وأمريكا كانت هنالك حرية مدهشة في تحويل ضبابية الرواية المتأصلة من خطيئة الى فضيلة من خلال حشوها برغوة بلاستيكية قصصية تحليلية من القرن العشرين وليس بقصص طويلة من القرن التاسع عشر. وفي فرنسا كانت الرواية المختبرية تحاول الخلاص من لعنة الشكل الذي يجعل من الإنسان مركزاً لكل شيء، ومن وهم عمق الرواية النفسية، والهبوط قريباً من موقع فرجينيا وولف قبل عدة سنوات وهي تتطلع نحو أثر على الحائط . لقد اخترع بوروز رواية مشاركة القارئ . وبالنسبة للكلمة الميتة فقد اخترع جورج شتاينر الصمت بديلاً عنها .
فلو كانت القصة القصيرة حية ترزق والرواية ميتة فيجب أن يكمن سبب تجاهل القصة القصيرة في الطريقة والمقالابة . إن القصة القصيرة بوصفها شكلاً أدبيا ونوعاً من أنواع الرؤية الإبداعية يجب أن تكون مستعدة أكثر لمحاولة الإمساك بالحقيقة المطلقة في وقت (بغض النظر عن الطريقة التي نختارها للنظر الى تلك الحقيقة ) نقترب فيه من سر الحياة أو نضيع في قفرٍ خوار من المرايا، بينما تصبح طبيعة تلك الحقيقة أكثر وضوحاً أو اكثر غموضاً نتيجة للإختراعات العلمية وكثرة وسائل الاتصال خارج نطاق الكلمة المطبوعة.
بالتأكيد كانت القصة القصيرة وما زالت أكثر مرونة وإنفتاحاً على التجريب من الرواية. لقد خضع كتّاب القصة القصيرة دائماً وفي وقت واحد لنظام فني أكثر تشدداً ولحرية أوسع من الروائي. عرف كتّاب القصة القصيرة (وكذلك أوجدوا له حلاً من خلال طبيعة أختياراتهم للشكل ) ما إكتشفه الروائيون بعد يأس من أن أقوى تقاليد الرواية -(وهو التماسك الطويل للنغمة والذي يجب أن تلتزم به حتى أكثر الروايات تجريبية كي تتجنب التفكك)- مغاير لطبيعة كل ما يمكن فهمهه من الحقيقة الإنسانية. كيف سأعبر عن ذلك ؟ لكل منا ألف حياة بينما تمنح الرواية كل شخصية فيها حياة واحدة فقط . وذلك من أجل الشكل فقط . قد يتلاعب الروائي بالترتيب الزمني للحوادث ويلقي بالسرد جانباً . وكلما أمسكت شخصيات الروائي بالقراء كلما كانت هناك علاقة متواصلة عبر التجربة لا تحمل ولا يمكنها أن تحمل خاصية الحياة الإنسانية حيث يكون الاتصال أشبه ما يكون بومضات اليراع تشتعل وتنطفئ هنا وهناك في الظلمة .
يرى كتّاب القصة القصيرة بواسطة الضوء الذي تحدثه الومضات. إن فن القصة القصيرة هو فن الشيء الوحيد الذي نستطيع معرفته حق المعرفة - اللحظة الراهنة . لقد تعلم هؤلاء الكتّاب العمل بدون إيضاح لما جرى قبل هذه اللحظة وما سيجري بعدها. ما ستظهر عليه الشخصية وكيف تفكر وتتصرف وتفهم غداً أو في أية لحظة من حياتها هي أمور غير واردة . إن الهدف هو لحظة منفردة للحقيقة - وليست لحظة الحقيقة - لأن القصة القصيرة لا تتعامل بالمتراكمات .
ومن زاوية فنية أو أسلوبية إعتاد كتّاب القصة القصيرة على أيجاد الحلول لمشكلة الطريقة المثلى للامساك بالحقيقة المطلقة من خلال العلاقة مع حقل معين واضح المعالم في موقف واحد. قد يكون هذا الحقل واقعة أو حالة عقلية أو مزاج أو مظهر. لنأخذ الخيال على سبيل المثال. لقد إزداد إدراك الكتّاب لتأرجح الخط الفاصل بين الخيال وما يسمى بالعقلانية في الفهم الإنساني. من المعروف أن الخيال ليس أكثر من إنحراف في الزاوية. بتعبير آخر إن العقلانية هي خيال من نوع آخر. يلجأ الكتّاب الى الخيال الأقل وضوحاً بإعتباره عدسة أوسع للحقيقة المطلقة. لكن هذا الخيال هو شيء يتغير ويتبدد ويظهر ويختفي كما يحدث للرسم لو نظرنا اليه من خلال قاعدة القدح. يبدو الشيء حقيقياً أثناء اللحظة التي ننظر فيها خلال القدح، لكن الرؤية نفسها لا تنقل كل ما يراه المرء بصورة متواصلة من خلال كامل وعيه. يصبح الخيال في أيدي كتّاب القصة القصيرة أكثر نجاحاً منه في أيدي الروائيين لأنه من الضروري أن يكون فعالاً فقط لغرض التوضيح الموجز للموقف الذي يتسيده. في سلسلة المواقف الروائية المطورة يتحول تواصل نغمة الخيال الى رنين عالي النبرة في إذن القارئ. كم هو عدد روايات الخيال التي تحقق الأهداف التـي شرعت من أجل تحقيقها والتي تنقل التحول والتغير خلال عالم المظاهر وحوله وفوقه وتحته؟ تدرك القصة القصيرة بأن وجود وعي كامل وخاص عند القراء يشابه الوعي الكامل والخاص للكاتب هي مسألة قصيرة الأجل. إن القصة القصيرة شكل قلق ومتشظٍ ، يصيب حيناً ويخطئ حيناً وربما يكون ذلك السبب وراء ملاءمتها الوعي الحديث - الذي يمكن وصفه بصورة دقيقة بأنه ومضات لبصيرة خائفة تتناوب مع حالات عدم إكتراث شبه غافية .
تلك هي إعتبارات فنية وأسلوبية. يربط النقد الماركسي مسألة بقاء شكل فني معين بالتغير الإجتماعي. ماذا عن المضامين السياسية والاجتماعية الكامنة وراء بقاء القصة القصيرة؟ لقد ذكر جورج لوكاش بان الرواية شكل فني برجوازي يستلزم الإستمتاع به الخلوة والترف. هذا ينطوي على إشارة الى غرفة الجلوس والكرسي ومصباح القراءة، مثلما تُلّمح الملحمة الى أناس أميين يتحلقون حول حكواتي القبيلة، ويُلّمح شكسبير الى نوعين من المتفرجين ( في المسارح العامة ومسرح البلاط ) خلال الفترة الإقطاعية. من هذه الزاوية تؤشر الرواية الذروة لثقافة فردية وحيدة وقد وصلت الى أقرب نقطة من الشكل الفني الشعبي ( بمعنى تجميع الناس في مساهمة مباشرة لتجربة فكرية مثيرة) في عادة القراءة المسموعة للروايات في البيوت خلال القرن التاسع عشر. يظهر هذا من جديد أن القصة القصيرة تشارك الرواية نفس العوائق. إن القصة القصيرة شكل فني معزول في التواصل ، ومع ذلك يمثل علامة أخرى لعزلة الفرد ووحدته المتزايدتين في مجتمع تنافسي. لا يمكنك الإستمتاع بتجربة القصة القصيرة ما لم يتوافر عندك حد أدنى من شروط الخلوة في القراءة. وهذه الشروط هي شروط حياة الطبقة الوسطى. بالطبع إن أية قصة قصيرة وبسبب طولها وكمالها يغطيها تماماً الوقت القصير الذي نخصصه لها وهي تعتمد بدرجة أقل من الرواية على الشروط الأساسية لحياة الطبقة الوسطى وربما تتوافق مع الإنحلال الذي كان يجري في تلك الحياة. في هذه الحالة وبالرغم من أن القصة قد تعيش فترة أطول من الرواية فأنها قد تصبح طرازاً قديماً عندما تحل أشكال اجتماعية جديدة وأشكال فنية تعبر عنها محل الأشكال السائدة في فترة الانحلال. لسنا مضطرين الى تحمل الوطأة الثقيلة للواقعية الإجتماعية التقليدية في الأدب من أجل ضمان ذلك. إن عصرنا يقلب الأمور بيأس للخلاص من العزلة الإنسانية الفردية وأن اشكالنا الأدبية الحالية غير مناسبة لذلك، ويظهر ذلك واضحاً في العاب الملابس التنكرية البالية ،من نظريات مكلوهن وحتى الفن الشعبي ، حيث ننشد هناك بدائل لتلك الأشكال .
عنوان المقال المترجم NADINE GORDIMER: THE FLASH OF THE FIREFLIES. SHORT STORY THEORIES



#محمد_نجيب_السعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهج معرفي للقصصية
- تشارلز مَي : نقد القصة القصيرة في الولايات المتحدة الأميركية
- لويزا ماريا غونزاليس رودريغيز التناص والكولاج في قصص بارثيلم ...
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ...
- التقليلية في الشعر : مقدمة تعريفية
- القصة المايكرو
- قصص همنغواي القصيرة /3:
- حروف سوداء فوق صفحات بيض: أدب سكان استراليا الأصليون
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-5
- قصص همنغواي القصيرة/2
- قصص همنغواي القصيرة /1
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-4
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-3
- وداعاً للسلاح وعناقيد الغضب : تقليلية همنغواي وتكثيرية شتاين ...
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-1
- هل الأكثر يعني أكثر أم الأقل يعني الأكثر : بين التقليلية و ا ...
- رسائل إليوت الى إميلي هيل تكشف عن لوعة حب كبيرة
- لماذا ما زلنا نقرأ إرنست همنغواي؟
- صور الحرب عند همنغواي
- همنغواي : أسلوب اللاأسلوب


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - نادين كورديمر ومضات اليراع