أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-3















المزيد.....


التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-3


محمد نجيب السعد

الحوار المتمدن-العدد: 6475 - 2020 / 1 / 28 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


الحذف في قصة قطة تحت المطر* لهمنغواي
قطة تحت المطر هي قصة قصيرة لإرنست همنغواي (1899-1961) نشرتها لأول مرة دار نشر بوناي وليفرايت في نيويورك في عام 1925 ضمن مجموعة "في زماننا" . أثارت القصة الكثير من الأهتمام النقدي لسببين رئيسين هما الأشارات الكثيرة فيها لحياة المؤلف الخاصة وكذلك لنظرية جبل الجليد أو الحذف.
وفقا لكتاب قطط همنغواي، كتب همنغواي القصة تكريماً لزوجته هادلي. أمضى الزوجان عدة سنوات في باريس، كانت هادلي تمضي معظم وقتها وحيدة بسبب أنشغال زوجها في العمل. طلبت هادلي أن تقتني قطة الًا أن همنغواي أخبرها أنهم فقراء ولا يستطيعون ذلك. عندما أصبحت هادلي حاملاً ، كتب همنغواي القصة ، بناءً على ما يبدو على حادثة وقعت في رابالو في جنوا(حيث زار الزوجان عزرا باوند في عام 1923). عثرت هادلي على هريرة وقالت: "أريد قطة ... أريد قطة. أريد قطة الآن. مادمت لا أمتلك شعراً طويلاً وما من تسلية أقضي بها وقتي، أريد قطة إذن."
تدور القصة حول رجل وأمرأة أمريكيين يمضون إجازة في إيطاليا وأحداثها تقع داخل أو بالقرب من الفندق حيث يقطن الأثنان ، والذي يواجه البحر وكذلك "الحديقة العامة والنصب التذكاري للحرب".وبسبب المطر يبقى بطلا القصة داخل الغرفة . بينما تراقب الزوجة الأمريكية المطر، ترى قطة صغيرة، انكمشت مرتجفة تحت احدى الموائد الخضر المبللة." تقرر الزوجة :
- انا ذاهبة تحت لجلب تلك القطيطة.
عرض زوجها وهو في فراشه:
- انا سأذهب..
- كلا، سوف أتي أنا بها، المسكينة تحاول جاهدة تفادي البلل تحت المنضدة. "
في طريقها إلى الطابق السفلي ، تصادف الزوجة الأمريكية صاحب الفندق وتتحث معه لفترة قصيرة . في هذا الحديث ، يركز همنغواي على وجه التحديد على كيفية إعجاب الزوجة بصاحب الفندق :
"أعجبها شكله، قالت: - مساء الخير.
- نعم، نعم سنيورة، ياله من جو فظيع.
وبقي في مكانه عند الركن البعيد القليل الضوء من الغرفة، بدت الزوجة معجبة به، أعجبتها طريقته وجديته الكبيرة حينما يتلقى شكوى من احد ما، أعجبها وقاره وأسلوبه في تقديم الخدمة لها، وإحترامه لمنصبه، كما أعجبتها شيخوخته، صرامة وجهه، ويديه الضخمتين."
عندما وصلت الزوجة الأمريكية أخيرًا إلى الخارج لم تجد القطة ، وعادت إلى الغرفة. بعد ذلك ، أجرت الزوجة الأمريكية محادثة (من جانب واحد) مع زوجها حول الأشياء التي تريدها في حياتها ، وخاصة كيف تريد أن تستقر (ليس في إجازة عابرة كما في القصة):
" -كما أرغب تناول طعامي على مائدة بالأواني الفضية خاصتي تحت ضوء الشموع، ارغب بمقدم الربيع، وتمشيط شعري في الهواء امام المرآة، اريد قطة وبعض الفساتين الجديدة. "
ومع ذلك ، يواصل زوجها جورج قراءة كتبه وهو غير عابيء بشأن ما تريد زوجته . تنتهي القصة عندما تصل الخادمة ، ممسكة بقطة شعرها بلون درع السلحفاة، تخلصت القطة من قبضتها بعناد وراحت تتأرجح عكس الأتجاه محاولة النزول:
- عفوا ..(قالت) طلب مني المدير احضارها من أجل السنيورة..
كتب كارلوس بيكر يقول أن همنغواي تعلم من قصصه القصيرة كيفية "الحصول على أقصى استفادة من الأقل ، وكيفية تقليم اللغة ، وكيفية مضاعفة شدتها ، وكيفية قول الحقيقة المجردة بطريقة توحي بأكثر من الحقيقة ". أصبح هذا الأسلوب يعرف باسم نظرية جبل الجليد (أو أحيانًا" نظرية الحذف " و لاحقاً عرف بالتقليلية) لأنه في كتابات همنغواي تطفو الحقائق الصعبة فوق الماء بينما يعمل الهيكل الداعم بعيدًا عن الأنظار. كتب همنغواي في كتابه "الموت في الظهيرة" ، "إذا كان كاتب النثر يعلم بما فيه الكفاية عما يكتب عنه ، فقد يحذف الأشياء التي يعرفها ، والقارئ ، إذا كان الكاتب يكتب حقًا بما فيه الكفاية ، سيشعر بهذه الأشياء بقوة كما لو كان الكاتب قد ذكرها ، أن هيبة حركة جبل جليدي تعزى إلى ثُمنه فقط الطافي فوق الماء ".
لقد تعلم همنغواي هذا الأسلوب من عزرا باوند ، الذي ، وفقًا لهمنغواي ،" قد علمه أكثر من الجميع حوله عن الكتابة وغير الكتابة ". وبالمثل ، تأثر همنغواي بجيمس جويس الذي علمه "أن لا يبقي الا الأساسيات في عمله".
تبدو نظرية الجبل الجليدي واضحة في قصة قطة تحت المطر، حيث يحاول همنغواي أن ينقل إحساسًا بالواقع. فكرة وجود "شيء ما تحت السطح" لهذه القصة واضحة بشكل خاص فيما يتعلق بالقطة التي لا تعتبر مجرد قطة. بدلاً من ذلك ، وكما قال شيجيو كيكوشي "إن طبيعة الحيوان يكتنفها الغموض: "إن موقع الغرفة البعيد والكلمتين اللتين توحيان بحجم القط ، لهما أثر إخفاء (عن القاريء) حجم القطة ونوعها . [مما يجعل] من المستحيل تحديد القطة التي في المطر. ولكن ماذا تمثل القطة؟ أحد التفسيرات التي قدمها النقاد هو أن القطة هي مظهر جسدي لرغبة الزوجة في الطفل: "القطة تعني حاجتها للطفل".
نهاية القصة مفاجئة وغامضة على حد سواء ، وتتوقف على سر هوية قطة شعرها بلون درع السلحفاة. نحن لا نعرف ما إذا كانت هي القطة ذاتها التي رأتها الزوجة في الخارج وبالتالي لا نعرف ما إذا كانت ستكون سعيدة بالحصول عليها. "
جاء في عرض لصحيفة نيويورك تايمز حول حبكة القصة "هذه الأسطر القليلة أختصرت حياة كاملة " من السخط" ، من البحث في الخارج عن بعض الإنجازات غير المعروفة ."
نشرت قصة قطة تحت المطر لأول مرة في نيويورك عام 1925 ، في مجموعة في زماننا التي تستمد عنوانها من كتاب أنجليكاني للصلاة ("أمنحنا السلام في زماننا يا رب" ). و المجموعة ضمت بالأضافة الى قصتنا قصص المخيم الهندي و نهر ذو قلبين كبيرين وغيرها. وبعد نشر المجموعة حظيت بأشادة من العديد من الكتاب البارزين في تلك الفترة ، منهم فورد مادوكس فورد وجون دوس باسوس وسكوت فيتزجيرالد لاستخدامها لغة بسيطة ودقيقة لإيصال مجموعة واسعة من المشاعر المعقدة ، وحصل همنغواي على مكان بجانب شيروود أندرسون وجيرترود شتاين من بين الكتاب الأميركيين الواعدين في تلك الفترة. أثنت عليها صحيفة نيويورك تايمز بسبب لغتها " القوية والحيوية والعامية والجديدة ، الصارمة والقشيبة ؛ أن نثر همنغواي كائن عضوي قائم بذاته. كل مقطع لفظي يصور تجربة محفزة وساحرة . " قال الكاتب دي أج لورانس إن مجموعة "في زماننا " كان عبارة عن "سلسلة من مشاهد متتالية لحياة رجل ... رواية مجزأة ... إنه كتاب قصير: ولا يدعي أنه يدور حول رجل واحد ، لكنه كذلك. إنه كذلك. هو قدر ما نحتاج إلى معرفته عن حياة الرجل. المشاهد قصيرة وحادة وحيوية ومعظمها ممتازة. " قال جيمس ميلو " إن المجموعة توضح تأثير جيرترود شتاين [معلمته و صديقته في باريس ] خاصة كتابها ثلاث حيوات.
تخلق قصة قطة تحت المطر صعوبة في التفسير بسبب الحذف المتعمد لهوية عنصر مركزي وسد الفجوة الناجمة عن ذلك الحذف برمز مرن وموحٍ للغاية. أن تقديم صاحب الفندق قطة لهذه المرأة يجعلنا أمام تفسير واحد: أرادت المرأة قطة و عرف صاحب الفندق بذلك فأهداها واحدة. لكن كقراء قد نشعر بأن هذا الاستنتاج غير مرض وذلك لأننا غير متأكدين مما إذا كانت القطة المهداة هي نفسها التي أرادت إنقاذها في الأصل. من خلال تمديد الوظيفة الرمزية للقطة ، يمكن القول أن القطة تمثل في هذا السياق رغبتها في السعادة لأنها لا تشعر بالرضا حالياً. يصبح السرد عندها " ليس حول هوية القطة ، ولكن عن السعادة أو سعادة المرأة. نرى أن الأقل يصبح أكثر من خلال الحذف المباشر لأحد عناصر السرد المحوري ، هنا ، هو هوية القطة. لكن هوية القطة ، التي هي النواة السردية ، تم حذفها عن عمد. يبدو أن قصة قطة تحت المطر فيها حل للحبكة ( المرأة حصلت على القطة في النهاية) بينما هي في الحقيقة حبكة أيحائية (نحن القراء لا نعرف هل القطة هي ذاتها التي رأتها المرأة تحت المنضدة وذهبت اليها). يخلق همنغواي ما يبدو أنها قصة واقعية تقليدية - مع حبكة تتطور زمنياً ( بداية ووسط ونهاية ) ، وفيها سبب وتأثير واضحان ، وفيها تركيز على العالم المادي - ثم يحبط توقعات القارئ برفضه تحديد عنصر حاسم ، وبذلك يزعزع توقعات القراء بأن القصة سيتم حلها بوضوح.
لو أن همنغواي أطال زمن القصة قليلاً أو أنه سمح للمرأة بالحصول على ذات القطة التي ترغب فيها ، لربما قدم إجابات على الأسئلة التي أثارها النص. بدلاً من ذلك ، يبقى النص غير محدد ، حتى العنوان ، مجرد قطة تحت المطر . أن أستخدام مجموعة متنوعة من العناصر الأسلوبية المختلفة - عدم وجود لغة مجازية ؛ الاستخدام "الواقعي" للوقت السردي ؛ أسلوب دلالي "غير ملتزم" ؛ راوي بضمير الغائب والمنظور السردي المرن – تتوحد جميعاً لمنع السرد من توضيح نفسه. على هذا النحو ، فإن القصة هي محاولة متعمدة للغموض من خلال الحذف.
هذا الحذف يفسح الطريق أمام التعددية الرمزية ؛ أن هوية القطة غامضة للغاية ، بحيث يمكن للقارئ توفير عدة قراءات لقيمتها الرمزية. قد تكون القطة ، على سبيل المثال ، رمزًا لنوع الأمن المادي الذي ترغب فيه الزوجة. هذه الرغبات جرى التصريح بها قبيل نهاية القصة ، الشعر الطويل والأواني الفضية على طاولة طعامها وهي رغبات لم يبد الزوج أي أهتمام بها. قد تمثل القطة رغبة في الحصول على طفل .وهذا يعني أن القطة التي تحصل عليها في نهاية القصة والمقدمة من رجل آخر قد توحي الى رغبتها في الحصول على طفل يمكن أن تتم مع رجل آخر. يبدو أن محنة القطة تعكس عواطف المرأة . تجسد رغبة الزوجة في الحصول على القطة رغبتها في الاتصال والتواصل الوثيقين. عندما تعود إلى الطابق العلوي إلى غرفتها ، وهي تشعر بخيبة أمل بعد إخفاقها في العثور على القطة تحت طاولة المقهى ، تخبر جورج أنها تريد قطة تضعها في حجرها وتسمع خرخرتها كلما لامستها . وهذه أشارة واضحة للاتصال الجسدي وحاجتها للروابط العاطفية الحميمة ، وهي الروابط التي يبدو أنها تفتقر إليها الأن مع جورج.بالأضافة الى ذلك علينا أن نفهم رمزية القطة بالعلاقة مع مجموعة من الرموز المصاحبة مثل البحر النصب الحربي والمطر والمناضد.يمثل البحر يمثل عقلًا واسعًا يريد دائمًا الحصول على أي شيء يريده صاحبه والنصب الحربي يمثل الملل الذي يطغي على العلاقة في القصة وبعبارة أخرى الزواج التعيس. يرتبط المطر ( الذي يذكره المؤلف في المقطع الأفتتاحي القصة ست مرات ) بالحزن وأحيانا الموت عند همنغواي بينما تمثل المناضد المحاولة لأنقاذ الزواج ( القطة تجلس تحت منضدة لحمايتها من المطر ) . والنتيجة هي غموض كبير، مما يجعل القارئ غير قادر على فهم المعنى بوضوح ، بالنظر إلى مجموعة متنوعة من الخيارات التفسيرية الموحية.
تتشارك قصتنا في أستخدام الحذف مع مجموعة من القصص المعاصرة ، مما يعكس عدم رغبة القصة القصيرة الحديثة في حل نهاياتها (أي تركها مفتوحة) ، خاصة كارفر ومحاولاته في أحباط النهايات " الجلية" . توفر نهاية القصة القصيرة الفرصة للإجابة على أي أسئلة يطرحها السرد وللمساعدة في توضيح أي غموض. في الوقت نفسه يمكن أن تصبح النهاية فرصة لأثارة المزيد من الغموض.وهذا الأسلوب أستخدمه همنغواي لأجل المزيد من المشاركة الفعالة من قبل القراء .
إحدى النظريات الحداثوية لنهاية القصة المفتوحة هي أنها تعكس الواقع بشكل أكثر دقة. تقليديا ، القصة القصيرة تجمع وتحل في نهايتها كل المشاكل التي يثيرها السرد . هذا يعني أن حياتنا تنقسم بدقة إلى أقسام لها أهمية منفصلة يمكن تحديدها. بدأ كتاب أوائل القرن العشرين بالتشكيك في هذا الأمر ، ومن الأمثلة البارزة على ذلك كاثرين مانسفيلد ، التي كانت سردياتها "غير حاسمة" لأنها تحتوي على حبكات مغلقة أو أنها تركز على أحداث قد تبدو بسيطة وخلقت اتجاهات جديدة في القصة القصيرة. بالنسبة للكتاب مثل مانسفيلد ، تتباعد حدود تلك الأقسام الظاهرة لتترك شيئًا ما يشبه العملية ، حيث تتلاشى النهايات والبدايات في بعضها البعض. مثل هذه الفكرة تدعم استخدام جيمس جويس لتقنية "تيار الوعي" ، وخاصةً في مناجيات مولي بلوم في أوليسيس ، حيث تكون العملية مهمة بقدر أهمية النتيجة.
إذا كان طموح الكاتب هو البدء في التعبير عن الواقع ، فعليه أن يعكس هذا في هيكل عمله. ربما كان الأهم هو رفض النهاية المغلقة واستبدالها بنهاية قصة غير مكتملة وغامضة. ومع ذلك ، فقد ذهب بعض النقاد إلى أبعد من ذلك واقترحوا أن النهاية المفتوحة لا تعكس حقيقة واقعة فحسب ، بل وبشكل أكثر تحديداً واقع القرن العشرين. في حالة همنغواي ، كانت القصة المفتوحة غير الكاملة انعكاسًا للعزلة وخيبة الأمل والنضال المستمر. كانت هذه سلسلة من الصفات التي تتجه نحو تعريف الوضع الأدبي الحديث بعد الحرب العالمية الأولى وما تلاها من الشتات و التشرذم . في هذا المعنى ، كان همنغواي متحدثًا باسم ما أصبح يُعرف باسم "الجيل الضائع " ، وهو مصطلح صاغته جيرترود شتاين للإشارة إلى مجموعة من الأمريكيين في أوروبا ، في نهاية الحرب العالمية الأولى ولكنه طبق بشكل عام على مجموعة من الكتاب والفنانين ، عاشوا خيبة أمل بسبب الحرب وعاشوا ايضاً عداء لمعايير الأخلاق الفيكتورية.
كان الغموض كاملاً ، وكانت تجربة القراءة غير واضحة ومتباينة لما بدى أنه عكس ذلك ، حيث أربك همنغواي العديد من نقاده الأوائل من خلال استخدام القصة المفتوحة وغير المكتملة في مجموعته القصصية " قي زماننا" . لا تقدم أي من قصص المجموعة نهاية مغلقة ، كتلك التي نجدها في قصص" تقليدية "مثل" سيدة النمر "لفرانك ستوكتون ،" هدية المجوس " لأو هنري أو "القلادة" لجي دي موباسانت. هذه القصص مع اعتمادها على "صدمة الحل التي تنتهي بها القصص قد تكون أمثلة متطرفة ولكنها توضح الميل إلى حل القصة بوضوح. تحكي قصة هدية المجوس قصة شاب يدعى جيم يبيع ساعة جيبه التي ورثها عن أبيه لشراء مشابك شعر لزوجته التي بدورها باعت شعرها كي تشتري سلسلة لساعة زوجها الثمينة. بعدما يكتشف جيم عدم فائدة المشابك التي اشتراها لزوجته التي باعت شعرها ، نقرأ المقطع التالي :
وبدلاً من أن يعطيها ساعته، استلقى جيم على الأريكة واضعاً كلتى يديه خلف رأسه وهو يقول مبتسماً: لنترك هدايا عيد الميلاد جانباً بعض الوقت، لكن إن أردتِ الحقيقة، فلم يعد إستعمالها الآن مجدياً... لقد بعت ساعتي الذهبية لأحصل على المال الكافي لكي أشتري لكِ هذا المشبك... والآن، لما لا تضعين طبق اللحم يا عزيزتي؟
تنتهي القصة بعد تعليق مقتضب من الراوي يشيد فيه بالمبدأ وراء تقديم الهدايا. تستمر حياة الزوجين الا أن القصة تنتهي بأغلاق تفسيري أو تأويلي الذي قدمه الراوي ، كما يحدث مع الخاتمة الموسيقية .لنقارن ذلك مع نهاية الجزء الأول من قصة " نهر ذو قلبين كبيرين":
من خلال الجزء الأمامي من الخيمة ، تابع توهج النار ، عندما هبت ريح الليل عليه. كانت ليلة هادئة. كان المستنقع هادئًا تمامًا. تمدد نيك تحت البطانية بشكل مريح. طنَت بعوضة على مقربة من أذنه. جلس نيك وأشعل كبريتاً. كان البعوض على قماش الخيمة، فوق رأسه. رفع نيك نار الكبريت صوب البعوض.أصدر البعوض هسهسة في الشعلة. انطفأت الشعلة . أستلقى نيك مرة أخرى تحت البطانية. أنقلب على جنبه وأغمض عينيه. كان يشعر بالنعاس .شعر بالنوم يقترب. تكور تحت البطانية وغفى."
هذا هو مزيج متطور من ما قد نسميه نهاية مرضية وغير مرضية. هذه نهاية مرضية لأنها توفر نقطة واضحة للإغلاق الموضوعي واللغوي.بتكرار كلمة "النوم" ومشتقاتها ، يؤكد المؤلف أهميتها. يستخدم همنغواي التكرار كأداة للإصرار ، أو التركيز ، كما كانت تفعل شتاين. أنماط التكرار تثير التوقعات لدى القاريء. في نهاية هذه القصة ، يكون التأثير متناقضًا. فمن ناحية ، يخلق التكرار إيقاعًا نتوقع استمراره ، ولكن يتم قطعه فجأة بالكلمة نفسها التي يتم تكرارها. تنتهي القصة على الرغم من توقعاتنا ؛ يتم قطع الإيقاع ، والصراع يبقى دون حل. ولكن باستخدام التكرار لإحداث التوقع ، تشير نهاية القصة إلى أن عملية نيك للوصول إلى نهاية مع مشاكله لم تنته بالنسبة له إن لم تكن بالنسبة لنا.
إذا كانت عقولنا تترقب كذلك تفعل القصة . إن قراءتنا للفقرة الأخيرة المؤلفة من جمل قصيرة وبسيطة ، والتي تخلق إيقاعًا توج بتهويدة" النوم " ، تخلق صدى لغويًا لنهاية القصة. قصة نيك غير مكتملة بالمعنى الحرفي وهي نهاية الجزء الأول من قصة من جزأين. علاوة على ذلك ، فإن تكرار "النوم" يتردد مع سلوك نيك المتكرر والطقوسي الموجود في مكان آخر من القصة. في الأوصاف الدقيقة والمدروسة لمسار نيك في الغابة ، أو في نصب خيمته أو في تناول طعامه ، تذكرنا تعويذة "النوم" بالوئام الذي يسود الطبيعة . النوم ، مثل الموت أو عودة شيء ضائع ، هي علامات تقليدية لنهاية قصة قصيرة. إن خلود نيك للنوم بلا منغصات يدفعنا إلى إدراك أن هذا الفصل ، على الأقل ، مغلق ، إن لم تكن القصة كاملة.
إن الطرق التي لا تلتزم بها هذه القصة بالهيكلة التقليدية للقصة القصيرة هي مثال توضيحي هنا. في نموذج مبسط لهياكل القصة القصيرة التقليدية ، ينتهي الجزء الأول الأستهلالي بصراع يتم حله في النهاية ، بينما يوضح الجزء الأخير الكيفية التي يمكن تفسير الحل بها. في مثال ، "هدية المجوس" ، يتم حل القصة عندما يعرف الجميع بما فعلوا وبذلك تحل مشاكل القصة. الا أن قصص همنغواي ترفض نموذج الصراع / الحل لأن الصراع قد لايكون واضحاً أو أن الحل غير مرضٍ أو كليهما.
يؤدي عدم وجود دافع للشخصية إلى تقويض قدرة القارئ على التعرف على الصراع بسهولة . في قصة "نهر ذو قلبين كبيرين" ، لا يعرف القارئ على نحو مؤكد سبب وجود نيك في الغابة ، بخلاف شعوره بالقلق الذي يبدو أن الغابة قد تهدأ ذلك القلق .قراءة أخرى تحتاج الى مصادقة راوي غير موجود: يجب على نيك آدمز أن يواجه ويتغلب على الندوب النفسية التي خلفتها تجاربه في الحرب. لكن أسباب الصراع غير واضحة: الحرب لم تذكر أبداً في القصة أنما ذكرت في الأقصوصة الصغيرة التي سبقت القصة ( يسميها مترجم قصص همنغواي القصيرة موسى الحالول التعريشة) . حيث تقول الأقصوصة أن نيك جلس على الجدار ، ثم تحكي عن إصابة لحقت به في معركة. توفر الأقصوصة التالية نوعاً من الاستمرارية. مرة أخرى ، أصيب جندي بجروح وهو يتضرع الى الله . بعدها تاتي قصة ، "منزل الجندي" ، تحكي عن كريبس ، الذي يجد صعوبة في التأقلم بعد الحرب العالمية الأولى. كارلوس بيكر يعتقد أن كريبس هو نيك آدمز . الا أن الحذف أدى الى تقويض هذه العلاقة ، كما حدث في قصة قطة تحت المطر . يترك القاريء ليفترض لا ليحل ، العلاقة بين التعريشات و القصص.
ولكن كيف يتم التعبير عن هذا الصراع في القصة؟ ما الذي يجب على نيك التغلب عليه؟ يحول همنغواي مصدر قلق نيك إلى رمز ، يبعد من جديد عن معناه الحرفي. تصبح ذكرى الحرب مستنقعاً ، والصراع بين المياه المتدفقة الصافية والمستنقع. إذا كان النهر يمثل الحياة المألوفة السابقة ، وهي الخلاص والوضوح والتجديد ، فإن المستنقع شيء آخر ، مكان مظلم وغريب يمثل في مياهه الغامضة والخطيرة ، المناطق التي لم تستكشفها حتى الآن نفسية نيك المتعبة. من خلال الانتقال حرفيًا عبر المستنقع ، يمكن لنيك التغلب على مخاوفه ، ولكن بأنتهاء القصة ، تبقى أمام نيك فقط إمكانية التجول هناك. من خلال أستخدام الرموز( مثلاً المياه الصافية و المستنقع والتي لا تمتلك الدوافع) للتعبير عن الصراع ، وقع مرام همنغواي على بنية متطورة للقلق الإنساني تقوض الأنماط التقليدية للقصص القصيرة.
+++++++++++++++++++++++++
• وقعت لترجمتين لقصة همنغواي. الأولى لموسى الحالول تحت عنوان قطة تحت المطر الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة و الفنون والأداب في الكويت / ساسلة إبداعات عالمية / العدد 383 / 2010 والثانية قصة في المطر لزعيم الطائي /موقع إيلاف 2007. أعتمدت أحياناً على الترجمتين
• Brennen, Carlene (2006). Hemingway s Cats. Sarasota, FL: Pineapple Press. p. 16.
• Hemingway, Ernest (2006) [1925]. In Our Time. New York: Scribner.
• Baker, Carlos (1972). Hemingway: The Writer as Artist. Princeton: Princeton University Press.
• Hemingway, Ernest (1932). Death in the Afternoon. New York: Scribner. pp. 192.
• Meyers, Jeffrey (1985). Hemingway: A Biography. London: Macmillan.
• Kikuchi, Shigeo (Autumn 2007). "When You Look Away: "Reality" and Hemingway s Verbal Imagination". Journal of the Short Story in English. 49 (3): 149–155.
• Hamad, Ahmad S. Post Structuralist Literary Criticism and the Resisting Text.
• Holmesland, Odd-var-(1990). Jackson J. Benson (ed.). New Critical Approaches to the Stories of Ernest Hemingway. Durham, N.C.: Duke University Press.
• "Prelude to a Mood. The New York Times. October 18, 1925.
• Lawrence, D.H (1962). Robert Weeks (ed.). Hemingway: A Collection of Critical Essays. Englewood Cliffs, N.J.: Prentice-Hall, Inc. pP.93-94.
• Mellow, James R. (1992). Hemingway: A Life Without Consequences. Cambridge, M.A.: Da Capo Press.



#محمد_نجيب_السعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً للسلاح وعناقيد الغضب : تقليلية همنغواي وتكثيرية شتاين ...
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-1
- هل الأكثر يعني أكثر أم الأقل يعني الأكثر : بين التقليلية و ا ...
- رسائل إليوت الى إميلي هيل تكشف عن لوعة حب كبيرة
- لماذا ما زلنا نقرأ إرنست همنغواي؟
- صور الحرب عند همنغواي
- همنغواي : أسلوب اللاأسلوب
- الشمس تشرق أيضا : قراءة في مسودات رواية همنغواي
- شعر الغاوتشو:رعاة البقر الأرجنتينيين
- شعر الأحراش : شعر رعاة البقر الأستراليون
- قراءة في شعر رعاة البقر الأميركيين 2
- و لرعاة البقر أدبهم : قراءة في شعر رعاة البقر الأميركيين 1


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-3