أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - صور الحرب عند همنغواي















المزيد.....



صور الحرب عند همنغواي


محمد نجيب السعد

الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 24 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


هل شهد تصوير همنغواي للحرب تطورا زمنياً في كتاباته ؟ وإذا كان الجواب نعم ، فما هي خصائص هذا التطور؟ بدأ النقد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي النظر الى الحرب لدى همنغواي كموضوع رئيسي وهذا الأعتراف ، أذا جاز التعبير ، يعتبر تحصيل حاصل لأن الكثير من روايات همنغواي وقصصه القصيرة تتحدث عن الحرب بشكل صريح ومباشر في حين أن قسم تلك الأعمال يتناول الحرب بشكل غير مباشر ، مثلا الحديث عن آثار تلك الحرب.شارك المؤلف نفسه في حروب عديدة خلال حياته ، بشكل مباشر، حيث تطوع في الصليب الأحمر و ذهب الى الجبهة الأيطالية أو عمل كصحفي في تغطية العديد من الحروب وكان متزوجا من واحدة من أشهر مراسلي الحرب الناطقين باللغة الإنجليزية في جميع الأوقات. كانت الحرب سببا مهما في شهرة همنغواي وسببا في ظهور قراءات مهمة لأعماله . مع زيادة الإنتاج النقدي لقصص همنغواي و ظهور مقتربات نظرية ، أصبح من الواضح أن الإجماع فيما يتعلق بمركزية الحرب في أعمال همنغواي كان في الواقع يخفي العديد من الأسئلة النقدية العالقة. كيف تطورت أو تغيّرت صور الحرب في أعمال همنغواي القصصية عبر الزمن؟ ما هي بالضبط العلاقة بين قصص المؤلف وتجربته في الحرب؟ وبشكل أكثر تحديدًا ، ما هي العلاقة بين الصدمات الشخصية للحرب في همنغواي والتجارب المؤلمة لأبطاله؟ كيف أثرت تجربة الحرب على أسلوب همنغواي ، ولا سيما وجوديته وبساطته؟ وفي هذا السياق ، ما هي العلاقة بين وجهات نظر همنغواي بشأن الحرب وصور الحرب في كتابات مؤلفين حداثيين آخرين؟ هل حقا همنغواي هو المسئول عن الذكورية والقوالب النمطية لكراهية المرأة؟ ماهو موقع الاخرين ( غير المقاتلين) في الحروب في أعماله القصصية ؟ وأخيراً وليس آخراً ، هل توقع أو لم يتوقع همنغواي ، مثله مثل العديد من زملائه الكتاب الحداثيين ، ما بعد الحداثة الأدبية؟
عند النظر من منظور تاريخاني جديد في الدراسات والسير الذاتية الموجودة و كذلك عند النظر الى القصص الموجودة في المصادر التاريخية المعتبرة ، يمكننا تفسير قصة همنغواي الحربية من منظور تراكيب الهوية ، أي من خلال التركيز على الطرق التي يتم من خلالها نقل أو أعادة أكتشاف الهوية ، اعتمادا على تأثير الحرب على ضمير الفرد ، أولا وقبل كل شيء من خلال تجربة العنف. يمكن أستخدم نقد التحليل النفسي والأنثوي الحديث و الجنساني لتحليل الاختلالات الشديدة أو الاضطرابات في تطور الشخصية ، والاستراتيجيات التي من خلالها تكافح النفس للتغلب على التوترات الناتجة عن الحرب ، والصدمات النفسية للناجين ، والتمييز بين الأدوار التي يلعبها المقاتلون وغير المقاتلين في تصوير الحرب والطريقة التي يتطور بها معنى الصدمة في حالاتهم. كذلك التطرق الى النهج الذي ترتبط به تجربة الحرب في قصص همنغواي بالأنوثة (من خلال تجربة الاستقلال ، وبالتالي قلب الصور النمطية الموجودة رأسًا على عقب) وعلى الذكورة (من خلال تجارب العلاقة الحميمة والإعاقة) في محاولة ناجحة لتقديم تعريف إيجابي للأفراد.
من خلال تحديد هذا التطور ، فقد حظي همنغواي في قصصه التي كتبها عن الحرب العالمية و الحرب الأهلية الأسبانية بميزة التجربة المباشرة والإدراك الجسدي والمادي وظروف الحياة الواقعية. من ناحية أخرى ، في الأعمال القليلة نسبيًا عن الحرب العالمية الثانية ، من بينها رواية عبر النهر ونحو الأشجار (1950) ، التي كتبها همنغواي بعد فترة من الكآبة الحادة والأزمة الإبداعية الناتجة عن توقعات كبيرة من القراء و المهتمين ، ينسحب المؤلف صوب الخيال ويبدو أنه غير قادر على استعادة القوة التي كتب بها سابقًا عن تجارب الحرب.
صورة الحرب عند همنغواي تتمثل في طريقتين مرتبطتين ، اولاهما كعملية عقلية داخلية تتعامل مع المعلومات التي توفرها الصور الأولية والأحاسيس والمفاهيم (أي التمثيل المباشر عبر التجربة ، المقاتل -بطل). وثانياً ، كصورة ذهنية ثانوية للأشياء والظواهر التي سبق تصورها أو تجربتها (مثل التمثيل غير المباشر عبر الذاكرة أو الشهادة ، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتجارب الشخصيات غير القتالية)..
يؤكد نقد همنغواي في الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي على الحرب باعتبارها صورة مهيمنة ، حيث توفر قراءات لأعمال همنغواي من منظور تاريخي وموضوعي وسيرة ذاتي. يمثل هذا الموقف بشكل خاص فيليب يونج ، الذي استخدم في كتابه المهم إرنست همنغواي: إعادة نظر (1959 ، 1964) "نظرية الجرح" من أجل إثبات أن تجربة الحرب العالمية الأولى كانت نقطة تحول في حياة وعمل الكاتب الأمريكي والتي ميزت بشكل حاسم كل ما تلا ذلك من أحداث . في نهاية الستينيات وظهور رواية ما بعد الحداثة ، دخل نقد همنغواي فترة أفول . متحدثة عن تلك الفترة تقول ليندا فاجنر مارتن ، واحدة من نقاد همنغواي الأوائل ، أنه كان من المألوف التركيز على كاتب غامض مثل فولكنر بدلاً من كتاب ، على شاكلة همنغواي ، أعتبروا واضحين .ومع ذلك ، ابتداءً من الثمانينيات ، سعى اتجاه معارض للتقليل من أهمية الحرب في أعمال همنغواي وركز في البداية بدلاً من ذلك على التجريبية الأسلوبية . في الجزء الأخير من العقد ، رافقت تلك الدراسات نزعة أيديولوجية من أجل إبراز موقف انتقائي تدعمه مناهج متعددة التخصصات ومجموعة متنوعة من المنظورات، مثل ما بعد الأنثوية والتعددية الثقافية والتحليل النفسي. على سبيل المثال ، أثار النقاد مثل كينيث إس. لين (1987) وفريدريك كروس (1995) جدلا نقديا من خلال التشكيك في أهمية الحرب العالمية في حياة وأعمال همنغواي ، ومن خلال التركيز على مفهوم الذكورة كوسيلة ، في الواقع ، لاخفاء قلق قوي. في حين أصر مالكولم كاولي ، من أوائل من كتب في نقد السيرة الذاتي ، في خمسينيات القرن العشرين ، أصر على التأثير المباشر للتجربة الحربية على أعمال همنغواي. و بالمقابل يجاهر كينيث لين برأي معاكس طرحه في كتابه "همنغواي" (1987) ، والذي أظهر أن دور هذه التجربة في حياة و أعمال الكاتب قد تم تضخيمه عن عمد. وجهات النظر النفسية والوجودية رائدها فيليب يونغ في كتابه الذي أشرنا اليه سابقا . إلى جانب "نظرية الجرح" ، التي تربط الأصابة الجسدية للكاتب بمعركته النفسية للتغلب على آثارها ، قدم يونج أيضًا أطروحة بطل همنغواي النموذجي: وهو عدمي يتم ترسم كرامته الإنسانية من خلال قدرته على قبول اختبار التجربة والعيش وفقًا لهذا القانون الأخلاقي (ومن هنا "بطل القانون الأخلاقي ) . على نفس المنوال ، أظهر جيرارد وهالبرين (1958) وريتشارد فلور (1962) أن العدمية والكرامة الإنسانية هما الموردان الأساسيان لكتابات همنغواي ، بينما ادعى ليو جوركو أن هدف همنغواي الرئيسي كان قياس القدرة البشرية على التحمل من أجل قبول اختبار التجربة الأصعب (مع العجوز سانتياغو باعتباره محطم رقم قياسي حقيقي في هذا الصدد). ونتيجة لذلك ، لم يكن اهتمام الكاتب بالصدمة في حد ذاتها ، بل في مواقف الشخصيات منها - وهو موقف كان بطوليًا في الأساس. وبالتالي ، ظهر بطل القانون الأخلاقي كشخصية مسيطرة في قصص همنغواي.ومع ذلك ، كما أظهرت الدراسات الجنسانية في التسعينيات ، كان هذا التفسير أسيرا إلى حد كبير بالأبطال الذكور . مثل الوجوديين ، أنصار النقد الجنساني أستخدموا التحليل النفسي من أجل إعادة النظر في الصدمة. ومع ذلك ، فهم لم يقتصروا على الأصابات الجسدية ، بل وسعوا التحليل ليشمل الصدمات النفسية لغير المقاتلين ، أفراد الطواقم الطبية من الذكور والإناث على سبيل المثال . كان هؤلاء النقاد قادرين على إعادة تكوين مفاهيم الذكورة والأنوثة في أعمال همنغواي. وفي موضوع آثار الحرب على فكرة الذكورة الملاحظ أن "العلاقة الحميمة" في زمن الحرب أصبحت هي المعيار الجديد في العلاقات بين الرجال ، لكن في فترة ما بعد الحرب كانت الميزة الأساسية للمقاتل السابق ، والتي تترك بصمة أساسية على رجولته ، هي الإعاقة . أن أبراز العلاقة الحميمة تمكن الشخص من تجاوز النهج النقدي التقليدي ، الذي ركز على كره النساء وانتصار الرجولة في قصة الحرب الحداثوية . بدلا من ذلك وضع النقد الجنساني و التحليل النفسي والثقافي وضعوا الحميمية الجسدية في المركز. على عكس التفسير التقليدي للحرب كوسيلة لم يسبق لها مثيل في وحشيتها ضد الجسد الذكوري ، فإن المنظور الجديد ينير بعدًا مختلفًا تمامًا للتجربة الذكورية ، التي تتميز بشكل أساسي بالخوف والضعف والرقة الجسدية.
أما بالنسبة لإعادة إدماج الأفراد في مجتمع ما بعد الحرب ، علينا الأشارة الى ما قاله دي بايرماكر بأن الأفراد يجب أن يتغلبوا على عقبة إضافية من أجل إعادة تأهيل أنفسهم من خلال إظهار أن جهودهم لإيجاد مكان في هذا العالم تعوقها إلى حد كبير النظرة الاجتماعية المتمثلة في أن الإعاقة الجسدية تحرمهم من أنسانيتهم ، أي لن يكونوا بشرا (حالة كريبس في "منزل الجندي"). وبالتالي ، فإن العقبة الرئيسية أمام إعادة التأهيل بعد الحرب تكمن في هذه القيود الاجتماعية.
في الثمانينيات وأوائل التسعينيات هاجم النقد الأنثوي (مثلا غارسيا ، كينيدي ، بريسكوت)، المسلح بأراء قدمها بعض المنظرين مثل جوديث بتلر وميشيل فوكو ، الشوفينية الذكورية لهمنغواي واستخدامه للقوالب النمطية الثقافية التي قللت من شأن النساء في أعماله. بعد العام 2000 كشف نقد ما بعد الأنثوية ، بدءاً من دانييل ترافير ، عن العلاقات المعقدة بين الفرد والأيديولوجية ، على سبيل المثال في قراءة "وداعاً للسلاح " . أصر هؤلاء النقاد على إعادة تصور مفاهيم الأنوثة والذكورة في سياق ما بعد الحرب من أجل كشف الآليات الاجتماعية للتهميش والاستغلال.
على الرغم من أن جزءًا كبيرًا من كتابات همنغواي تستند بلا شك إلى تجربته الشخصية ومشاركته المباشرة في جميع الحروب الكبرى في حياته ، فإن همنغواي تجاوز في أعماله التصوير الواقعي أو الطبيعي للحرب.بدلاً من ذلك ، يقدم ما يمكن تسميته قصة حرب خلقتها مخيلته من داخل تجربته الخاصة". تعد تجربة الحرب بمثابة عامل محفز للمخيلة ، و ليست مجرد شريحة من الواقع تصفها عين المراسل ، كما في مقالات المراسل الصحفي. لتوضيح ذلك تورد إليزابيث ديوبيري مثالا من الحرب اليونانية التركية ، قارنت فيه تقرير صحفي كتبه هيمنجواي بعنوان "عملية اللاجئين هي مشهد مرعب " والأقصوصة الصغيرة الموجودة بين قصتي "المعسكر الهندي" و "الطبيب وزوجة الطبيب " في مجموعة في زماننا .
في هذا الصدد علينا الأشارة الى تسمية الجيل الضائع الذي أخترعته جيرترود شتاين و أطلقته على مجموعة الكتاب الأميركيين المغتربين في باريس في العشرينات من القرن العشرين ، ويعتبر همنغواي نموذجا لهذه المجموعة . تكمن أهمية الجيل الضائع بشكل رئيسي في قضية نضوج همنغواي ككاتب وكشخص ، وفي التغييرات التي طرأت على نظرته للعالم بعد الحرب ، وبالطريقة التي تنعكس بها هذه النظرة العالمية على أبطاله الناجون من فظائع الحرب و الذين يشعرون بالغربة و الفراغ الروحي و يمتلكون الأن هوية جديدة حددتها الحرب و الفترة التي اعقبت الحرب .تعتبر رواية الشمس تشرق أيضا نموذجا مثاليا في هذا الشأن.و بالحديث عن الحرب يقفز موضوع الصدمة التي يرى بعض النقاد أنها لم تتشكل في الأساس من الحرب لكن من صدمة عقلية بدأت في الطفولة ، كما عند نيك، و تضاعفت مع الحرب ، مثلا يونغ صاحب نظرية الجرح التي تقول أن مواجهة الموت في قصص همنغواي هي مظهر من مظاهر "الإكراه المتكرر " الذي يجب مواجهته وبالتالي تمحو من الذاكرة تجربة الصدمة التي يمثلها الجرح الذي سببته الحرب . بالعودة الى الشمس تشرق أيضا التي وقعت أحداثها بعد الحرب العالمية الأولى وهو عمل مثالي من عشرينيات القرن العشرين ، كما قال ويليام أدير ، ولكنه أيضًا رواية عن تلك الحرب يتم فيها إطلاق الذاكرة عن طريق جرح البطل أثناء الحرب. تتحدث الرواية عن الغربة واللاأنتماء بطريقة تعكس الحالة الذهنية لجيل الكتّاب الأمريكيين المحبطين الذين يعيشون في باريس في عشرينيات القرن الماضي، وتحديداً الدراما الجسدية والعقلية للجندي السابق بين المغتربين الذين يعانون في المقام الأول من عقم وعجز نفسي. و للذاكرة علاقة أخرى مع التاريخ ، خاصة الطريقة التي ينعكس فيها الأثنان في الذات. و يرتبط التاريخ بالبناء السردي و الذاكرة من خلال الأشارة الى نظريتي موقع الذاكرة( مثلا بيير نورا ) و نظرية يروشالمي حول الطريقة التي تتعارض بها الذاكرة البدائية مع الضمير التاريخي الحديث. و في هذا الصدد علينا الأشارة الى كتاب مات ماتسودا في ذاكرة الحديث (1996) الذي يتناول خطاب الذاكرة كرد فعل حداثي على التسارع المتزايد لإيقاع التاريخ ، وكذلك على منظري ما بعد الحداثة مثل روجرز وداوسون و ليديسداف في الحديث عن شاعرية و سياسة الذاكرة من حيث "أداء الذاكرة" الناجم عن تجربة ما بعد الحرب واحتياجات الناجين أو الكاتب للرد على جمهور غير مبال. وعلينا أيضا الأشارة الى أعمال هارفي فيرجسون حول تأثير الحرب على الهوية على ثلاث مراحل - الهوية على مستوى التكافؤ والهوية المميزة والهوية المتعاطفة.و تعتبر المرحلة الثالثة مواتية بشكل خاص للفن الحديث، من أجل أن يكتسب مفهوم الذاكرة بعدًا بناءً وإبداعيًا بدلاً من مجرد بعد وصفي. علينا هنا الأقرار بوجود "ألفة اختيارية" (فيرغسون) بين تطور الرواية الحديثة وتجربة المقاتل فيما يخص الحرب بأعتباره الموضوع المفضل للأدب الحديث. بينما ساهمت الحروب الوطنية والثورية في تطوير الواقعية الكلاسيكية في روايات ستندهل أو بالزاك أو تولستوي أو هاويلز أو ستيفن كرين ، فقد أثبتت إعادة الهيكلة الأدبية التي تلت الحرب العالمية الأولى أنها ضرورية للثقافة الحداثوية التي سيطرت على القرن العشرين بأكمله ، وخاصة من أجل ابداع مؤلفي روايات الحرب ، مثل كلود سيمون وسيلين وجول رومينز وفورد مادوكس فورد وجيمس جونز وجوزيف هيلر وأخيراً وليس آخراً همنغواي نفسه.
أن توظيف نظرية فيرغسون (التي تضع الجمالية في قلب السياسة ) حول فئات البنية الجمالية لتجربة وذاكرة المقاتل الحديث - مثل الإرهاب والفرصة والشمولية والحواس و الأقلمة والأنفصالية والجسدانية - من قبل بعض النقاد تجعلنا نرى كيف تغدو حياة الفرد بسبب ذاكرة الجسد مشكلة في مجتمع ما بعد الحرب في بعده العاطفي. وأحد الحلول الممكنة كما يبدو عند همنغواي على سبيل المثال في الشمس تشرق ايضا هو استغلال قوى الذاكرة الإبداعية. في قصة بيت الجندي ( أو عودة الجندي) يعتقد إيريك آليز و أنطونيو نيجري أن العناصر المميزة التي يتعامل بها الأدب الحديث مع الحرب كحدث مثير: فمن ناحية ، تُمكّن الحرب الفرد من اكتشاف وحدته ؛ من ناحية أخرى ، تُمكِّنه من اكتشاف سلام الطبيعة الذي لا يمكن تغييره ، بحيث أن "العودة إلى السلام تستلزم استعادة طبيعية للعرض الحسي للعالم ؛ الاستعادة الجمالية في كونك موجود داخل "الخارج" . أعتمادا على دراسة روبن دي بايرمايكير عن "النمط الأدائي في قصة " منزل الجندي " يصبح كريبس ، البطل ، دخيلًا في حياة ما بعد الحرب ، وهي حياة تصنعها معايير اجتماعية متضاربة. إن حقيقة أنه لا يستطيع أن يصبح بطلاً في مجتمعه ، ولذلك ينأى بنفسه عن ذكرياته في زمن الحرب ناجم عن عدم اهتمام أو فهم جيرانه في ريف أوكلاهوما لمآسي الحرب الكبيرة ولأوروبا ما بعد الحرب . أن مصدر مأزق كريبس هو عدم قدرته على التعبير عن تجربته في زمن الحرب بسرد يفهمه سكان بلدة أمريكية صغيرة. وبالتالي ، يقرر قبول الحياة السلبية التي تعززها تجربته الحربية الاستبدادية . في سلبيتها ، تدخل ذاكرة كريبس علاقة متناقضة مع الأقلمة التي أوجدتها تجربته على الجبهة في محاولة للخروج من تجربة مجتمع ما بعد الحرب. وهكذا فإن الأقلمة هي شكل من أشكال التوتر الناتج عن فقدان الفردانية ، في حين أن مشكلة الذاكرة تشير إلى أزمة الهوية الشخصية ، وهي مشكلة أساسية في القصة الحداثوية لا يحيد عنا. بالعودة الى الشمس تشرق أيضا يمكن أن نرى كيف أن الحرب تقزم جسد الجندي إلى حالة من السلبية الكاملة ، الى كائن يفتقد الى الأرادة للفعل. إن ذكرى زمن الحرب للراوي جيك بارنز ، المغترب الأمريكي الذي لا يزال يعيش في أوروبا بعد عشر سنوات من الحرب ، تترجم جسدانيا والنتيجة الرئيسية لتلك الجسدانية في حالته هي عدم قدرته جسديا على إتمام حبه لبريت آشلي . في هذه الحالة ، تضاعف ذاكرة الحرب العائق الجسدي بعائق عاطفي، لأن الرواية بأكملها هي مثال على الطريقة المأساوية التي يعيش بها الفرد مع ذاكرة الجسد . أستخدم همنغواي أصابات الحرب كشكل من أشكال الصدمة .. تمكن نظريات ميشيل فوكو حول القوة المولدة بشكل استطرادي المرء من إعادة النظر في التاريخ من منظور علاقات القوة في النصوص التاريخية والأدبية ، بالإضافة إلى توسيع النقاش حول تأثير الصدمة والعنف على تفسير التاريخ. هناك إشارة نقدية أخرى تتمثل في النقد التحليلي النفسي/ الثقافي لهيغونيت ،الذي نظر الى صدمة الحرب حتى عند غير المقاتلين. انطلاقًا من التعريف العام للصدمة والتمييز بين الهدف والمكونات الذاتية لتجربة "الصدمة الخارجية عند جون ألين ، و تحليل كاثي كاروث في كتابه " التجربة غير المُطالب بها: الصدمة و السرد والتاريخ (1996) ، يمكننا أن نفرق عند شخصيات همنغواي بين الصدمات الجسدية الناجمة عن الحرب والاضطهاد أعتمادا على المنظور التاريخي والوطني ذي الصلة . أن الصدمة هي تجربة فاشلة ونموذج للعنف كنتيجة لهجوم خارجي. نحن نعتمد في هذا السياق الطريقة التي ميزت فيها روث لايز بين نظريات المحاكاة و المحاكاة المضادة للصدمة. و الحديث عن الصدمة يجرنا الى الحديث عن الخوف الذي يُعرّف بأنه نوع جديد من الذاتية للنفس التي تفقد أسسها وتتبعثر. إن ملاحظات سيغموند فرويد في كتابه "الموانع والأعراض والقلق" حول العلاقة بين عصاب الصدمة أثناء الحرب ومشكلة القلق يمكن تطبيقها على قصص و روايات همنغواي خاصة في التطرق الى سلوك الجندي المصاب بصدمة بسبب المشاركة المباشرة في الحرب (الحرب العالمية الأولى) و نضاله من أجل الصمود النفسي .
و عند الحديث عن الصدمة العاطفية والنفسية علينا التركيز على جوانب الصدمة الشديدة والأحداث الصادمة وخاصة في الحالات التي لا توجد فيها صدمة جسدية ملازمة ، أي عندما تكون الصدمة نفسية وعاطفية. هنالك ثلاثة عناصر مكونة للصدمة العاطفية و هي تلقائيتها و صعوبة توقعها أو التكهن بها . تمثل الصدمة النفسية التجربة الفريدة لحدث أو حالة من المعاناة تتعرض فيها قدرة الفرد على التكيف عاطفياً للقوة أو تتعرض فيه حياته وسلامته الجسدية وصحته للخطر الشديد. يركز التحليل على مختلف الآثار الحاسمة التي اقترحتها مارغريت هيغنيت في "الأصالة والفن في روايات الحرب العالمية الأولى" ، لا سيما على ذكريات الماضي والكوابيس والحالات الانفصالية والإيذاء الذاتي المتعمد وإعادة تمثيل الأحداث الماضية التي تشير إلى اضطرابات عقلية في الجنود نتيجة لصدمات الحرب ( اضطراب ما بعد الصدمة). و تحت نفس المنظور تطال الصدمة الأطفال و الكبار لأن المسائل المتعلقة بصدمات الطفولة قد تؤثر فيما بعد على التطور النفسي والاجتماعي والفسيولوجي للشخص البالغ. يميز جون ألين ، في كتابه التأقلم مع الصدمة ، بين ثلاثة مستويات من المشاركة في الأحداث الصادمة: الصدمة غير الشخصية ، والصدمة بين الاشخاص وصدمة الأرتباط. أن بذل اقصى الجهود للسيطرة على المواقف التي تنطوي على الإجهاد العاطفي والتعرض لأقصى حد لأحداث ضاغطة جديدة يقلل من فرص تكرار الأعراض المؤلمة. درست لينور تير سيكولوجية كل من البالغين والأطفال من أجل تقييم حالتهم وتصميم العلاج المناسب لهم . في كتابها "الصدمة النفسية في مرحلة الطفولة" ، تظهر تير أن الأطفال لديهم قدرة محدودة على أطلاق إمكاناتهم لحدودها القصوى في حالات الصدمة العاطفية ، وأنه عندما تتم إزالة التحفيز الذي ولد حالة القلق ، تبقى ذاكرة وأثر الخوف باقية .ربما ونحن نتحث عن الصدمة و انواعها يخطر على بالنا روبرت جوردان ، بطل رواية لمن تقرع الأجراس و نيك آدامز بطل العديد من القصص و منها المخيم الهندي والشخصيات في قصتي "على الرصيف في سميرنا" و نهرذو قلبين كبيرين . و علينا أن لا ننسى حياة همنغواي نفسه .على سبيل المثال فقدان زوجته الأولى هادلي لمخطوطات كتاباته الأولى في باريس في عام 1922. نظرًا للطبيعة الفريدة المؤلمة لهذه التجربة ، رفض همنغواي نشر النصوص التي تشير الى هذه الحادثة . لو أعتمدنا على شوشانا فيلمان ودوري لاوب في كتابهما " شهادة: أزمات الشهادة في الأدب والتحليل النفسي والتاريخ (1992) ، ( ظهور أشكال من البناء السردي وإلهيكلة التاريخية اللازمة لإضعاف قبضة الذاكرة المؤلمة) يمكننا القول أن همنغواي ربما يكون قد كتب مرارًا وتكرارًا عن فقدان مخطوطاته دون أن يدرك أن هذه كانت محاولة منه لاكتشافها أو شكل من أشكال الشفاء النفسي أو شفاء من الصدمة.ربما ينفعنا في الحديث عن صدمة بطل همنغواي في لمن تقرع الأجراس الأستعانة بمقال كتبه كارل إيبي بعنوان " يخنة أرنب ونسف جسور دوروثي : الحب والعدوان والفيتيشية في لمن تقرع الأجراس 1998" ، خاصة مسألة نظرية الجرح" ، وعندما تصبح الكلمة جرحا رمزيا و الصدمة الجسدية والنفسية للأبطال والطابع العلاجي للحب . أنا أزعم أن الحب و العمل في الرواية لديهما القدرة على تخفيف الأعباء الجسدية والنفسية للجروح وفي النهاية علاجها. تضع الرواية معيارًا للنضال المستمر لشخصيات همنغواي للبقاء على قيد الحياة ، من أجل المعاناة والصبر والألم والموت التي تعد أساسية للحالة الإنسانية. في قصص "المخيم الهندي" و"على الرصيف في سميرنا " و "نهر ذو قلبين كبيرين" و" في غير أوانه" نلاحق نيك آدامز الشخصية الأساسية في مجموعة في زماننا التي تقوض المنظور الزمني ، وكذلك إلى الطريقة التي تتجاوز بها أفكار وخطط و مشاعر نيك روح النهر في قصة نهر ذو قلبين كبيرين . أصر على انسداد الطاقة المؤلمة الذي يتناقض بشكل مفاجئ مع الطريقة التي يتصل بها نيك نفسه بالأحداث. ربما يفيدنا في هذا المجال الأشارة الى المقارنة بين "السرد المجزأ" و "التفتت البصري" في اللوحة التكعيبية. أما البطل الوجودي عند همنغواي فقد ظهر ، نتيجة للتجربة الحربية ، في صراع مستمر مع الاغتراب والعبثية. أن أعمال همنغواي مصصمة كحوار مع النتاج الثقافي حول قدرة الإنسان على تحمل ظروف قاسية. النقطة المحورية في هذا الحوار ليست المصائب في حد ذاتها ، ولكن الموقف البطولي للأبطال.
بالتحول الى الحرب و الجنسانية فأن تجربة الحرب القاسية تمكن الشخص من إعادة تقييم الأنوثة والذكورة بمعانيها المعقدة الكثيرة وبالتالي فهي خطوة أولى نحو التغلب على القوالب النمطية المقيدة في هذا الصدد. في الوقت نفسه ، تتوسع المناقشة حول الطرق التي تتطور بها الآراء العملية حول الذكورة والأنوثة اعتمادًا على الحرب الخاصة التي هي موضوع كتابات همنغواي. في رواية الشمس تشرق أيضا يركز همنغواي على آثار الحرب على مفهوم الذكورة في زمن الحرب وخلال فترة ما بعد الحرب. بالأشارة الى سانتاو داس يمكن التركيز أكثر على فكرة العلاقة الحميمة ، التي أصبحت في زمن الحرب معيارًا جديدًا يحكم العلاقات بين الذكور. يتضح هذا مع رينالدي وفريدريك هنري في رواية "وداعاً للسلاح . بعد الحرب ، تتحول الإعاقة إلى السمة الأساسية للمقاتل السابق ، كما يتضح في حالة جيك بارنز في رواية الشمس تشرق أيضا . أن هيمنة العلاقة الحميمة ، تخرب المنظور التقليدي لكره النساء وانتصار الذكورة في قصة الحرب الحديثة ، بينما تدعم في الوقت نفسه انفتاح الأدب الحداثي على الرقة الجسدية. مقابل التفسير التقليدي للحرب كوسيلة لم يسبق لها للبطش بالجسد الذكوري ، يضع هذا المنظور الأضواء على نوع مختلف تمامًا من التجربة الذكورية القائمة على الخوف والضعف والدفء البدني.
أما بالنسبة لمجتمع ما بعد الحرب في كتابات همنغواي ، من الأفضل الأشارة الى مقترحات فور دانا (2007) بشأن إعادة تقييم العلاقة بين الجسد المجروح والذكورة. على سبيل المثال إلى أي مدى ، في بعض نصوص همنغواي (الشمس تشرق أيضًا ، و منزل الجندي) ، يبقى المجروح أو المشوه سعيدا في عالم يفرض قيودًا على مثل هؤلاء الأشخاص من خلال سرد ثقافي يشوه التشوه. من أجل العثور على مكان في عالم ما بعد الحرب يحتاج المرء إلى مواجهة بعض وجهات النظر الاجتماعية التي تنص على أن الإعاقة الجسدية تسقط أنسانية الأنسان . وبالتالي ، فإن العقبة الحقيقية أمام إعادة تأهيل الفرد بعد الحرب تتمثل في تلك النظرة المتحيزة و في القيود الاجتماعية. أن ذكورية بطل همنغواي هي مؤقتة ، وتتعرض للتغيير المفاجئ والنسبي والطارئ ، وليس على أساس تقرير المصير ؛ كدالة تغيير الرموز بدلاً من كونها ضرورية ("المعسكر الهندي" ، "في غير أوانه " ، "الطبيب وزوجة الطبيب" ، "نهاية شيء ما" ، "السيد والسيدة إليوت").
على الرغم أسلوبه الصحفي البسيط ولغته التي تبدو خاوية من الاستعارات ،الا أن همنغواي لا يختلف عن بقية الحداثيين في توظيف البعد الرمزي للغة من خلال الأستعمال الكبير للرموز الأساسية والبناء الرمزي للصور والمشاهد ، وكذلك من خلال التقنيات الحديثة مثل "الرمزية الموضوعية" و على سبيل المثال لا الحصر.يمكن القول إن الحرب في أعماله تلعب دورًا رمزياً أساسيا ( و هو الرمز –حسب تعريف أليسو فيفاس-الذي لا يمكن ذكر معناه بصورة مجردة ، ولكنه يشكل في الواقع النص: "إنه أكثر من مجرد معنى مقصود ؛أنه خلق إبداعي للمسألة التجريبية التي تتجلى في المصطلحات الدرامية والأخلاقية والتي تعمل بشكل أستثنائي . ينقل همنغواي الحالة الشخصية لشخصياته كجزء من تصويره للحرب من خلال تقنية يطلق عليها هاليداي الرمزية الموضوعية (ربما تذكرنا بالمعادل الموضوعي لأليوت ) . تجمع هذه التقنية بين بساطة همنغواي ورمزيته في أن التفاصيل التي يختارها "ليست تلك التي تنتج المشاعر بقدر ما هي تلك التي تجسدها". في هذا المعنى ، يمكن القول أن همنغواي رمزي في طريقته السردية ، يخلق شخصيات رئيسية تعتبر تمثيلية أو رمزية على مستويات عدة .في معظم الحالات ، يحول همنغواي الحرب إلى رمز أساسي من خلال التأكيد المتعمد على غيابها ، والذي يمكن تفسيره على أنه عنصر من عناصر تفكيكيته للحرب أو نظرته الما بعد حداثوية للحرب. كما ذكرنا في اكثر من موقع يمثل همنغواي الحرب بطريقة الحد الأدنى مع التركيز على آثارها ، وعلى الآثار النفسية والعاطفية على الناجين بدلاً من التركيز على وصفها الواقعي أو الطبيعي. على الرغم من أن لغته متناثرة بشكل مجازي ، يجب على المرء أن يلاحظ أن رموز الحرب عنده تعتمد بشكل كبير على الصور الرمزية بما في ذلك العديد من الصور المتكررة مثل الطين والمطر والثلج والشتاء والغبار والسهول والجبل. بالنسبة إلى همنغواي الذي يعتمد أسلوبه السردي الرئيسي على تسجيل وتحديد المفاهيم ، فإن الإطار الرمزي هو في حد ذاته وسيلة للإدراك. مثل الحداثيين الآخرين ، من بينهم جويس و إليوت أو فرجينيا وولف ، استخدم همنغواي رمزية الارتباط لنقل المعنى الأساسي الذي كان وراءه ضمنيًا. يتم تقديم مثال جيد للغاية عن طريق استخدامه لرموز المياه وأشكالها والطين والمطر. في معظم الحالات ، يكون لهذه الرموز ، التي تندرج تحت الرمز الأساسي ، دلالات سلبية. لهمنغواي أسلوبه الخاص بين الحداثيين في استخدام الرمزية القوطية في تصويره للحرب كوسيلة لمعرفة الحقيقة عن الروح الإنسانية ، عن الحرب والوضع الإنساني في المجتمع الحديث ، بشكل خاص على استخدامه لمواضيع الاغتراب والشعور بالوحدة ، و هي موضوعات مشتركة بين الرمزية القوطية والحرب ، والتي أستخدمها على نطاق واسع مع أبطاله الوجوديين. يكشف التوازي بين الرمزية القوطية لأدغار آلن بو وهمنغواي عن جذور مشتركة. في كلتا الحالتين ، تعكس رؤية الكاتب المتغيرة لعالمه - في حالة بو ، والأزمة الروحية في عالم متغير بسبب التقدم السريع للحضارة الصناعية ، في حالة همنغواي ، في عالم تغير خلال فترة الحروب الحديثة . إن رمزية حرب همنغواي تكمن في علاقة معقدة بين الصدمة / الذاكرة والتاريخ في بعدين تزامني و تعاقبي . أن قصص همنغواي القصيرة ، خاصة قصص نيك أدامز ، لا تتعامل مع المشاهد الفعلية للحرب ، إلا أنها تقدم نظرة ثاقبة مهمة في العالم القصصي المرتبط بالقتال في همنغواي ، من خلال اقتراح مواقف متطرفة أخرى تواجه شخصياتها ، والتي تؤدي في النهاية إلى ولادة " بطل القانون الأخلاقي " في همنغواي . باتباع ديناميات نمو بطل القانون الأخلاقي من أول مثال لنيك آدامز إلى صور لاحقة ، مثل فرانسيس ماكومبر ، يمكن للمرء أن يدرك التطور التدريجي لرمز همنغواي للعيش في أرض يباب حديثة ، وكذلك يدرك صقل نظرياته الجمالية. تُظهر المراجع النصية كيف أن الرموز المرتبطة بالحرب في عدد قليل من هذه القصص تأخذ شكل صراعات بين البيض والسكان الأصليين ، بينما تشير في قصص أخرى إلى آثار تجربة الحرب على حياة المقاتلين وغير المقاتلين بعد الحرب أو أنها تصبح أرضا قفارا تمثل صدمة الرجل الحديث البدنية والنفسية. في عالم همنغواي ، يبدأ الموت في مرحلة الطفولة ، كما هو واضح في القصة القصيرة "المخيم الهندي".
تعتبر قصتا تلال كالفيلة البيض و ثلوج كليمنجارو مثالا للنهاية المفتوحة لرمزية همنغواي مقابل الحد الأدنى له، ما يعرف بالمينيمالزم، (من خلال أسلوب الحذف خاصة ) ، في حين تعتبر قصة نهر ذو قلبين كبيرين رمزا لحالة ما بعد الحرب ، حيث تجعل ضخامة المجهود الحربي جميع أشكال القيمة التقليدية قديمة . و يصور همنغواي الاغتراب والعزلة التي تؤدي في قصة "منزل الجندي" إلى الدمار والموت في عالم لا معنى له في فترة ما بعد الحرب ، حيث تصبح الشخصية المركزية كريبس مراقبًا سلبيًا للحياة من حوله ، وبالتالي عزل نفسه من عبء الأعمال الوحشية التي ارتكبها في زمن الحرب. تعتبر رواية وداعا للسلاح، التي كانت حتى وقت قريب سيره ذاتية عن الحرب و الحب ، رواية عن الجروح و الصدمات و الفشل . لذلك يمكن قراءتها بأعتبارها وصفا غير مباشر للحرب من حيث الأصابات الجسدية و / أو النفسية المختلفة التي تغير الفرد بشكل لا رجعة فيه وعلاقته بعالم تغير بنفسه. لماذا ينهي همنغواي هذه الرواية بالموت غير المبرر على ما يبدو لطفل عند الولادة ؟ قد يصبح الطفل رمزا لدموية القرن العشرين .
بالنسبة إلى همنغواي ، أن الأصابة في الحروب هو تعبير عن رؤية جديدة و نوع جديد من الأصابات له تأثير نفسي جسدي طويل الأمد على الفرد ، "جرح حديث" ينجم عن التكنولوجيا المتقدمة للأسلحة الحديثة . هذا واضح بشكل خاص بالمقارنة مع الجروح في أدب ما قبل الحرب الحديثة والتي تعمل كصورة عالمية للبطولة ، لأن هذه الجروح كانت نتائج رمزية للبطولة. بصرف النظر عن الأشياء الذاتية في كتابات همنغواي وأصالة الأحداث والشخصيات في "وداعاً للسلاح " ، فإن ما يمنح الرواية القوة ، كما يزعم روبرت لويس ، هو "إدراكنا لكيفية إعادة سرد القصة الأسطورية بشكل جديد. هذا الاعتراف يعكس اعتراف هنري. عندما يدرك كيف يتدهور الوجود الإنساني في الحرب وكيف يتحول الجنود ، الذين لم يعودوا بشرًا ، إلى جثث تقاتل من أجل قضية قد لا يمكن تحقيقها أبدًا ، لا يمكن لهنري أن يتحمل التفكير في الحرب بعد الآن. الحرب لم تعد تعني له أي شيء. و يمكن توسيع التحليل من خلال التداخل بين ما هو مرئي و مكتوب كما فعله فيلهلم على هذه الرواية " ، ولا سيما من خلال استكشاف مدى استخدام "الحياة الساكنة" كأسلوب في الرسم في كتابات همنغواي في زمن الحرب من أجل للتعبير عن الشعور بالذنب والقلق وكذلك السؤال عن المحاولات الصريحة للشخصيات لإبعاد أنفسهم عن الأحداث وعن المسؤولية من خلال تبني أدوار الضحايا.



#محمد_نجيب_السعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- همنغواي : أسلوب اللاأسلوب
- الشمس تشرق أيضا : قراءة في مسودات رواية همنغواي
- شعر الغاوتشو:رعاة البقر الأرجنتينيين
- شعر الأحراش : شعر رعاة البقر الأستراليون
- قراءة في شعر رعاة البقر الأميركيين 2
- و لرعاة البقر أدبهم : قراءة في شعر رعاة البقر الأميركيين 1


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - صور الحرب عند همنغواي