أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - تشارلز مَي : نقد القصة القصيرة في الولايات المتحدة الأميركية















المزيد.....


تشارلز مَي : نقد القصة القصيرة في الولايات المتحدة الأميركية


محمد نجيب السعد

الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


بالرغم من أن القصة القصيرة تحظى بإحترام كتابها، إلا أنها تتعرض لتجاهل كبير من قبل القارئ العادي والمتخصص على حد السواء. علاوة على ذلك فان أكثر الملاحظات النقدية أهمية عن القصة جاءت من كتّاب القصة القصيرة وليس من النقاد. السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يستطيع كاتب القصة القصيرة وحــده أن يبقي القصة حية إذا تخلى عنها القاريء والناقد؟
في ندوة من أربعة أجزاء عقدتها مجلة كينيان ريفيوو على مدار سنتين ( 1968-1970) بعث ما يقرب من ثلاثين كاتباً من مختلف بقاع العالم بوجهات نظرهم حول الطبيعة الفنية للقصة القصيرة ووضعها المادي الراهن. وقد أمتدح جميع المشاركين تقريباً القصة القصيرة كونها أكثر الأشكال القصصية طبيعية وكذلك أكثرها تطلباً للبراعة الفنية. لكن شكى الجميع تقريباً وأقروا أنهم لا يستطيعون مواصلة كتابة القصص القصيرة. في العشرين من أيلول/ سبتمبر عام 1970 عقدت دار نشر دبلداي ندوة دامت يوم واحد حول القصة القصيرة في نيويورك للاحتفال ولدعم طبع كتاب خمسون سنة على القصة الأمريكية القصيرة وهو كتاب ضم القصص الفائزة بجائزة أو.هنري السنوية . بالرغم من أن بعض الكتّاب فـــــــي تلك المجموعة- جـون بارث ووليم سارويان وبيتر تايلور - قد أمتدحوا القصة القصيرة كشكل فني، إلا أن الناشرين والوكلاء الأدبيين لم يكونوا متحمسين جداً.
فإذا كانت القصة القصيرة غير رائجة بين القراء العاديين، فهي لم تؤخذ بصورة جدية من قبل النقاد المتخصصين أيضاً. في مسرد يقع في أربعة أجزاء للمقالات التي صدرت في المجلات الفصلية عن القصة القصيرة الأمريكية نُشر في عامي 1960 و1961 وجد فرانك سميث عدداً محدوداً جداً من المقالات التي أبدت إهتماماً جدياً بالقصة بحيث أنه ألمح الى أن ما قام به قد يعتبر جرداً عديم الفائدة. وأشار توماس كولاسون الى وجود مجلة واحدة متخصصة تعنى بالقصة القصيرة مقابل ست مجلات على الأقل تُعنى بالرواية، بالإضافة الى عدم وجود دراسة نظرية متكاملة عن القصة القصيرة، مقابل محاولات عدة بذلت من أجل وضع نظرية للرواية. وتتضمن المسارد القياسية للأعمال النقدية في الأدب قوائم موضوعات منفصلة خاصة بالمسرحية والشعر والرواية بينما لا يوجد مجرد باب خاص بالقصة القصيرة .
في ندوة دار نشر دبلداي قال والاس ستغنر ، مشتكياً من قلة النقد المنهجي للقصة القصيرة في أمريكا ماعدا ماهو موجود في مناهج الكليات الدراسية،" بنا حاجة ماسة لتأريخ نقدي جيد للقصة القصيرة." وبالرغم من أنني لا أتفق معه حول وجود نقد مهم للقصة في المناهج الدراسية كما بينت في دراسة لي غطت أكثر من مائة مقرر دراسي جامعي ، إلا أن ستغنر محق بالتأكيد في قوله أننا لا نملك تأريخاً نقدياً جيداً. أن كتاب فريد لويس باتي المعنون تطور القصة القصيرة الأمريكية (1925) هو بالتأكيد كتاب تأريخي- ملئ بالألقاب والتواريخ والأسماء- لكنه ليس نقدياً. من الواضح أن كتاب راي ويست المعنون القصة القصيرة في أمريكا 1900-1950 يبدأ حيث أنتهى كتاب باتي، لكن الكتاب يعوزه الأكتمال والتواصل. على سبيل المثال ينفرد الفصل الأول في تقديم عرض للقصة منذ أيرفنغ وأدغار آلان بو وهوثورن ، في حين تتناول الفصـول الأخرى مجالات أخـرى أكثر تحديداً. ورغــم أن كتـــــاب أوستن رايت المعنون القصة القصيرة الأمريكية في العشرينات مفصل جداً، ألا أنه يغطي مدّة زمنية قصيرة جداً. يدرس كتاب دانفورث روس المعنون القصة القصيرة الامريكية (1961) القصة القصيرة منذ أدغار آلان بو مستخدماً بعض معايير آرسطو ( الحدث والوحدة والشدة والمفارقة)، لكنه مجرد كتيب صغير في سلسلة جامعة مينيسوتا. وأخيراً، لا يقدم كتاب وليم بيدن المعنون القصة القصيرة الأمريكية (1964) ( يحمل عنواناً ثانوياً قد يبدو غير مناسب هو" خط متقدم في الدفاع الوطني للأدب) سوى توضيحات لبعض موضوعات (ثيمات) القصة منذ عام 1940 .

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو لمـاذا يقلـــل النقاد من شأن القصة القصيرة؟ أفاد وليم أبراهامز، محرر مجموعة أو.هنري، الى أن الوضع اللاصحي للقصة قد يكون مردّه الى" شيء دفين في القصة نفسها". وفي الواقع أن الإبتعاد المتزايد عن الحبكة في القصة القصيرة خلال الثلاثين سنة الأخيرة ربما جعل القارئ الأعتيادي يفضل الرواية. بعد أن ينهي القارئ رواية ما حتى وأن كانت أكثر الروايات سوداوية وتهلهلاً، يغمره إحساس بالإنجاز والقناعة. لقد عاش في عالم مستقل لبعض من الوقت وأصبح متآلفاً مع سكانه، وتوافر له الوقت ليكيف نفسه مع الاتساق العام لصوت الكاتب.لا تمكن القصة القصيرة القارئ من الاسترخاء كثيراً. علاوة على ذلك تشق الرواية طريقها عادة خلال خطية مكانية وبداية وتوسط ونهاية زمانية. ولأن القصة القصيرة بتأكديها على أن البدايات والنهايات ليست دقيقة تماماً وأن الجزء الأوسط للعمل هو قضية مشوشة دائماً ومن الصعب تحديده، أصبح القارئ يراها مجزأة وجامدة ومتذبذبة. لكن هذا لا يبرر سبب إهمال القصة القصيرة من قبل النقاد الجادين. وإذا كانت القصة القصيرة المعاصرة مجزأة وغير حاسمة فقد يكون السبب أنها أكثر قدرة على نقل الإحساس بأن الواقع مجزأ وغير حاسم. يجب أن يكون مثل هذا الرأي وثيق الصلة بالعالم الحديث.
أعتقد أن فقدان النقد المنظم للقصة القصيرة اليوم هو على الأكثر رد فعل من النقد الصارم خلال العقود القليلة الأولى من القرن العشرين عندما جمدت القواعد القصة وأفســدتها الروح التجارية. بدأت المشكلة عــــــام 1901 عندمـــا نشــر براندر ماثيــوز كتاب فلسفة القصة القصيرة عادّاً نفسه أول شخص يؤكد أن القصة القصيرة كانت في الواقع جنساً أدبياً يختلف أساسا عن الرواية. وفي محاولته" خلق قواعد ثابتة" إعتماداً على مقترحات أدغار آلان بو الموجزة في العرض الذي كتبه لمجموعة حكايات تروى مرتين القصصية، فأن ماثيوز أستعار منهاج بحثه من مقالة " فلسفة الكتابة" . من الواضح أنه عندما أخذ ماثيوز وصف أدغار آلان بو نظمه لقصيدة الغراب مأخذ الجد، فقد جعل من القصة القصيرة تبدو وكأنها مسألة تحنيط حيوانات لا أكثر. وحتى في حينها فأن قواعد ماثيوز الشكلانية للقصة القصيرة ما كان لها أن تكون بهذا التأثير المشؤوم لو أن أو.هنري لم يحقق نجاحاً شعبياً كبيراً من خلال التركيبة التي أستعملها في نفس الوقت تقريباً. أندفع الكتاب في تقليد أو.هنري وأندفع النقاد في تقليد ماثيوز وكلاهما يحمل في رأسه ذات الهدف: نجاحٌ شعبي ومادي. بمقدور أي شخص أن يكتب قصة قصيرة لو تعلم القواعد. ويعتبر كتاب بيرغ أسنوين المعنون كتابة القصة القصيرة وكتاب كارل كرابو المعنون فن القصة القصيرة وكتاب بلانش كولتن وليمز المعنون الوجيز في كتابة القصة مجرد ثلاثة أمثلة على العديد من هذه الكتب التي نُشرت في السنين العشرين الأولى من هذا القرن. وطالب القراء والنقاد الجادون بوضع نهاية لها، حيث أغرقوا المجلات الرفيعة بمقالات عن إنحطاط وسقوط وشيخوخة القصة القصيرة. ولخص جلبرت سيلديس ذروة ردة الفعل بقوله:" أن القصة القصيرة الأمريكية وبكل الأحتمالات هي العمل الفني الأكثر ضعفاً ووضاعة وغباء وتفاهة الذي ظهر في هذا البلد وربما في كل بلد." وحتى أدوارد أوبرين والذي قد يعتبر أعظم نصير للقصة أنتجته أمريكا، ألف كتابه رقصة المكائن عام 1929 منتقداً فيه التركيب الآلي للمجتمع الأمريكي والقصة الآلية التي نبعت من ذلك المجتمع ومثلت إنعكاساً له.
أستمرت التحفظات على القصة حتى الثلاثينات والنقاد يطالبون القصة القصيرة بالتوائم مع الأهداف والأسس التقليدية للرواية حتى تستطيع إنقاذ نفسها. في عام 1939 شكى خوسيه كارسّيا فيّا من أن القصة كانت تأخذ شكل العجالة أو الأسكتشSketch وتصبح مجرد حدث" من دون وظيفة وهدف وإتجاه". وطالب جيمس تي فاريل عام 1937 بأن تتوجه القصة نحو النقد الاجتماعي، وأوصى هوارد بيكر عام 1938 بأن تكون القصة أكثر عقلانية وأن ترتكز على قاعدة فكرية. ورغم أستمرار هذه الإتهامات الثلاثة للقصة القصيرة- فقدان الحبكة وفقدان الإهتمام الأجتماعي وفقدان الأيدلوجية- حتى عقد الستينات إلا أن النقاد أدركوا خلال الثلاثين سنة الأخيرة أن القصة القصيرة أقرب الى القصيدة الغنائية منها الى الرواية ويجب أن يتم تقييمها وفقاً لذلك.
وكانت أولى مهام الناقد في مرحلة الأربعينات هي التفريق بين القصة القديمة والقصة الحديثة، وبين القصة الفنية والقصة التجارية. أفاد بونارو أوفرستريت إن الاتهام النقدي المألوف للقصة القصيرة بأنها ليست بالجودة التي كانت عليها كان في الواقع نتيجة أن النقاد ما زالوا يتوقعون نفس القصة المحبوكة التي كانت رائجة في القرن التاسع عشر. وبعد أن يشير الى فقدان مبدأي القرن التاسع عشر الأساسيين- وهما إمكانية معرفة الفارق بين الصواب والخطأ وتطابق مظهر البشر مع مخبرهم- أدعى أوفرستريت أن الحدث أو القصة المحبوكة لم تعد بإمكانها النمو والحياة. وبما أن قضية القرن أصبحت قضية ما يجري في العقل فقد أضحت القصة القصيرة وسيلة ماهرة للتعبير عن قلقنا العميق حول الدوافع والأمزجة الإنسانية- الدوافع والأمزجة التي أثبتت أنها أقل شفافية مما كنا نظنه سابقاً."
في تركيزه على الفارق بين القصة الأدبية الفنية والقصة التجارية الرائجة يصف وارين بيك الفارق بين النمطين على أنه فارق في النظرة. وبعد أن يسمي القصة التجارية " بالحكاية الرمزية التي قامت على شعارات عاطفية " قرر بيك أن القصة الفنية لم تكن ثورة ضد الحبكة بقدر ما هي ثورة ضد الصيغ الجامدة. أنها تتجاوز الحدثية المجردة وترتبط بشكل ما مع المقالة التأملية وتردد أحياناً نغمة غنائية. وربما كان كورهام منسون يردد الشيء نفسه عندما أدعى بأن القصة القصيرة كانت تهرب من الصيغ الجامدة وتسترد" الحدث الذي يمكن صياغته قصصياً." وبينما سعى أدغار آلان بو الى" تجسيد منظم للحياة" مستخدماً النادرة ، فقد حول أوليفر هنري وأتباعه من ذلك النهج التنظيمي الى عملية ميكانيكية . لقد ثار الكتّاب ضد هذه الصيغة وتوقفوا عن محاولة خلق الحبكات. لقد وجهوا أهتمامهم للكشف عن القيمة الخفية في الواقعات أو تلأحداث .
تميل محاولة الكشف عن القيمة الخفية في واقعة ما الى تقريب القصة القصيرة من القصيدة الغنائية في تأكيدها على ذاتية وأسلوب الأديب. لقد كانت الإستجابة النقدية الى هذه النزعة الحديثة في القصة متشعبة كثيراً. أدّعى هيرشيل بريكل أن القصة القصيرة قد جربت مجموعة أشكال أكثر مما فعلت الرواية ولهذا السبب أصبحت أكثر ذاتية. وأقتبس مؤيداً اقتراح والتر هافيكهرست من أن نغمة القصة القصيرة، أكثر من حبكتها، هي التي تحمل القارئ نحو أعماق القصة. ولاحظ أيرفنغ هاو الإعتماد المتزايد على النغمة في القصة القصيرة، وأضاف أن مثل هذا الاعتماد يشكل خطراً ايضــاً، لأنه يمكن نزع النغمة بسهولة عن محتواها فتصبح قالباً، وأفاد هاو" أن كاتب الدرجة الثانية يميل في الرواية الى ترديد رؤية معينة للحياة بصورة ببغائية، ويميل في القصة الى ترديد نغمة صوت معين."
وأدعى هيرشيل بريكل عام 1951 أن القصة النفسية المنطلقة نحو القصيدة الغنائية كانت في تزايد كبير وعزا هذه الزيادة في القصص القصيرة الجيدة الى الإندفاع الجديد في مناهج كتابة القصة القصيرة في الكليات والجامعات، لا بتدريس صيغة أو.هنري كما فعلوا قبل ثلاثين سنة، ولكن بتدريس القصة النفسية والشعرية الجـديدة. وبعــد سنتين من ذلك التاريخ أختار فالكون أوبيكر هذه الحقيقة على أنها أكثر الأسباب أهمية وراء أنحطاط القصة القصيرة . وقد أتهم الكتّاب المرتبطين بالكليات بأنهم جعلوا من القصة القصيرة، وبتأثير من حركة النقد الحديث، معنية اكثر بالأسلوب ودراسات الحالة النفسية. عليه ظهرت صيغة جديدة لتحل محل الصيغة القديمة. وأصبحت القصة القصيرة تخص الأساتذة والنقاد والمجلات الأدبية الفصلية فقط .
ولاحظ النقاد الأخرون أن الإبتعاد عن الحبكة في القصة القصيرة الحديثة قد صاحبه إبتعاد عن الشخصية أيضا. أفاد كرانفيل هيكس الى أن الشخصية في القصة القصيرة لم تعد تستعمل لذاتها بقدر ما أُستعملت كوسيلة لغاية، والغاية هي تجربة عاطفية للقارئ. ولاحظ جورج اليوت بعد عدة سنوات الأبتعاد عن الشخصية الإنسانية الأساسية بإتجاه حالات التطرف في الشخصية، وحذّر من أن مثل هذا الإهتمام سيؤدي الى تجريد الشخصية من ذاتيتها:" عند مستوى السطح يتصرف الناس بصورة متشابهة تقريباً وفقاً لطبيعتهم الإنسانية عموماً أكثر من تصرفهم وفقاً لطبائعهم الذاتية". بدأ ماكسويل كيسمار أعنف هجوم على الإهتمام الجديد في القصة القصيرة. وأتهم كيسمار كتاب القصة القصيرة المحدثين وخاصة أتباع مدرسة مجلة النيويوركر- أمثال سالينجر وروث وأبدايك ومالامود وباورز بأنهم غير مهتمين بالعوالم العميقة للشخصية الإنسانية وأنما بالحرفية المعقدة للقصة جيدة الصنع. علاوة على ذلك أدعى كيسمار أن القصة القصيرة المعاصرة تتميز بفقدان الآفاق الاجتماعية والأيديولوجية والميتافيزيقية. لقد أنكمشت القصة نحو " الأعماق المعقدة لروح الفرد المنعزلة والمعذبة."
بإعتقادي أن أكثر الدراسات توازناً عن القصة القصيرة في حقبة الستينات هي دراسة ريتشارد كوستيلينتز . يبين كوستيلينتز، موسعاً في واقع الأمر وموضحاً ما أشار اليه مختلف النقاد سابقاً، أن كتاب القصة القصيرة المعاصرة قد ركزوا حقاً على تجارب ليست أنموذجية وأنما متطرفة وأنهم حاولوا أيضاً الإهتمام بدرجة كبيرة أكثر بوسيلة اللغة نفسها. وفي تحول أبعدَ القصة القصيرة أكثر عن السرد وقربها من الأشكال اللاخطية للشعر يحاول كاتب القصة القصيرة المعاصرة أن يصف من خلال اللغة والأسلوب أفعال العقل المجنون ويحاول، كما هي الحالة في الشعر، أثارة الإحساس بالجنون نفسه.
وعندما تبدأ السبعينيات فأن النتيجة المتطرفة لهذا التركيز وكذلك ردة الفعل المتطرفة أزاءه تتوضح في مجموعة جديدة من القصص حررّها فيليب ستيفيك تحت عنوان القصة المضادة وردة فعل مالكولم كاولي البرمة والغاضبة أزاء تلك المجموعة . يقول ستيفيك في مقدمته بأن قصص المجموعة توضح ردود الفعل ضد مواصفات القصة الكلاسيكية: ضد التقليد وضد الواقع وضد الحدث وضد الموضوع وضد المعنى. ومن الواضح أن ذلك كان كثيراً جداً بالنسبة الى كاولي الذي كان نصيراً قوياً للقصة. يقول كاولي أن معظم القصص في الكتاب تتناول حقاً موضوعة الصعوبة القصوى التي يواجهها الكاتب" عندما يعرف الكثير جداً عن الأسلوب وليس عنده شئ يقدمه لنا سوى تلك المعرفة."
ولم تكن مناقشة القصة القصيرة من قبل النقاد الأكاديميين مفعمة بالحيوية كما هو الجدل المستمر بين غيرهم من النقاد. وفي الواقع لم يبدأ الباحثون فعلاً بالتفكير بالقصة القصيرة الى أن جعل كتاب فهم القصة من تحليل الشكل ممكناً في عام 1934 وتتصدى مقالة أي.أل بادر المعنونة تركيب القصة القصيرة الحديثة الى الإتهام المألوف بأن القصة القصيرة تفتقر الى البناء وأن القصة القصيرة فيها بنية سردية إلا أن طريقة تقديمها وحل العقدة فيها غير مباشرين الى درجة تجبر القارئ على العمل بجدية أكبر من أجل إكتشاف العلاقات المعروفة بين أجزاء القصة. يبدأ ولتر سوليفان في تطوير هذه المناقشة العمومية والبسيطة الى منهج أكثر صرامة عام 1951. ومن خلال توظيفه لملاحظة رأي مارك شورار الذي يعتبر القصة فن التجلي الأخلاقي، يؤكد سوليفان أن المفهوم المنهجي الأساس للقصة القصيرة هو تحول من البراءة الى المعرفة- تحول أما أن يكون تسلسلياً داخلياً( يظهر عند الشخصية الرئيسية ) أو تسلسلياً خارجياً (يظــهر عند الشخصية المحيطية الثانوية). ويركز تيودور سترود ( وهو يوسع مقتربات بادر وسوليفان الابيفانية والنقدية الجديدة ) على النمط الجمالي أكثر من تركيزه على النمط السردي. ويظهر سترود أن أحسن طريقة لمعرفة النمط في القصة القصيرة تكمن في دراسة كيف أن إكتمال قصة معينة ينشأ من تجمع الوحدات أو الأحداث في العمل لتجعل من تحول إحدى الشخصيات أمراً ممكناً أو تخلق إحساساً بالفهم لدى القارئ .
ناقدان على الأقل ركزا على أسلوب كتابة القصة القصيرة . يستعمل نورمان فريدمان في مقالته المعنونة ما الذي يجعل القصة القصيرة قصيرة ؟ مصطلحات الدر أولسن الخاصة بأنواع الحدث في محاولة لتفسير مشكلة القصة القصيرة الأساسية- وهي قصرها . يقول فريدمان انه من أجل معالجة المسألة يجب طرح الأسئلة التالية: ما هو حجم الحدث؟ هل يتألف الحدث من حوار ومشهد وحادثة أو حبكة؟ هل يتضمن الحدث تغييراً ؟ إذا كان كذلك، هل يكون التغيير أساسيا أم ثانوياً ؟ ويناقش فريدمان سطحياً عدة أساليب كتابية يمكن أن تؤثر على طول القصة مثل الحذف والتعليق والتوسيع ووجهة النظر . ويركز جيمس موفيت كلياً على وجهة النظر أو ما يسميه بوسائل التجديد في القصة. وبعدما يقدم إحدى عشر وسيلة من تلك الوسائل مع تعريفات قصيرة وأمثلة لكل وسيلة منها، يرسم موفيت سياقاً يقول أنه يغطي " كامل المجال الذي تُحكى به القصص" بدءاً من السرد الذاتي أو الشخصي (الحوار الداخلي) وإنتهاءاً بأكثر أنواع السرد موضوعية (السرد المجهول). لقد حاول بعض النقاد مؤخراً التقرب من مشكلة القصة القصيرة عن طريق عزل وتعريف بعض الأجنـاس الأدبية الثانوية. يلفـت مردخاي ماركوس الإنتباه الى عنصرين أساسيان للتكريس والذين يمكن أن يفسرا غلبة الثيمة في القصة القصيرة. هذان العنصران هما تركيز التكريس على حدث يتسبب في تغيير كبير وتركيزه على حدث مقولب على نحو تقليدي. ويناقش غريغوري فيتزجيرالد القصة القصيرة الهجائية والتي يعرفها كجنس أدبي ثانوي يحدث من خلال هجوم تحقيري على أهدافه وينقل الى القارئ المعنى " مضموناً مختلفاً عن المعنى السطحي الظاهري." وبرغم أن فيتزجيرالد لا يتوسع في الموضوع إلا أن تعريفه قد يشير فعلاً الى خاصية عامة للقصة القصيرة وهي قدرتها على حمل معنى يقع في الغالب تحت مستوى السرد. ولا يضيف تأريخ ايلين بولد يشويلر الموجز للقصة الغنائية القصيرة فارقاً مهماً وذلك لان نقاداً كثيرين لاحظوا الطبيعة النقدية لقصة القرن العشرين القصيرة. ومع هذا فهي تقدم تعريفاً واضحاً: تركز القصة الغنائية القصيرة على " التحولات الداخلية والأمزجة والأحاسيس مستخدمة أنماطا تركيبية متنوعة إعتماداً على شكل العاطفة نفسها."
إن هذا العرض المختصر للمحاولات الأكاديمية للتصارع مع طبيعة القصة القصيرة يجب أن يقنعنا بأن النقاد لم ينجزوا حقاً الواجب المطلوب: لم يشكلوا نظرية موحدة للقصة القصيرة والتي يمكن أن تساعد على فهم الخاصية الفريدة للتجربة التي تتطرق اليها القصة القصيرة والطريقة الفريدة التي تقلد بها القصة تلك التجربة وتخلقها. وكما تقول يودورا ولتي فأن كتّاب القصة القصيرة الذين لديهم وجهة نظر رقيقة، لكنها ليست أكيدة، من القصة قد منحونا مقترحات أكثر فائدة، خاصة فيما يتعلق بكيفية إختلاف القصة القصيرة عن الرواية. وقدمت اليزابيث بووين في مقدمتها للمجموعة القصصية التي اصدرتها دار نشر فيبر عن القصة الحديثة مقترحين ملفتين للنظر عن التجربة المميزة التي تتناولها القصة القصيرة وخلافها البنيوي المميز مع الرواية والتي عرضها كل من فرانك أوكونور ونادين غورديمر بصورة أكثر وضوحاً. بعد ذلك تقول بووين أن القصة القصيرة قادرة، أكثر من الرواية، على وضع الإنسان وحيداً فوق ذلك" الموضع الذي يدرك الإنسان في داخله أنه الشاغل الوحيد له "، ولأن القصة القصيرة معفاة من الحتمية المفروضة على الرواية فبمقدورها أن تقترب أكثر من الحقيقة الجمالية والأخلاقية. ويطور فرانك أوكونور فرضيته المشهورة حول القصة القصيرة ( في كتاب الصوت المنفرد 1963 ) إعتماداً على مقترح بووين الأول. يقول أوكونور أننا نجد في القصة القصيرة في أحسن حالاتها شيئاً لا نجده في الأغلب في الرواية وهو "وعي قوي بالعزلة الإنسانية"، بالرغم من أنه لم ينجح إلا في تخمين السبب وراء ذلك. وقد يمنحنا تفصيل كورديمر لمقترح بووين الثاني مفتاحاً لسبب غلبة العزلة تقريباً في القصة. في الحلقة الثانية من مؤتمر مجلة كينيان قالت غورديمر أن التقليد الأقوى للرواية ، وهو تماسك نغمتها المطول، لا يتماشى مع طبيعة ما يمكن إدراكه كواقع في العالم الحديث. لا يمكن للرواية أن تنقل تلك الميزة للحياة الإنسانية حيث الإتصال أقرب ما يكون الى ومضات اليراع وهي تظهر وتختفي هنا وهناك في الظلمة. تقول غورديمر أن كتّاب القصة القصيرة يتناولون الشيء الوحيد الذي يمكن للمرء التأكد منه وهو اللحظة الراهنة " تكون لحظة الحقيقة المنفردة مستهدفة- ليست لحظة الصدق لأن القصة القصيرة لا تتعامل بالمتراكمات."
قد لا نغالي لو أقترحنا بأن العلاقة بين نظريات أوكونور حول الرؤية المثالية للقصة القصيرة ونظريات غورديمر حول شكلها المثالي هي علاقة مهمة: أن إدراك الإنسان المعاصر أن بمقدوره الإعتماد فقط على اللحظة الراهنة هو بالضبط ما يجعله وحيداً، وأن إحساسه بالوحدة يتوضح بصورة جيدة في شكل أدبي يركز فقط على اللحظة الراهنة.
أن يودورا ولتي وراندل جاريل وجويس كارول أوتس قدموا أيضاً مقترحات مثيرة حول طبيعة القصة القصيرة والتي ترتبط مع أفكار بووين وأوكونور وغورديمر. تقول والتي أن أكثر المظاهر خصوصية للقصة القصيرة هي أننا لا نستطيع رؤية الحدود الثابتة للقصة:" تبدو القصة وكأنها تسبح في شئ خاص بها، أنها محاطة بغلاف جوي. إن أول ما نراه حقاً عن أية قصة هو غموضها . يقول راندل جارل في مقدمته لمجموعة القصص التي اصدرتها في العام 1949 دار نشر دبلداي أنه في قرائتنا للقصص علينا تذكر رأي فرويد الذي يقول " أن جذر كل القصص يكون في الاحلام وليس في الكاميرات والمسجلات." وأخيراً تتفق جويس كارول أوتيس في ملاحظة قصيرة نشرت مؤخراً مع ولتي في أن أكثر الأشياء متعة عن القصة القصيرة هو غموضها، وتتجاوز أوتيس جاريل لتؤكد ان القصة هي" حلم ملفوظ". ورغم أن هذه المقترحات في شكلها الحالي عن الغموض والحلم والعزلة واليراع هي انطباعية جداً بحيث أنها لا تقدم مساعدة حقيقية في فهم القصة القصيرة، فأنها تبدو لي المكان الأنسب الى البداية اذا أراد المرء تطوير نظرية حول القصة لان ما نحتاجه هو نظرية بالمعنى الحديث لا تبدأ من العناصر الخارجية للشكل ولا حتى من أنواع المواضيع المختلفة وأنما من الرؤية الضمنية للقصة القصيرة وشكلها المميز في فهم ومواجهة الواقع. مثل هذه الرؤية لا يمكن إستخلاصها من شذرة معرفة مطلقة مطمورة موضوعاتياً في القصة ولا يمكن إستخلاصها من صمغ الأسلوب الذي تتماسك به الاجزاء بل من ذلك الغلاف الجوي الذي تقول ويلتي ان القصص مغلفة به.
يبدو أن مشكلة كاتب القصــة هي المشكلة نفسها التي واجهها راوية كونراد القبطان مارلو عندما حاول التعبير عن غموض رحلته الى قلب الظلمة: هل تفهم القصة؟ هل تفهم أي شيء؟ يبدو لي أنني أحاول أن أحكي لك حلماً، أن أقوم بمحاولة يائسة لأنه لا يمكن لأي سرد لحلم أن ينقل إحساس الحلـم، ذلك المزيج من العبث والدهشة والحيرة في رعشة ثورة مجاهدة، ذلك المفهوم للوجود المأسور باللامعقول والذي هو جوهر الأحلام الأساس ..."
أن مشكلة ناقد القصة القصيرة هي أنه نادراً ما يقوم بأية محاولة مطلقاً.



#محمد_نجيب_السعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لويزا ماريا غونزاليس رودريغيز التناص والكولاج في قصص بارثيلم ...
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ...
- التقليلية في الشعر : مقدمة تعريفية
- القصة المايكرو
- قصص همنغواي القصيرة /3:
- حروف سوداء فوق صفحات بيض: أدب سكان استراليا الأصليون
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-5
- قصص همنغواي القصيرة/2
- قصص همنغواي القصيرة /1
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-4
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-3
- وداعاً للسلاح وعناقيد الغضب : تقليلية همنغواي وتكثيرية شتاين ...
- التقليلية الأدبية في القصة القصيرة الأميركية-1
- هل الأكثر يعني أكثر أم الأقل يعني الأكثر : بين التقليلية و ا ...
- رسائل إليوت الى إميلي هيل تكشف عن لوعة حب كبيرة
- لماذا ما زلنا نقرأ إرنست همنغواي؟
- صور الحرب عند همنغواي
- همنغواي : أسلوب اللاأسلوب
- الشمس تشرق أيضا : قراءة في مسودات رواية همنغواي
- شعر الغاوتشو:رعاة البقر الأرجنتينيين


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب السعد - تشارلز مَي : نقد القصة القصيرة في الولايات المتحدة الأميركية