|
|
(وَطَنٌ بِرَسْمِ الغَيْبِ)
سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 15:12
المحور:
الادب والفن
1 نُريدُ: سَماءً، لِتَهوي عَلينا إذا ما سَقَطنا وتَنهَضَ إن نَحنُ قُمنا، نُريدُ جدارًا يُلائمُنا، يصلحُ، حينَ نَميلُ عليهِ، للاتِّكاءِ الطويلْ...
2 فليسَتْ جميعُ البحيراتِ ساكنةً، ولَيسَ السُّكونُ، هوَ البحرُ، ليسَتْ جميعُ السَّواكنِ – ماءً!
3 دهليزُنا، ديجوريُّ الظِّلالِ، وفيهِ نَنامُ على غَفلةٍ لا نَعي: متى، أينَ، كيفَ التِقاءُ المنامِ؟
الفُقدانُ والحَيرةُ المزدَحمةْ... صرحُ الطّينِ أمامَ عيونِ المَدى، تَبدو على جِدرِهِ صُورُنا، كأنّ الظِّلالَ التي فيهِ بساتينُ "أبي الخصيبْ"، نُخَالُها مرآةً وفي غفلةِ الحُلمِ، نَهفو لِحُضنِ الأمومةْ.
جِراحُ الطُّفولةِ تُورِثُنا السُّهْدَ، تُسهدُنا… طيورُ المحبةِ، تنقُرُ دَمْعَ العيونِ المُتكَلِّسِ فوقَ الرُّموشْ…
وفي عَتمةِ النبضِ، تَلغُ الكِلابُ البُكمُ، تَنهَشُ ما قد تَكَدَّسَ فينا… ذاكَ هوَ الشّتاتْ.
4 لِيَ ظِلِّيَ الشامخُ، صَريحُ الملامحِ، لَيسَ نَشيدًا ولا عَلَمًا أو خَريطةْ، هوَ اللُّغَةُ المُستَطابةُ، رَغيفُ الحَياةِ، ضمادُ الجِراحِ، وسادَةُ نومِ الغريبْ، هوَ القَلَمُ الناقشُ الحُبَّ فوقَ الجُذوعِ: أسماءُ مَن عَشقُوا قبلَنا، هوَ رَصيفُ التّعبْ، نُصلّي، ننامُ، نُرتِّلُ فيهِ الحُلُم.
كانَ الحُلُمُ لِأبي، ثُمَّ لي، واليومَ يَنبُتُ في كَفِّ ابني.
في الطَّيفِ، يَظهرُ جارٌ، بِاختياري، الشارعُ أعرفُهُ، أعلمُ كيفَ شَقُّوهُ، رَصفُوهُ، عَبَّدُوهُ، وغَرَسُوا على جانِبَيهِ أعمدةَ النورِ، أشجارَ باسقةً...
هذا هوَ الوطنُ المُقيمُ بِنا.
5 دَمٌ نُعطِيهِ، دَمٌ نأخُذُهْ، لا نَشتَريهِ، ولا نَبعُهُ، لا نُؤجِّرُهُ، لا نَستأجِرُهْ.
نَنامُ مِلءَ الجُفونِ، وبابُ الدِّيارِ مُشَرَّعةٌ، والنَّوافِذُ فَجرٌ…
نَخُوضُ الفَيافي، ولا نلتَفِتْ، نَعرفُ كَيفَ الطَّريقُ، وكَيفَ الصَّوَاهْ.
نُحِبُّ اللُّهَجاتِ جميعًا، تُطرِبُنا، نَنبُضُ – حينَ تَصِلْ – كأنَّ الفُؤادَ يَشقُّ الصَّدورَ ليَخرُجَ من حَبسِهْ.
وحينَ نُغادِرُهُ، الوَطنُ: زَمنُ اللِّقاءِ، ومَكانُ الوَداعْ، مَهدٌ إذا ما رَضَعنا، وقَبرٌ إذا ما وَدَّعْنا الحياةْ.
نَسكنُ فيهِ، وفيهِ الكَعبةُ – مَثوانا – نَحُجُّ لِفيهِ، ومِنهُ نعودْ.
6 نَجُوعُ إذا ما جاعْ، ولكِنَّهُ لا يَدَعُنا نَجوعْ.
نَزَعقُ صَدى الشَّوقِ، يَجري بِنا منَ الهامَةِ لِلأخمصِ – صَدًى…
لا سَببٌ في الفِراقِ، هوَ الزَّقُّ، مِثلُ القِرْبةِ المُعلَّقةْ كالنِّيرِ، على العُنُقِ المُتعبِ النَّاحِلِ…
مِنهُ نَنوءْ، وبه نَستجيرْ.
لا وَجودَ لهُ، لكِنَّنا نستَقيهِ إذا مَسَّنا الظمأُ المُستَعرْ، نُصيبُ ارتواءً عَجيبْ.
إذا ما استغَثْنا، أو استغاثَ بنا غيرُنا، شَبَبنا لَهَبْ، كأنّا المَطرْ يَلثمُ وَجهَ الظماءِ.
والمَوجَةُ – حين تَعانِقُ صَخرةً – تصيرُ عروسًا...
تَصيرُ الزُّهورُ مَدى، والأشجارُ قُضبانَ فولاذِ عشقٍ نُسَجِّلُهُ فيهِ، وبِه نَكونْ…
لا غَوايةَ، لا هَوايةَ، لا رِوايةْ.
هوَ الوَسواسُ، يُميتُ سِوانا، ويُحيينا.
هوَ المكتوبُ على الأصداغْ، نَخافُ عليهِ، ولا نَخافُ مِنهْ.
يَجري بنا، ويَجري مِنا، نُعطيهِ، ويُعطينا، كُلُّ الذي فينا مِنه، وكُلُّ الذي فيهِ مِنَّا، منَ الشَّكِّ حتى اليقينْ…
هذا هوَ الوَطَن.
7 اِسْكُبي، مِن فيضِ ما تَكرَعينْ مِن أشواقٍ، مِن حنينٍ، مِن نُورِ فَجرٍ باسقٍ يَنبَلِجُ في سَماءٍ صافيةٍ بِزُرقةٍ نقيَّةٍ…
كُلُّ الخُضارِ، وما تلبسُ الرياضُ مِن الألوانِ مَطبوعٌ على أهدابِكِ الزَّاهيةْ، فـاِسقِينا إيَّاها، إني الصَّدَى!
8 عانقيني حينَ ترَينَ الحُزنَ يُغرِقُني، واثْريني برُموشِكِ الكثيفةِ، وازمَليني… فأنا عليلٌ، ما إنْ أسمعَ اسمَ الوطنِ حتى تنتابَني شطَحاتٌ…
أنا وأنتِ على قاربٍ في غابةِ لفاءِ، لهُ أجنحةٌ تَرفرفُ تشقُّ عُبابَ الأجواءِ…
كُلُّنا – في أوطانِنا – سَحَرةٌ، عُشَّاقْ.
9 التوجُّسُ – يَسكُنُني حُزنًا مُعتَّقْ… أستَعيذُكِ، فهوَ في وجهيَ عُيونٌ تلبسُني مُنذُ سنينْ…
استقطَبَ الغرباءُ أجسادًا منَّا، خَلَعوها عن أرواحِها وحملوها في حقائبَ سِفرٍ، دَمغوها أرقامًا مُشفَّرةً…
حملوا معهم الضِّياء، وخَلَّفوا لنا عَتماتٍ خائبةً، أخافُ أن تَرتديها أوطانُنا…
10 الزَّمَنُ – في المنافي – يَجدِلُهُ الهَجرُ مع حُثالةِ الذِّكرَياتِ، شالاتٍ تَلتفُّ بها أكتافُ الغُرباءِ… تَصيرُ لَهُم، عَلاماتٍ للتيهِ وللنسيانْ.
11 الأُرْجُوزُ، والارتِعاشُ البَليدُ، بَديلٌ عن الحُبِّ… والإيروتيكُ عِوَضُ العِشقِ…
العِناقُ – ربْتةٌ على الأكتافِ – لا تَتوَهُّجَ فيها، لا نَجمَ، ولا ضوءَ عِناقِ العُشّاقْ!
12 الحدودُ: ليست سواترَ تُرْبانٍ، إنّما… المِحنْ.
والزِّحامُ، أن يصيرَ المنفيُّ عُلبةَ سردينٍ، تُصفُّ على رُفوفِ المولاتِ!
13 اِضرِبي عن هواهُم، واسفِري عن نِقابِ الهمومْ… تعالَي… بالمِلحِ نُداوي الجُرحَ، ونَنكَؤهُ ليَلتئمَ – من جديدْ…
ونَعودُ – من جديدْ، بِلا نِقابِ الوجَعِ، ولا الأضغانْ…
لِنَبنيَ وَطنًا، يَكادُ يضيعْ.
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(حنين ناي)
-
(منفاي ملفاي)
-
(عودة -لارا- بقميص النوم الصيفي )
-
( حَنِينٌ)
-
تقدمة- إكليل خزمى تضعه في الليل عشتار على ضريح تموز - (قصيدة
...
-
(رايةٌ وشهقةٌ وانتظار )
-
(انتِ فأل الأفول)
-
(سَجْف رَاحتْ تُعلِّق أَوْقَاتها فِي المِرْآة)
-
(أَمْشِي عَلَى جَمْرِ أَشْوَاقِي)
-
(مَلامِحُ جَسَدٍ بثَوْبٍ شَفيفٍ)
-
(وَإِذا حَبَستُ الدَمعَ فاضَ هُمولا)*
-
( لا أجدُ جٰوابًا)
-
(نُورانيات)
-
(يُوجِعُني وَلَع وَطَني بِالأَنِين) ...(لَهُ الأَمْر)
-
(بداية اللغز )
-
(أعباءٌ وظلالٌ)
-
(قراءةُ حُبٍّ في مِرآةٍ سوداءَ مُدَلّاةٍ على صَدرِ الخَرابِ)
-
(أَنْوار قُدْسِيّة )
-
(تَأَوُّه وأَكْثر )
-
(تاكوتسوبو)
المزيد.....
-
فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8
...
-
هل انتهت أزمة الفيلم المصري؟ مشاركة لافتة للسينما المصرية في
...
-
صدر حديثا ؛ من سرق الكتب ؟ قصة للأطفال للأديبة ماجدة دراوشه
-
صدر حديثا ؛ أنا قوي أنا واثق أنا جريء للأديبة الدكتورة ميساء
...
-
صدر حديثا ؛ شظايا الذات - تأملات إنسانية للكاتبة تسنيم عواود
...
-
صدر حديثا : رواية اكسير الأسرار للأديبة سيما صير
...
-
-أتذوق، أسمع، أرى- لـ عبد الصمد الكبّاص...
-
مصطفى محمد غريب: خرافات صنع الوهم
-
مخرج إيراني يفوز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان باكو السينمائي
-
لسهرة عائلية ممتعة.. 4 أفلام تعيد تعريف الإلهام للأطفال
المزيد.....
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|