|
-يحكى أن - 5
خالص عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 1796 - 2007 / 1 / 15 - 11:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على طريقة أفلام العيد قال لي ؛ وكانت عيناه مغرورقتان بالدموع ؛ لقد شاهدت قوة من الاحتلال وهي تدخل ؛ الطرف الجنوبي من بغداد حيث ( الكرادة الشرقية داخل ) ؛ مع دروعها ودباباتها ؛ واسلحتها الثقيلة ؛ فتقتحم بعض المقاهي االشعبية ؛ وتداهم البيوت ؛ وتعتقل افرادا مدنيين مسالمين ؛ نساءا واطفالا وشيوخا ؛ وتضع يدها على المدخرات ؛ والممتلكات المنقولة ؛ ثم تغطي سماء المنطقة ؛ بزخات من الرصاص الفتاك ؛ وتخرج غير مبالية بما احدثته من قتل ورعب وتدمير فقانون الاحتلال يحميها من أية مسؤولية او عقاب . قلت له سأروي لك شيئا يتطابق تقريبا مع هذا الاسلوب...؛ وعند ئذ سوف لا تستغرب مما شاهدت ذلك ان مثل هذاالاقتحام المسلح نبع من موروثات الطباع ؛ وترسخ بالمقبول من العادات والتقاليد .
في سن المراهقة ؛ كنا عادة نتوجه ايام الاعياد الى دور السينما التي تتخصص في افلام رعاة البقر ؛ لما في تلك الافلام من حركة وحيوية ومعارك طاحنة ؛فنتسمر أمام الشاشة ؛ ونبقى مشدوهين بأجوائها ؛ وكانت اشهر دور السينما التي تعرض مثل هذه الافلام أيام العيد هي ( الرشيد ؛ والزوراء ؛وركس ) وكان ابطال الافلام الامريكية الذين نفضلهم على غيرهم هم ( ولاس بيري ؛ وألان لاد ؛ وكاري كوبر ؛ وسخاري سكوت ؛ وجون وين ) وذلك لقدرتهم السريعة في المداهمة وتحطيم الابواب ؛ وتكبيل اشخاص... مما كان يتلائم وحماس تلك السن المندفعة . كانت تلك الافلام جميعا تتفق والمضمون التالي : --
مدينة هادئة آمنة ؛ تقتحمها عصابة من الاشرارتمتطي الخيول ؛ فتطلق الرصاص وتروع السكان ؛ ثم تتقدم نحو سجن البوليس ؛ فتعتدي على الحراس ؛ وتفتح الابواب مشرعة للمجرمين ؛ بعدها تتوجه نحو الفندق الوحيد فترهب الحضور ؛ وتقلب الموائد وتكسر القناني ؛ وتكبل المقامرين وتطرحهم أرضا بعد ان تسلب كل نقودهم ؛ بعد ذلك يصعد افرادها البارزون وقد لعبت الخمرة برؤسهم ؛ الى الطابق العلوي ؛ حيث غرف الراقصات فينال كل واحد منهم مشتهاه جبرا . في الصباح تكون العصابة قد استولت على كل شيء ثمين ؛ ودمرت ما في المدينة من سجن و بنك وفندق وبار ومخازن وعربدت واغتصبت النساء ؛ قبل ان تتوجه الى جهة اخرى لتعيث فيها فسادا . فهل في هذا السيناريو ما هو مختلف عما شاهدت في العراق .
ما تصير آدمي
في منتصف الخمسينات ؛ كنا نلتقي في مقاه عدة ؛ ومنها مقهى خليل القيسي في شارع الرشيد ؛ في مقابل شارع المتنبي ؛ وكان من رواها عدد من الشعراء والادباء والمذيعين والصحفيين ؛ كشاكر الجاكري ؛ وحافظ القباني ؛ وصاحب الملائكة ؛ وعبد القادر رشيد الناصري ؛ وعبد المجيد الونداوي ... وغيرهم ؛ وبينما نحن نتحاور في مواضيع الساعة آنذاك ؛ دخل المقهى صديقي الشاعر المحامي عدنان فرهاد الذي عرف بعمق معرفته باللغة العربية وفقهها وآدابها ؛ وبقدرته المتميزة بحفظ الشعر قديمه وحديثه ؛ جلس الى جانبي و وقد بدا عليه التذمر والانزعاج ؛ فلما استجليت الامر منه اتضح لي ما يأتي : - كان من عادة فرهاد الكريمة انه متى ما رأى خطأ بلاغيا او نحويا .... الخ في نتاج منشور عمد في الحال الى اعداد رسالة خاصة الى كاتبه ؛ يوضح له فيها الاخطاء التي وقع فيها باسلوب في غاية اللباقة والذوق ؛ دون اللجوء الى نشر ما كتبه الا ما ندر ؛ وكان يعتبر نفسه بتلك الطريقة المهذبة قد ادى واجبه الاخلاقي ؛ وكانت رسائل التقدير والشكر من أغلب اؤلئك الكتاب تصلهبشكل دائم عرفانا منهم بالفضل . . ولكن الذي اغاضه في ذلك اليوم ؛ هو ان احد الكتاب المعروفين ؛ لم يكتف بعدم اعارة سلسلة تصحيحاته التي اجهد نفسه في مراجعتها وتثبيتها مادة ولغة لاكثر من مرة او تقديم الشكر والامتنان ؛ بل قام ذلك الكاتب الخطاء ؛ بالاتصال بالاستاذ فرهاد والطلب اليه - بلغة جافة خالية من الذوق - التوقف تماما عن مراسلته وتصحيحاته ؛ وكان هذا التصرف الصبياني هو الذي اثاره واستفزه . قلت له سأروي لك حكاية قد تخفف من حنقك وأستيائك ...واستطيع ان أوجزها لك بما يأتي : - في بداية العهد الملكي ؛ كان الحاج كاصد ؛الفلاح المعروف بجده في زراعته والمحب لقريته الفراتية التي لم يبرحها الا ما ندر ؛ عاكفا على تربية اولاده بكل ما تيسر له من جهد ومال ؛ وكان لولده الوحيد محمود ؛ حصة الاسد من كل تلك الرعاية والعناية ؛ فقد ارسله الى الملا اولا حيث تعلم مباديء الدين واللغة والحساب ؛ ومع ان اغلب الاباء في مثل تلك القرى كانوا يكتفون بهذه المرحلة الا ان الحاج كاصد اصر على اكمال ولده تعليمه مهما كلفه ذلك من ثمن ؛ ومع ان ادخال ابنه مراحل دراسية اعلى قد كلفه جهدا ومالا ووقتا ؛ الا انه استطاع بارادته ان يجتاز كل تلك الصعوبات بعزم متين ؛ الا ان ابنه لم يقدر لابيه ما بذل من تضحيات جسام ؛ اذ كان لاينفك من ابداء التذمر وبخاصة ما كان يظهره في كل مناسبة من خجله من مهنة والده ومظهره الخارجي ؛ أما الاب فكان كلما سمع من ابنه ذلك صراحة وعلنا ابدى تجلدا وصبرا ؛ ولكن ذلك الولد العاق تمادى في استهتاره وغيه واهانته لابيه امام الناس ؛ فما كان من الاب- وقد طفح به الكيل - الا ان رد عليه وأمام بعض فلاحي القرية قائلا : ( انت ابني ابدا ما تصير آدمي ) .
التحق محمود بالوظيفة العامة ؛ فترك اسرته ؛ وذهب ليعيش منفردا مبذرا راتبه على اصدقاء السوء ؛ دون ان يقدم اية مساعدة لاسرته رعته .وتمر السنوات ؛ ويتقدم محمود بمراكزه الوظيفية باساليب لم تكن الكفاءة واحدة منها حتى يصل الى وظيفة مدير ناحية ...؛ ويا له من منصب مرموق على تلك الايام . وذات يوم أمر محمود مأمور مركز الشرطة بجلب الحاج كاصد مكبلا مخفورا وأن يسير به من امام مقهى الناحية أمعانا بالاهانة ؛ ففعل المأمور وشرطته ذلك ؛ فلما مثل ابوه امامه وهو في تلك الحالة المزرية : قال له امام كل الحاضرين : ( : هل تذكر : لقد قلت لي مرة - انت ابدا ما تصير آدمي ... وين صار كلامك ؛ فمثل ما تشوف .. آني اصبحت مدير ناحية ؛ وانت بعدك فلاح هلكان !!) نظر والده الى الجمهور والالم يعتصره ؛ وأجاب ( آني ما كلت انت ما تصير مدير ناحية او يمكن قيمقام ؛ كل اللي كلته انك ما تصير آدمي ؛ فلو انت آدمي صدك ما جلبت ابوك مخفور) . سمع صديفي الاستاذ عدنان فرهاد هذه الحكاية ؛ او هذه العبرة ؛ فأبتسم اقائلا .....لقد ارحت ضميري ؛ فعلا ...ان ذلك الكاتب قد يصبح مشهورا ولكن لن يصير( آدميا ). قلت له وما عليك الا ان تستمر في تصحيح ما تراه من أخطاء و وبذات اسلوبك المهذب الذي تعودت عليه فهو أجدر بتسامحك ونبل هدفك .
ولات حين مندم
السيدة سلوى ؛ طبيبة لم يمض على تخرجها غير سنوات قليلة ؛ غادرت العراق شأن العشرات من امثالها ؛كانت تجلس تتحدث لنا عما رأته من حماقة احد الاداريين حينما صب جام غضبه على أحد مراجعي قسم الطواريء في احدى المستشفيات ؛ لمجرد أن سأله بكل أدب عن الجهة التي يتوجب عليه مراجعتها ؛ ؟!! وحينما ترك المراجع الادارة دون ان ينبس ببنت شفة ؛ خشي المسؤول من النظرات التي صوبها اليه ذلك المراجع ؛ فحاول اللحاق به للا عتذار الا ان جهده ذهب ادراج الرياح: وتقول الدكتورة سلوى ؛ انها لاحظت اضطراب ذلك المسؤول طيلة اليوم ؛ ثم تسآءلت : اذن علام ذلك التصرف الاحمق ابتداءا ....؟!
قلت للجمع : سأروي لكم حادثا مشابها عن فعل أحمق آخر وردة فعله المهين : في الاربعينات من القرن الماضي كنا في مدينة الكوت ؛ وقد سمعنا ان قاضيا تملكه الغضب من ساعي المحكمة فاستدعاه وشتمه ثم قام من مكتبه وصفعه بقوة أدت بالساعي الى السقوط ارضا غائبا عن الوعي ؛ امام هذه الحالة المفاجئة انهار القاضي لفعلته .... وأستنجد بالموظفين لمساعدته ثم ركع الى جانب الساعي محاولا ايقاظه ؛ بتقبيله والتوسل اليه ( عيني ... اخويه ...على بختك ... ما صار شي .. والله بس تكوم سأعطيك مكافأة ... يمعود ابو الغيرة .... لا تسويها صدك ... ) . مرت تلك الدقائق الحرجة على القاضي وكأنها دهر ؛ وجينما استيقظ الساعي وعاد الى رشده ؛ كان القاضي قد فقد كثيرا من كرامته واحترام الموظفين والمراجعين له ؛ لقد تناقل المجتمع هناك هذه الحادثة بكثير من ألازدراء . وقد جاء امر نقله الى مدينة أخرى انقاذا له .
#خالص_عزمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطنيون ووحدة المصير
-
النعامة المرعوبة
-
- 2 - موجز لبعض ما كتبت عن العراق في عام
-
(موجز لبعض ما كتبت عن العراق في عام ( 1
-
_12_ أدب القضاة محمود العبطه
-
ما احلى الوفاء
-
نشر ثقافة الحوار وتطويره
-
نوابغ الفكر العراقي
-
الاتجاه المعاكس نحو البيت الابيض
-
قصة قصيرة : أيام المستشفى
-
ايام العدوان الثلاثي على مصر في لندن
-
لعنة العراق
-
قانون ادارة الدولة الملغي و تعديل الدستور
-
654965
-
الحاضر .... ليس النهاية
-
أدب القضاة 11
-
موسيقى أفلام المقاومة ورحيل الموسيقار أرنولد
-
أيها الخفاق في مسرى الهوى
-
ناتاشا كمبوش وأطفال العراق
-
لقائي الاول مع نجيب محفوظ
المزيد.....
-
لماذا أصبحت العلامات التجارية الفاخرة أغلى من أي وقت مضى؟
-
مضيق هرمز.. هل يهدد التوتر الإقليمي إمدادات الطاقة العالمية؟
...
-
سفير إيران بفرنسا لفرانس24: -الضربات الأمريكية استهداف للكرا
...
-
إسرائيل تكشف سبب قصفها طرق الوصول إلى منشأة فوردو الإيرانية
...
-
رأي.. إردام أوزان يكتب: الشرق الأوسط في عصر الصراع المفتوح..
...
-
كيف تعيد إيران وإسرائيل النظر في استراتيجيتهما بعد الضربات ا
...
-
مسؤول أردني: سقوط طائرة مسيرة في عمان ووقوع أضرار مادية
-
القواعد الأمريكية في الخليج: ماذا نعرف عنها؟
-
دعم ألماني مطلق.. ما موقف الاتحاد الأوروبي من الحرب الإسرائي
...
-
السباق نحو التسلح: ما مدى تأثير التوترات في الشرق الأوسط على
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|