أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالص عزمي - ايام العدوان الثلاثي على مصر في لندن















المزيد.....

ايام العدوان الثلاثي على مصر في لندن


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 1721 - 2006 / 11 / 1 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد طلب في عام 1955 من امريكا تزويد مصر بالسلاح ؛ فأعتذرت عن ذلك ؛ فتوجه نحو المعسكر الاشتراكي كسرا للاحتكار الغربي ؛ حيث عقد صفقة مهمة بهذا الشأن مع جيكوسلوفاكيا ؛ في خريف ذلك العام .وردا على هذا الموقف الوطني المستقل ؛ قررت الادارة الامريكية ا سحب تمويلها للسد العالي وتبعها في ذلك البنك الدولي .وازاء هذا التصرف المتعنت ؛ قرر عبد الناصر في 26 تموز 1956تأميم قناة السويس وذلك في اجتمـــــــاع جماهيري حاشد وصل الى أكثر من مائة الف شخص في ساحة التحرير في الاسكندرية ؛ كان ذلك القرار عبارة عن قانون يتكون من ست مواد استهله : ( باسم الامة : رئيس الجمهورية ؛ مادة 1 ـ تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية ...) .كان القرار شجاعا ؛و ساطعا بالكرامة الوطنية اربك دوائر الاستعمار ؛ فراح قادته يجمعون صفوفهم على عجل ؛ حيث عقدوا في لندن مؤتمرا ( للمنتفعين بقناة السويس) بتاريخ 16 / آب /1956 ؛ لم تحضره مصر ورفضت استلام المحاضر والقرارات المتخذة فيه وأيدها في ذلك الاتحاد السوفياتي د . مرت مدة ليست بالقصيرة على الاخذ والرد بين اطراف الاجتماع ومصر ؛ حتى فآجأت اسرائيل العالم بهجومها العسكري على سيناء والتقدم نحو سواحل القناة وذلك في يوم 31 تشرين الاول 1956 ؛ عندها ( وباتفاق مسبق مع اسرائيل بحجة الحفاظ على الممر المائي ) هاجمت بريطانيا وفرنسا مصر وقصفتا منطقتي السويس وبور سعيد برا وبحرا وجوا . ولكن مصر لم تقف مكتوفة الايدي ؛ بل ردت على الهجوم ببسالة متخذ ة من شعارعبد الناصر ( سنحاربهم من بيت الى بيت ) سبيلا لتحرك المقاومة المصرية بكل طاقاتها للذود عن شرف وارض مصر .وقام الشعب العربي بالتظاهر الواسع من المحيط الى الخليج ؛ دمرت اثناء ذلك اجزاء كبيرة من خطوط النفط الممتدة من كركوك حتى بانياس وطرابلس ؛ فانقطعت الامدادات فورا واصاب العالم الغربي الرعب من هذه العملية الجريئة التي واجهته بهذا الحزم
.
كنت حينها في لندن احاول الالتحاق بالدراسات العليا في القانون في احدى كليات جامعة لندن وكنت اسكن في شقة متواضعة في الطابق الثالث من عمارة اسمها رومني كورت في منطقة شبرد س بوش جرين ؛ وكان صديقي (و منذ سكنانا في الاعظمية في الاربعينات وما بعدها ) ؛ الدبلوماسي العراقي ( اسامة عبد الله خليل ) يسكن في الطابق الثاني من ذات العمارة ؛ وفي صباح اليوم االثاني للعدوان صعد الى شقتي ودخلها وهو يلهث ليقول :ان مظاهرة ضخمة ينظمها العرب والبريطانيون ؛ ستنطلق الى مقر رئيس الوزراء انطوني ايدن في 10 داوننج ستريت لتقديم الاحتجاج على هذه الحرب الحمقاء ؛ بعد ذلك سيكون التجمع في ساحة ( تيفالجر سكوير ) لالقاء الكلمات والتعبير عن المشاعر المناهضة لهذا العدوان . في تلك اللحظات ؛ اخذ كل منا يجري اتصالاته بعدد من المعارف والاصدقاء لابلاغهم الموقف وحثهم على الاسراع بالحضور..... ؛ ثم انطلقنا الى حيث بيكادلي سيركيس ؛ لنلتقي هناك بحشد كبير من اخواننا العرب ؛ وهم يزحفون نحو موقع الاحتجاج . و في مكان واسع يقابل مسرح ( برنس اوف ويلز ـــفي شارع كوفنتري ) بـــدأنا تنظيم صفوفنا ؛ حيث قادنا احد الاخوة المصريين( من الاساتذة الجامعيين )؛ لنشكل سلسلة بشرية من الجالية العربية ( و كان بعضهم يحمل على صدره علم بلده وعلم مصر ) .لنسير بانتظام ونحن نردد نشيدا حماسيا مميزا اشتهريوم ذاك على صعيد الوطن العربي كله تحت عنوان ( الله أكبر ) وكان من الحان الموسيقار محمود الشريف ؛ وانشاد الفنانة الوطنية ( فايدة كامل )التي اصبحت فيما بعد عضوا في مجلس النواب المصري ورئيسة للجنة الثقافة والاعلام فيه .

امام مقر رئيس الوزراء ؛ توقفت الحشود الى حين استكملت اجراءات الاحتجاج ؛ بينما كان الصحفيون والاذاعيون يحاولون اخذ بعض الاحاديث من قادة المظاهرة ؛ ولكن اصوات حناجر الالاف الهادرة بالهتافات المضادة والاناشيد المعبرة عن المشاعر والاحاسيس كانت تحول احيانا دون ذلك وما هي الادقائق حتى اعلن في الميكرفون المصاحب للمسيرة عن التوجه نحو . ساحة لندن الشهيرة الواسعة ( تيفالغر سكوير ) حيث تسلق الخطباء قاعدة تمثال ( الاميرال نيلسن ) وراحو ا يلقون كلمات موجعة ضد حكومة ايدن وحربه العدوانية الوحشية ضد شعب مصر وقيادته الوطنية .
عند حلول المساء ؛ بدأت الجموع تتفرق ؛ فتقدم احد الدبلوماسيين المصريين من زميله اسامة خليل ليخبره بضرورة الالتحاق وزملائه باجتماع استثنائي يعقد بعد ساعة في المركز الثقافي المصري ؛ حيث ستلقى هناك بعض البيانات والخطب المناسبة. ومع اننا كنا منهكين تماما فقد قررنا المشاركة لان ذلك هو اقل ما كان علينا فعله في هذه المناسبة الوطنية؛ كانت الشوارع ما زالت مليئة بالناس حيث تعذر علينا ايجاد تاكسي يوصلنا الى العنوان المطلوب ؛ تجاه ذلك قررنا السير على الاقدام حتى المركز ؛ وكانت مسافة طويلة الى حد ما .
كان عددنا متوسطا ؛ واستقبلنا احد مسؤولي المركز ؛ واجلسنا في موقع قريب من المنصة ؛ حيث تكلم عدد من الخطباء وكان من بينهم شخصيتان عراقيتان هما القومي البارز والقانوني الضليع الدكتور عبد الرحمن البزاز ؛ (رئيس وزراء العراق بعدئذ ) و الذي لخص بلغة رصينة وتدفق خطابي ارتجالي اسباب العدوان واهدافه الاستعمارية البعيدة ثم حيى الشعب المصري وقيادته على تلك الوقفة البطولية الشجاعة ؛ ثم اعقبه الخبير المالي و الباحث اللغوي( بالعربية والكوردية ) الشاعر الدكتور عبد الله النقشبندي ( اصبح وزيرا للمالية بعدئذ ) ؛ حيث القى قصيدة ساحرة( كانت بنت ساعتها ) ؛ الهبت المشاعر وعبرت عما كان يدور في خلد الحاضرين من احاسيس جياشة ضد العدوان الثلاثي والموقف الوطني البطولي في دحره .

كانت اياما عصيبة حقا ؛ لم يهدأ لنا بال ولم يغمض لنا جفن الا لسويعات ؛ كنا نتنقل من شقة احدنا الى بيت الآخر ؛ نستمع الى الاخبار لحظة فلحظة ؛ والدموع تنهمر من عيوننا أسفا وحسرة على الضحايا ؛ ولكن الامل كان يشدنا اليه ونحن نلتقط اخبار ابطال المقاومة ؛ في الاسماعيلية والسويس وبور سعيد ... الخ وهي تصب نار غضبها على جيوش العدوان الغاشم . في هذا الوقت طلب اليّ عدد من المجتمعين ان اقوم بتحرير صيغة احتجاج شديد اللهجة يوقع عليه اكبر عدد من الجالية العربية ؛ اضافة الى بعض التصريحات والردود لارسالها الى اذاعات و الصحف ؛ ففعلت ذلك برحابة صدر وسلمتها جميعا في اليوم التالي الى ممثلي التجمع العربي الذي كان دائم الانعقاد .

في يوم 5 تشرين الثاني 1956 ؛ هز العالم والدول المعتدية بالذات ذلك الانذار القوي الذي ارسله اتحاد السوفياتي الى دول العدوان ؛ والذي وردت فيه عبارة حاسمة شديدة اللهجة تقول (...... لقد عزمنا عزما اكيدا على سحق العدوان واعادة السلام الى الشرق الاوسط عن طرق استعمال القوة ...الخ . ) . لقد وجدت تلك الدول ان لهجة واسلوب ا لانذار كان في منتهى الجدية والتصميم وانه قابل للتحقيق الفوري ؛ وازاء ذلك وبعد التشاور العاجل ؛ صدر القرار بايقاف جميع العمليات العسكرية , وما هي الا فترة وجيزة حتى اخذت جيوش العدوان بالانسحاب مخلفة وراءها أذيال الخيبة والفشل والهزيمة المنكرة .... وانتصرت مصر في معركتها العادلة .

في خضم تلك الاحداث العصيبة ؛ كنت ادون ما احصل عليه من تعليقات وتحليلات من خلال اجهزة الاعلام البريطانية المختلفة ؛ وبخاصة ما كان يكتبه ويتوصل اليه الاكاديميون والصحفيون المنصفون من نتائج تدلل على فهم واضح ؛ لما كان يبيت لمصر من تدمير للارادة الوطنية وروح الاستقلال ؛ وقد خرجت من وراء تلك المحصلة الى الى جملة اسباب أدت الى فشل تلك الحملة الهوجاء ؛ مما يمكن ايجاز اهم اسبابها بما يأتي : ـــ

1 ــ القرار الوطني الحكيم و المدروس بعناية في تأميم قناة السويس والذي اتخذه الرئيس جمال عبد الناصر والقيادة المصرية ومن ورائه الشعب المصري والامة العربية دونما اي نكوص عن اهدافه .
2 ــ تجاوب الامة العربية والتفافها نحو مصر بصدق وجدية ؛ وما قيام بعض ابطال المقاومة بتدمير اجزاء من انابيب النفط الا صورة واضحة للموقف التكافلي ا لتضامني .
3 ــ صمود الشعب المصري ومقاومته البطلة في كتلة متراصة موحدة الهدف ضد العدوان و على كل الاصعدة .
4 ــ الوعي المصري لكل ما بيته الاعداء من دسائس التفريق والتشتيت ؛ ونبذه الحازم لمبدأ ( فرق تسد)
5 ــ التحشيد الاعلامي العربي على مختلف الاتجاهات والمستويات ؛ من خلال اجهزة الاعلام االموآزره ؛ا و من خلال تكاتف الكتاب والفنانين والشعراء وقادة الفكر الوطني من الذين جندوا انفسهم في الوقوف مع مصر .
6 ــ موقف الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية القوي من العدوان من خلال الانذار شديد اللهجة ؛ والتهديد بضرب دول العدوان بالصواريخ ان لم تتوقف فورا عن حربها الغاشمة .

لقد كانت اياما عصيبة حقا ولكنها كانت مليئة بمعاني العزة التي عبرت بصدق عن اثمن ما حصدته الامة العربية في تأريخها المعاصر آنذاك ؛ تلك الامة التي رسمت للعالم اجمع و في تلك الملحمة البطولية صورة مشرفة لتلاحمها في مقارعة الامبريالية ؛ وانتزاع الحقوق والمطامح المشروعة التي ناظل ابناء الشعب الواحد من اجلها ؛ في اطار من وحدة وطنية متماسكة واسعة المدى شريفة الهدف لا تعرف المهادنة او المساومة او الذل .



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعنة العراق
- قانون ادارة الدولة الملغي و تعديل الدستور
- 654965
- الحاضر .... ليس النهاية
- أدب القضاة 11
- موسيقى أفلام المقاومة ورحيل الموسيقار أرنولد
- أيها الخفاق في مسرى الهوى
- ناتاشا كمبوش وأطفال العراق
- لقائي الاول مع نجيب محفوظ
- أدب القضاة 10
- وردة الغربة على قبر البياتي
- عزف لبناني منفرد
- أدب القضاة 9
- فما لك غير لبنان وتشفى
- الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 4 4
- الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 3 - 4
- الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله 2 4 شهادة وذكريات
- الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 1 4
- عبير
- المقدمات 3


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالص عزمي - ايام العدوان الثلاثي على مصر في لندن