أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالص عزمي - الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله 2 4 شهادة وذكريات















المزيد.....


الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله 2 4 شهادة وذكريات


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 11:24
المحور: الادب والفن
    


اللقاء الاول

في بداية عام 1950 كنت اسير مع صديقي الاديب محمود العبطة متجهين نحو مقهى الزهاوي حيث يجتمع عدد من الادباء والشعراء والصحفيون في الركن الاول من الواجهة الزجاجية وهم عبد القادر رشيد الناصري ؛ ومكي عزيز ؛ وعبد القادر البراك ؛ وشاكر الجاكري ؛ ومحمود المعروف ؛ وعبد المجيد الملا ... الخ وقبل الوصول الى المقهى لمحت الجواهري وهو يجلس في ركن من مقهى ( حسن عجمي ) وهولا يبعد سوى امتار قليلة عن مقهى الزهاوي ؛ فاقترحت على صديقي دخول المقهى وتحية الجواهري ؛ فرحب بالفكرة ؛ توجهنا نحو الجواهري ؛ وحييناه اولا فقام مصافحا كلا منا بلطفه المعهود ؛ والح علينا بالجلوس وتناول الشاي ؛ فجلسنا وكان كل املي ان احظى بحديث خاص و مسهب معه ينال النشر في احدى الصحف المحلية . عرفني العبطة على الشاعر الكبير واضاف من عندياته ( انه ابن خليل عزمي ) ؛ فما كاد الجواهري يسمع ذلك حتى قال عبارة لا انساها ابدا ( والدك صديقي ؛ وهو اديب واداري ؛ كان قائمقاما في النجف ؛ ومتصرفا ورئيسا لمحكمة الاراضي في كربلا يوم اصبحت نائبا عنها ) ؛ اجبت ا ان ما سمعت قد اسعدني حقا ؛ ثم اضفت : لقد تعرفت على ديوانكم ؛ وعشت بين قصائده ؛ ثم اتيحت لي فرصة مشاهدتكم في اكثر من مناسبة ثورية وطنية عزيزة على قلوبنا ؛ وها انذا التقى بكم وجها لوجه ؛ فيزيدني ذلك فخرا وامتنانا . عند هذا رأيت الجواهري وقد تهللت اساريره ؛ وراح يحدثناعن بيئته الصعبة التي عاش فيها والحياة القاسية التي عاناها في طفولته وشبابه ولكنه بارادته الفولاذية استطاع ان يتحدها بالدرس والحفظ والانكباب على المعاجم ودواوين الشعر الموروث ؛ فيزيد من ثقافته ويختزن المفيد منها في حصالة ذهنه ؛ وبعد هذا الحديث الذي ملأنا ثقة واندفاعا نحو المثابرة والتحصيل ؛ ابدى رغبته الشديدة في معرفة اتجاهات الادباء الشباب ؛ واضاف ان جريدة ( الرأي العام ) مشرعة الابواب لاقلام الشباب وآمل ان اقرأ لصفوة الكتاب الجدد على صفحاتها ما يعزز مكانة الجيل الجديد؛ وقد وجدها فرصة سانحة ليقرا لنا ابياتا من قصيدته (تحرك اللحد ) ومنها :
كلوا الى الغيب ما يأتي به القدر واستقبلوا يومكم بالعزم وابتدروا
وصدقوا مخبرا عن حسن منقلـــــــــــــب و آ زروه عــــسى ان يصدق الخـــــبر
لا تتركوا اليأس يلقــــــي في نفوسكم له مذبا ؛ ولا يأخذكم الــــخور
في هذه اللحظات الثمينة من اللقاء الشيق ؛ دخلت مجموعة من رجال العشائر للسلام على الجواهري ؛ فوجدنا ان الامر لا يتحمل الاستمرار في الحديث ؛ فودعناه ، ثم تابعنا سيرنا نحو مقهى الزهاوي .

صدى موقف الشاعر

في منتصف ايلول من هذا العام ؛توجهت ومجموعة من الزملاء الى دمشق للالتحاق بكلية الحقوق هناك حلا للأشكالات التي اعترضت قبولنا في كلية الحقوق العراقية . وما كدنا نصل حتى حدد لنا موعد مع الاستاذ العلامة الدكتور قسطنطين زريق رئيس الجامعة الذي رحب بنا واتصل بعميد الكلية لاتخاذ الاجراء لقبولنا ؛ فتم ذلك بدون اية معوقات؛ فأخذنا طريقنا الى الدراسة القانونية .

كنت قد تعرفت على الاستاذ عبد الغني العطري صاحب مجلة الدنيا الدمشقية وانا احمل اليه رسالة من صديقه الشاعر الرومانسي عبد القادر رشيد الناصري الذي كان ينشر بعضا من مقالاته واشعاره في تلك المجلة المشهورة ؛ وبينما نحن في ضيافة الشاعر الكبير احمد الصافي النجفي في مقهى من سلسلة المقاهي التي تطل على بردى في مقابل مدرسة التجهيز الثانوية آنذاك ؛ حدثنا عن المفآجأة التي فجرها الجواهري وهو يشارك في حفل تأبين الزعيم الوطني اللبناني عبد الحميد كرامي في قاعة سينما الريفولي في ساحة البرج في بيروت ؛حيث قال ( انه سمع من احد اصدقائه الكتاب اللبنانيين الذين حضروا وقائع الحفل ؛ ا ن رئيس الوزراء رياض الصلح كان تأخر عمدا عن الحضور في الموعد المحدد ؛ لكي يتحاشى سماع المقاطع الاولى بالذات من قصيدة الجواهري التي سمع عنها ما لا يسره
ولكن الجواهري بما عرف عنه من اصرار وتحد ؛ واصل قصيدته الهجومية الكاسحة ؛ وماكاد الصلح يدخل يحيط به الحرس وضباط الحماية ؛ حتى انشد الجواهري بحماسة بيتين ( قيل انه ارتجلهما فورا ) وهما :

عبد الحميد وكل مجد كاذب ان لم يصن للشعب فيه ذمار
والمجد ان يحميك مجدك وحده في الناس ؛ لا شرط ولا انصار
وعند ذاك قطع الضياء عن القاعة برمتها وساد هرج ومرج ؛ وبهذه الطريقة البدائية انتقمت الحكومة لكرامتها المهانة . اما الابيات التي استفزت الرئيس الصلح اكثر من غيرها فهي :
عبد الحميد وما تزال كعهدها شعب يذل وامة تنهار
ومسلطون على الشعوب برغمها السوط يدفع عنهم والنــــــار
ياموطن الاحرار حين يسومهم خسف ؛ وحين تشردالاحرار

وما كاد العطري ينتهي من روايته ؛ حتى سبقنا استاذنا الصافي النجفي الى القول ( مهدي ... ما قصرت ) ؛ وفي
اليوم التالي وبزهو الشباب كنا نحدث الزملاء في الكلية عن هذا العراقي الفحل الذي عبر عن وجداننا وكرامتنا ؛ واذا بهم ينقلون الينا تأييد الجماهير في سوريا ولبنان ذلك الموقف الوطني العربي الشجاع .وقد لاحظنا ان كثيرا منهم منهم يحتفظ باحدى الصحف التي نشرت تلك القصيدة المزلزلة . وبمراجعة مفكرتي ليوم 14 شباط من ذات العام اجد انني سجلت ما يأتي (قدم رياض الصلح رئيس وزراء لبنان استقالته الى الرئيس بشارة الخوري ؛ والسؤال الذي يعترضني هو هل لقصيدة الجواهري وما اعقبها من ملابسات قاسية بحق شاعر كبير له مكانة متميزة عند الرئيس الخوري ؛ اثر في ذلك )

العودة الى بغداد

في منتصف عام 1951عدت الى الوطن منقولا من حقوق دمشق الى حقوق بغداد ؛ فاصبحت قريبامن الحركة الادبية ؛ بخاصة وان هذه الكلية ؛ كانت الرائدة في التصدي لكل ما كان يمس مصلحة الوطن والشعب ؛ بل لعل وجود ذلك العدد الضخم من الادباء والشعراء والصحفيين في صفوفها ــ على عهدنا ــ منحها قدرة على اتخاذ المواقف الوطنية الشجاعة ؛ فقد كانت تظم ؛ عدنان فرهاد ؛ وكاظم جواد ؛ وحارث طه الراوي وهلال ناجي ؛ وصبيحة المدرس ؛ وبدري حسون فريد ؛ وهشام الدباغ ؛ وحبيب محمد كريم ، ونزار كاظم الحسن وهشام الدباغ وعلي الحلي وبدري حسون فريد وفاضل حسون العلي .. الخ وكان للجواهري موقع متميز بين هذا الحشد من حملة الاقلام بخاصة والطلاب الاخرين بشكل عام ؛ اذ ما تكاد تصدر الرأي العام وعليها قصيدة لهذا الشاعر المحلق ؛ حتى تصبح مدار نقاش واسع سواء في قاعة الكلية الكبرى او المقهى الخاص الصغير المجاور لها . بل كنا نسمع من شعراء الكلية معارضات على مستوى رفيع لعدد من قصائد الجواهري ك ( تنويمة الجياع ؛ وفي مؤتمر المحامين ؛ وما تشآؤون فاصنعوا ؛ ... الخ )

في تلك الفترة ايضا وانا في الثانية والعشرين من العمر وفي الصف الثاني من كلية الحقوق ؛ قررت اصدار مجلة ادبية ( اصبح لها بعدئذ شأو محمود هي مجلة الاسبوع ) وقد جمعت لتحريرها ادباء وفنانين وشعراء مرموقين ؛ وكنت قبل كل ذلك زرت الجواهري في ادارة الرأي العام ورجوته ان يخص المجلة بقصيدة او كلمة ؛ وهي في اعدادها الاولى ؛ رد علي ؛بالحرف الواحد ( انت تعرف كم اعزك واقدر نشاطك ؛ ولكن الافضل برأي ان تعتمد على الشباب ؛ وتبتعد عن التعكز على المشهورين الكبار ؛ خاصة وانا من المغضوب عليهم ... فلا اريد لك الاذى ) عندها ودعته وانا متألم ؛ ولكن اتضح لي صواب رأيه بعد فترة من الزمن حينما ؛ وقفت المجلة على قدميها وانتشرت لا في العراق وحسب بل وبعض البلاد العربية بما قدمته من جهد ومال وبمساعدة عدد من الادباء والشعراء ك( بدر شاكر السياب ؛ وعبد الوهاب البياتي ؛ وحارث طه الراوي ؛ وكاظم جواد ؛ وعبد القادر رشيد الناصري ؛ وعبدالله نيازي . ) اضافة الى الى الآخرين الذين اسهموا من لبنان ومصر والسودان والاردن وسوريا .

قصيدة التتويج

ما كاد الملك فيصل الثاني يبلغ الثامنة عشرة من العمر في 2 مايس 1953 حتى جرى حفل تنصيبه على عرش العراق( دونما وصاية) ؛ باحتفالات واسعة ؛ اكتظت فيها شوارع بغداد بالناس من كل حدب وصوب ؛ وهي ترى ابن غازي يتوجه بعربته الملكية الى مجلس النواب حيث يجتمع اعضاؤه والاعيان وضيوف الدولة ؛ ليؤدي القسم ويلقي كلمة العرش .
وفي امسية رائقة من ليالي بغداد الساطعة الصافية ؛ اقيم حفل رسمي في حدائق قصر الرحاب ؛ وكان من بين الشعراء الكبار المنشدين فيه الجواهري ؛ وبدوي الجبل ؛
؛ لم يكن يومها هناك قناة تلفزيونية ترينا صورة منقولة لذلك الحفل ؛ بل كانت الاذاعة هي الوسيلة الوحيدة لنقل الوقائع عن طريق مذيع السهرة ؛ لقد كانت اذاننا متلهفة لسماع الجواهري الذي راح يلقي قصيدته :
ته ياربيع بعطرك الزاهي الندي
وبصنوك الزاهي ربيع المولد
في اليوم التالي ظهرت بعض الصحف ؛ وعلى صفحاتها لاولى قصيدة الجواهري ؛ كنت يومها في السنة الثالثة من كل الحقوق ؛ فكان ان اجتمع لفيف منا في مقهى الحقوق وجرى نقاش محتدم حول مناسبة القصيدة ؛ وتوقيتها ؛ وضرورتها ؛ في حين لم يتطرق أديب او شاعر من المجتمعين ؛ الى القصيدة ذاتها ؛ من حيث تجديدها و صورها وسبكها وفصاحتها ؛ وتركيبتها البلاغية ؛ سواء بالمقارنة مع قصائد الجواهري المتقاربة معها في المعنى ؛ او حتى مع قصيدة فحل آخر من فحول الشعر الا وهو بدوي الجبل .
لقد بقي جيل من النقاد والادباء والشعراء ـ بعدئذ ـ حائرا في تبرير عدم موافقة الجواهري على ادراجها في دواوينه المطبوعة وكانت لهم في ذلك مذاهب شتى .

نقد بعد زمن طويل
بعد واحد وعشرين عاما ؛ وفي 1974 بالتحديد ؛ كنت في براغ اسير مع صديقي موسى اسد كريم على ضفة نهر ( فلتافا ) الخلاب ؛ حيث القباب الذهبية والجسورالكثر المتنوعة ؛ حينما اخذنا الحديث الى عالم الجواهري ونتاجه الشعري الغزير ؛ ومنـــه قصيدة التتويج التي اصر الجواهري على عدم ادراجها في طبعات دواوينه ؛ وقد سألني ضمن نسق الحوار ان كانت لي وجهة نظر في سبب النظم و الالقاء وفي سبب ردة الفعل التي قادت الى ذلك الاصرار العجيب في عدم النشر ثم اردف قائلا اتمنى ان اسمع منك ما جال بخاطرك بهذا الشأن . اجبته ان الحديث في ذلك سيطول لذا سأكتب لك وجهة نظري واقدمها لك مساء اليوم حينما نلتقي ثانية .
عصر ذلك اليوم ؛ جلست في ركن هاديء من الفندق وسجلت له وجهة نظري كما يأتي :
يرجع ذلك بنظري الى اسباب متنافرة تصادمت في دواخل الصراع النفسي الذي اعتورموقف الجواهري و التي يمكن تلخيص ابرزها في النقاط الاساسية التالية : ـ
اولا ـ المبررات المحتملة للقصيدة : ـ
1 ـ اثر ضغوط البلاط عليه ؛ والاصرار على حضوره حفل التتويج في قصر الرحاب هل يمكنه اهمال مناسبة كهذه دون ان يكون فارس حلقتها المجلي .
2 ـ هل يستطيع ان يحضر حفلا يلقى فيه الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل قصيدة ؛ في حين يكتفي هو ابن العراق وشاعره القمة بدور المستمع والمصفق وحسب . .
3 ـ كيف يجوز ان يمدح الامير عبد الاله وهو خال الملك في عام 1947 حينما حل الرئيس بشارة الخوري ضيفا على العراق وحياه بقصيدته ( ناغيت لبنانا بشعري جيلا وظفرته لجبينه اكليلا ) و لا ينظم قصيدة بمدح الملك الشاب ابن الثامنة عشرة والذي لم يعرف عنه بعد خيره من شره ؛ وان كان ذلك بسبب الاسرة الحاكمة وموقفه منها فكيق يهمل ( ولا تزر وزارة وزر أخرى ) .
4 ـ ان المدح في امتنا يخضع لمقاييس ترتبط بشخص الممدوح ؛ فلو استبدلت اهداء القصيدة هذه من فيصل الثاني الى غازي مثلا ؛ لكان الامر مقبولا ومشكورا ؛ حيث ان كل ذلك يخضع الىمعايير الحب او الكره ؛ الولاء ؛ او المعاداة؛ وتبعا للزمان وتقييم الممدوح ؛ وهي عوامل غير ثابة ( وقس على ذلك ثناء الجواهري ؛ على الملك فيصل الاول ؛ جمال الافغاني ؛ جمال عبد الناصر ؛ عبد الكريم قاسم ؛ ابو التمن ؛ عمر فاخوري ؛هاشم الوتري ؛ عبد الحميد كرامي .... الخ ) : هنا حاول ان تبدل الاسماء و ان تغير الزمن ؛ وانظر الى كل قصيدة من حيث معانيها وصورها وسبكها ؛ فستجدها غير التي نبذت او غير التي أطريت .اذن فالمعيار ينصرف الى شخص الممدوح وتبعا للظروف والزمان والمكان ووضع الشاعر من كل ذلك ؛ وليس لاي معيار أساسي آخر ؛ فالمدح بحد ذاته نسبي وشخصي ومتفاوت وهذا المعيار ينصرف الى اعمال الفنانين الآخرين في نتاجهم للشخصيات البارزة ؛ كالرسام والنحات والموسيقي وكاتب الاغنية .... الخ .
5 ـ ليس هناك قصيدة واحدة للجواهري مدح فيها شخصا ما ؛ ولم يتعرض فيها الى القضايا المهمة والاساسية للشعب وكان هذا موقفه وهدفه المركزي دائما ( ولتراجع تلك القصائد ومنها قصيدة التتويج ذاتها فستجد فيها نصائح ثمينة للملك الشاب بوجوب مراعاة الشباب والعناية بالوطن ... الخ )
ثانيا ـ الموقف المضاد المحتمل للقصيدة :ـ
1 ـ ان مدح الامير عبد الاله ؛ كان قبل الوثبةالتي ذهب ضحيتها الشهداء ومنهم جعفر الجواهري .
2 ـ ان القصائد الثورية التي نظمها اثناء الوثبة او فيما بعدها ( اخي جعفر ؛ يوم الشهيد ؛ ايه عميد الدار ؛الى الشعب المصري ؛باق واعمار الطغاة قصار ؛ تنويمة الجياع ؛الدم الغالي ؛ ما تشآؤون فاصنعوا ؛... الخ ) قد دخلت سجل التاريخ الثوري للشعب العراقي والعربي ؛ فكيف تنسجم تلك الاقوال النارية المحرضة على انظمة الحكم ( انا حتفهم الج البيوت عليهم اغري الوليد بشتمهم والحاجبا ) مع
( وتول عرش الرافدين واصعد ) و ( انا غرسكم اعلى ابوك مكانتي !)... الخ
3 ـ لم تمض اشهر قليلة على خروج الجواهري من معتقل السلطة في ابي غريب ؛ حيث كان مع عدد كبير من قادة الرأي والمناضلين الاحرار محبوسين او مسجونين بتهم شتى لا تخرج عن نطاق المعارضة الوطنية الداعية الى حرية الرأي والاعتقاد ... الخ فكيف جاز له تجاهل ذلك الاضطهاد .
4 ـ الهجوم الكاسح الذي تعرض له الجواهري بعد نشر القصيدة من قادة الاحزاب الوطنية والمجالس الادبية والشعراء ؛ كان بمثابة عقوبة قاسية لشاعر بقامته وشموخه .
و اذن كان ذلك الاتون المشتعل في ضمير ووجدان الشاعر الحساس اللماح مصدر ذلك الاحتدام والتجاذب الدامي المؤلم .( انتهى )

لا شك ابدا ان صديقي الاستاذ موسى اسد قد نقل ذلك الى الجواهري ؛ ولا شك ايضا ان نظرات الجواهري المبتسمة ؛ ونحن نلتقي في اليوم التالي كان فيها شيء من الاقتناع بصواب التحليل بل و التسامح الكريم مع ما جاء فيه من اشارات .

أمين نخلة في بغداد

في نهاية عام 1955 حل في بغدادالشاعر الكبير والاديب الناثر المصور أمين نخلة ( صاحب تحت قناطر ارسطو ؛ ودفتر الغزل ؛ والمفكرة الريفية ؛ وكتاب الملوك .... الخ ) فأقيمت له حفلات تكريم في بيوت كبار الادباء والشعراء ؛ وفي النوادي العامة كنت مرافقه الدائم فيها ؛ وكان في مقدمة هذه الصفوة المثقفةالتي كرمت شاعر لبنان ؛ الشاعر الجواهري في داره في شارع عمر بن عبد العزيز ؛ لققد كانت حقا وليمة عامرة بكرم الضياقة وكرم الحديث الجذاب ؛ حيث اسمعنا فيها ابو فرات شيئا من انيتا ؛ ويادجلة الخير ؛ فحرك كوامن شاعر زحلة الانيق فانطلق ينشدنا من رقيق قصائده:
انا لا اصدق ان هذا الاحمر المشقوق فم
بل وردة مبتلة ؛ حمراء من لحم ودم
أكمامها شفتان خذ روحي وعللني بشم
ثم اختار ( احبك بالقنوط وفي التمني ) و ( في الاشرفية حين زرتي وزرتها )؛ وهنا بدأ الشعراء الآخرون انشاد خير ما تحفظ الذاكرة من ابداعاتهم ؛ وتبارى الظرفاء فعطروا المجلس برواياتهم من الدعابة والطرفة ؛ وكان الجواهري يتجول بين ظيوفه بكرم باذخ واريحية صافية ؛وكان لتجمعنا ـ نحن شباب تلك الايام ؛ عبد الوهاب البياتي وحارث طه الراوي وعبد المجيد الونداوي وكاتب هذه اللمحة ـ اكثر من رعاية وعناية من قبل كل من المحتفى به والمحتفي .

قصائد في قمة العطاء

واصل الجواهري قصائده الشوامخ ؛ فمن رائعته الوجدانية الوصفية ( يا أم عوف ) مرورا بقصيدته الثورية الشجاعة ( خلفت غاشية الخنوع ) التي القاها في دمشق تأبينا للبطل السوري عدنان المالكي ؛
ومما لا انساه اننا كنا نجلس في نادي المحامين المطل على كورنيش العيواضية ؛مساء اليوم الذي نشرت فيه قصيدته فكان ان جرى نقاش حول القصيدة بعيدا عن التحزب الاعمى او النظرة الشخصانية للشاعر او المرثي او حتى البلد عاش فيه ؛ اذ كان موضوعيا حقا وفي صميم النقد الفني ؛ ومنه موقف احد اقطاب حزب الاستقلال الشاعر القومي الكبير عدنان فرهاد ؛حيث اشاد بمعاني القصيدة وهدفها النبيل والصور البارعة التي انتزعها الجواهري من الواقع العراقي آنذاك ليسقطها على النظال الوطني العربي عامة . وفي صباح يوم الجمعة من ذلك اللقاء الصاخب ؛ ذهبت كعادتي الى مقهى الزهاوي ؛ حيث يلتقي عدد من الادباء والشعراء والصحفيين ؛ فبادرني الشاعر مكي عزيز بالقول ( لقد وصلتنا اخبار جلستكم في النادي امس ؛ ومع كوننا لسنا مع هذا الرثاء السياسي الحاد ؛ فقد اجمعنا على ان قصيدة الجواهري في صميم العمق القومي وفي غاية الابداع والتجديد .)

الاحتفال بالرصافي

في اعقاب ثورة 14 تموز المجيدة ؛ اصبح الجواهري رئيسا لاتحاد الادباء العراقيين ؛ واصبح نادي بغداد العريق مركزا للاتحاد ؛ وكان من مبادراته الاولى بعد استكمال الجوانب الادارية والفنية ؛ ان اتخذ خطوات في سبيل الاحتفال بقادة الرأي على مختلف الاصعدة ؛ وكان من اولى تلك التوجهات استذكار الشاعر العراقي الوطني الفذ( معروف الرصافي ) ؛ ولهذا الغرض عقدت جلسة تشاور خاصة موسعة حضرها بعض الاعضــــاء ومنهم( محمد صالح بحر العلوم ؛ وعلي جواد الطاهر ؛ وعبد المجيد لطفي ؛ وعبد الحميد العلوجي ) ؛ ثم عقدت جلسة اخرى للمجلس برئاسة الجواهري و بكامل العدد اطلع فيه على المقترحات والتوصيات ؛ فاتخذ قرارا بتكليفي بأن اتولى رئاسة لجنة الاعداد لهذا المهرجان الاول على ان لا يتعدى يوم 16 آذار وهو ذكرى رحيل الرصافي ؛ فقبلت التكليف ؛ وبعد سلسلة من الاجتماعات ؛ استكملت التحضيرات اللازمة ومنها اقامة حفل الافتتاح في قاعة الشعب ؛ واعداد شارات وميدالية تذكارية واصدار مطبواعات بالمناسبة ... الخ وبعد عرض المحضر الختامي على الهيئة الادارية برئاسة الجواهري ايضا حصلت الموافقةعليه بالاجماع دون اي تعديل .
وفي المساء المحدد أمتلأت قاعة الشعب في باب المعظم برجال الثقافة والصحفيين والسياسيين والفنانين ... الخ وقد خصصنا المقصورة العليا لراعي الاحتفال الزعيم عبد الكريم قاسم ؛ وما كاد يصل باب القاعة ويستقبله الجواهري و بعض اعضاء مجلس الادارة ؛ حتى طلب مني مرافقة الزعيم الى المقصورة المخصصة له ؛ فلما عرضت ذلك على الزعيم واشرت الى البوابة الملاصقة لوزارة الدفاع والتي تؤدي الى الطابق الثاني ؛ سألني بالنص ( هل ان الادباء يجلسون في المقصورات ) اجبته ( كلا سيادة الزعيم .. انهم يجلسون في القاعة في الطابق الارضي ) فقال مبتسما وهو يلاحظ علي الارباك ( اذن سأجلس حيث هم يجلسون ) وفعلا دخل الى القاعة واتخذ له كرسيا في الصف الاول الى جانب عدد من المدعوين وازاء هذه المبادرة الذكية ؛ صفق الجمهور تحية واعجابا .

وحينما جاء دور الجواهري تبعا للبرنامج المعد : القى قصيدة قال انه لم يستكمل ابياتها ــ بل ولم يستكملها بعدذاك ــ ؛ وكان نسيجها الفلسفي الشعري وتغطيتها لفكرة العبرة الازلية من الموت؛ قد منحها صيغة التكامل ما بين الوحدة الموضوعية في الهدف العام ومبنى الشكل غير التقليدي في الرثاء ؛ حيث قال فيها :
لغز الحياة وحيرة الالباب
ان يستحيل الفكر محض تراب
ان يصبح القلب الذكي مفازة
جرداء حتى من خفوق سراب
ليت السماء الارض ليت مدارها
للعبقري به مكان شهـــــــــــــــــاب
يوما له؛ويقال ذاك شعـــــــــــــاعه
لا محــــــض اخبار ؛ ومحض كتاب
وما كاد الجواهري ينهي قصيدته ذات الستة عشر بيتا ؛ حتى قام الدكتور على جواد الطاهر وقد بلغ به الحماس والاعجاب حدا ان طلب من الجمهور الوقوف حال استعادة الجواهري لقصيدته مجددا ؛ وهو ما تم فعلا ؛ حيث دوت القاعة بالتصفيق الحاد بينما كان شاعرنا الكبير يحني رأسه ا تحية للجمهور .



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله شهادة وذكريات 1 4
- عبير
- المقدمات 3
- الاهم : دولة حديثة معاصرة
- أدب القضاة 8
- هدى على شاطيء غزة
- اثر المكان العراقي في ثقافتي العامة
- حديثة وما قبلها .... وما بعدها
- ثلاث طرقات مسرحية - الى عوني كرومي شهيد المسرح
- أدب القضاة 7
- يحكى أن 4
- ابن خلدون
- محلة السفينة والاجتياح الاخير
- أدب القضاة 6
- المفهوم الواقعي لتغير بنية الطبقة العاملة
- شارع عمر بن عبد العزيز
- ادب القضاة 5
- غراب الصدمة والرعب
- قضية دارفور
- المقدمات 2


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالص عزمي - الجواهري في الذكرى التاسعة لرحيله 2 4 شهادة وذكريات