أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الشطار .














المزيد.....

مقامة الشطار .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8253 - 2025 / 2 / 14 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


مقامة الشطار :

الف الجاحظ كتاب ((أخلاق الشطار)) , شرح فيه فترة العيارين والشطار , وكيف كان لصوص بغداد في العصر العباسي حكماء وفلاسفة , وان العهد بينهم عهد شرف , ومن شربوا ماء من بيته أو ألقوا عليه السلام و ردعليهم , فلا يحق لهم أن يسرقوه أو يؤذوه , وان ابن حمدي العيّار لا يسرق أصحاب البضائع الصغيرة التي تكون قيمتها دون الألف درهم , وكان لصهم يسرق نصف ما يملك الرجل , ويحفظ أحاديث مروية عن كبار الأئمة , ولصا يسأل تاجراً عن مسائل في الزكاة , وآخر يحفظ أحوال اللصوص منذ النبوة الى عهد العباسيين , والأعجب ما فعله أبو الهيثم الطرار الذي جلد ثمانية عشرة ألف جلدة ولم يعترف , حتى قيل أنه لو ادعى أحد العيارين النبوة لكانت معجزته تحمل وجع السياط , الذي أمسك بثوب الإمام بن حنبل , ويقول له تحملتها في سبيل الدنيا وغواية الشيطان فاصبر يا إمام على ما ابتليت طاعة للرحمن , ليدعو بن حنبل له بعدها , وإذا نظرنا عن يميننا أو شمالنا فهل نجد بين عيارين جلدتنا بن عسقلة أو أبو الهيثم أو عثمان الخياط وغيرهم ؟

لو نظرنا إلى العساقلة الجدد , لوجدنا الحال غير الحال, فمن مريدين عرايا لا تسترهم إلى الخرق البالية , الى أثمن ما حاكته أيدي المهرة , ولوجدناهم يخونون العهود وينقلبون على بعضهم , وتحولوا من تنظيم يعمل تحت مواثيق وعهود , الى جماعات وأفراد أغاروا وتغولوا على المال والعرض والشرف , وخانوا الأمانة والميثاق , وأحلوا الدماء في سبيل الدينار والدرهم وكل ما يلمع في نظرهم ذهب , فهم غربان تُغير على كل شيء , ولا تجد في وجوههم حياء يذكر.

يعتبر صعاليك الجاهلية السابقة افضل من ادعياء التدين اليوم , والسبب لأمتلاكهم ضمير في حين ان صعاليك اليوم ضميرهم غائبا تماما , وبعضهم لو اتيحت لهم فرصة يسرقون اكفان الاموات , وأصبح عندنا سياسيين و رؤساء برتبة صعاليك , حتى صعاليك زمان كانوا رجالا لايتخلوا عن كل المباديء , ويُحكى أنّ كبير اللصوص في العصر العبّاسي أدهم بن عسقلة , الذي عُرف بخفّته في السرقة وبطرق مختلفة شكّلت مسارًا لمن اتّبعه من اللصوص المارقين والخارجين على القانون , وانه ترك وصيّة لأتباعه اللصوص قبل وفاته يحضّهم فيها على التمتّع بالأخلاق الحميدة وهم يسرقون , فجاء في الوصية , أن (( لا تسرقوا امرأة ولا جاراً ولا فقيراً ولا نبيلاً , وإذا غدر بكم قوم فلا تغدروا بهم وإذا سرقتم بيتاً , فاسرقوا نصفه , واتركوا الآخر ليعتاش عليه أهله ولا تكونوا من الأنذال )) , أمّا شيخ اللصوص وخطيبهم عثمان الخيّاط , فقال: (( ما سرقت جاراً قط ولو كان عدواً , ولا سرقت كريماً وأنا أعرفه , ولا خنت مَن خانني , ولا كافأت غدراً بغدر )) , وكان يُرشد أصحابه , واضعاً أسساً أخلاقية يسير عليها كل فرد منهم , بقوله : (( اضمنوا لي ثلاثاً أضمن لكم السلامة , لا تسرقوا الجيران , واتقوا الحُرُم , ولا تكونوا أكثر من شريك مناصف , وإن كنتم بما في أيديهم أولى لكذبهم وغشّهم وتركهم إخراج الزكاة وجحودهم الودائع , والأهم من هذا كلّه لا تهتكوا ستر امرأة )) , وأكثر من هذا فقد كان يعاقب الذين لا ينصاعون لمبادئ اللصوص الشرفاء ومواثيق الشرف، ويعدّهم مجرمين .

أي أخلاق هذه التي تحلّى بها هذان العظيمان ؟ أين منهما اللصوص في عالمنا العربي الذين يتولّون أمور البلاد والعباد , والذين سرقوا الجار والدار والكبير والصغير والغني والفقير والكريم واللئيم , وخانوا من أخلصوا لهم , وكافأوا الوفاء بالغدر, ولم يتّقوا الحُرُم وهتكوا كلّ ستر , وأين مَن يعتبرون أنفسهم رجال حكم من هذين الرجلين ؟ وهم لا رجال ولا أشباه رجال ؟ كيف يُعقَل أن تستمرّ الحياة بهم ومعهم , وهم متربّعون على عروشهم لا يتزحزحون ؟ وكيف يمكن أن تستمرّ وهم يستولون على كل شيء بجميع الوسائل ولا يتركون حتى الفتات للشعب , ويطلبون منه أن يصبر ويصابر وأن يحاول العيش من دون أدنى مقوّمات الحياة ؟

لقد وضع كبير اللصوص أدهم بن عسقلة , وشيخهم عثمان الخياط أسساً شريفة ومبادئ ومواثيق للصوصية , ولكن من أتى بعدهما خانوا وصيتيهما ولم يسيرا على نهجيهما , فأصبحت السرقة فعلاً قبيحاً شنيعاً , واتّخذت بلادنا موطناً لها واستقرّت فيه , و في بلاد العرب كثيرون الذين يشبهون كبير اللصوص أدهم بن عسقلة وشيخهم عثمان الخياط , ولكنهم لا يتمتّعون بأخلاقهما , رغم أن بينهم العجيب والنجيب والنسيب , والنزيه والنبيه والفقيه , والحسن والأحسن , والوحيد والفريد والوليد , ووجه السعد رغم البعد , والحامي والسامي , والسمير والنديم والعفيف والعنيف , هؤلاء كلهم وأتباعهم ومَن والاهُم كانوا السبب في جعلنا نعاني الأمرّين في كل وقت وكل حين.

رحمكما الله يا أدهم ابن عسقلة ويا عثمان الخياط , لقد خذلكما اللصوص بعد الألفية الميلادية الثانية , فاتخذوا من الورع والتقوى سبيلاً ومنهجاً للنهب والسلب والاستحواذ على الكنوز والبنوك والثروات , وضربوا بعرض الحائط وصيتكما الرائعة , فانقلبت الأمور في زماننا رأساً على عقب , فالغاية عندهم تبرر الوسيلة , في أيامكما كان العهد بين اللصوص عهد شرف , فكانوا يأخذون من الغني المكتنز, ومن البخيل الممتنع عن أداء الزكاة , وساروا على نهجكما ووصيتكما ,اما في عصرنا الحالي , فقد اختلط الحابل بالنابل , وظهرت علينا حيتان مخيفة من المافيات والعصابات وتجار الأزمات , وظهر علينا في الوقت نفسه بعض المسؤولين والنواب بتصريحات وبيانات زاعمين فيها الذود عن المال العام من دون إتخاذ أي إجراءات عملية تقطع دابر السرقات المليارية , فعلى الرغم من تكرار تصريحاتهم الحماسية المتوالية , لم نر أي تحسن على أرض الواقع , والمحزن بالأمر ان بعض اللصوص ارتكبوا جرائمهم وهم يتمتعون بدعم غير محدود من جهات سياسية متنفذة , فنهبوا أموالنا وعقاراتنا وممتلكاتنا من دون ان يرف لهم جفن , فكان حاميها حراميها .

صباح الزهيري .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة مامش البنفسج .
- مقامة صرعى زياد .
- مقامة الجَلْجَلة .
- مقامة قلب الطين .
- مقامة سالمة ياسلامة .
- مقامة السقوط .
- مقامة الصورة الجانبية .
- مقامة الظلمة .
- مقامة الأدمان .
- مقامة الطمأنينة .
- مقامة الثمل .
- مقامة الحريق .
- مقامة الحزن .
- مقامة العذل .
- مقامة التدفق .
- مقامة التستخج .
- مقامة حق الكسل ( الأوبلوموفية ) .
- مقامة اللي مضيع وطن .
- مقامة الخوخ الزردالي .
- مقامة انكسارات الروح .


المزيد.....




- في سابقة تاريخية.. CNN تعرض مسرحية لجورج كلوني في بث مباشر م ...
- “مفيش زن وعياط من تاني” اضبط فورا تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بيبر يكشف حقيقة تعرضه لاعتداء جنسي من طرف ديدي حين كان مراهق ...
- ضباط القوات المسلحة الإندونيسية سيتعلمون اللغة الروسية
- -10 قصص عن الحب والموت-.. مسلسل تلفزيوني عن أحداث دونباس
- بعد غياب 3 سنوات.. توم كروز يعود إلى مهرجان كان بفيلم -المهم ...
- مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: خمسة أفلام عربية تنافس ...
- فاز بجائزة -بوليتزر- الأميركية .. مصعب أبو توهة: نحلم بالعود ...
- نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى با ...
- -باريس السوداء-.. عندما كانت مدينة الأنوار منارة للفنانين وا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الشطار .