أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة البرد .














المزيد.....

مقامة البرد .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8195 - 2024 / 12 / 18 - 19:47
المحور: الادب والفن
    


مقامة البرد :

الذي يقضي الشتاء في مصر خلال الكانونين الأول و الثاني من السنة حيث أعتدال الجو وحلاوة النسمة بما يشابه الربيع اللبناني يتفاجأ بقسوة برد الشتاء العراقي , شعرت بذلك عندما حطت بي الطائرة العائدة من القاهرة يوم أمس , ولما كان لا يوجد شتاء يدوم إلى الأبد , ولا ربيع يتخطّى دوره , فقد راق لي ان اسطر هذه المقامة .

قديما قالت العرب عن برد بلادهم : (( وإذا الشتاء أتى يجرجر ذيلهُ والليل ينفثُ برده ويجوبُ ....فاهرع إلى ذات الدلال وضمّها فهناك بالحضن الحنون تذوبُ)) , و يقال أن البرد يشبه الغياب , ‏لذلك لا تتعجب إن رأيت أحدهم يرتجف قرب النار فبرد الروح أقسى , وكانت العرب تستدفئ بالنساء في فصل الشتاء , فضم الحبيب فيه دفئ و سعادة , كما انه يزيل التوتر و يقضي على التعب و الارهاق , لذلك تراهم كانوا يحبون الفتاة المليئة )المعباية الملفوفة لف ( , فهي دلالة على غناها , وعلى حياة الرفاهية التي تعيشها , ولأنها تدفيء , ومن أجمل الأبيات الخليجية عن الشتاء : (( البرد يستوطن ضلوع العاشقين والليل موحش لا ونيس ولا دفا.... يا شينها لاهبت رياح الحنين على نهاية صيفٍ وبداية شتا )) .

وقديما أيضا كانوا يقولون (( النار فاكهة الشتاء )) حيث مواقد الحطب القديمة في غرف المعيشة حين تجتمع العائلة‬ , فتكون النار أجمل ما في فصل الشتاء كونها تجمع الناس , وكانت هناك أمثال كثيرة ترافق فصل الشتاء مثل (( البرد بيقص (يقطع) المسمار )) , في الدلالة على شدة البرد , ويعزى للبرد التسبب بالأمراض (( البرد سبب كل علّة )) ليأتي تعبير (( الدفا (الدفء) عفا (عافية) ولو بعز الصيف )) مؤكدا أن البرد يسبب المرض , و (( خبي خشباتك الكبار لعمك آذار)) , لأن البرد قد يفاجئ الناس من دون إنذار‬.

وفي حسجة التهويمات : آه لو تعلم كم يدفئني بردك , ويلهبني جمر حبك , وترويني قطرات شتائك , وتنعشني أنسام رياحك , وتمتعني ألوان طيف قزحك , تتناثر قطرات المطر بهدوء ورقة , وكأنها تهمس في آذاننا بصوت خافت : تفاءلوا , ما زالت الحياة مستمرة , ومازال الأمل موجوداً , دعني أتلقط حبات البرد وإن كان بأنامل مرتجفة لأصنع لي عقداً يثلج صدري , وحينما يذوب من حرارة الحب لن يجففه شيء , فهو قد ذاب بنبض وريدي وشريان قلبي , فما عاد للبرد مكان , وما عاد للشتاء عنوان , فالمطر والبرد والثلج والرعد والبرق لغتي وحبي وعشقي .

يقول شاعرنا الشعبي : (( يفززني البرد وأشبع دفو بـ طاريك )) , أو : (( من مرني ليل الشــتا واني بأمس شوفتــك .. احتاريت ادفي البـرد مدري احضن بصورتك )) , (( جا يمته البرد يلفيك وتوازيني علشبكة ؟)) , ورغم هدوء ليالي الشتاء إلا أنك تجد ضجيجاً داخل قلبك أينما ذهبت , وكأن نسمات الشتاء تأخذ أحزان قلوبنا معها عندما تهب , وكما قالت إليزابيث كامدن : (( قد يبدو أنّ كل شيء ينام في الشتاء , ولكنه في الواقع وقت للتجديد والتأمُّل )) , و (( مرحبا بالشتاء . فجرك المتأخر وأنفاسك الباردة تجعلني كسولًا , لكني أُحبّك رغم ذلك )) حسب ماكتبه تيري جيليميتس.

قال أمل دنقل: يا عصافير الشتاء لا تلوميني إذا الطوفان جاء , وقال فيودور دوستويفسكي: (( الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة )) , أما أنطون تشيخوف فقد قال : (( إن الذي لا ينتبه إن كان الفصل صيفًا أو شتاء فهو شخص سعيد)) , أما انا فأحبّ أن أجلس مع بطانيّتي وكتابي , وبجانبي ضوءٌ خافتٌ , والجوّ يبعث على الرّاحة النّفسيّة المطلقة , فأستمتع بهذه اللّحظات الثّمينة الّتي لا تُقدّر بثمن , فوحده الشتاء قادر على تعرية الجميع , وقادر على رسم الصّورة الحقيقية لكل إنسان , هو فصل الحقيقة الخاوية من التزيين , فصل الحبّ الصّادق أو الابتعاد الصّادق.

وأنا أرتجف من البرد تذكرت ما رواه ابن المقفع قبل الذهاب إلى التنور: (( صارحه تفقده , انقده ينقلب عليك , في كل خطوة لغم عداوة ينفجر تحت قدميك , بينما يداك مغموستان في ماء محبتهم )) , أو كما كتب صديق أدمن برد الفؤاد : (( بمجرد أن أضع قلمي على السطر لأكتبك تنبت ألف بذرة وتخضّر الورقة وتُمطر سمائها حروفاً ويحيطني عطر غاباتك , ماكتبت لك الاّ حلّت ذكراك ضيفاً وأنتزعت قلبي , ووضعت مكانه بين الجوانح باقة ياسمين )) , أولئك اللذين لا يبردون يشهدون من الغيب بقدر صفاء قلبوهم , وهو الصفاء الذي يعتمد على عنايته بجلاء القلب وتصفيته ,فكلما أمعنوا في جلائه , شهدوا أكثر ,حتى يصير مدد الغيب في كثافة حضورهم عالم الشهود.










الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة روما .
- مقامة البواكي .
- مقامة الشوغة .
- مقامة الأنتصار .
- مقامة المرأة .
- مقامة الفراك .
- مقامة الغلطة .
- مقامة خطار .
- مقامة المعروف والمنكر .
- مقامة غمار الأشواق .
- مقامة السلح .
- مقامة الربا في الحب .
- مقامة الزوجات .
- مقامة لا تضيعوه .
- مقامة الغراب .
- مقامة الشتاء .
- مقامة ياحسافة .
- مقامة المكتوب والعنوان .
- مقامة واها .
- مقامة الحساد .


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة البرد .