البحث عن جواب لسر هذه الحقب التاريخية التي مرت مضني وكثيراً ما يقود إلى طريق صعب ومضني أيضاً، وإذا فتحت كوة في ضوء البيانات والملابسات بالمصادفة تغلق بمصادفة مدروسة، ويخطأ في تنقيب الموقع، وبدلاً من العثور على نقطة الدلالة تذهب في قطار المتاهتات لتحلب من رئتيك عصارة بغاء الإنتظار، فتسقط بدون رحمة والغبار يشك حنجرتك ويعلق لسانك في ابعد مشجب للأسلحة، وعندما أفرج عن الضوء عن هذا الكولمبي الأصيل تساوت قضية سهلة مع قضية اصعب من الصعوبة، فوجد إن لا يغسل ضميره إلا بالإعلان عن سخط هذا الضمير لجائزة كانت وما زالت تحط من قيم الإنسان لأنها لا تأخذ مكانها الحقيقي ، وتمنح وكأنها تركة البارود المخترع وما جناه نوبل على الثقافة والعلم.. لا أريد أن أخلق اشكالاً بين من استحقوا والذين لا يستحقون ولكن الإشكال هل هذه هي في موقع الإستحقاق في تقيم أبداعية وجماليات الثقافة أو على مستوى الموقف من الحق والسلام والأمن؟ هل يمكن ان تستحق هذا الإهتمام بعدما رأينا وسمعنا إنها قدمت إلى اناس لا يستحقون اصلاَ ان يخلقوا كبشر بل كآفات تُعالج بالمضادّات..
لم يخطأ النتقيب؟ ليطرح المرء سؤالاً على نفسه ـــ ماذا جرى لهذا العالم؟ لم هذه الآدمية فُرّغت قِيّمها الحسية قبل الجسدية بوقوع الحدث؟ لربما يمنحون الجائزة للعزيز شارون لا على الإتفاقيات الجديدة بل على أعماله الإنسانية المباركة من الغرب وأمريكا في صبرا وشاتيل،ا وبهذه تستكمل الحلقة ارتباطاتها بما يجري الآن.. فأين أولئك الذين سقطوا وهم يسقون الأرض بطهارة لمساتهم ودموع قلوبهم..
عقود ونحن نجتر المقولات والشعارات.. لدينا نحن العراقيون مليون شعار وخطاب، نتمنى أن يأتي المختار على ضوء البرق، أو ملاك يقوم بوضع الحدّ لذلك المدّ الشيطاني من الشعارات الهوائية، لكن لا مختار ولا ملاك قدم.. حتى تُغسل أدران الشيطان من أردان الرحمن التي تلوثت بفعل التهامس والتساهل والتلمس والتمهل، فجاء غابريل غارسيا ماركيز ليعيد لنا صورة الجهالة في المصير، وليذكرنا بـ (35 سنة من العزلة) على الرغم من أننا قرأنا معا " خريف البطريك " أكثر من مرة وتجادلنا في الشبه والتخزين، ورمشنا بيننا وما يدار على الأرض المقدسة التي تشخص الأبصار إليها لكنها تموت بالشعارات والخطابات والإنفتاحات والسفارات والقنصليات التجارية، لا نغالي في القول أن شيء أمرُ من شيء ولكن في النهاية المرّ هو المرّّ.. التسويف والتسويق، الترهل والتأمل، الخلود والسكينة. كم نحتاج من الكلمات والجمل حتى نرتب الموصفات لعقود أربعة، زمهرير التربص والعبادة، زمهرت فقاعات الكير من كيارة صغيرة لا مست الحدود أو لم تلامسها وعاشت بلا حدود، كم من الموصفات والوصفات
قدمت لأجل أن يكون الكير ليس فائراً بل سخناً وليس بارداً ليبقي على القيم الفكرية والثقافية ساخنة بعض الشيء.. ماذا جرى؟
اليس هذه الإدانة عبارة عن حكم واضح بالجريمة على رجال الثقافة المتسلحين كشرطة الهروات؟ كيف يمكن أن يقدم رجل يغيب عن الرؤيا وينغمس في السماع فيدخل الحلبة ليعلن تحديه أمام الذين تجاهلوا الموقف الواضح وهم في عمق الرؤيا والسماع ليس لجائزة منحت لقتلة على أساس السلام بل لعدة قضايا اجرامية دارت وتدور بجانب القضية التي تحدث عنها ماركيز؟
سافرت بعض القوافل في اتجاهات عديدة لا لتبحث عن الجواب بل لتهرب من السؤال أو غيره من الأسئلة خوفاً من أن يكون السؤال بحد ذاته حاجة راهنة، بينما انغمس البعض بتكرار الشعارات الفارغة الرنانة لكي تشبع جيوبهم قبل معدهم وعيونهم.. وإلا لماذ التعطيل؟ ألم يكن بالمستطاع اعطاء الجواب بدلاً من الإنتضار؟ لكن المفقود لا يحس بعذاب الباحثين عنه لأنه مفقود ولا يبحث عن سبب فقوده الحسي قبل الجسدي.
انقسمت القبائل بين فاقدٍ ومفقود، وتعتمت الرؤيا منتظرة بصيص من ضوءٍ متناثر هنا وهناك، وفقد أو ضعف الأمل في المتابعة..
ان يمنح الجواب كيف يعرف معنى السؤال، لماذا هذه السفرة في عقل غابرير غارسيا ماركيز أو (جابرييل جاثيا ماركيس؟) ولماذا يعادي مناحيم بيغن .. والنازية ، وآربيل شارون؟ من يستطيع أن يتصور على الرغم من الخطابات والشعارات أن رجل العوجة كان أفضل منهم؟ ومن يراهن أنه لم يرشح لجائزة نوبل للسلام بعد توقفت الحرب مع إيران واعتبر رجل السلام الجريْ؟ أنا أتصور أن الأولين أفضل منه مليون مرة لأنهم على الأقل لم يستعملوا الكمياء السامة ضد شعوبهم، ولم يزرعوا قبوراً لآلاف الضحايا من أبناء جلدتهم.. وليزعل الإستاذ عبد الباري عطوان وغيره من هذا الكلام..
لو أعيد للتاريخ منطقه بمرآة عاكسة تعكس الماضي ( فلاش باك ) لرأينا أن القبائل لم تكن سلبية هكذا، ولم تصبر على ضيم، وان صبرت كبرت وخرجت لتسأل ـــ ماذا جرى؟ ولا تنتظر الجواب من الآخرين لأنها كانت قد جهزأت الجواب، ومنحت نفسها أحقيقة الإستمرار إلى آخر المشوار..
هل هناك تداخل بين هذا الشتم لجائزة أعتبرت قيمة للسلام وللثقافة والعلم وما جرى لنا نحن العراقيين وما جرى للفلسطينين من خلال قرارات القمم العربية وشعارات تافهة تطلق لكي تخدع الناس ، ها أنني اجيب بكل صراحة ــــ نعم هناك ارتباط وثيق؟ هذا العار فضحه الرجل ماركيز بمعادلة وجدانية " أنا اطالب بترشيح آربيل شارون لجائزة نوبل في القتل، سامحوني إذا قلتُ أيضاً أنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل " هذه الفروسية من كولومبي يبعد عشرات الالاف من الكيلومترات عن هذه البقعة.. لماذ لا يعلن الأستاذ الكبير نجيب محفوظ عن اشمئزازه من هذه جائزة نوبل ؟ على الأقل ليدفع المثقفين الرسمين فرصة الخجل من مواقفهم العرّة..
هناك ارتباط بين مادار ويدور هنا وهناك وإلا سوف يسخفنا التاريخ إذا لم نعلن عن ذلك ونعترف به..
ما يجمع ويجمع !
من هو الذي ينكر أن العراق قدم هدية لإسرائيل من قبل ابن العوجة وأمريكا وشقيقتها بريطانيا العظمى!! أو ينكر أنه لم يسمع ومعه العالم : أن لا إحتلال بداية العصر الحديث وإنما التحرير على أيدي المهرة في التحرير!!
ماذا جرى؟ أليس هو الجواب؟ .. الدماء والمعاهدة الإسترقاقية، الأحداث التاريخية التي تمحى بجرة قلم.. الجوائز على ظهور الدبابات حتى تمنح أربع عقود من العتمة مناشير كهربائية قاطعة لتعيث في أجزاء هذا الجسد العراقي ، كل شيء تغيير ، التاريخ يعيد نفسه بتغيرات شاذة ومنطقية، والقبائل عاشت في المتاهات ولما رأت الحقيقة عادت إلى المتاهات نفسها.. اية ضريبة يجب أن تدفع لكي تتحرر من هذه القوقعة؟
متاهات عن اشجار في أرض جرداء وهياكل عظمية تنتشر بين الأزقة المتداخلة، إنه العصر الذي تبدل بفعل التغيرات التي قدمت من الغرب نحو الشرق لتضرب لوناً أسوداً حول حدودٍ تكونتْ من الرمل المبتل بأطنان من الدموع والدماء، لماذا إذن البحث في الأعالي دون الأسفل والتقصي عن السلالم التي ستؤدي بنا إلى الجواب؟
لا يمكن الإستمرار في الجنوح دون الأخذ ببيان أفعم مثقفينا فرأوا أي مواقف كانت مواقفهم، أربعة عقود غربلت ما فينا فاصبح الواحد من لا يخرج عن جنوحه منتظراً أحداً أن يندفق من ركوده ليكون الأثر..
ماذا جرى؟ كيف يمكن أن نجعل هذا السؤال حافزاً أتلعاً يمدّ عنقه لكل بقعة ورقعةٍ، ليشارك الأكثرية في التحضير لإدارة السفينة بعدما رأينا أن جميع الدفات قد تداخل فيها المكوث الطويل، والزنجار الدخيل..
لتكن الرؤيا كاملة ولنأخذ البعض مما قدمه الكولمبي الأصيل غارسيا ماركيز.. فهو بيان يشمل ما مر ويمر علينا جميعاً في هذه البقعة من العالم.. ولنقل كلمة بحق الماضي الذي نحاول السكوت عليه والمستقبل لكي لا يعود الماضي بصورة أخرى.