|
نقض تشارلز داروين
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 8124 - 2024 / 10 / 8 - 07:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من حيث تأسيس فعالية المفاهيم في تأصيل فكر بشري إيجابي يتوجه نحو الفهم البشري لملامح مايسمى عادة بحقيقة الأشياء والكون ، يحتسب كتاب تشارلز داروين ، أصل الأنواع والإصطفاء الطبيعي ، من أقوى ، أو من بين الأقوى ، المؤلفات على الإطلاق في تقعيد ذلك الفكر الموضوعي الإيجابي وتحديد الهوية الذاتية لهذا الفكر ، وذلك بعكس ما في حدود أربعة جهات خاصة إغتالت الأساس السليم لهذا الفكر: الجهة الأولى ، إن كل الذين ، مفكرون وفلاسفة ، تبنوا محتوى ماهو ميتافيزيقي ، ماهو ماورائي ، ماهو غيبي ، ماهو روحاني ، ماهو جوهري ، أساؤوا إلى الفكر البشري ، أثقلوا الذهن البشري بإطروحات عاقرة ، بليدة ، أثقلوا المنطق البشري بإطروحات جد سخيفة . الجهة الثانية ، بعكس الديانات الإنسانية ، مثل الإيزيدية والكونفويشسية والبوذية والهندوسية والزرادشتية والمانوية ، فإن الدين الإسلامي ، ومنه الفقه الإسلامي ، صادر الفكر البشري مصادرة شنيعة لصالح إله مريض ، إله يتبنى العنف والجريمة ، ويحطم كل ماهو إنساني في الإنسان ، ويهشم كافة العلاقة المحمودة التي كانت من الممكن أن تولد ، وتقدح في الوعي البشري . الجهة الثالثة ، لايوجد ثابت أبداٌ وعلى الإطلاق ، ولايمكن أن ينوجد ثابت في الكون ، سواء على الصعيد الديني ، سواء على صعيد المورثات ، الجينات ، لدى الجنس البشري أو لدى الأجناس الأخرى ، سواء على صعيد الفيزياء والحركة الفيزيائية ، سواء على صعيد نواميس الطبيعة وقوانينها ، سواء على أي صعيد كان ، الثابت مفهوم مرفوض في أساس هذا الكون : هذا لايعني إن كل شيء متغير كمفهوم فلسفي ، كما لايعني إن التغير عملية مقصودة ، إنما لايعني سوى إن : لايوجد ثابت في الكون ، سواء الثابت الديني ، أم الفلسفي ، أم الفيزيائي ، ولاحتى الرياضي ولاحتى الكيميائي ، ولاحتى أي شيء على الإطلاق وبالمطلق . الجهة الرابعة ، وهي الأهم على الإطلاق ، إن رؤية الإنسان حول القضايا الوجودية ، بصدد الكون ، بصدد الوجود ، بصدد منشأ هذا العالم ، مهما كانت نوعها على الإطلاق ، لايمكن أن تكون صادقة ، إنها كاذبة بالضرورة ، إلا في حدود وتحت شروط خاصة جداٌ . فإلى المقدمات : المقدمة الأولى : لعل من ألمع تصورات تشارلز داروين هو إن الواقع سيد نفسه ، إن الواقع يمارس ذاته ، إن الواقع لايحدد شروطه الخاصة على نفسه فقط إنما على تلك الكائنات الحية ، إنما على كافة ما من شأنه أن ينتمي إليه ، ضمن جملة من الملاحظات : الملاحظة الأولى : يعتقد داروين إن ثمة علاقة محمودة وغير محمودة ، إيجابية وسلبية ، نافعة وضارة ، مابين الواقع والكائنات والأشياء والبيئة في تحديد مايمكن أن يسمى لاحقاٌ بالتطور ، التطور البيولوجي ، تظور الكائنات ، ذلك التطور الذي هو مركز تصورات داروين على الإطلاق ومبعث كل ملاحظاته ، ذلك التطورالذي يحدد أصل الأنواع . الملاحظة الثانية : إن الواقع هو ليس مفهوماٌ معطاة في الفكر والفلسفة ، إنما هو التكيف والقدرة على إمكانية التكيف والتكيف البيولوجي من خلال اللون والحجم وأعضاء الكائن نفسه ، وهو الموارد الطبيعية ، والطقس والغذاء والشروط البيئية ، والصحراء والمروج ، وحتى الصراع مابين أفراد النوع الواحد ، أو بين أفراد من أنواع مختلفة . الملاحظة الثالثة : إن الواقع هو الكون بمفهومه البيولوجي ، هو الطبيعة بمحتواها الشرطي المتبدل النسبي ، هو الوقائع المناطقية في حدود كل منطقة بمنطقة ، هو جغرافية المختبر الواحد حيث كل مختبر يشكل واقعاٌ مستقلاٌ في حدود جغرافية متبدلة . المقدمة الثانية : ثمة مصطلحات لصيقة بمحتوى التطور لدى تشارلز داروين ، البقاء للأقوى ، البقاء للأصلح ، وفي الحقيقة ندرك بيسر إن هاتين المصطلحين غير دقيقين ، حسب مفهوم داروين نفسه ، إنما من الأفضل إستخدام مصطلح ، البقاء لمن يملك القدرة على التكيف ، لإن الأمر يتعلق بالتطور نفسه ، لذلك فإن التطور لايتحقق حسب محتوى القوة وإن بدا ذلك عاملاٌ نظرياٌ إيجابياٌ ، ولا حتى حسب محتوى الأصلح ، لسبب بسيط وهو إن الأصلح لايعني بالضرورة الحركة الإيجابية في الواقع ، في حال إن التكيف ينم عن البحث عن محتوى التطور : من يستطيع أن يتكيف مع شروط ذلك الواقع المحدد ، واقعه الخاص به ، ويقلل من تلك المخاطر التي تحدق به ، بالمعنى الواسع والمتعدد لمفهوم ومحتوى المخاطر ، فإنه ربما يتمكن من تقليل فرصة الإبادة على الصعيدين ، الأول على الصعيد الفردي أي الإنقاذ من الموت ، والثاني على صعيد النوع في موضوع البقاء ، البقاء على قيد الحياة ومن ثم التكاثر وإستمرار النوع . المقدمة الثالثة : يؤكد تشارلز داروين إن هذا التباين اللامحدود في الأنواع ، وإن هذا الإختلاف الكبير ضمن النوع الواحد في مناطق متعددة ، وإن هذا التفارق ضمن النوع الواحد في منطقة واحدة ، ليس إلا دليلاٌ أكيداٌ على الأصل المشترك لهذه الأنواع : من جهة ، إن هذا الأًصل المشترك قد يكون من مصدر واحد ، أي من كائن أولي ، أجنة أولية ، بدايات كائن ، أم من مصدر متقارب مشترك ، أي مجموعة متشابهة متماثلة بالتمام في موقع جغرافي متلازم متجانس ، وفي الحقيقة الأمر لايختلف فيما بين الأحفاد سواءاٌ إنحدروا من أصل مشترك أم من أصل متقارب مشترك . ومن جهة ثانية ، إن هذا الأصل المشترك الذي قد يكون قد خضع للإنقراض ، فظهر أصل مشترك آخر ، وآخر ومن ثم آخر ، وفي خضوع هذا الأصل لعوامل البيئة بكل معانيها قد إنقرضت سلالات في هذا الإتجاه ، وسلالات في إتجاه آخر ، بمعنى إن ما نشاهده اليوم هو حساب تركيبي من بليارات مليارات ، بليارات بليارت ، عدد جنوني ، من إئتلاف وإنقراض ، من مسخ إلى نوع أفضل ، وهكذا ، إلى حيث نحن الآن مع الإدراك إن القادم قد لايكون سوى إنقراض هنا وهناك . المقدمة الرابعة : يؤكد داروين إن ذلك التباين والإختلاف والتفارق الذي أشرنا إليه في المقدمة السابقة ينتقل من الأسلاف إلى الأحفاد عبر آلية الوراثة ، التي تحتفظ بالأصل وبالمتغير وتنقلهما معاٌ إلى الأحفاد ، وهو مايسميه بالتحدر مع التعديلات ، أي ماطرأ على الأصل : وهذا التحدر مع التعديلات ، يختص بثلاثة خصائص : الخاصية الأولى ، إن الأصل المشترك أو الأصل المتقارب المشترك لاينتقل بنفس الدرجة إلى الأحفاد ، بل يتباين مابين الأفراد إلى حيث إن أحفاد كل مجموعة منهم يتفاصل ويتفاضل فيمابينهم بحدود تأصيل نوع جديد ، أنواع جديدة ، تستقل بخواصها وتتماثل بخواص أخرى . الخاصية الثانية ، إن التعديل ليس تعديلاٌ ثابتاٌ أو معيناٌ بل هو مجموعة متباينة إلى درجة بعيدة ، كملايين الدرجات المتفاوتة في اللون الأخضر ، كملايين المقاسات والأشكال في المنقار . الخاصية الثالثة ، إن التعديل والأصل المشترك يمتزجان ، يتصارعان ، يكبت ويستبد أحدهما بالآخر ، يستبد هنا في مجال معين ويستبد به في مجال آخر ، وفي النهاية ، نحصل على هذا الكم الهائل من الأختلافات في كافة المجالات والمستويات . المقدمة الخامسة : في علاقة الموارد الطبيعية بأساس موضوع الصراع من أجل البقاء ، البقاء على قيد الحياة ، يؤكد داروين إن قلة الموارد الطبيعية تفرض على الكائنات الحية نوعاٌ من الصراع من أجل البقاء ، لذلك فإن كل نوع لايمكن إن يحتفظ بعدد كبير من أفراده ، كما إن ثمة أنواع قد تنقرض لنفس الأمر ، كما إن ثمة أنواع قد تخضع لمحتوى التعديل بطريقة أسرع من غيرها ، وهكذا فإن الموارد الطبيعية تلعب أدواراٌ جد مختلفة ، جد متباينة . المقدمة السادسة : يؤكد داروين إن الإصطفاء الطبيعي أوالإنتقاء الطبيعي أو الإنتخاب الطبيعي هو الآلية التي تمثل العلاقة الأصيلة مابين موضوع الأنواع ظهورها أو إنقراضها ومابين محتوى التطور ، وهو الآلية الوحيدة في إدراك هذه العلاقة : من جهة ، إن الإصطفاء الطبيعي يكون في أعلى نسبة له حينما يكون نسبة التكيف في أعلى مستوياته ، أي كلما إزدادت نسبة ونوعية التكيف كلما إزداد حظ الإصطفاء الطبيعي في إنقاذ ذاك النوع المقصود من الإنقراض . ومن جهة ثانية ، إن الإصطفاء الطبيعي لايكون بنفس النسبة حتى ضمن النوع الواحد ، أي إن الإختلاف والتباين ليس فقط في الأنواع إنما هي تحصل في النوع الواحد ، وهذه الإختلافات والتباين هي التي تنتقل إلى الأجيال القادمة عبر مفهوم مايسميه هو بالتحدر مع التعديلات . ومن جهة ثالثة ، إن الإصطفاء الطبيعي هو هذا التحدر مع التعديلات ، وهو الصراع من أجل البقاء ، وهوالصراع على الموارد الطبيعية ، هو إستخدام كافة الإمكانيات المتاحة على جميع الصعد ، سواء من الداخل البيولوجي ، الشكل ، اللون ، الحجم ، المحافظة على التعديلات ، الإدراك المتوازي ، سواء من الخارج البيئي ، وشروط هذا الخارج ، وشروط الكائنات والأنواع الأخرى على هذا الفرد ، أو بصورة غروسومودوية على هذا النوع . وهكذا ننتقل إلى المقدمة السابعة : المقدمة السابعة : ثمة أنواع من الكائنات ، أنواع كثيرة ، قد تكون قد إنقرضت ، وكان لابد لها من أن تنقرض ، فالإنقراض هو العملية الموازية تماماٌ لمفهوم الإصطفاء الطبيعي ، للإنتقاء الطبيعي ، وهو الجانب الآخر المخفي لمحتوى التطور مع إدراكنا لملاحظين : الأولى ، إن الإنقراض لايعني فناء ذلك النوع بالمطلق ، إنما قد تتمكن بعض الأفراد من أن تتحول إلى نوع جد شبيه بالنوع الأصلي ، وبالتالي ظهور نوع متمايز بعض الشيء على مدى المدى . الثانية ، ثمة معضلة تخص موضوع الإنقراض لإن السجل الإحفوري ، حتى هذه اللحظة ، ناقص المعلومة ، وناقص التسلسل ، ولم يتمكن الباحثون في هذا المجال العثور على المخزون الإحفوري المرغوب والمطلوب ، ربما لإن المخزون الإحفوري قد إنحل وإندثر ، أو ربما لإن الإدراك الإنساني قاصر في فهم ماجرى في ذلك الماضي السحيق ، وهكذا نكون إزاء إشكاليات مستعصية ، فاحشة الإستعصاء . نكتفي بهذا ونعترض بالآتي : أولاٌ : لنفرض إن كافة الملاحظات البيولوجية التي إستند إليها تشارلز داروين صادقة ، وهي على الأرجح في موقعها كذلك ، فهل نحن إزاء مفهوم التطور أم نحن إزاء مفهوم الإنحطاط ، هل نحن إزاء محتوى الإرتقاء التصاعدي أم نحن أمام محتوى الإنحدار الهابط . أي هل إن الإنسان ، وجود الإنسان ، هو دلالة على التطور والإرتقاء أم إنه دلالة على الإنحطاط وعلى السقوط . أي هل الأنواع الحديثة من الكائنات تدل على الإرتقاء في مستوى البنيان البيولوجي ، أم إن الكائنات الأولى هي التي كانت تدل على بداية السقوط ومحتوى الإنحطاط . لابد هنا من التدقيق في المحتوى وفي البناء : وقبل ذلك لامناص من أن نذهب إلى ثانياٌ ، الإصطفاء الطبيعي : ثانياٌ : والإصطفاء الطبيعي ماهي حقيقته ، ومن فرض وجود هذا الإصطفاء الطبيعي أصلاٌ ، ومن يحدد مضمون الإصطفاء الطبيعي ، أي هل ثمة جهة تحدد وحددت موضوعات الإصطفاء الطبيعي ، هل ثم مقصود في عملية وآلية الإصطفاء الطبيعي ، وهل إنتاج ومنتوجات الإصطفاء الطبيعي مقصودة من حيث هي من إبداعات وضرورات الإصطفاء الطبيعي أي هل كان من المفروض حتماٌ أن تنوجد هذه الكائنات ، أن ينوجد الإنسان ، مع إدراكنا إن الإصطفاء الطبيعي لايمكن أن ينوجد ، ضمن مفهومه التعبيري ، لإنه يتضمن محتوى القصد وهذا مستحيل هنا . ولكي يتضح كل ذلك من الضروري ضرورة إظهار مفهوم الواقع هنا ، وماهي شروطه ، وكيف هي ميكانيزمه ، فإلى ثالثاٌ ، الواقع والبيئة وجوهر الحركة البيولوجية : ثالثاٌ : ومابين الواقع والبيئة ، دعونا نطرح الواقع جانباٌ لإنه قد يخادع الفكر ، ونركز على محتوى البيئة ، وهي الأصل هنا ، البيئة في شرطها المتغير ، في نوعها اللاثابت ، في اللاتجانس ، أي : في الدرجة الأولى ، هل البيئة تمتلك الوعي ، لو كان الجواب هو بنعم ، لدخلنا في متاهات وإشكاليات تفضي إلى فنتازيا عقيمة في الفكر وفي المعنى ، كما هو الحال لدى فقهاء الإسلام وفي مسألة التثليث أو في مسألة شعب الله المختار، ولو كان الجواب بالنفي ، أي إن البيئة لاتمتلك الوعي ، وهو الأصح هنا ، فهذا يدل على إن البيئة لايمكن لها أن تتصرف إلا من خلال محتواها ، محتواها المباشر ، أي إن الشمس تحرق كما أحرقت الكوكب الأحمر ، المريخ ، ولايمكن لها إلا أن تحرق . في الدرجة الثانية ، هل البيئة تمتلك القصد ، القصدية ، والقصدية تختلف في شرطها عن الوعي ، فلو وجدت القصدية لأفترضت على البيئة نوعاٌ من الضرورة تتكامل مع الوعي ، من حيث هي الإمكانيات المتقاربة في حدود مجال لايتسع إلا لمبعث هذه الضرورة ولمنطوقها في حدود الوعي ، وإلا لكنا إزاء قصدية عائمة ، قصدية تدنو من الرغبة العائمة ، الرغبة المجهولة الهوية ، ولايمكن لها أن تمتلك الرغبة ، لإن الرغبة هي قد وقد لا وقد تنشطر وتتبعثر ، وحتى لو كانت قد فسوف تفتقر إلى شرطها الذاتي ، لإنها ليست هي كما هي . في الدرجة الثالثة ، هل البيئة ثابتة في محتواها ، في طبيعتها ، من المؤكد إنها ليست ثابتة فهي تمتد في أصالتها مداٌ من ملايين ملايين السنين ، والسنون كتعبير للفهم ، للفهم الإنساني ، إلى هذه اللحظة ، وفي ذاك القدم ، القدم الأول كانت البيئة على شكل تمظهر غازي بالمطلق ، أي لايمكن أن يوجد شيء سوى ، وسوى فقط ، تمظهر أولي للغاز ، وبعد ذلك بملايين ملايين السنين بدأ ، على الأرجح تمظهر مائي ، ثم بعد ذلك بملايين ملايين السنين بدأ تمظهر الترابي . سنعالج هذا الموضوع في حلقة خاصة ، في موضوع الأرض والآية التي تؤكد جهلاٌ على لسان إله غائب أحمق : إني جاعل في الأرض خليفة ، مع إدراكنا إن التمظهر الأولي للغاز لايمكن ان يكون ، هو ، الأصل الفعلي للكون هذا ، إنما نستخدم هذا التعبير تمشياٌ مع الإفتقار الذهني للبشر ، ولإن الأصل قد يكون خارج إدراكات البشر ، وهو حتماٌ وبطبيعته كذلك . في الدرجة الرابعة ، هل البيئة متجانسة ، وتؤثر في الأشياء بنفس محتوى التجانس ، لو أدركنا حقيقة تكوين البيئة ، تكونها منذ البدايات البدايات ، أي حتى في مرحلة ماقبل التمظهر الغازي بكثير من الكثير ، لأدركنا بكل يسر إن البيئة لايمكن أن تكون متجانسة حتى ضمن المرحلة الواحدة ، ولا تؤثر في الأشياء وماغير الأشياء إلا بنسبة متفاوتة ، متباعدة ، وربما متعاكسة في أسسها . في الدرجة الخامسة ، هل البيئة تحول الأشياء من إلى ، أم تؤثر فيها بالمعنى الضيق وبالمعنى التام ، أم إن البيئة لاتمارس إلا ذاتها ، تمارس ذاتها دون أن تدرك هل ثمة تحول أم لا ، هل ثمة تأثير أم لا ، وفي مطلق الأحوال ، وهذه هي ربما النقطة الأولى والأخيرة : أليست الأشياء وغير الأشياء هي بدورها جزء من هذه البيئة ، سنرى دور الشمس في تلك الحلقة ، الأرض وإني جاعل في الأرض خليفة ، بمعنى إن هذا الموضوع يتخطى بملايين الخطوات ماذهب إليه داروين ، ويتجاوز المسند الثابت لمحتوى البيئة . رابعاٌ : في هذه الحالة ، أي في موضوع البيئة والواقع المرتبط بها ، لايوجد مايسمى بالنظام ولايوجد مايسمى بالفوضى ولايوجد مايسمى بالصدفة ، إنما هذا هو حدود الإمكان ، الإمكان المتاح سواء على صعيد البيئة وأشيائها ، أو على صعيد الشيء ومكوناته وقدراته . وهذا الإمكان المتاح هو الشرط الذي يحدد بشروطه محتوى السؤال الجوهري في هذه الحلقة ، وهو : هل نحن إزاء تطور وإرتقاء ، أم إزاء إنحطاط وتدهور ، ضمن سياق محدد ومعادلة ثابتة ، إن الواقع والبيئة لايحددان شيئاٌ بعينه ، ولايقرران مصير أي شيء ، أي شيء بذاته : أي ، إن البيئة ومن ثم الواقع ، إن البيئة كشرط تام في محتوى التطور لدى تشارلز داروين لاتستطيع أن تقوم بما سماه داروين بالإصطفاء الطبيعي ، ولايمكن أن تدرك وتبلغ شروطه ، ولايمكن أن تكون إلا ممارسة في حد ذاتها وفي حد غيرها ، نضرب مثلاٌ للتوضيح ولتقريب المعنى ، إن الغيوم وهطول المطر ليست في الأصل إلا حدود الغيوم ومن ثم هطول المطر دون ، دون تماماٌ ، أين ستهطل ، ومن يستفيد ، ولايهم من يستفيد ومن يتشقق عطشاٌ ، أي في التأصيل لايوجد أي إصطفاء طبيعي . أي ، إن البيئة ومن ثم الواقع ، إن البيئة كشرط تام في محتوى التطور لدى داروين ، لاتستطيع أن تكون أيضاٌ إلا شرطاٌ تاماٌ في الإنحدار ، بل إن ذاك الذي يسميه داروين بالتطور هو الإنحدار نفسه ، هو تماماٌ جوهر الإنحدار ، لإن : بيولوجياٌ ، كلما إزداد حجم الكائن كلما قل نصيبه في البقاء ، كلما تعرض للإنقراض بنسبة أكبر ، كلما قلت إمكانية نسبة التكيف ، كلما قلت فرص نجاحه في موضوع الصراع من أجل البقاء ، كلما شاخ وهرم بسرعة أكبر . شرطياٌ ، شرط الشمس وسنرى دورها في معالم البيئة في حلقة خاصة ، إن الشمس سوف تحرق الكائنات وتبيدهم عن بكرة أبيهم وتحرق الكرة الأرضية ، كما أحرقت المريخ . مع مفارقة وهي إن الشمس ليست مثل المحيطات والبحار التي تجبر الكائنات على عملية خاصة في التنفس تتفارق للغاية عن تلك العملية في التنفس في البراري والفيافي ، إنما هي ، أي الشمس ، هي التي كونت ، بخواصها ، هذه المجموعة الشمسية ، وهي التي سوف تحرق كافة الكواكب القريبة منها . خامساٌ : إذا ما إستثنينا فرضية الفيض الإلهي وكافة الإتجاهات حول مسألة وحدة الوجود ، فإن الفلاسفة والمفكرين إنقسموا بخصوص وجود الجنس البشري إلى فئتين ، الأولى تعتقد بالخلق ، الخالق والمخلوق ، والثانية تعتقد بالتطور ، بالتطور من إلى : والإنقراض كظاهرة بيولوجية يؤكد إن لاوجود لموضوع الخلق لإن إله الكون لايمكن أن يخلق مخلوقات تنقرض لأكثر من سبب ، سيما وإن السجل الإحفوري يثبت إن الديناصورات قد حكمت الأرض لمدة لاتقل عن مائتي مليون سنة ، حيث كانت ولم يكن معها شيء أسمه الإنسان إلا إذا إعتقدنا إن مايسمى اليوم بالإنسان كانت إجنته في البدايات البدايات . كما إن الإنقراض يثبت ، من زاوية مختلفة ، إن لاتطور في الأرض إنما هو ظهور كائنات حسب شروط ومحددات البيئة نفسها ، تلك الشروط والمحددات التي لاتستقر على ثبات وعلى أي تغير بحد ذاته ، فقد كان من المككن أن تنوجد كائنات أخرى غير أخرى وغير غيرها ، أو أن تنقرض كافة الكائنات كمفوم بشري لبذرة الحياة ، أو أن تستمر الديناصورات في التحكم بالأرض لمائتي مليون سنة أخرى ، فلاثابت ، ولايمكن التكهن حتى بالإعتماد على السجل الإحفوري . سادساٌ : أما فيما يتعلق بالموضوع الذهبي لدى تشارلز داروين ، وهو التحدر مع التعديلات ، والذي يعني تماماٌ ، إن الكائنات تنقل تلك التعديلات إلى الأحفاد عن طريق الوراثة ، وكإن التعديلات مقصودة في حد ذاتها ، وكإنها إيجابية ، وكإنها هي التي تحدد محتوى التطور ، وتحدد أساس الإرتقاء ، في حين إن موضوع التعديلات قد يكون صائباٌ على صعيد الملاحظة ، لكنه حتماٌ غير دقيق على صعيد المعنى والمحتوى ، أي : إن مفردة التعديلات غير صادقة مع نفسها ، فهي توحي وكإن البيئة ماثلة كالرسام أمام لوحة فنية يقدم الرتوشات الأخيرة ، في حين إنها قد تسحق تلك اللوحة الفنية ، لذا من المستحسن إستخدام مفردة ، مايطرىء على الكائنات طروءاٌ مع ملاحظة جد مهمة إن في هذا الأمر لايوجد ماهو إيجابي وماهو سلبي ، لإن البيئة تمارس ذاتها وتتغير وإن الكائن بدوره يمارس ذاته ويتغير ، لذا لابد من هذه الملاحظة التي تكمل الرؤيا : وهي ، إن مايسمى بالوعي هو ليس شرطاٌ خارجياٌ عن محتوى البيئة ، بل هو شرط خاص في حدود مقومات البيئة نفسها ، أي : من طرف أول ، إن الفعل المنعكس ، ومن ثم الإدراك الحسي ، الذي هو في تأصيله من خلاصة الفعل ورد الفعل ، والذي هو في الأساس من محتوى التوازن النسبي ، في بناء البيئة ، في البنيان الجمعي قبل الفردي ، يمنح هذا الفرد خصائصة الفردية ، لتبدأ المقدمات البيولوجية ، تلك المقدمات التي تتعاقد فيما بينها لتفضي إلى مليارات من من ، من الأبسط التافه السخيف إلى الأقل بساطة أي إلى أكثر تعقيداٌ ومن ثم وعلى مدار الملايين الملايين من السنين ، إلى ما هو معقد كفاية ، إلى الجهاز التناسلي ، إلى الجهاز البصري ، إلى هذا ، وإلى ذاك . ومن طرف ثان ، إن العادة ، إن التصور البدائي ، في موازاة الطرف الأول ، منحت للكائن الفردي فهمه البسيط الأولي في التمايز والتفارق مابين هذا وذاك ، في أخذ الحيطة والحذر أو التودد والتقرب أو الهجوم ، أو التصرف هكذا في حدود ذلك الذي هو ذلك . سابعاٌ : وحول رؤيتنا في أساس وجوهر هذا الموضوع ، سنقدمها في الحلقة القادمة ، نقض مفهوم الأرض في الإسلام ، وسنوضح : إن كوننا هذا ليس إلا إنحطاطاٌ لما قد يكون من الممكن أصله ، إن كوننا هذا يذهب من نقطة المفارقة عن الأصل من ماقد يكون متماسكاٌ إلى الإنحدار والإنحطاط ، إن بذرة الحياة ليس لها معنى إلا في حدود الفهم البشري السخيف ، إن الكائنات الأولى كانت بالضرورة كائنات مجهرية دقيقة ، إن الإنسان ليس إلا كائناٌ مشوهاٌ تافهاٌ وسخيفاٌ ويتفارق عن الديناصورات ، في إن الديناصورات كانت حميدة في شرطها البيئي في حين الإنسان أصبح شرطاٌ مدمراٌ للشرط البيئي ، إن الشمس هي التي كونت هذه المجموعة الشمسية وسوف تحرق الكواكب القريبة منها ، حتى الأرض : إن ، وحسب الفهم الشري ، ثم أصل ومن ثم إنحدار نحو الحالة الغازية الصرفة ، ثم إنحدار نحو الحالة المائية الصرفة ، ومن ثم إنحدار نحو الحالة الترابية ، ومن ثم إنحدار إلى حالة الفناء ، مع إدراكنا لموضوع الضوء الأسود ، المادة المظلمة ، وإدراكنا إن البشر ليس هنا إلا للاشيء شيء ، هكذا أتوا ، وهكذا سيرحلون : مع إدراكنا إن هذه الأمور قد تمتد لعدد خيالي من السنين ، ولكن حتماٌ ستحصل . وإلى اللقاء في الحلقة السابعة والستين بعد المائة .
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض الوجود لدى كمال الحيدري
-
نقض قول الشهادة في الإسلام
-
نقض جون ستيوارت ميل
-
نقض وجود جهنم في الإسلام
-
نقض لودفيغ فيتجنشتاين
-
نقض محي الدين بن عربي
-
نقض القوانين الهرمسية الكونية السبعة
-
نقض مفهوم الجهاد في الإسلام
-
نقض إسبينوزا
-
نقض موضوع ـ المحلل ـ في الإسلام
-
نقض هيجل
-
نقض تحريم التبني في الإسلام
-
نقض الدين والفلسفة
-
نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي
-
نقض اللاوعي الجمعي لدى كارل يونغ
-
نقض وجود الجنة ومحتواها في الإسلام
-
نقض مفهوم الدين لدى فراس السواح
-
نقض موضوع الزنا في الإسلام
-
نقض إطروحات علي حرب البائسة
-
نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو
المزيد.....
-
زيلينسكي يكشف عن مباحثات مع ترامب لعقد -صفقة ضخمة- تشمل طائر
...
-
دبلوماسيون غربيون كانوا على مقربة من وزارة الدفاع السورية لح
...
-
عشائر بدوية تشن هجوما بالسويداء واتهامات لمجموعات محلية بارت
...
-
لماذا أصبح النوم عزيزا رغم توفر وسائل الراحة؟
-
محللون: ما يجري بالمنطقة تفكير جنوني بطور التنفيذ وهذه خيارا
...
-
محافظة السويداء.. معقل الموحدين الدروز في جنوب سوريا
-
الرئاسة السورية: قطر والسعودية وتركيا أكدت للشرع دعم وحدة سو
...
-
رئيس البرازيل لـCNN: ترامب -لم يُنتخب ليكون إمبراطور العالم-
...
-
الولايات المتحدة: عارضنا الضربات الإسرائيلية في سوريا
-
تنديد أممي بمقتل عشرات المدنيين في كردفان
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|