أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي















المزيد.....


نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 7647 - 2023 / 6 / 19 - 04:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سنعالج موضوع هذه القصة ليس فقط من خلال النص الإلهي ، ومفرداتها اللغوية ، إنما أيضاٌ عبر هذه الأسئلة : هل يحق لإله الإسلام ، إله الكون ، أن يقتل غلاماٌ ، غلاماٌ بريئاٌ ، نبياٌ من أنبيائه . ما معنى أن يفديه بذبح عظيم ، ويفديه عند من ، عند إله آخر ، عند صنم آخر ، عند طوطم آخر . وهل من الجائز أن يرفع إله الكون قضاءه ، قضاء أول بقضاء ثاني ، قضاء سابق بقضاء آخر ، يبطل مفعوله ، يلغي نتائجه ، بقضاء لاحق أو حتى بدون قضاء آخر . هل كان إله الإسلام يجهل حدوث القصة من أساسها قبل أن يقرها ، وهل كان يجهل حقيقة تصرف إبراهيم وإسماعيل ورد فعلهما ، وهل كان يجهل نهاية هذه القصة وأن يفديه بذبح عظيم . وهل يمكن لإله ما أن يتصور ويقر ويقضي بحدوث مثل هذه القصة ، وموضوع الذبح . ثم لماذا يلجىء إله الإسلام إلى موضوع مايسمى بالإبتلاء ، وهل بحاجة إلى الإبتلاء أصلاٌ ، كي يدرك حقيقة من أبتلي ، ثم ألم يكن إبراهيم نبياٌ إلا به أم إنه أصبح نبياٌ بجدارته وعظمة طبائعه بصورة مستقلة عن القرارات الإلهية .
المقدمة الأولى : تقول الآية : فأرادوا به كيداٌ فجعلناهم الأسفلين . وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين . رب هب لي من الصالحين . فبشرناه بغلام حليم . فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام إني اذبحك فأنظر ماذا ترى قال يا أبتي أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما تله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين . وبشرناه بإسحاق نبياٌ من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين . سورة الصافات ، الآيات 98 ـ 113 .
المقدمة الثانية : وحول تفسير هذه الآيات ، أدلى كل شيخ من شيوخ الإسلام بدلوه على الطريقة التي يرتأيها ، على النحو الذي يصطفي ، فكان :
من زاوية ، يؤكد الشيخ محمد متولي الشعراوي ، حينما إبتلى الله إبراهيم بذبح إبنه إسماعيل ، لا من أمر صريح واضح إنما من خلال رؤيا ، من خلال منام ، أمتثل إبراهيم لأمر ربه تمام الإمتثال ، لإنه كما قال الرب ، أمة كاملة ، وإنه إذا أبتلي بكلمات من ربه أتمهن ، أتمهن هنا رغم قساوة الأمر ، فقد حصل وهو في أواخر العمر ، وأن يذبح بنفسه .
ولإن إبراهيم كان كذلك ، فقد أراد أن يشارك إبنه أسماعيل في كسب الثواب وألا يكون فج الفؤاد غليظ القلب ، فقال يابني إني أرى في المنام إني أذبحك فأنظر ماذا ترى ، فقال يا أبتي أفعل ماتؤمر ، سأكون إن شاء الله من الصابرين .
ويستطرد الشيخ محمد متولي الشعراوي ، إذا إبتلاك ربك بقضاء فأياك أن تغضب أو أن تسخط ، فمن رضي بالقضاء رفع القضاء عنه ، وإن أرغد وأزبد أمد وأطال الله في أمد القضاء عليه ، فلكي ينجلي القضاء عنك من شرطه أن تتقبله بكل مالديك من الإيمان .
ولذلك ، ولإن إبراهيم أتم كلمات ربه ورضي بقضائه ، رفع الله عنه القضاء ، وفداه بذبح عظيم ، وبشره بإسحاق ، ومن وراء إسحاق بعقوب .
ومن زاوية ثانية ، يؤكد الدكتور عثمان الخميس ، هناك من يسأل ما الحكمة من أمر ذبح إبراهيم لإسماعيل وهو غير مذنب ، فيردف الخميس : الموضوع هو إختبار الله لإبراهيم ولإسماعيل ، هو إبتلاء منه لهما ليخلص له إبراهيم تمام الإخلاص ، ولايشهد إلا به رباٌ وإلهاٌ .
ويتبع الخميس ، طالما إن الذبح لم ينفذ ، إذ فديناه بذبح عظيم ، فإن موضوع الذنب ، ومسألة إنه لم يكن مذنباٌ ، تنتفي ، وتلتغى وكإن الذبح لم يكن ، لإنه لم يكن مقصوداٌ لذاته ، إنما لجملة حيثيات وتداعيات تتعلق بإخلاص إبراهيم لربه كل الإخلاص .
ويستطرد الخميس معاتباٌ السائل ، إذا كان صاحب القضية راضياٌ ، إذا كان إبراهيم راضياٌ بقضاء الله ، إذا كان إسماعيل راضياٌ بأمر الله ، قال يا أبتي أفعل ما تؤمر ، فلماذا لاتكون ، أنت ، راضياٌ عن أمر الله ، ولماذا تكون ، أنت ، ملكاٌ أكثر من الملك .
ومن زاوية ثالثة ، يؤكد الشيخ بدر المشاري ، إذ بينما كان النبي إبراهيم نائماٌ ، رأى إنه يمسك سكيناٌ فيذبح إبنه إسماعيل ، فذهب إلى زوجته العجوز وقال لها ، إني رأيت مناماٌ أذبح إبني إسماعيل ، وهي إمرأة مؤمنة فكيف تعارض أمر الله .
ثم ذهب إلى إبنه إسماعيل ، وكان يستطيع أن يذبح إبنه مباشرة ، أن يأتي بسكين ويقطع رأس إبنه طاعة لأمر إلهي لإن رؤيا الأنبياء حق ، لكنه إرتأى أن يحلور إبنه فناداه ، يابني إني رأيت في المنام إني اذبحك ، فلم يرتعب إسماعيل بل قال ، ياأبتي أفعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين .
ثم ذهب إلى موقع جمرة العقبة الكبرى ليذبح إبنه ، وجاء الشيطان على هيئة رجل وقال يا إبراهيم هل تذبح إبنك بناءاٌ على منام رأيته ، فأخذ إبراهيم سبعة حصوات ورماها عليه ففر الشيطان .
ثم ذهب إلى موقع الجمرة الوسطى ليذبحه ، فجاء الشيطان على شكل إنسان وقال لزوجته العجوز هاجر ، وقال لها أتتركي زوجك يذبح إبنك لإنه رأى مناماٌ ، فأخذت حصوات وقذفتها عليه وكبرت ، الله أكبر ، فهرب الشيطان .
ثم ذهب إلى موقع الجمرة الصغرى ليذبحه ، فأتى الشيطان إلى إسماعيل نفسه ، إلى الولد ، وقال له ، أتترك نفسك مابين يدي والدك ليذبحك بسبب رؤيا ، فأخذ حصوات ورماها عليه فهرب الشيطان .
ثم لما هم بالذبح ، قال إسماعيل أبتي إجعل وجهي صوب الأرض كي لاترى وجهي فترحمني وتمتنع عن تنفيذ أمر الرب ، ثم هكذا لايتناثر دمي على ثوبك فتعلم أمي إنك قد ذبحتني فتلومك على ذلك وتبتأس من الحياة .
وهكذا ينسى هذا الشيخ ، بدر المشاري ، إنه قد قال قبل قليل ، إن إبراهيم قد أخبرها بذلك بنفسه وقد رضيت بأمر الله لإنها مؤمنة ، وإن الشيطان قال لها عند موقع الجمرة الوسطى ، أتتركي زوجك يذبح إبنك ، فرمت عليه بحصوات .
المقدمة الثالثة : في جانب الإستئناس من هذه المشكلة ، وفي موضوع من هو الذبيح ، هل هو النبي إسماعيل ، أم هو النبي إسحاق ، يقول الشيخ صالح المغامسي إن الذبيح هو إسحاق ، مع العلم إنه يؤكد في تصوير آخر إن لا أحد يملك ، عين اليقين ، أدلة أو إشارة محققة على إن الذبيح هو إسحاق أم هو إسماعيل :
فمن زاوية ، إن سارة زوجة إبراهيم ، أم إسحاق لاحقاٌ ، كانت عاقرة لاتنجب أولاداٌ ، وهي التي قدمت هاجر ، أم إسماعيل فيما بعد ، زوجة لإبراهيم ، الذي ما أن وطأها حتى حبلت ، وأنجبت إسماعيلاٌ ، أي إن سارة لم تكن ولادة في حين إن هاجر كانت ولادة .
ومن زاوية ، إن البشارة ، البشارة الإلهية ، كي تكون بشارة فعلية ، تناسب حتماٌ المرأة العاقرة ، تناسب سارة ، ولاتحدث فرقاٌ حقيقياٌ لدى المرأة الولادة ، لدى هاجر ، لإن العاقرة لاتحبل إلا بشرط إستثنائي ، بشرط خاص ، بتدخل خارجي ، في حين إن الولادة تحبل بخصائصها الذاتية .
ومن زاوية ، حينما ولد إسماعيل أخذه أبوه إبراهيم مع أمه إلى مكة ، أخذه إلى هناك منذ صغره ، ورجع بعد ذلك إلى قومه فعانى منهم ما عانى ، آنئذ قرر إبراهيم أن يهجرهم ، ولقد ذكر ذلك في ثلاثة مواقع في النص الإلهي ، قرر أن يعتزلهم مع زوجته سارة ، فأرادوا به كيداٌ فجعلناهم الأسفلين ، وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ، رب هب لي من الصالحين ، فبشرناه بغلام حليم . أي حينما إبتهل إبراهيم إلى ربه ، رب هب لي من الصالحين ، كان إسماعيل مع أمه في مكة ، فبشرناه بغلام حليم ، أي بغلام من سارة ، وإلا لحدثت تناقضات وتناقضات .
ومن زاوية ، وتتمة الآية تؤكد إن الذبيح هو إسحاق ، فبشرناه بغلام حليم ، فلما بلغ معه السعي ، قال يابني إني أرى في المنام إني أذبحك ، والسعي هو إن الطفل قد ترعرع وكبر مع والده ، أي إنهما كانا يسعيان معاٌ ، وهذا لايتطابق مع حياة إسماعيل .
المقدمة الأخيرة : في إشكالية النص الإلهي ، في حقيقة السؤال القاتل ، لماذا لم يدون إله الإسلام النصوص الإلهية بشكل واضح وصريح ، لماذا كافة النصوص تختبىء وراء الغموض والإبهام ، وراء جمل مقتضبة ، ومن ثم التأويل والتفسير ، ومن ثم كذبة إن النص الإلهي يقرأ بسبعة أحرف .
وفي الأصل إن النص الإلهي مدون من قبل بشر ، بعقلية بشرية ، بجهالة بشرية ، وفي الأصل إن مؤلف القرآن يبحث هنا وهناك ، ويقتبس من الزرادشتية والمانوية والمندائية والسريانية الآرامية ، ويبحث عن شعر أمية بن أبي الصلت ، كي يكون فكرة ما عن إطروحات ذلك الزمان ، وبما إنه كان حقيقة تلك الإطروحات فما كان منه إلا أن يدون النص الإلهي بهذا الشكل ، بهذا اللامنطق ، لذلك أتت كافة القصص وغيرها ، ومنها قصة الذبيح بهذه الصورة العقيمة ، وبهذه المغالطات الواضحة ، تلك المغالطات التي لايرتكبها إلا من لايملك أدنى صورة واضحة من حقيقتها .
من زاوية ، لإن قصة الذبيح كانت مدونة من قبل وتخص النبي إسحاق ، فما كان من مؤلف القرآن إلا أن يختلق قصة موازية ، قصة مرهونة بأصلها اليهودي ومنفصلة عنه بترقيعات سخيفة ، فكانت القصة بهذا الشكل المشوه في القرآن .
ومن زاوية ، لنوضح موضوع حديثنا هذا من خلال مثال آخر يتعلق بمحمد شحرور ، ولإنه يعتقد إن هناك إله ، وإن هذا الإله هو الذي دون النص القرآني ، ولإن هذا النص مدون بطريقة غير معرفية ، ولإنه لايميز مابين المفردات ، مثل القرآن ، الكتاب ، أم الكتاب ، المصحف ، الفرقان ، فأضطر محمد شحرور أن يرقع هنا وهناك ، كي يخرج بنتيجة مشوهة في تأصيل الفرق مابين تلك المفردات .
ومن زاوية ، وبالمقابل نرى شخصية متزنة رزينة ، تستخدم العقل والمنطق ، والمقارنة الأصيلة ، وهذه الشخصية هي الأستاذ القدير العرفاني ، أحمد القبانجي ، فيؤكد إن موضوع الذبح والفداء هو تأصيل قديم قبل الإسلام ، سيما ذبح الأبن والتضحية به لصالح من ضحى ، فأقتبس الإسلام جوهر هذا الأمر ، جوهر هذه العادة الوثنية .
ويردف القبانجي ، هل من المعقول أن يأمر الإله بذبح غلام بريء ، أن يقترف جريمة بشعة مثل هذه ، وإذا نفذ إسماعيل من الذبح ، فإن الغلام في قصة سيدنا الخضر قد قتل ، بل قتل بطريقة مقيتة إثناء لعبه مع أترابه .
نكتفي ، ونعترض :
أولاٌ : في أساس موضوع الذبح والفداء والقرار الإلهي ، لاشك إن الإله ، إله الإسلام ، إله الكون ، في حال وجوده ، قد أصدر هذا القرار القضائي بمحض إرادته ، بشرطه الخاص ، بحقيقته الإنطولوجية ، فلماذا ، حينما أراد إبطال هذا القرار القضائي لم يلجىء إلى تلك الإرادة الأصيلة ، إلى شرطه الخاص ، أي دون الحاجة إلى مسألة الذبح والفداء ، إذ كان من الممكن أن ينادي الله إبراهيم : أن يا إبراهيم لقد صدقت الرؤيا ، وها أنت تضحي بأبنك ، فإني قد عفوتك عن تنفيذها .
لكن في الحقيقة ، ولإن الإسلام دين وثني ، فقد أقر إله الإسلام بنفسه بعادة وثنية وهي مفهوم ومحتوى تقديم الأضحية للآلهة وللإله ، تقديم الأضحية أمام المحراب بذبحها ، وتحديداٌ بالذبح وإراقة الدماء ، فالآلهة لاترضى إلا إذا قدمت لها ذبيحة تذبح ذبحاٌ ، لذلك فإن إله الإسلام ، إله الكون ، رب العالمين ، قدم بنفسه كبشاٌ ، كبشاٌ للذبح ، فداءاٌ لذبح إسماعيل .
وفي أساس تفكير مؤلف القرآن ، إنه لم يدرك حقيقة مايقول ، هو لايدرك إن إله الإسلام حينما يقدم قرباناٌ فإنه يقدمه لكائن آخر ، لآلهة أخرى ، فالذبح والفداء ، هما لإرضاء جهة أخرى غير الجهة التي تقدم الأضحية ، أي حينما يقول إله الإسلام ، وفديناه بذبح عظيم ، فإنه قد فداه بذبح عظيم أمام إله آخر . وهذا يفضي إلى إستنتاج قاتل ، إذ عندما يقدم إله الإسلام ، وهو هنا مؤلف القرآن ، كبشاٌ للذبح ، لآلهة أخرى ، فإن هذا يعني وكأن ذلك القرار الرباني القاضي بذبح إسماعيل قد صدر من إله آخر ، من آلهة أخرى ، غير إله الإسلام . وكإن مؤلف القرآن ينفذ ما ترسخ وترسب في مخيلته الجمعية ، في فكره الجمعي ، وهو شرط العلاقة الأبدية مابين الآلهة والشخص والفداء وتقديم القرابين .
أضف إلى ذلك ، إن الإله لايقدم ذبيحة لإله آخر ، وإلا لأنتفت صفة الألوهية عن الأول ، وأصبح الثاني هو الإله المطلوب . لكن ، ولإن مؤلف القرآن من البشر ، فقد قدم ذبيحة لإله آخر غير هذا الإله صاحب القول المزعوم ، وقد تورط ، بنفس الدرجة ، في هذه القصة من خلال ثلاثة قضايا هي الأخرى مهمة للغاية معرفتها :
القضية الأولى ، إن أرقى أنواع الذبح ، وتقديم الذبيحة للآلهة ، هو ذبح الأبن ، إلى درجة إن ذبح الأبن كان علامة على مدى الإقتراب من الألهة ، وعلى خصائل الصفوة والمميزة .
القضية الثانية ، موضوع الذبح بالذبح ، أو موضوع الذبح لتفادي شرور الآلهة ، إذ كان من المستحيل عند ذاك ، إن يفكر مؤلف القرأن بتقديم شيء آخر بدلاٌ من ذبح الكبش .
القضية الثالثة ، الذكر بالذكر ، كي يتحقق الفداء بفعل تام وكامل كان لابد من تقديم ذكر ، وهو هنا كبش ، ليحل محل الذكر الأول ، وهو هنا إسماعيل ، فقد كان من المستحيل أن يفكر مؤلف القرآن بتقديم نعجة أو بقرة لإنها إنثى .
ثانياٌ : في أساس موضوع الإبتلاء ، في شروط الإبتلاء ، في شروط المفارقة مابين الإبتلاء والإختبار ، في شروط الجريمة ، في أساس فهم التصورات البشرية في ذلك الوقت :
من زاوية ، إن من أهم شروط الإبتلاء ، هو شرط الشخصية ، إذ يكون الإبتلاء إما في شخصه ، إما في ماله الخاص ، بحيث يفضي إلى نتيجة تنقله من حالة شديدة الخصوصية إلى حالة أخرى تهدد أساس تلك الحالة الخاصة ، وأمثل مثال على تمظهر هذا الشرط هو ما أصاب سيدنا أيوب ، بحيث لا يتخطى الإبتلاء حدود حده الخاص ، لذلك فإن الإبتلاء في ذبح الإبن ، كما هي الحال هنا ، فإنه لاشك أمر جسيم وخطير لكنه يصنف ضمن حدود الإختبار ولايبلغ حد الإبتلاء .
ومن زاوية ، إن من أهم شروط الإبتلاء ، هو شرط الفعلية ، أي أن يتحقق ، أن يكون حقيقياٌ قد وقع ، فلا إبتلاء بفداء أو إعفاء ، أو مجرد توافر شروط حدوثه ، فالذبح هنا لم يقع ، لم يحدث إنما توافرت شروطه الأولية في حدوثه ولم تكتمل ، في حين تحقق الحدوث الفعلي لدى سيدنا أيوب حيث أصطبر على مرضه الذي أنهكه نهكاٌ .
ومن زاوية ، إن من أهم شروط الإبتلاء ، هو شرط الديمومة ، إذ لايصتف أمر الآلهة لشخص ما أن ينتحر ضمن مجال الإبتلاء ، فالإنتحار يحدث وتنتهي حيثيته الخاصة ، في حين إن الأصل في الإبتلاء هو قوة التحمل وإنتصار الإيمان بالآلهة على موضوع الإبتلاء ، لذلك تقول هاجر ، لروحها السلام ، حينما تركها إبراهيم وإبنها في موقع مكة ، إن الإله لن يضيعنا ، وهكذا إنفجرت ينابيع آبار زمزم من تحت قدمي إسماعيل ، الطفل الصغير .
ومن زاوية ، إن من أهم شروط المفارقة مابين الإبتلاء والإختبار ، هو إن الإبتلاء يتجاوز الأساس البنائي للإختبار ، في حين من المستحيل أن يتخطى الإختبار الأساس البنائي للإبتلاء . فالأول يخص ويوازي الإيمان الإنطولوجي بالآلهة بكليته وتمامه ، في حين إن الثاني هو تجسيد ذلك بصورة جزئية سواء على الصعيد الإنطولوجي أو على الصعيد التنفيذي .
ومن زاوية ، إن من أهم شروط المفارقة مابين الإبتلاء والإختبار ، هو مجال كل واحد منهما ، فالإختبار قد يقع من شخص على الآخرين ، كإن يأمرك ربك أن تقتل إبن جارك ، أو أن تزني بجارتك ، أو أن تسرق ، في حين إن الإبتلاء لايمكن أن يكون إلا الذات تحديداٌ ، أو على ماله الخاص .
ومن زاوية ، إن من أهم شروط تحقق جوهر هذا الموضوع ، هو ألا يبلغ حدود الجريمة ، فالجريمة هي ذاتها ، ولايبرر حدوثها حتى لو صدر الأمر من الآلهة ، فذبح إبراهيم لإسماعيل هو جريمة تامة كاملة يشترك فيها إبراهيم وإله الإسلام ، الأول هو فاعلها الحقيقي ، والثاني هو المحرض على الجريمة من باب المنطق العام للقوانين البشرية ، لكن من باب الأمر الإلهي ، والقضاء الإلهي ، فإن إله الإسلام هو الفاعل الأصلي الأصيل ، ويكون إبراهيم هو المنفذ .
ثالثاٌ : من منطوق ماذهب إليه الشيخ بدر المشاري ، من حوار مابين إبراهيم وسارة ، وتدخل الشيطان عند ماسمي بموقع جمرة العقبة الكبرى وحواره مع إبراهيم ، ثم عند موقع الجمرة الوسطى وحواره مع هاجر ، وثم عند موقع الجمرة الصغرى وحواره مع إسماعيل نفسه ، نستدرك مايلي :
من زاوية ، حسب التاريخ الإسلامي ، إن إبراهيم حينما ترك زوجته هاجر مع إسماعيل عند الكعبة ، رجع بمفرده إلى موطنه الأصلي بينما بقيت هاجر وإسماعيل هناك ، أي حينما إستلم إبراهيم الأمر الإلهي ، كان بعيداٌ كل البعد عن إبنه إسماعيل وزوجته هاجر : أي
إن موقع الحدث ، الذبح ، لم يكن عند الكعبة ، ولم يكن عند موقع الجمرات الثلاثة الحالية ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية إن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيلاٌ .
ومن زاوية ، إن موقف الشيطان من حدث الذبح هو الموقف الصحيح والسليم ، هو موقف ضد الجريمة ، لمنع وقوع الجريمة ، بينما موقف إله الإسلام هو إرتكاب الجريمة عينها ، والدليل على ذلك نستمده من تصرف إله الإسلام نفسه ، وفديناه بذبح عظيم فهللت السماء ، أي إن إله الإسلام يدرك جيداٌ إن هذا الأمر هو جريمة تامة ، لذلك يفديه كي لاتقع الجريمة ، وهذا واضح من المعنى الفعلي للفداء ، حيث وقوع الأول ، الفداء ، يمنع حدوث الثاني ، الذبح ، ولو كان الثاني الذبح غير محرم ، حتى لو أتى الأمر من الإله نفسه ، لما إضطر هذا الأخير ، الإله ، أن يمنع حدوث الثاني من خلال وقوع الفعل الأول .
رابعاٌ : علاوة على كل ذلك ، إن فداء الكبش والذبح قد حل محل ذبح إسماعيل ، أي إن الإله قد مارس بنفسه عادة وثنية وأعترف بها شرعاٌ وسنناٌ ، والتي حسبها يحق لدم أن يحل محل دم آخر ، يحق لدم أن ينقذ الشخص من كارثة كادت أن تمحقه محقاٌ ، ويحق لمن فدى أن يمنع حدوث القضاء الإلهي ، أن يغير من الأمر الإلهي ، أو أن يعدله أو يبدله ، وهكذا قد أقر الإله بكل وضوح إن البشر ، هم أنفسهم ، يستطيعون أن يمنعوا حدوث قضاء الإله بإحلال ما يحل محله من فعل مواز ، وهذه هي ذروة الوثنية في الإسلام .
خامساٌ : علاوة على ذلك ، إن هذا الفعل ، هذه الممارسة الوثنية ، قد أصبحت شعيرة مقدسة من شعائر الدين الإسلامي ، وهاهي تستمر إلى يومنا هذا ، وستدوم إلى أبد هذا الدين ، من خلال تقديم الأضحية والذبائح والقرابين في العيد الأضحى ، الأمر الذي هو في الصميم تقديم الدم للآلهة ، تقديم فعل الذبح ، الذبح تحديداٌ ، للإله ، تقديم الفداء له ، كي يتحول شره إلى خير ، كي يتحول غضبه إلى رحمة بالعباد .
سادساٌ : وحول صميم العلاقة مابين إبراهيم والرؤيا ، حيث أوشك إبراهيم على ذبح إبنه لمجرد رؤيا أتته في المنام ، وصدق النص الإلهي على ذلك ، إنك قد صدقت الرؤيا ، لكن كيف يمكن لإبراهيم أن يقوم بعمل خطير كهذا ، وأن يقدم على إقتراف جريمة شنعاء ، حتى لو أتى الأمر من ربه ، وقد شك قبل ذلك بقدرة هذا الإله ، وبوجوده ، فمن يشك بقدرته يشك بوجوده ، ولقد دل النص القرآني صراحة على ذلك :
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن فال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءاٌ ثم أدعهن يأتينك سعياٌ وأعلم إن الله عزيز حكيم . سورة البقرة الآية 260 .
سابعاٌ : إذا ما أغضضنا الطرف عن موضوع الرؤيا والمنام ، فإن الحوار الذي دار مابين إبراهيم وزوجته ، ومابين إبراهيم وإبنه ، يكشف لنا مغالاة غير منطقية تكشف ، هي الأخرى ، عن التعمد في إختلاق هذه القصة :
فمن زاوية ، أما كان من الأجدر أن تقول له زوجته ، وهي مؤمنة بربها كلي الإيمان ، كيف يمكن لهذا الرب الرائع خالق هذا الكون ، خالقنا ، أن يفكر مثل التفكير في ذبح غلام بريء ، كيف يمكن لهذا الرب الرحيم أن يقس علينا بذبح إبننا .
ومن زاوية ، أما كان من الأجدر أن يقول له إبنه ، وهو الراشد الرشيد ، والحكيم والعاقل ، ليتني أدركت الخطيئة التي أقترفتها حتى يحاسبني ربي الرحيم الجبار العتيد بهذه الطريقة البشعة ، أأستحق أنا فعل كهذا ، أم ماذا يا أبي .
ومن زاوية ، أما كان من الأجدر أن يقول إبراهيم لربه ، لخالقه ، يا إلهي ، أما تعلم إني قد وهبت نفسي لإرادتك وكرست حياتي لعبادتك ولطاعتك ، إلهي ، وأنت قد خلقتنا ، وماخلقتنا نحن والجن إلا لنعبدك ، فكيف نعبدك بذبح أبنائنا . وإلى اللقاء في الحلقة السابعة والأربعين بعد المائة .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض اللاوعي الجمعي لدى كارل يونغ
- نقض وجود الجنة ومحتواها في الإسلام
- نقض مفهوم الدين لدى فراس السواح
- نقض موضوع الزنا في الإسلام
- نقض إطروحات علي حرب البائسة
- نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو
- نقض مفهوم الكون لدى هولباخ
- نقض وجود الإله
- نقض محنة سيدنا إبراهام لدى كيركجارد
- نقض سورة الفاتحة في النص الإلهي
- نقض مفهوم السلوك البشري لدى روبرت سابولسكي
- نقض علم الآلهة بالأشياء لدى الغزالي
- نقض حجج الحدوث لدى الغزالي
- نقض المسألة الأساسية في الفلسفة
- نقض سماوية النص الإلهي
- نقض مفهوم الوجدان المتأله لدى العرفاء
- نقض المنطق الأرسطوي والمنطق الهيجلي
- نقض برهان الحركة والزمن لدى أرسطو
- نقض إرادة ومشيئة إله الكون
- نقض قصة الإسراء والمعراج في النص الإلهي


المزيد.....




- زرافة -لا تستطيع المضغ- تقوم بردة فعل لا تُصدق بعد تقويم طبي ...
- كتاب --من إسطنبول إلى حيفا--: كيف غيّر خمسة إخوة وجه التاريخ ...
- بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس
- مصرع 8 أشخاص وإصابة 2 جراء انفجار في مطعم وسط بيروت
- لبنان بين أزمتي نزوح.. داخلية وسورية
- تجمع احتجاجي أمام مقر أولمبياد باريس 2024 للمطالبة بحظر مشار ...
- المبادرة المصرية تحصل على حكم بتعويض مليون جنيه من -تيتان لل ...
- بماذا اعترفت أسترازينيكا بشأن لقاحها المضاد لكورونا؟
- -أنتِ مجرمة حرب-.. مؤيدة لفلسطين تصرخ غاضبة في وجه رئيسة الم ...
- البيت الأبيض يكشف: المقترح الأخير لصفقة التبادل مع حماس يتضم ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي