أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض إسبينوزا















المزيد.....


نقض إسبينوزا


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 7802 - 2023 / 11 / 21 - 18:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من هو إسبينوزا ، سؤال قد يفضي إلى مساحات خاطئة ، أو إلى مغالطات لايمكن أن نحدها بحد ، بينما بالسؤال ، من هو إله إسبينوزا ، نقترب حتماٌ من مضمون السؤال الأول ، كما نقترب كلياٌ من تلك القاعدة التي تربط مابين الأصالة والتأصيل في فكر إسبينوزا ، وتربط مابين مفرداته اللغوية ومنظومته الفكرية . فإلى المقدمات :
المقدمة الأولى : إن أهم نقطة في المنظومة الفكرية لإسبينوزا هي إن الوجود كما هو ، بماهو هو ، هو واحد ، هو جوهر ، هو جوهر واحد ، فماذا يعني هذا القول ، إن الوجود هو جوهر واحد :
من زاوية ، إذا كان الوجود بمعناه الإنطولوجي هو جوهر واحد ، فإن من أمكن أن يكون لابد أن ينتمي وجودياٌ إلى هذا الوجود ، فلاوجود خارج دائرة هذا الوجود الإسبينوزي ، فإذا كان الإله موجوداٌ ، وكذلك الشجر وكذلك أنت وأنا ، فكلنا ننتمي إلى دائرة هذا الوجود ، إلى دائرة هذا الجوهر .
ومن زاوية ثانية ، إذا كان الوجود هو جوهر واحد ، فإن وجوده هو علة وجوده ، وإن علة وجوده هي ذاتية وجوده ، فالعلة هنا بالضرورة هي علة ذاتية ، أي إن هذا الوجود يتضمن بالضرورة علة وجوده ، فلاعلة خارجية ولاعلة داخلية لإن العلة هي هنا بالضرورة علة إنطولوجية . وهذا يفضي بنا إلى نتيجة خالصة لذاتها : في الوجود ، لاتوجد سوى علة واحدة ، هي هذه ، ولاتوجد علة مابين الإله ومابين الإنسان ، ومابين الشجر وكذلك النهر ، إلا علة الضرورة ، إنما هي ضرورة الضرورة ، علة الضرورة الأزلية الأبدية .
ومن زاوية ثالثة ، إذا كان الوجود هو جوهر واحد ، فهو يلغي بالقطع وجود أي جوهر آخر ، فلاتوجد جواهر ، فلا جوهر سوى هذا الجوهر ، أي لايمكننا القول إن الإله جوهر ، أو إن الشجر جوهر ، فهذا الجوهر هو حتماٌ واحد ووحيد ، أي هنا تماهي وتماثل وتطابق كلي وبالقطع مابين العلة والجوهر والضرورة ، والثلاثة هي وحيدة وواحدة .
ومن زاوية رابعة ، إذا كان الوجود هو جوهر واحد ، فإن وجوده هو عين ماهيته بالتمام وبالقطع ، كما إن ماهيته هي عين وجوده بالتمام وبالقطع ، فالأثنان ينضويان تحت بنية الواحد ، حيث الأول لابد من الثاني ، وحيث الثاني لابد من الأول ، وهذا يفضي بنا إلى : كما إن الوجود واحد فإن الماهية هي واحدة ، فلاتوجد ماهيات ، فالإله لايملك ماهية مستقلة ، كما إن الشجر لاتملك ماهية مستقلة ، كما إن الذئب لايملك ماهية مستقلة ، وهكذا يوجد تماهي وتماثل وتطابق كلي وبالقطع مابين العلة والجوهر والضرورة والماهية ، والأربعة هي وحيدة وواحدة .
ومن زاوية خامسة ، إذا كان الوجود هو جوهر واحد ، فإن التكوين الإنطولوجي ، سواء لعموم الأشياء ، سواء لخصوص الشيء ، هو هو ، هو منذ المنذ إلى حيث حتى حتى ، أي لايمكن أن يحدث أي تغيير أو تطور أو تفسخ أو حتى تحول مابين هذا وذاك ، أي وحسب الفكر الأصيل لإسبينوزا ، إن العلة هي العلة ، إن الجوهر هو الجوهر ، إن الضرورة هي الضرورة ، إن الماهية هي الماهية ، وإن هذا هو هذا وليس ذاك ، وإن ذاك هو ذاك وليس هو .
ومن زاوية سادسة ، إذا كان الوجود هو جوهر واحد ، فهو الأزلي المطلق ، المطلق الكلي ، وهذا الأزلي لايخضع لا إلى زمن ، ولا إلى مكان ، فهو من حيث هو كذلك هو خارج الزمن وخارج المكان ، ومن لايخضع إلى شرط الزمان ولا إلى شرط المكان ، فهو خارج سياق القوانين وخارج سياق الضرورة ، وهو لايملك شيء أسمه الخارج ، لإنه هو الصمد الفعلي ، مفردة كوردية ، بالمعنى الحقيقي له لدى زرادشت .
المقدمة الثانية : في مؤلفه علم الأخلاق ، يؤكد إسبينوزا إن هذا الوجود ، هذا الجوهر الواحد ، هذا الجوهر الوحيد ، محكوم بحكم الضرورة المطلقة ، بحكم القوانين الكلية ، بحكم الحتمية الأبدية ، وهذه الضرورة هي منذ ماقبل منذ وإلى حتى مابعد حتى ، ولاإستثناء في ذلك بالقطع ، الكل ، الكل كله ، في كلية الضرورة ، الكل هو في صميمية الضرورة ، فماذا يعني هذا القول ، الضرورة المطلقة تحكم الوجود منذ ومنذ ، وحتى حتى :
من زاوية ، هذا يعني إن لاتوجد إرادة في الوجود ، لا إرادة الإله ، ولا إرادة الإنسان ، ولا إرادة الشجر ، ولا إرادة الشمس والمجرات ، وكذلك لامشيئة إلهية في الوجود أو في الكون .
ومن زاوية ثانية ، هذا يعني إن لا غائية من الوجود فهو قد هو ، وهو سيكون هو ، ولن يكون إلا هو ، فلاضرورة تبيح بوجود غائية يبطل مفعولها ، لإنها ضرورة على مابعد على .
ومن زاوية ثالثة ، كما إن الوجود ، الوجود الإسبينوزي هو عين ماهيته ، وماهيته هي عين وجوده ، فإن تلك الضرورة الإسبينوزية هي عين وجوده وهي عين ماهيته وهي عين الجوهر بنفس مقياس ومعيار مفهوم الضرورة ، فالأربعة هي هي ، ولايجوز أن يتخلف أحدهما عن البقية .
ومن زاوية رابعة ، إن الضرورة هي أزلية أبدية ، قد تحققت منذ الأزل في الوجود وفي الماهية وفي الجوهر ، وستبقى متحققة معهما وبهما إلى الأبد ، إلى آبد الآبدين .
المقدمة الثالثة : يمايز إسبينوزا مابين الطبيعة في موضوعها ومابين الطبيعة في قوانينها ، مابين الطبيعة كإمتداد ومابين الطبيعة كنظام وقوى ، مابين الطبيعة في محتوى المادة ومابين الطبيعة في حدود الفكر ، مابين الطبيعة المطبوعة ومابين الطبيعة الطابعة ، ليؤكد إن الطبيعة هي متمثلة في ذلك الإمتداد والمادة كطبيعة مطبوعة ، بينما إله الكون ، الإله ، هو متمثل في تلك القوانين والقوى والنظام كطبيعة طابعة ، أي إن الطبيعة محكومة بقوانينها ، محكومة بمن يمثل الإله . وهكذا نكون :
من زاوية ، إن الإله لم يخلق الطبيعة ، ولا الوجود ، فهو والطبيعة أزليتان أبديتان ، سواء بسواء ، وهما متحققان في جوهر واحد .
ومن زاوية ثانية ، كما إن الإله لايتصرف بالطبيعة من خلال الإرادة ، ولا من خلال الغاية ، ولا من خلال القضايا ، تلك القضايا التي ذهبت إليها الأديان ، فهو إله لايملك الخير ولايملك الشر ، ولاينتقم ، ولايحب ولايكره ،لإنه إله يمارس ذاته كما تمارس النبتة ذاتها ، كما يمارس الذئب ذاته .
ومن زاوية ثالثة ، إن الإمتداد والمادة ، وهما من خواص الطبيعة المطبوعة ، أزليتان أبديتان ، كأزلية وأبدية الأصل ، أي الطبيعة نفسها .
ومن زاوية رابعة ، إن نظام الطبيعة وقوانينها وقواها ، كطبيعة طابعة ، أزلية أبدية ، كأزلية وأبدية الأصل ، أي أبدية الإله ، إله الكون في الطبيعة نفسها .
المقدمة الرابعة : وتبدأ إشكالية كبرى ، ويبدأ الإنتحار الفلسفي لدى إسبينوزا ، فإلهه غير مجسد ولامشخص ولامتناهي ، فحسب زعمه إن جسد ـ بضم الجيم ـ الإله فهو متناه بالضرورة ، والمتناهي متناه بما يحده من الخارج وهذا لايجوز في حال الإله ، ثم يقرر قاعدة فلسفية وهي إن اللامتناهي لايمكن أن يصبح متناهياٌ إلا إذا حده شيء من طبيعته ، فلو وجد أثنان من طبيعة واحدة فإن الثاني يحد من طبيعة الأول ، كما إن الأول يحد من طبيعة الثاني ، وهكذا لإن الإله هو قوانين الطبيعة كلها فلايحد وجوده شيء من طبيعته ، وإذا وجد شيء مادي ممتد فإن هذا الأخير لايؤثر على لاتناهي هذا الإله . وبفس الدرجة إذا كانت المادة ، الطبيعة المطبوعة ممتدة ولايحدها شيء ممتد آخر ، فإنها لامتناهية ، ولن يؤثر على تناهيها وجود إله من طبيعة أخرى غير طبيعتها . وهكذا في الأصل كما في التأصيل :
من زاوية ، الإله الممثل في قوانين وقوى الطبيعة وكطبيعة طابعة ، هو لامتناهي ، ووحيد في هذا اللامتناهي ، ولايوجد شيء يحده ، لذلك لايجوز أن يكون مشخصاٌ أو مجسداٌ .
ومن زاوية ثانية ، الطبيعة كإمتداد ومادة وكطبيعة مطبوعة ، هي لامتناهية ، ووحيدة في هذا اللامتناهي ، ولايوجد شيء يحدها ، لذلك لايجوز أن تكون مشخصة أو مجسدة .
المقدمة الخامسة : ثمت نقطة مميزة دونها لايمكن إدراك المنظومة الفكرية لدى إسبينوزا ، وهي إن إله إسبينوزا ليس إلهاٌ ، وليس كائناٌ ، وليس هو تعريفاٌ ، وليس ماهو هو ، فمن أبغض التحليل ، بصدد إله إسبينوزا ، هو القول هو تعريفاٌ ، أي لايمكن تعريفه على الإطلاق . وهكذا :
من زاوية ، ينفي إسبينوزا عنه كل خصائصه كلها المعروفة في الأديان الإبراهيمية ، هوليس جباراٌ ، هو ليس مقتدراٌ ، هو لايشاء ، ولايملك الجنة والنار ، ولا الثواب والعقاب ، ولا المغفرة والصفح ، لكن ، ورغم ذلك يبقى السؤال الحرج ، هل هو يدرك حقيقة ذاته ، هل هو يعرف من هو ، هل يعي ماضرورته ، هل يعي إنه إله .
ومن زاوية ثانية ، ماهي العلاقة الفعلية مابين هذا الإله ومابين موضوع الضرورة ، وهل ينتمي أحدهما للآخر ، أم إن أحدهما هو الأصل وإن الثاني هو التماهي معه ، أي مع هذا الأصل .
ومن زاوية ثالثة ، ينفي إسبينوزا عنه موضوع الخلق بكل أشكاله ، سواء من العدم أو من أي شيء آخر ، فإذا كان هو كذلك ، وطالما يبغض إسبينوزا موضوع وحدة الوجود ويحبذ موضوع الوجود الواحد والوحيد ، فكيف يكون هذا الإله إلهاٌ ، إنما هو واحد مننا ، من الكون ، من الوجود ، ونكون نحن بدورنا منه ، ومن جميع ماتبقى ، ولايستقيم الأمر مطلقاٌ إلا إذا كنا نحن وهو والطبيعة والإمتداد ، كلنا إله ، كلنا الجوهر ، كلنا الضرورة ، كلنا الماهية ، كلنا الوجود ، كلنا الواحد الوحيد .
المقدمة السادسة : إن أم النقاط وبنت ذاتها ، هي الضرورة ، الضرورة لدى إسبينوزا ليست هي تلك التي نتصورها طبقاٌ لمعيار بشري ، وليست إدراكاٌ لشرح وتفسير إفهوم في قضية تامة ، وليست أمراٌ في موضوع كلي ، إنما هي :
من زاوية ، ضرورة إنطولوجية لعلة ذاتية لحالة في الموضوع بعيداٌ عن التجريد التام ، فلو كانت عقلية تجريدية ، كما يوحي بها في بعض نصوصه ، لأستصعبت ، هي ، أن ترتبط بنيوياٌ بحالة الإمتداد التي هي ، حسبه أي حسب إسبينوزا ، من أهم خاصية الطبيعة المطبوعة .
ومن زاوية ثانية ، ضرورة غير إحتمالية أو تصادفية ، إنما هي ضرورة حتمية وليست جبرية ، والفرق والمفارقة ، هنا ، مابين الحتمية ومابين الجبرية ، تكمنان في الإدراك الدقيق مابين الحدوث القسري للشيء ومابين ممارسة هذا الشيء لذاته ، فالضرورة تمارس ذاتها ، تمارس ذاتها فيما يتعلق بالجوهر ، فيما يتعلق بالإله ، فيما يتعلق بالوجود والماهية .
ومن زاوية ثالثة ، ضرورة تنفي عن الإنسان حريته ، فلاحرية للإنسان مع هكذا ضرورة ، كما لاحرية للظواهر الطبيعية في حدوثها أو في عدم حدوثها ، كما لاحرية لتلك القوانين والقوى في إمكانية ممارسة ذاتها أو عدم الإمكانية في تحقق ممارستها لعدم توافر الشروط المواكبة ، كما لاحرية للإله في ، من الجانب التوضيحي ، أن يكون إلهاٌ .
ومن زاوية رابعة ، ضرورة تمايز مابين وحدة الوجود ومابين الوجود الواحد والوحيد ، وضرورة تقر إننا إزاء حالة كونية هي في تأصيلها وأصليتها : وجود واحد ووحيد ، وتتباعد من حيث هي هي عن وحدة الوجود لإن هذه الأخيرة توحي بالمفارقات في من يؤتلفون وحدتها ، فالواحد والوحيد هما من الشيء في ذاته ، والشيء لذاته ، ولاشيء لغير ذاته ، في حين إن وحدة الوجود تتضمن بالضرورة شيئاٌ لغير ذاته ، ولايكون شيئاٌ تاماٌ في ذاته ، كمفهوم الصوفية عن وحدة الوجود .
نكتفي بهذا القدر ، ونعترض بالآتي :
أولاٌ : في موضوع الضرورة ، الضرورة الإنطولوجية ، لدينا أربعة إشكاليات ، قبل البدء بهذه الإشكاليات الأربعة ، من الجوهر والأساس أن ندرك هذه الأمور الثلاثة :
الأمر الأول ، إن الضرورة الإنطولوجية هي لابد أن تكون ، ولايمكن إطلاقاٌ ألا تكون . الأمر الثاني ، إن الضرورة الإنطولوجية هي بكليتها كلية ، ولايمكن ألا تكون بكليتها ضرورة ، فمن المستحيل أن تكون في أي جزء منها لاضرورة . الأمر الثالث ، إن الضرورة الإنطولوجية تلغي وجود أية إمكانية لضرورة أخرى ، فلاضرورة ثانية ، ولاضرورات أخرى .
الإشكالية الأولى : تكمن هذه الإشكالية في إن الضرورة ، من حيث الأصل والأصالة والتأصيل ، هي واحدة ، بينما نرى لدى إسبينوزا إن الإمتداد واللاإمتداد لايحد أحدهما الآخر ، فالشيء حسبه لايحده شيء إلا من طبيعته ، فالإمتداد يحده الإمتداد ، والاإمتداد يحده اللاإمتداد ، بينما لا الإمتداد يحده اللاإمتداد ، ولا اللاإمتداد يحده الإمتداد . هذا يعني إن لدينا هنا ، وحسب منطوق تلك القاعدة الإسبينوزية ، ضرورتان أزليتان أبديتان ، وهذا يخالف مضمون وأساس تلك الضرورة الأنطولوجية لدى إسبينوزا .
الإشكالية الثانية : تكمن هذه الإشكالية في سوء فهم مفهوم ومحتوى الضرورة ، فلو الضرورة هي الضرورة ، فهي كانت من الماقبل الكلي المطلق ، وإذا كانت هي من الماقبل الأزلي فهي لم تنتقل إلى الوجود ، ومن لاينتقل إلى الوجود ، تكون ضرورته خاصة به لوحده وبوجوده ، ومن تكون ضرورته له فقط ، مع شرط وجود الآخروي ، فإما أن تكون الضرورة سببية ، الأمر الذي يرفضه إسبينوزا نفسه ، وإما أن تكون الضرورة غائية ، الأمر الذي يرفضه إسبينوزا أيضاٌ .
الإشكالية الثالثة : تكمن هذه الإشكالية في ، إما أن تكون الضرورة عمياء ، أو أن تكون مدركة لحقيقتها ، عالمة بأصلها ، إذا كانت الضرورة عمياء فهي تتماثل ، بل تكون قسرية لاتقبل أي قانون طبيعي من شدة قسريتها ، وتكون حينها عديمة المعنى ، عديمة المبنى ، عديمة الفعل . وأما أن تكون مدركة لحقيقتها ، واعية لطبيعتها ، فيكون وعيها جزء أصيل وإنطولوجي من تأصيلها ، ومن طبيعتها ، أي سيكون الوعي جزءاٌ من الضرورة بالقطع ، ولايمكن أن تتحقق الضرورة إلا به ، حينها سنكون إزاء وعي الضرورة وليس ضرورة الوعي ، وإذا تحقق وعي الضرورة ، ستحتاج الضرورة إلى صيرورة الوعي ، الأمر الذي يرفضه إسبينوزا جملة وتفصيلاٌ .
الإشكالية الرابعة : إن هذه الضرورة الإسبينوزية لايمكن أن توجد أو إن تتحقق ، وإذا ما إنوجدت فهي مطعونة بها من النواحي الثلاثة التالية : الناحية الأولى ، إن الواقع الإنساني إما أن يكون له معنى أو أن يكون دونه ، فإذا كان له معنى فإن تلك الضرورة تسلب منه ذلك المعنى ولاتقبل أصلاٌ تحقيق أي أمر بهذا الخصوص ، وإذا لم يكن له معنى فلايمكن أن توجد أية علاقة صادقة مابين الوجود البشري وتلك الضرورة . الناحية الثانية ، إن الضرورة الإسبينوزية ليست في الحق إلا تصوراٌ بشرياٌ محضاٌ يبرر الحالة التعجيزية والقصورية التي نحن فيها بالهرولة والهرع إلى مضمون عبثي لافيزيائي ، الضرورة ، المطلق ، الأزلي الأبدي . الناحية الثالثة ، إن الضرورة الإسبينوزية لاتحاكي في هويتها إلا تلك الحالة السلبية التامة ، حيث تنعدم فيها كافة مقدمات ومقومات التي من الممكن أن تضفي إلى طبيعة كوننا تلك الخواص الأصيلة والأصلية سواء في الفيزياء ، أو في مضمار كيفية تلك القوانين والقواعد التي يمكن من خلالها أن ندرك ، نحن البشر ، بعض من مجريات الصيرورة والحركة في طبيعة وفي الكون ، مع إدراكنا الأكيد : قد كان من الممكن ألا نكون .
ثانياٌ : في موضوع إله إسبينوزا ، لدينا خمسة إشكاليات تطعن في بنية الفكر الإسبينوزي ، وتدحض تأصيل فكرة ذلك الإله :
الإشكالية الأولى ، إن إله إسبينوزا يتمتع بجانبين ، الجانب الأول يختص بموضوع قوانين الطبيعة ، والطبيعة الطابعة ، والجانب الآخر هو تصوري تجريدي بحت ، والجانبان ينفيان عن الإله وعن أنفسهما الرغبة ، الإرادة ، المشيئة ، والغاية ، والخلق ، ليتركا له ولهما مايمكن تسميته بممارسة الذات ، فإله إسبينوزا يمارس ذاته ، ولايستطيع إلا ممارسة ذاته شرط ألا يمارس ماهو خارج حدود الذات ، ويمتنع عليه موضوع التصرف والإختياروالمقارنة ، ويمتنع عليه إدراكه لمحتوى الخير و مضمون الشر فهو لايعرفهما ولايمايز مابينهما .
الإشكالية الثانية ، يؤكد إسبينوزا إن إلهه لايخضع لمضمون هو كضمير منفصل ، إن إلهه لايعرف ما هو ، فلا هو له ، وإذا عرف ب هو فلقد حدد بحد يحده ، وتصور بهذا الشكل منقوض من زاويتين ، الأولى كيف تتطابق الماهية مع وجود فعلي بهذه الصورة ، لإن شرط تطابق الماهية مع الوجود هو أن يكون الوجود نفسه محدداٌ ، لإن شرط الماهية أن تكون محددة وإلا لايمكن أن تكون . والثانية كيف أدرك إسبينوزا وجوداٌ يقترب من محتوى ، وجود لايحد حد و ليس كمثله شيء ، فإذا وجد مثل هذا الوجود ، حالة إفتراضية مستحيلة ، فكيف يعتقد إسبينوزا بإدراكه وهو لايعرفه وهو الآخرغير معرف البتة .
الإشكالية الثالثة ، من الطبيعي والبدهي أن تكون العلاقة الإنكولوجية الأصلية ، في المنظومة الفكرية لإسبينوزا ، هي التماهي مابين المطلق والكلي ومابين الجوهر والضرورة والماهية ، ليكون السؤال على النحو الصريح التالي ، هل هذه العلاقة متحققة بالتماثلية في الوجود الإلهي أم إنها غير متحققة في وجوده ، وفي الفعل ، ليس هذه العلاقة غير متحققة في الوجود الإلهي فقط ، إنما ، على العكس ، إن الوجود الإلهي ، إن تحقق ، فهو متحقق في تلك العلاقة لإن هذه الأخيرة أوسع منه إنطولوجياٌ .
الإشكالية الرابعة ، من الطبيعي والبدهي إن من يمارس ذاته بدون إرادة أو رغبة أو مشيئة ، وهذا هو حال إله إسبينوزا ، فإنه إنما يمارس ذاته بصورة قسرية بالقطع ، وبشكل سلبي تام ، ومن يكون هذا حاله فكيف يمكن أن يكون مؤتلفاٌ من الضرورة ، من ضرورة كلية مطلقة ، لإنها حينها تكون الضرورة نفسها قسرية سلبية في وجودها ، وإذا وجدت هذه الضرورة فستكون عبثية بالتمام والكمال ، ولاضرورة لضرورتها .
الإشكالية الخامسة ، قانون الجاذبية ، والقوانين الثلاثة الأخرى ، إذا كان الإله هو قوانين الطبيعة ، فهو هذه القوانين الأربعة في الطبيعة ، قانون الجاذبية ، قانون النووي الضعيف ، قانون النووي الشديد ، وقانون الكهرومعناطيسية ، ومن المؤكد أن يكون السؤال ، مثال الجاذبية ، هل الطبيعة هي التي تمارس في حدها وفي ذاتيتها وبشروطها ، وشرط وجودها الخاص ، أم إن الجاذبية تنتمي إلى عالم مستقل عنها ، بمعنى هل الطبيعة تمارس الجاذبية كطبيعة مطبوعة وخضوعها لطبيعة طابعة ، أم إنها تمارس الجاذبية لإنها شيء خاص بها وحدها ، لإن كونها كذلك توجد فيها الجاذبية ، وهذا أمر واضح وواضح جداٌ ، لإن الطبيعة هي كذلك ، هي هي ، توجد فيها وفي خواصها وفي قرار تشكيلها البنيوي ، تلك القوانين الأربعة ، لذلك كان من الأفضل لإسبينوزا الإعتقاد إن الطبيعة هي نفسها الطبيعة الطابعة هي نفسها الطبيعة المطبوعة ، هي نفسها الجوهر الواحد ، تلك الضرورة الإنطولوجية ، تلك الماهية التي لاماهية بعدها ، دون ذلك الإله ، دون وجود إله ساذج ، حتى دون إستعمال مفردة الإله.
ثالثاٌ : وفي موضوع الماهية ، لدينا إشكاليتين إثنتين ، سواء صدقت فرضية وجود الماهية أم كذبت ، طالما إن الماهية هي من أس المنظومة الفكرية لدى إسبينوزا :
الإشكالية الأولى : إن الماهية هي ذلك الجوهر الثابت الذي يجعل من ذلك الشيء هو الشيء نفسه ، دون أن يجعل من الأشياء شريكاٌ له ودون أن يشارك هو في ماهية تلك الأشياء الأخرى ، فللذئب ماهية الذئب لايمتلكها الإنسان ، وللإنسان ماهية الإنسان لايمتلكها غيره ، وللنسر ماهية النسر دون غيره ، هذه القاعدة لاتستقيم مع رؤية إسبينوزا ، حيث أن الضرورة واحدة ، والجوهر واحد ، والإله واحد ، والوجود واحد ، وهكذا تكون الماهية واحدة ، وهي ماهية الإله .
بينما الماهيات الآخرى : فهي هنا إما أن تكون صادقة أم كاذبة ، فإن صدقت فقد دلت على وجود متناظر معها ، يتخالف من حيث المبدأ مع الوجود الإلهي ، وبالتالي لدلت على وجود زائد عن الوجود الإلهي ، وبالتالي لدلت على وجود زائد عن تلك الضرورة ، الضرورة الإسبينوزية .
وإن كذبت فقد دلت على إن وجود إسبينوزا ووجودك ووجودي كاذبة بالقطع ، وإن كان الأمر كذلك فكيف سيصدر منه ومنك ومني تصورات ومنظومات فكرية مطلقة وكلية تؤصل لحقيقة الوجود .
الإشكالية الثانية : في المقارنة مابين الضرورة والماهية ، والعلاقة مابينهما ومابين الوجود ، وطالما إن الماهية هي كما قالت الفلاسفة ، فهي لابد أن تتقدم على الوجود ، لإن الوجود لايمكن أن يتحقق إلا ، وشرط إلا ، إذا كانت الماهية موجودة ، فلاوجود ، حسب رؤيته ، دون الماهية . وهكذا تكون الضرورة هي ضرورة الماهية أولاٌ ، ثم إذا كانت الضرورة وجودية فهي تأتي ثانياٌ ، أي إن ماهية الإله وجدت قبل وجود الإله ، وإلا لكان الإله دون ماهية ، إلهاٌ عائماٌ ، خاوياٌ جافاٌ .
رابعاٌ : حسب تأصيل مبنى الماهية ، فإن الضرورة هي في حقيقتها ليست تلك الضرورة الإنطولوجية التي أشار إليها إسبينوزا ، لإن الماهية لاتسبق الوجود فقط ، إنما لامناص من تحقيق شرطين . الشرط الأول ، أن تكون الماهية تامة بالتمام ، وكاملة بالكمال ، الذئب ذئب تام وكامل ، النسر نسر تام وكامل . والشرط الثاني ، أن تكون الماهية تصوراٌ محضاٌ ، تصوراٌ أكيداٌ ، وإلا كيف يمكن أن يتحول إلى الواقع دون أن يكتمل هذا التصور ، ، وحتى يكتمل هذا التصور لامحيص من وجود يتصوره ، وهكذا ندخل في دوامة الوجود والماهية ، حيث تصبح الضرورة ليست ضرورة ، وفي الأصل :
خامساٌ : حينما نتحدث عن الضرورة ، فإنما لابد من وجود أو من ( ... ) مسبق يجعل من تلك الضرورة ضرورة ، وإلا ماهو وجه الضرورة في تلك الضرورة .
سادساٌ : في موضوع العلة الذاتية ، والتي تعني إن الشيء قد أوجد نفسه بنفسه ، وهذا كلام سخيف ومنطق جاهل ، ويعني إن الشيء بكماله وكامله وتامه وتمامه قد أوجد نفسه بكماله وتمامه ، مع إدراك إن العلة هي هنا إن الشيء الأول كشيء مستقل ، كعلة ، قد أوجد شيئاٌ ثانياٌ كشيء مستقل ، كمعلول ، ثم ، أضف إلى ذلك ، إن العلة هنا أما أن تدرك ضرورة ماتفعل أو إن الأمر يحدث بطريقة قسرية ، فلو إنها تدرك فهذا يعني وجودها قبل وجودها ، وإن كان الأمر قسرياٌ فهذا يعني إن العلة قد أوجدت المعلول قسرياٌ ، وبالتالي ، وفي هذه الحال تحديداٌ ، تكون العلة قد أوجدت نفسها دون أن تدري ، دون أن تدرك ذاتها وحقيقتها .
سابعاٌ : في موضوع مفهوم الحال لدى إسبينوزا ، يزعم إسبينوزا إلى جانب ثلاثة قضايا أخرى ، أتينا إلى ذكرها سابقاٌ ، إن الحال لايستمر على ذاته إلا ليتحول إلى وضع أو ذات أخرى ، أي إنه هنا يؤكد على مضمون التغير التام أو حتى التطور ، أو حتى الإنتقال من وإلى ، لكن في حقيقة منظومته الفكرية ينسى إن الجوهر ، هو الجوهر ، هو الإله ، هو الضرورة ذاتها ، هو الذي ينبغي أن يتسرمد ، كما هو ، وطالما هو ضرورة أبدية ، أم إن الضرورة قد حدثت ولم تعد ضرورة ، وولجنا إلى عالم آخر ، عالم مختلف عن العالم الأول ، وإذا كانت الضرورة قد إنتهت فقد إنتهى معها كل شيء ، بما في ذلك الرؤية الفكرية لإسبيتوزا . وإلى اللقاء في الحلقة الخامسة والخمسين بعد المائة .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض موضوع ـ المحلل ـ في الإسلام
- نقض هيجل
- نقض تحريم التبني في الإسلام
- نقض الدين والفلسفة
- نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي
- نقض اللاوعي الجمعي لدى كارل يونغ
- نقض وجود الجنة ومحتواها في الإسلام
- نقض مفهوم الدين لدى فراس السواح
- نقض موضوع الزنا في الإسلام
- نقض إطروحات علي حرب البائسة
- نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو
- نقض مفهوم الكون لدى هولباخ
- نقض وجود الإله
- نقض محنة سيدنا إبراهام لدى كيركجارد
- نقض سورة الفاتحة في النص الإلهي
- نقض مفهوم السلوك البشري لدى روبرت سابولسكي
- نقض علم الآلهة بالأشياء لدى الغزالي
- نقض حجج الحدوث لدى الغزالي
- نقض المسألة الأساسية في الفلسفة
- نقض سماوية النص الإلهي


المزيد.....




- مصر وروسيا.. تعزيز الشراكة إقليميا ودوليا
- الوحيدة في أوروبا.. 3 قرود ذهبية قادمة من الصين تحط الرحال ف ...
- عاشت 103 أعوام - وفاة مارغوت فريدلاندر الناجية من المحرقة ال ...
- ميرتس يطالب ترامب بإلغاء الرسوم الجمركية وجعلها -صفرية-
- روسيا ومصر.. شراكة بالنصر على النازية
- بيسكوف: لم يناقش بوتين والسيسي الملف الأوكراني
- معهد البحوث الفلكية في مصر: لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأض ...
- بيسكوف: روسيا ممتنة لترامب على جهود التسوية السلمية في أوكرا ...
- وكالة: مدن في البنجاب وراجستان تتعرض لهجمات بمسيرات جوية
- حوار عسكري مصري تركي رفيع المستوى في أنقرة


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض إسبينوزا