|
نقض جون ستيوارت ميل
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 8040 - 2024 / 7 / 16 - 04:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جون ستيوارت ميل هو أبن الفيلسوف والإقتصادي البريطاني جيمس ميل وتلميذ جيرمي بنثام ، وتتكثف منظومته الفكرية العامة حول نقطة جوهرية أساسية وهي ، إن الإنسان الفرد ، إن الفرد هو جوهر العالم ، هو جوهر الوجود ، هو جوهر الحرية ، هو جوهر السعادة ، ويؤكد ذلك من خلال إطروحته هذه : لو إجتمع العالم كله على رأي واحد وخالفهم شخص واحد وأبدى رأياٌ خاصاٌ به فلايجوز للعالم أن يقمع ماذهب إليه ذاك الفرد . فماذا يعني هذا : من جانب موضوع الغيبيات ، في منظومته الفكرية ينفي جون ستيوارت ميل أي دور من جانب الغيبيات في حيثيات الأمور لدى الإنسان ، لذلك لايكترث بالوجود الإنطولوجي لها ولايتحمل عناء البحث عن قضاياها الجوهرية المعروفة لدي البشر . من جانب المجتمعات السليمة ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن المجتمعات السليمة هي تكون كذلك بفضل جهود أفرادها ، فرداٌ فرداٌ وليس جماعات أو تجمعات ، فالفرد هو السبب الفعلي في خلق مجتمعات تنحو منحى السلامة ، سلامة الفرد نفسه ، ثم سلامة شروط تحقيق علاقات محمودة . ومن جانب النظم السياسية ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن النظم السياسية ، والتي تدل دلالة تامة على المستوى التاريخي لتلك المجموعة ، وعلى درجة الوعي التاريخي لها ، يكمن جوهرها في أمرين : الأول في سلامة الفرد نفسه وفي الشروط التي تحافظ على تلك السلامة ، في الفكر ، في العيش ، في حرية الأداء ، في كيفية الحرية . وبقدر الحفاظ على سلامة الفرد ، وكذلك حماية الأقلية وخصائصها الذاتية ، يكون النظام السياسي الموازي ليبرالياٌ بنفس المقدار ، وبنفس ذلك المقدار يدنو من حقيقة الليبرالية ، وبذلك المقدار تتحقق الحرية وكذلك النفعية . والثاني في سلامة الشرط القانوني ، وموضوع القوانين بكل أنواعها ، وجوهر تنفيذ تلك القوانين وصحة التعبير عنها . بمعنى إن العلاقة الحميدة مابين القوانين وسلامة الفرد وحماية الأقلية هي جوهر العلاقة الأصلية مابين النظام القانوني والليبرالية ، ومابين الأثنين وموضوع النفعية ومتفرعاتها في الحرية والحقيقة . ويكمل جون ستيوارت ميل تلك النقطة بهاتين النقطتين : النقطة الثانية : خلافاٌ لهوبس يؤكد جون ستيوارت ميل إن البشر بفطرتهم ، بطبيعتهم ، ينتمون إلى الإستئناس وإلى التآلف وإلى التجمع وإلى الإيثار والتفضيل وحتى التضحية ، وهم يتمتعون بتلك الخصال الحميدة والمحمودة من حيث الأساس ، وما الأنانية والصفات السلبية التي تصدر من بعض البشر ليست إلا إنحرافاٌ عن القاعدة الأصلية . وهذا يعني : من جهة أصيلة ، إن الحدود المتفاضلة مابين الفهم البشري والتفاهم البشري تفقد خواصها ليبرز جوهراٌ مشتركاٌ ينضوي في تأصيله ماهو محتوى النافع . من جهة أولى ، إن شرط المنفعة هو أقوى بكثير ، وأعمق أكثر ، من شرط محتوى اللذة ، إلا إذا إرتقى الشرط الثاني إلى مستوى الشرط الأول ، وهذا لايتحقق إلا نظرياٌ . لإن البشر ، بحكم الإيثار والتفضيل والتضحية ، يسعون إلى تحقيق النفع العام أكثر من الصالح الخاص ، يسعون إلى الحفاظ على ما هو السوسيولوجي العام أكثر مما هو إنطولوجي خاص . ومن جهة ثانية ، كما إن شرط الإيذاء ، إيذاء الآخرين ، هو شرط إستثنائي وخاص في حدوده ، ينبغي أن يكون شرط العقوبة يتناسب طرداٌ مع هذا الشرط ، ويتوافق ذلك بالكلية مع الشرط القانوني ، في جوهر محتوى الليبرالية السائدة ضمن درجتها ونوعها . ومن جهة ثالثة ، وهكذا ندرك إن شرط البناء ، البناء السوسيولوجي ، من حيث التأصيل والأساس ، هو الشرط الذي تحدده نوعية الشروط الأخرى ، وهي التي تمنحه خواصه الحقيقية . كيف ذلك : إذ لولا تلك الخصائل الإيجابية المتأصلة في حقيقة النفس البشرية ، لكانت الليبرالية خاوية في حدودها وعاقرة في حدها ، ولكان الشرط القانوني مجرد تعبير عن الحالة التأديبية ، كقيمة سلبية معدومة القيمة الإيجابية . النقطة الثالثة : يؤكد جون ستيوارت ميل إن المنظرين والمفكرين أساءوا فهم حقيقة الأخلاق وكذلك حقيقة النفعية حينما تصورا وكإن النفعية مرهونة بالتصور الحيواني ، وبالحالة الحيوانية ، وباللذة المباشرة أو القريبة ، في حين إن النفعية هي شرط وخاصية بناء الفهم الإنساني لنفسه ، لحياته ، لعلاقاته ، لرؤيته في حدود أبعادها . وهذا يفرض قضيتين أساسيتين : الأولى ، إن النفعية شرط خاص بالإنسان ، وتتخطى حدود خصائص الفرد الذاتية ليرتقي ، هو ، إلى مستوى العلاقة الحميمية والأصلية مابين الإنسان ومابين السوسيولوجي ، وهذه هي المفارقة الفعلية مابين النافع ومابين الصالح ، فالنافع جوهره السوسيولوجي ، والصالح جوهره المتعة واللذة . والثانية ، إن النفعية قضية إجتماعية بالدرجة الأولى وتتجاوز حدود مفهوم السلوك ، بل هي التي تقتضي في حدها الأصيل نوع معين من السلوك . بمعنى إن ثمت تماهي وتناظر مابين النفعية من حيث هي قضية موضوعية في أعماق السوسيولوجي ومابين تلك الصفات الإيجابية التي هي العنوان الفعلي للذات الفردية . فإلى المقدمات : المقدمة الأولى : يربط جون ستيوارت ميل مابين محتوى النفعية وأساس الحرية ومضمون الحقيقة معتبراٌ إن لانوجد الحقيقة المطلقة ، وغياب الحقيقة المطلقة يعني غياب الإعتقاد الثابت ، وغياب الإعتقاد الثابت يعني تحرك المفاهيم من إلى ، يعني تحركاٌ من مستوى إلى مستوى ، من حالة إلى حالة متطورة بالضرورة ، وهذا التحرك يخلقاٌ تحركاٌ في الفهم الإنساني بثلاثة أشكال : الأول ، مدى الفهم الإنساني للفهم نفسه ، بمعنى إن البشر تدرك نتائج ماتحققه على أرض الواقع من أمور وقضايا تحثهم على الإتيان بالمزيد ، وتحضهم على التماهي المشترك . والثاني ، الفهم الإنساني لكافة القضايا ، بمعنى إن تلك القضايا تتحول في ذهن البشر إلى وظائف ومهام طبيعية أصيلة تجعلهم كقاعدة فعلية في النفعية والسعادة . والثالث ، الفهم الإنساني لخواص ماهية الإنسان ، بمعنى إن هذا التحرك يخلق تحركاٌ في موضوع الحرية ، وفي موضوع النفعية ، في أساس كليهما من حيث المعنى ومن حيث المبنى ، وهذا يشير إلى جوهر تأصيل ثلاثة أمور بحجم القضايا : الأمر الأول ، إن النفعية في المعنى والمبنى ، وكذلك الحرية ، هي تتجاوز إيجابياٌ محتوى أساس الفرد الذي أعتمد عليه جون ستيوارت ميل ، وارتقت إلى مستوى الحالة ، كحالة موضوعية ، كحالة تفرض شروطها وخوصها على ما سواها . الأمر الثاني ، إن النفعية في المعنى والمبنى ، وكذلك الحرية ، هي حركة في حدين ، هي ميزان مابين قضيتين متلازمتين : الأولى ، إحترام مبدأ النفعية لدى الفرد ، وكذلك إحترام مبدأ الحرية لديه ، وإحترام مبدأ النفعية لدى الأقلية مع إحترام مبدأ الحرية لديها ، لإن بهما تتطور المجتمعات ، وهكذا تتناظر النفعية والسعادة، وهكذا تتناظر النفعية والحرية . والثانية ، تأصيل النفعية والحرية في حقيقة الشرط الإنساني ، الشرط الذي بدونه تنهار حيثيات كل من النفعية والحرية ، أي إن الشرط الإنساني كشرط تماثلي تناظري هو من يحدد حدود النفعية والحرية ، في حين إن الجانب الذي يمنح لهذا الشرط معناه الإجتماعي هو مبدأ إحترام أساس النفعية لدى الفرد ، وكذلك مبدأ إحترام أساس الحرية لديه ، في فهم ثابت ومستقر ، يتعلق بمضمون مايسمى عادة بالمعنى والمبنى ، وبمحتوى مايسمى عادة بالتاريخ البنيوي . الأمر الثالث ، إن النفعية في المعنى والمبنى ، وكذلك الحرية ، هي تقبل ماهو ينتمي إلى السلوك وإلى التصرف كحالة ديالكتيكية أكثر مما هي ديناميكية ، لكنها تشترط مفهوم ومحتوى العلاقة ، ولاتتنازل عن هذا الشرط . وهذا مايرجع بنا إلى المفارقة مابين النافع ومابين الصالح . المقدمة الثانية : من وجه آخر في العلاقة مابين الحرية والنفعية والحقيقة ، يبرز عنصر آخر وهو موضوع الأخلاق ، حيث يؤكد جون ستيوارت ميل إن محتوى الأخلاق ليس فطرياٌ لدى البشر ، إنما هو مكتسب في حدود العلاقة الصميمية والحميمية مابين البشر . وهذه الرؤيا تتناسب وتتطابق بعينها مع روح المنظومة الفكرية لدى جون ستيوارت ميل ، الأمر الذي يؤكد ، من حيث الجوهر ، على فحوى قضيتين خاصتين بجون ستيوارت ميل ، وهما : القضية الأولى : إن الضمير ليس إلأ تعبيراٌ بشرياٌ ، قد ينتمي إلى السلوك والتصرف في جزيئات هنا وهناك ، لكنه لايستطيع أن ينتمي إلى النفعية حتى لو شارك ، من حيث الفعل ، في بعض الأحايين ، في إغناء محتوى النفعية . لإن هذه الأخيرة ، من حيث هي هي ، هي تتآلف في محتوى الملاحظة والتجربة ، المذهب التجريبي ، المذهب التجريبي النفعي ، في حين إن الضمير ، كضمير حسب التعريف البشري ، لايمكن أن ينتمي إلى الملاحظة والتجربة . القضية الثانية : وهي من أقوى القضايا في إطروحات جون ستيوارت ميل الفلسفية ، وهي إن الأخلاق ليست معياراٌ لذاتها ، إنما هي تنتمي إلى مايمكن أن نسميه لدى جون ستيوارت ميل بالمعيار المشترك ، في الليبرالية ، في النفعية . الذي حسبه تصبح الأخلاق هي أخلاق النفعية ، والذي حسبه تصبح الحرية هي حرية النفعية ، وكذلك الأمر بالنسبة للحقيقة ، أي الحقيقة المشتركة مابين أخلاق النفعية ومابين حرية النفعية . المقدمة الثالثة : في دفاعه عن الأخلاق في النفعية ، يربط جون ستيوارت ميل ، مابين النافع والصالح والأخلاق والسعادة : من جهة ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن القيمة الأخلاقية للفعل هي بمقدار مايحقق هذا الفعل من سعادة ، تلك السعادة المرتبطة والمرهونة بالنفعية من حيث الأصل ، وبالحرية من حيث نفس ذلك التأصيل ، وكإن النفعية والحرية أمران متلازمان . ومن جهة ثانية ، إذا كان النافع هو مايساعد في تحقيق السعادة العامة كفعل أصيل دون أي تأويل أو تفسير ، فإن الصالح الذي يرمي إلى تحقيق هدف قريب ، غاية مباشرة ، لايرتقي ، من زاوية هو هو ، إلى تلك القيمة الأخلاقية التي أشرنا إليها . ومن جهة ثالثة ، إذا كانت النفعية تتضمن في ذاتها أعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من البشر ، فإن الجانب الآخر لها يكمن في منع حدوث شقاء وألم وتعاسة ، والتقليل منها بقدر الإمكان إن حدثت ، وتفادي أوجاعها وآثارها . ومن جهة رابعة ، ينهل جون ستيوارت ميل معظم تصوارته من التجربة الخالدة لسيدنا المسيح ، تلك التجربة التي تتضمن الفداء والخلاص لأجل إنقاذ البشرية من تعاستها ، ومنحها السعادة التامة والمطلقة في ملكوت الرب ، وهنا وفي هذا المستوى تتطابق النفعية مع الأخلاق والحرية والحقيقة ، وتتماهى النفعية ومحتوى السعادة معاٌ . ويبرز المفهوم الحقيقي لمفردة النافع ، ويتقزم الصالح إلى مستواه البشري العادي ، دون ذلك . المقدمة الرابعة : يفاصل جون ستيوارت ميل مابين الملذات الحسية والملذات الفكرية ، حيث إن الأولى هي تليق بالحيوانات ، وتحدد مستوى سلوكيتها وتصرفها ، في حين إن الثانية تليق بالبشر ، وتحدد مستوى سلوكهم ووعي ذلك السلوك ، وترفع من الشأن البشري في موضوع درجة الكمال الروحي ، وهذا يرجع بنا إلى النقاط التي ذكرناها قبلاٌ . نكتفي بهذا القدر ، وننتقد بالتالي : أولاٌ : إن الإشكالية الكبرى لدى جون ستيوارت ميل هو إن تصوره يتمحورحول وكإن النفعية لها نوع واحد ، شكل واحد ، مضمون واحد ، ولايدرك حقيقة إن النفعية تتفاضل فيما بينها حسب التصورات البشرية ، بمعنى إذا طبقنا مفهوم النفعية على هذه التصورات لحصلنا على نتائج متناقضة ، متعاكسة ، تتنافر مع بعضها البعض ، فالجهاد في سبيل الله سوف ينتمي إلى النفعية لدى المسلم ، وإندحار الطبقة البرجوازية الذي هو جزء أساسي من النضال الماركسي سوف ينتمي بالضرورة إلى النفعية ، وكذلك دفع الجزية من غير المسلم للمسلم ، وحتى إله الإسلام تكون النفعية لديه حسب تصوره الخاص في موضوع ، وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ثانيأٌ : وإذا إعترض أحدهم على حديثنا السابق بقوله إن جون ستيوارت ميل يقصد ما هو النافع بحد ذاته ، فإن إعتراضه مردود ، ضمن مفهوم إذا كان سيدنا المسيح ، لكي ينقذ البشرية ، إلتجأ إلى محتوى الفداء والخلاص ، فإن إله الإسلام يحول عباده من نصارى ويهود ، مخلوقاته التي خلقها بنفسه ، إلى قردة وخنازير وكإن هذه القردة والخنازير ليست من مخلوقاته . وإذا كان زرادشت يكلم الإله قائلاٌ : لاقيمة لجبالك وسهولك ، وشمسك وقمرك ، إذا لم تنفع بها البشر ، فإن رسول الإسلام يمتح القوة من إله ليفرض الجزية على الآخرين ، من النصارى واليهود ، وهم صاغرون . وإذا كان بوذا يؤكد : إذا دعاك ربك لقتل أخيك فأبحث عن إله آخر ، فإن رسول الإسلام يؤكد : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا إن لا إله إلا الله . وإذا إعترض أحدهم على حديثنا السابق بقوله إن جون ستيوارت ميل يؤكد على ماهو إيجابي تام في التجربة البشرية ، ويكافح ويطعن في ما هو سلبي ، فإننا نحيل الأمر إلى ثالثاٌ ضمن محتوى : إن ماهو نظري بحت لايشكل قاعدة حقيقية في التجربة البشرية ، فإلى ثالثاٌ : ثالثاٌ : إن النفعية ليست معيارية ، وهي مفروضة أن تكون كذلك ، لإن جون ستيوارت ميل يرى النفعية في تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر قدر من المجموع العام ، لأكبر عدد من الأغلبية ، كما إنه يرى النفعية في أساس الليبرالية ، لكن الليبرالية ، حسب جون ستيوارت ميل ، تتعلق بالمجموع العام ، أي إن شرط الليبرالية هو في السوسيولوجي وفي السوسيولوجيا معاٌ ، في حين إن الأغلبية ، وفي معظم الأحوال ، لاتحقق شرط الليبرالية ، فتكون حينها النفعية ناقصة شرطها الذاتي : فمن جهة ، قد تكون الأغلبية معادية أصلاٌ ، وبطبيعتها ، للليبرالية ، للليبرالية النفعية ، حينها يكون شرط الليبرالية في السوسيولوجي وفي السوسيولوجيا باطل المفعول ، باطل الوجود أصلاٌ . ومن جهة ثانية ، ثمت تناقض جسيم في منظومته الفكرية مابين تحقيق السعادة لأكبر عدد من الأغلبية ومابين مفهوم طغيان الشعب ، فهو يؤكد إن الشعب قد يطغى ويسحق إرادة أفراده ، فكيف يمكن أن ندرك ، من زاوية البعد الأصيل مابين الحق والحقيقة ، مابين التاريخ البنيوي والتاريخ الحدثوي ، إن النفعية قد تحققت ، تحققت في طغيان الشعب لأفراده ، أم تحققت في سعادة الأغلبية العددية ، أم في تنازل الأغلبية عن إطروحاتها . ومن جهة ثالثة ، إن الربط مابين النفعية والسعادة والحرية هو مجرد إطروحة نظرية خاوية التأصيل في الواقع ، خاوية الأصل في السوسيولوجيا ، رغم تأكيدنا إن الربط مابين السعادة والليبرالية هو رأي قد يحتذى به بشرط ومضمون : الشرط هو ، أن تكون الليبرالية والنفعية في خدمة الجميع ، خدمة جميع أفراد تلك المجموعة أو الدولة ، بحيث يتحقق شرط آخر وهو شرط الحرية كمفهوم سوسيولوجي وليس كمحتوى سلوكي تصرفي ، وهكذا بهذا الشرط تمتلك الحقيقة كتاريخ بنيوي أصالته وتأصيله ، وربما هكذا تكون النفعية في تمام المحتوى ، محتوى السعادة ، وهنا لامناص من أن نذهب إلى فقرة المضمون ، ونذهب مباشرة إلى رابعاٌ ، فإليهما . المضمون هو ، مضمونين في مستويين متناظرين ربما متوافقين في التاريخ البنيوي ، المستوى السوسيولوجي ، والمستوى العلمي . في المستوى الأول ، تكون كافة القضايا والأمور نسبية تامة ، ولايمكن أن يتحقق التماثل الحيوي في الحياة ، ولايمكن أن يتحقق التوازن الأصيل في الكون ، أنظروا فقط إلى حديث هذا النغل الوحشي ، والبغل الأبله ، والمعتوه المأفون ، وهو كان وزيراٌ للأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية : إن العرب لم يخلقوا للبحث العلمي ، إنما هو مهمة الغرب ، وإن العرب لم يخلقوا أصلاٌ لضياع وقتهم في هكذا أمور ، لإن الكون مقام على ثلاثة أعمدة ، الله ، العرب والإسلام ، والغرب ، فالعرب قد خلقوا لعبادة الله ، للعبادة فقط ، وأما الغرب فقد خلقوا للبحث ، ولبذل الجهد ، وتقديم الإبتكارات والإختراعات للعرب والمسلمين ، وهكذا فقد سخر الله الغرب للعرب ، وبهذا يتحقق التوازن في الكون ، الغرب في خدمة العرب ، والعرب في خدمة الله . في المستوى الثاني ، وهو مستوى خارج سياق الحديث من حيث الأصل ، وهو المستوى الموضوعي في النفعية ، وهو إيجابي بالمطلق من زاوية المبدأ ، الإبتكارات والإختراعات والفيزياء الكمومية ، وقد يتحول إلى ماهو سلبي في إستخداماته وفي صنعه ، الصواريخ النووية ، القنابل . رابعاٌ : ماذا لو تمعنا في موضوع النفعية والسعادة والليبرالية ، لأدركنا بكل وضوح ومصداقية ، إن هذه التعابير لاتتخطى حدود المعنى ، وهي ليست ، في التأصيل ، إلا المعنى ، ولايحدها حد ولايؤطرها مؤطر ، ولامضمون ثابت في خواصها ، لوجود أربعة شروط تحدد وتعين مستواها : الشرط الأول ، وهو الشرط التاريخي البنيوي ، وهو شرط يتعلق بالثقافة ، وبالفهم العام لمقتضيات الحياة ، وكيفية ممارسة العادات عبر فترة تامة وكاملة من الأجيال ، فالإسلام يمارس السعادة من خلال الحجاب والنقاب ، وإمرأة وهبت نفسها للنبي ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها . الشرط الثاني ، وهو شرط درجة الوعي ، الوعي بالحياة ، الوعي بالكون ، وحتى الوعي بالسعادة الأصيلة ، والوعي الخاص بالليبرالية ، وهو الوعي الذي يحدد مستوى ودرجة الأخلاق ، ومن ثم يضفي على الحقيقة ذاتيتها ، والمثال الساطع على ذلك : تجربة سيدنا المسيح عليه السلام في الفداء والخلاص ، والتي تدل على الدرجة العظيمة من الوعي في فهم وإدراك التجربة البشرية ، في حين إن نبي الإسلام يصادر الحياة للذته الخاصة . الشرط الثالث ، وهو شرط المادة المدركة الواعية ، وهذا المصطلح نستخدمه لنبين أمرين ، الأول إن الكون ليس مادة كما إنه ليس روحاٌ ، والثاني إن الوعي الإنساني لابد أن يكون جزءاٌ من الوعي الكوني ، وهو هنا يعني شرط المرونة في إدراك الأشياء ، وشرط فهم درجة السعادة . الشرط الرابع ، وهو شرط المقارنة والنقد ، وهو شرط ضروري لفهم المقاربة والمفارقة مابين درجات السعادة ، ومحتوى الليبرالية ، وأساس الأخلاق . خامساٌ : تتفاضل فلسفة جون ستيوارت ميل عن فلسفة أستاذه جيرمي بنثام في مستويين متكاملين ، المستوى الأول ، يعيب الأول على الثاني إن الملذات ليست كلها حسية ، إذ توجد ملذات خارج الحس ، فهي فكرية نفسية ، والمستوى الثاني ينتقد الأول الثاني في إنه قد ألغى من منظومته مايسميه الأول ، بالكمال الروحي ، وهكذا يتأرجح جون ستيوارت ميل مابين مابينين ، تارة في النفعية التجريبية وتارة في النفعية المثالية ، الأمر الذي يجعل منه متناقضاٌ في أربعة نقاط : النقطة الأولى ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن النفعية مرهونة بالواقع ، وخارج الواقع لاتوجد نفعية ، في حين إن الإيثار والتفضيل ، والتضحية في تجربة سيدنا المسيح عليه السلام ، ولاعلاقة لها بالواقع ، ولامعيار حقيقي فيها ، وإن توفرت فيها ملذات من درجة راقية . مع إدراكنا التام إن لاعلاقة للملذات ، سواء أكانت حسية أم فكرية نفسية ، بالنفعية . النقطة الثانية ، الكمال الروحي لايتناسب أبداٌ مع موضوع الليبرالية ، لإن هذه الأخيرة هي حالة من الفكر ، من تطور المجتمعات ، حالة من النظام السياسي ، حالة من الحفاظ على حقوق الأقلية ، وعلى الحرية الفردية ، في حين إن الكمال الروحي تختص بذاتية الفرد في علاقة الفرد بالفرد ، عكس الليبرالية التي تختص بعلاقة الجميع بالجميع . النقطة الثالثة ، لايوجد قياس في محتوى الملذات خارج الحس ، ولاحتى في الملذات الحسية ، ولايمكن أن تكون الملذات معياراٌ للنفعية ، ، لإن ، إضافة إلى الملذات الإيجابية هناك ملذات سلبية بالمطلق ، والتاريخ يشهد على ذلك بالملايين ، ونفسية الإنسان تشهد على ذلك بالمليارات ، وحتى إله الإسلام ، رغم عدم وجوده ، يشهد على ذلك : ونفس ماسواها فألهمها فجورها وتقواها . وهذا يفضي إلى نتيجة قاسية : تعارض الملذات والليبرالية . النقطة الرابعة ، الكمال الروحي يفرض شيئاٌ ، قيداٌ ، على المنظومة العامة لجون ستيوارت ميل ، في جوهر حقيقة النفعية ، لإن الكمال الروحي هو خارج قياس الملاحظة والتجربة ، هو خارج معطيات الواقع ، كواقع معاشي . وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة والستين بعد المائة
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض وجود جهنم في الإسلام
-
نقض لودفيغ فيتجنشتاين
-
نقض محي الدين بن عربي
-
نقض القوانين الهرمسية الكونية السبعة
-
نقض مفهوم الجهاد في الإسلام
-
نقض إسبينوزا
-
نقض موضوع ـ المحلل ـ في الإسلام
-
نقض هيجل
-
نقض تحريم التبني في الإسلام
-
نقض الدين والفلسفة
-
نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي
-
نقض اللاوعي الجمعي لدى كارل يونغ
-
نقض وجود الجنة ومحتواها في الإسلام
-
نقض مفهوم الدين لدى فراس السواح
-
نقض موضوع الزنا في الإسلام
-
نقض إطروحات علي حرب البائسة
-
نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو
-
نقض مفهوم الكون لدى هولباخ
-
نقض وجود الإله
-
نقض محنة سيدنا إبراهام لدى كيركجارد
المزيد.....
-
مصر وروسيا.. تعزيز الشراكة إقليميا ودوليا
-
الوحيدة في أوروبا.. 3 قرود ذهبية قادمة من الصين تحط الرحال ف
...
-
عاشت 103 أعوام - وفاة مارغوت فريدلاندر الناجية من المحرقة ال
...
-
ميرتس يطالب ترامب بإلغاء الرسوم الجمركية وجعلها -صفرية-
-
روسيا ومصر.. شراكة بالنصر على النازية
-
بيسكوف: لم يناقش بوتين والسيسي الملف الأوكراني
-
معهد البحوث الفلكية في مصر: لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأض
...
-
بيسكوف: روسيا ممتنة لترامب على جهود التسوية السلمية في أوكرا
...
-
وكالة: مدن في البنجاب وراجستان تتعرض لهجمات بمسيرات جوية
-
حوار عسكري مصري تركي رفيع المستوى في أنقرة
المزيد.....
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
المزيد.....
|