أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - امال قرامي - نساء البهجة














المزيد.....

نساء البهجة


امال قرامي

الحوار المتمدن-العدد: 8089 - 2024 / 9 / 3 - 23:53
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    




تُتّهم النساء بأنّهنّ "نكديات"، يفتعلن المشاكل ويرغبن في تعكيرِ صفو مزاج الرجال الذين يُصوَّرون على أنّهم يصنعون البهجة والسرور أينما حلّوا. ولكن ما النكد؟ وما معنى البهجة؟ وكيف يفهم كلّ من المرأة والرجل السعادة؟

يُنظر إلى استفسارِ النساء عن مسائل تتعلّق بالسلوك والتدبير، ونقدهن تناقض الخطاب الذكوري وتهافته على أنّه نكد، لأنّ الرجل عاقل بالفطرة و"كامل"، ومن ثمّة فإنّه لا يجب أن يُوضع تحت المجهر، فيُساءل. أمّا المرأة فهي ناقصة وتتطلّب مُراقبة و"إصلاحًا للاعوجاج" وتأديبًا، حتى تكفّ عن ممارسةِ "النكد". ولكنّ دراسة التاريخ الاجتماعي وتحليل التقاليد والعادات وتفكيك دلالاتِ الطقوس اليوميّة وغيرها من الممارسات الاجتماعيّة تثبت أنّ المرأة مثلها مثل الرجل، تطمحُ إلى نيلِ نصيبٍ من البهجة والسعادة، ولذا تولي النسويات أهميّة كبرى لرصد مميّزات الحياة اليوميّة للنساء وتحليل أشكال بحثهن عن السعادة كما يفهمنها.

إنّ النبشَ في تجارب النساء وفنون العيش لديهنّ وأشكال التفريج عن الكرب هو حفظ للذاكرة النسائية وردّ اعتبارٍ لنساءٍ اخترن الصمود بما تيسّر لديهن من أدوات بسيطة. كما أنّه محاولة لأرشفةِ تاريخ الجدّات والأمّهات اللواتي حاولن على قدر استطاعتهن، كسر رتابة اليومي بالبحث عن طرائق للتسليّة والتخفيف من أعبائهن والترويح عن النفوس من خلال إقامة مجالس النساء. تجتمع هؤلاء مرّة في كلّ شهر ليتجاذبن الحديث ويسردن المُلح والنوادر ويستمتعن بما طاب ولذّ من الطعام، ويتباهين بأجمل ما لديهن من الثياب والزينة فتعلوا أصواتهن وتنتشر أهازيجهن وأغانيهن.

المرأة مثلها مثل الرجل، تطمح إلى نيلِ نصيبٍ من البهجة والسعادة

هي أزمنة تسرقها النساء من أجل العناية بأنفسهن وتحقيق مُجتمعيّتهن. وما السعادة سوى لحظات يقتنصنها من أجل استعادة الضحك والإحساس بالفرح والبهجة، فيتسنّى لهنّ بعد ذلك الاستمرار في تحمّل الأعباء التي فُرِضتْ عليهن فجعلتهن في خدمةِ الآخرين، يقمن برعاية الجميع على حساب رعاية الذات. فقد حدّد المجتمع أدوار النساء وربطها بمجموعةٍ من القيم كالصبر والإيثار والتضحية والتفاني في خدمة الآخرين، ومارس تأثيم كلّ امرأة لا تمتثل لهذه الأدوار والمعايير.

تطحنُ الرأسماليّة النساء والرجال فتحوّل الجميع إلى أدواتٍ للعمل ثمّ تستغني عنهم متّى تجاوزوا سنَّ الإنتاج والعطاء. ويتجاهل المجتمع المسنّات، إذ لا حقّ لهن في البهجة، غاية ما يُطلب منهن القيام به، استكمال أداء واجب الرعاية، أي الاهتمام بالأحفاد أو القرار في بيوتهن، إذ لا يليق بمن تجاوزت سنّ الستين (الحاجة والعجوز...) إلا الصلاة على النبيّ. وكلّما خرجت الواحدة عن هذا المسار اتُّهمت بأنّها عجوز تتصابى، وبدل أن تستقبل الموت والفناء تتشبّث بالحياة.

ولكن من النساء اليوم فئة أدّت واجباتها في الرعاية والخدمة والعمل والكدّ والمكابدة ووعت في نهاية المطاف، بأنّها فرّطت في أبسط حقوقها: أن تكون سعيدة. ولذلك نرى اليوم، نساء يُصمّمن على أخذ حقهنّ في الحياة ونصيب من البهجة وفق المتاح، والممكن اقتصاديًّا وصحيًّا.

إنّهنّ نساء البهجة، عاشقات الحياة رغم جحود المجتمع وقسوته عليهن، يعملن على تنظيم أوقاتهن وتدبير اقتصاد بيوتهن، فيخصّصن نصيبًا للمرح، ويجتمعن مرّة في الشهر في رحلة. يقصدن البحر تارة، ويجبن البلاد، طولًا وعرضًا، طورًا آخر، مُستمتعات بجمال الطبيعة. يتبادلن أطراف الحديث حول ما يُسعدهن، ويُعاتبن كلّ من تفتح دفاتر الوجع والفقد والألم والشقاء والتعاسة، فلا يقبلن إلا تقديم استشارات أو وصفات للعناية بالذات. من قال إنّ النساء لا يعرفن صنع البهجة ويعشقن النكد؟

لقد أثبتت سارة أحمد أنّ النسوية ليست مساحة للنضال السياسي فقط، بل هي طريقة تربطنا بالعالم، وتفسّر كيفية ارتباطنا به. فأن تصبحي نسوية معناه أن يعزلك الآخرون عن السعادة كما يتصوّرونها، وأن تتحوّلي في نظرهم، إلى امرأةٍ "نكدية"، ولكنّك في المقابل تستثمرين هذه العزلة لبناء ذاتك وتنميّة قدراتك ومعارفك، فتختاري أن تكوني نسوية قاتلة للبهجة.

أن تكوني نسويّة قاتلة للبهجة معناه أن تكوني رافضة للمعايير الاجتماعية التي وضعها المجتمع الذكوري ليؤبّد خضوعك وطاعتك، معناه أن ترفضي البهجة المصطنعة والمفروضة عليك قسرًا، معناه أن ترفضي التظاهر بالسعادة باعتبارها نظامًا خطّه الذكوريون ليحقّقوا امتيازاتهم. قاتلاتُ البهجة، يقتلن بهجة المجتمع الذكوري الذي جعل النساء يُظهرن السعادة في مواقف تُشعرهنّ بالتعاسة والبؤس والقهر.

فتحيّة لنساء البهجة وبنات البهجة (عنوان أغنية الجزائري رابح درياسة) اللواتي تعلّمن صناعة البهجة واقتناص الفرص للعبِّ من مباهج الحياة حتى يستطعن الصمود، ولا يكنّ سريعات الانفصام.



#امال_قرامي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمتُ النسويّة البيضاء المؤيّدة للاستعمار على إبادة الفلسطيني ...
- التحولات الهادئة واللامرئية : من النشطاء إلى الفاعلين العادي ...
- كيف تتحوّل النساء إلى أشياء؟
- تشكّلُ خطابات جديدة حول الأمومة
- الرجل لا يعيبه شيء!
- من الأدوار الجندرية إلى التشاركية.. هل ينجح الرجال؟
- اعتذار للفلسطينيات ....وهل ينفع الاعتذار؟
- النار في جسدهAaron Bushnellإضرام في التعاطي الإعلامي الأمريك ...
- المتقاعدون يحتجّون: -الحماية والرعاية من البداية للنهاية-
- المؤسسات الجامعية وإبادة الفلسطينيين
- موقع التونسيات في مسار الانتخابات 2023/2024
- الحرب على غزّة والمنعرج الجديد
- جنوب أفريقيا ودرس في إيطيقا المرافعة
- بعض من الأسئلة التي أثارتها حرب الإبادة على غزّة
- نداء إلى الحركات النسوية: -حياة الفلسطينيات مهمّة-
- المجتمع المدني والتعديل الذاتي
- ماذا بعد عنهجية الدولة المارقة وإبادة الفلسطينيين؟
- أزمة الرعاية المجتمعية
- قتل النساء وإشكالية التغطية الإعلامية
- «تسيّس الاتحاد الأوروبي»


المزيد.....




- حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت 8000.. رابط وطريقة ...
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت في الجزائر 2025.. ...
- فرصة لا تعوض.. قدمي الآن على منحة المرأة الماكثة في البيت 20 ...
- “800 د.ج منحـة فــوريـة“ كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكث ...
- «فرصة ذهبية» منحة المرأة 2025 تعلن شروط التسجيل لدعم البنات ...
- تعزية الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله إلى الرفيق عمر الزعي ...
- نساء الصفيح: البدونيات في الكويت بين العزلة القانونية والعنف ...
- السودان.. توثيق أكثر من ألف حالة اغتصاب في مناطق -الدعم السر ...
- شاهد.. 14 ممرضة حوامل في آن واحد بقسم الولادة في مستشفى أمري ...
- ما هي شروط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر عب ...


المزيد.....

- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - امال قرامي - نساء البهجة