أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - التدبر سر المعرفة














المزيد.....

التدبر سر المعرفة


عادل علي عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8052 - 2024 / 7 / 28 - 13:22
المحور: الادب والفن
    


التدبر سر المعرفة :

كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ))

هذه هي الآية 119 من سورة البقرة ، والتي كانت معلقة بخط استاذنا الراحل الكبير محمد اديب كاظم في محله العامر في منطقة جامع الأمير في العشار . وسبق وقلت : ان هذا الدكان كان ملتقى للأدباء والكتاب وطلاب المعرفة ، ناهيك من انه كان مختص ببيع العطارية ، ومرجع لمن يعشق طب الأعشاب ، اذا ما عرفنا و- على الرغم من تحفظه ان استاذنا الراحل - كان يخفي معرفته بهذا العلم ، على الرغم من تمرسه وخبرته وحصافته التي اكتشفتها عن قرب . واتذكر انه افادني بان معلوماتنا في هذا المجال تكاد تكون متواضعة ، اذا لم تتعزز بالجانب التخصصي ، والمعرفة المختبرية الطبية . ولعل هذا الرأي غاية في الأمانة ، اذا ما عرفنا ان اغلب المرضى يحتاجون الى النصح المعزز بالجوانب العلمية والمهنية .
واعود الى مستهل القول الخاص بالآية الكريمة التي كان الراحل يعلقها فوق رأسه ، وانا الفضولي الملح الذي كان وما زال يتحرى كل صغيرة وكبيرة ، ويسأل عن كل شاردة وواردة ، املا بالحصول على معلومة او قول او رأي ، يعينني على مواجهة ومجاراة هذه الرؤى والأفكار ، التي اشعر انني لم اصمد حيال سطوتها وعظمت وشروحاتها ، وبعد معانيها . وفعلا رحت مستفسرا عن الابعاد الحقيقية لهذه الآية ليجيبني ( رحمه الله ) قائلا : في هذا الموضع حري بنا ان ننتقل من عبادة الجوارح الى عبادة القلب ، فأعمال اللسان وعباداته معروفة لدينا ، وهي دائما ما تنحى وتميل الى الشعائر والعبادات التي تستجيب لها الأعضاء ، ولكننا هنا يجب ان نحتكم لأعمال القلب ، وهو الذي ينبغي ان يكون حاضرا قائما ، وهو خير ما يشعرك بالسعادة الروحية الكبيرة . ففي هذا الامر سعادة روحية لا توصف ، بل هي تعادل كل سعادات الدنيا . ففيها الكنوز والنفائس والذخائر الثمينة ، ولما تحمله عملية التأمل والتفكر والتذكر والتدبر التي ثقف عليها القرآن الكريم ، ومنحها خصلة استثنائية ، لاسيما ولها العلاقات والاشارات والتنويهات المرتبطة بالكون والواقع ، والا ما قيمة اللسان وبما يلهج ويقول وينطق اذا غاب حضر القلب الذي يستدعي التدبر؟
واتذكر هنا انني وجدت أوراقا تكتبها خربشات الراحل لبعض مما خص التدبر والتفكر في ادبياته ، ونقلت عنه قولا للشافعي يقول : (استعينوا على الكلام بالصمت، فإذا صمت تبين لك مواضع الكلام والمصلحة وعلى الاستنباط بالفكر، هذه الكتب التي سطرها العلماء من استنباطاتهم والاجتهادات التي خرجوا بها، كيف خرجوا بها ؟ من تأمل وتدبر لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله )، وربما كان الواحد منهم يجلس من بعد العشاء إلى طلوع الفجر يتفكر في مسألة حتى ينقدح في ذهنه جوابها)وهو قول يحيلك الى ابعاد ومخاضات الفكر الذي تجعلك مسلما على انه لم يكن جاهزا ومباشرا ، اذا لم يمر بمراحل الإعادة وعرض الفكرة او المسألة او الرؤية .. على مضمار العقل ، ودائرة القلب ، ومصهر الحواس . وكل من هذه المظان لها رأي وقناعة خاصة ، ولا ينتهي الامر بقناعتك بالفكرة ، دون ان تتبلور هذه الفكرة ، لتجد ما يهذبها ويدعمها ويجعلها في المكان والموطن التي تستحق .
وحينما سألة مستفسرا عن مدعاة التفكر في ابسط تعريفاته اجابني : اقول : تأتيك الفكرة جاهزة طيعة لا تحتاج الى تأمل او احالة او مراجعة ، فتمر عليك دون ان تستوقفها ، ولكن هنالك اقوال تستوقفها انت ، بل تجبرها على الوقوف لتستنطق معناها وتستقصي ابعادها .وتقف على اصولها ومنابعها ، هذا الامر يحيلك الى التفكر ، وحين طلبت منه مثلا قال : خذ هذا المثل : (يصبح الإنسان عجوزاً حين تحل الأعذار محل الأمل ) . وفعلا وجدت نفسي افكك كلمات هذا القول ، واستنطق المعاني والاعتبارات والجوانب المعنوية فيه . وبما ان الراحل كان معجبا بشعر المتنبي ، فقد احالني من جديد الى قصيدته الرائعة ( لك يا منازل في القلوب منازل ) معززا القول : ان جل شعر المتنبي هو شعر حكمة ، وهو ما يجعلك متأملا تغوص في اغواره ، وتحث الخطى كي ما تصل مقترباته وبيانه .
وختم الراحل حديثه مستشهدا بكتاب الله العزيز ليقول : فكيف بكتاب الله القرآن ، الذي اعجز البلاغات والعقول والشراح والفقهاء ، اذا ما عرفنا انه كتاب تفكر . فكل حرف فيه يحتاج الى وقفة وتبصر ، لا سيما والله تعالى قد جعل سرا في كل اجزاءه وحروفه وكلماته التامات . فلا يتحدد الامر بالتذكر والتأمل ، اذا لم يتوج بالتدبر ، والذي دائما ما يشجعك على الاعتكاف والخلوة ، حتى تقف على الابعاد العظيمة للمعاني ، وتعيش نشوتك ، وتستحضر روعة تلك الخلوة التي لا تعادلها كل اختلاطات البشر ، واجتماعات الناس . وعلى اساس ذلك حري بنا الوقوف والتحري لهذه السنوات التي عاشها الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) في غار حراء ، متعبدا متفكرا في امر الله الذي لا تدرك لحيظاته كل ساعات العمر .
استطيع القول : ان تلك الساعات التي كنا نقضيها بحضرة استاذنا الراحل ، وعلى الرغم من قصرها ومرورها الخارق السريع ، كانت ساعات لا تعادلها ساعات العمر ، وهي تتعزز بالفكر المتحف ، والثقافة الناضجة ، والرصانة في الرأي ، والذاكرة الثاقبة التي يتمتع بها استاذنا الراحل ، والتي خبرها الزمن ، وعززتها التجربة ، وافصح عنها الخلق السامي الذي كان يمنح الهوية الكاملة للراحل .
.



#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر الموسوعي لدى الحاج محمد اديب كاظم
- من دير العاقول الى المفتول *
- ورقة نقدية احتفاء بادباء الزبير وابي الخصيب
- أخيرا رحل طائر السعف
- علاء المرقب ( الازميل والخشب الطري )
- الشاعر علي الياسري .. مظان التجلي
- (ريوق بروليتاري)
- النص والصورة
- فاروق عبود حمدي
- الليل طويل يا حمد
- الصالون الرياضي في البصرة (المنطلق والهدف )
- حب في درجة 50 مئوي
- خربشات
- عبدة الشيطان
- ما قالته الدموع الهوامل في رثاء (رعد هامل) :
- اخيرا .. سافر مسافر شنان للقاء ربه !
- (ناصر الكناني) الرجل الذي اخترق جدار العصامية
- نعم ايها الزاهد :
- انطولوجيا مدينة : (القسم الاول ) الزبير قبل سبعينات القرن ال ...
- آريون


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - التدبر سر المعرفة