أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - هل الوعي البشري هو الذي اخترع اللغة؟














المزيد.....

هل الوعي البشري هو الذي اخترع اللغة؟


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8031 - 2024 / 7 / 7 - 14:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي


المثاليُّونَ الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِأَنَّ الوَعْيَ هو المُتَحَكِّمُ الأَوْحَدُ في العالَمِ أَوْ الحَاكِم الأُتُقراطيّ لهذَا العَالَم، يردُّونَ على السُّؤالِ حَوْلَ مَصْدَرِ اللُّغَةِ بِقَوْلِهِمْ إِنَّ الوَعْيَ هو مَنِ اخْتَرَعَها. وَلَكِنْ، هَذا الجَوابُ يُثيرُ سُؤالًا آخَرَ: هَلْ كانَ لِلوَعْيِ وُجُودٌ قَبْلَ اخْتِراعِ اللُّغَةِ؟ وَالإِجابَةُ هي لا، لا وُجُودَ لِلوَعْيِ بِدونِ اللُّغَةِ.

اللُّغَةُ، الَّتي بِدونِها لا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَعْيٌ، جاءَتْ مِنَ العَمَلِ الاجْتِماعِيِّ، وَلَيْسَ الفَرْدِيِّ. فَالإِنْسانُ ظَهَرَ كَعُضْوٍ في جَماعَةٍ بَشَريّة، حَيْثُ كانَتِ الجَماعَةُ البَشَرِيَّةُ البِدائِيَّةُ تَعْمَلُ لِتَلْبِيَةِ احْتِياجاتِها الأَساسِيَّةِ مِثْلَ الطَّعامِ وَالمَلْبَسِ وَالمَأْوى. في البِدايَةِ، اسْتَخْدَمَتْ هَذِهِ الجَماعاتُ أَدَواتٍ طَبيعِيَّةً كَالحِجارَةِ وَالعِصِيِّ قَبْلَ أَنْ تَصْنَعَ أَدَواتِ العَمَلِ ، فَقَد تَحَوَّلَ الإِنسَان إلى صَانع أَدَوَات عَمَل منْ أَجلِ تَغيير بيئته الطَبيعية إلى صناعية في صِرَاعه معها.

وَمَعَ تَطَوُّرِ هَذِهِ الأَدَواتِ وَزِيادَةِ تَفاعُلِ الإِنْسانِ مَعَ بِيئَتِهِ جاعِلَاً منها بيئة أَفضل (صناعية)، زادَتْ قُدُراتُهُ الحِسِّيَّةُ وَتَنَوَّعَتْ مُدْرَكاتُهُ. الحاجَةُ إِلى وَسيلَةِ اتِّصالٍ، أَيْ لُغَةٍ، أَصْبَحَتْ أَكْثَرَ إِلْحاحًا. نَشَأَتِ اللُّغَةُ المَنْطوقَةُ مِنْ أَصْواتٍ تَنْبِيهِيَّةٍ بِدائِيَّةٍ اسْتُخْدِمَتْ لِلتَّحْذيرِ مِنَ المَخاطِرِ، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ هَذِهِ الأَصْواتُ لِتُصْبِحَ كَلِماتٍ تَعْبِّرُ عَنِ الأَشْياءِ الَّتي تَهُمُّ الجَماعَةَ ، فَبَدَأَتْ بِالأَسْماءِ الجَامِدَةِ، مِثْلَ رَجُلٍ، اِمْرَأَةٍ، طِفْلٍ، نَهْرٍ، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ بِاِسْتِخْدَامِ المَنْطِقِ وَالتَّجْرِيدِ الفِكْرِيِّ.

العَمَلُ، الَّذي أَوْجَدَ المُجْتَمَعَ البَشَرِيَّ، أَوْجَدَ أَيْضًا الحاجَةَ إِلى الاتِّصالِ اللُّغَوِيِّ. وَمَعَ تَطَوُّرِ اللُّغَةِ، تَطَوَّرَتِ المَعاني أَيْضًا. فَمَثَلًا، كَلِمَةُ "أَنْفٍ" كانَتْ تُشيرُ إِلى عُضْوٍ في الوَجْهِ، ثُمَّ اكْتَسَبَتْ مَعْنَى العِزَّةِ وَالتَّكَبُّرِ. وَكَلِمَةُ "ريحٍ" الَّتي تَعْنِي الهَواءَ المُتَحَرِّكَ، تَحَوَّلَتْ إِلى "روحٍ" الَّتي تُشيرُ إِلى النَّفْسِ.

اللُّغَةُ بَدَأَتْ بِكَلِماتٍ أَساسِيَّةٍ، وَكانَتْ أَسْماءُ الأَشْياءِ هي الجُزْءَ الأَهَمَّ. وَلَكِنَّ صِناعَةَ الأَسْماءِ لَيْسَتْ سَهْلَةً، فَهِيَ تَحْتاجُ إِلى تَجْريدٍ مَنْطِقِيٍّ. لا يُمْكِنُ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ "شَجَرَةً" دُونَ مَعْرِفَةِ أَنْواعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الأَشْجارِ وَالصِّفاتِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَها. هَذا النَّوْعُ مِنَ التَّجْريدِ الفِكْرِيِّ هو خاصِّيَّةٌ بَشَرِيَّةٌ تَتَطَلَّبُ تَعاوُنًا جَماعِيًّا ، فالحَيوان يَفْتَقدُ للتجريد.

تَجْرِبَةٌ أُجْرِيَتْ على قِرْدٍ أَظْهَرَتْ أَنَّ الحَيَوانَ لا يُمْكِنُهُ التَّجْريدُ الفِكْرِيُّ. القِرْدُ تَعَلَّمَ إِطْفاءَ النَّارِ بِاسْتِخْدامِ مِغْرَفَةِ ماءٍ مِنْ بَرْميلٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَنَّ بِإِمْكانِهِ اسْتِخْدامُ الماءِ مِنَ البِرْكَةِ عِنْدَ تَعْديلِ التَّجْرِبَةِ. هَذِهِ التَّجْرِبَةُ تُثْبِتُ أَنَّ اللُّغَةَ وَالْمَنْطِقَ مُتَرابِطانِ، وَلا يُمْكِنُ الفَصْلُ بَيْنَهُما.

الإِنْسانُ، بِصِفَتِهِ كائِنًا اجْتِماعِيًّا نَشَأَ مِنْ خِلالِ العَمَلِ، يَسْتَطِيعُ إِدْراكَ الصِّفاتِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الأَشْياءِ، وَيَسْتَطِيعُ بِالتَّالِي خَلْقَ مَفاهيمَ مُجَرَّدَةٍ مِثْلَ مَفْهومِ "الماءِ".

الإِنسَان لَا يُمكنُه أَن يَعيش بمُفرَده أو يُحقِّقُ كُل احتِياجاته بِمُفرَده، لِذلك فَالعَمَل الاجتماعي نَتيجة طَبيعية لطَبيعته. فَالفردُ يَجِدُ الأمان والدَّعم في الجَماعة، ويَستفيدُ مِن تَجَارب الآخرين وخِبرَاتهم، مِما يُعَزِّز فُرصَ البَقاء والتَّقدُّم. تَطَوُّر اللغة مَرتَبِطٌ بِتَطَوُّر المجتمع، فَكُلَّما تَقدَّمَ المجتمع زَادَت الحاجَة لتَطوِير وسائلِ الاتصال والتَّفاهم، وتَعَقَّدَت اللُّغَة لِتُوافِق احتياجاتِهِم الجَديدة.

إِذًا، يُمكنُ القول بِأَنَّ اللُّغةَ وَالعمل الاجتماعي هُما العَامِلَان الأَساسِيَّان اللَّذان شَكَّلا الإِنسان الحديث، مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى التَّرابطِ الوثيقِ بَينَ النَّشاطِ الاجتماعي وتَطَوُّرِ الوَعي والعقل البشري.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة جاك دريدا!
- فلسفة يورغن هابرماس وملاحظاتي عليها!
- مفاسِد تربوية وأخلاقية!
- واشنطن وموسكو.. صراعٌ لتبادُل المصالح!
- في فلسفة اللغة!
- الفلسفة العلمية مُركَّب كيميائي من كل العلوم!
- السياسة بين التَّفسيرين المثالي والواقعي!
- الانتخابات الأوروبية والديمقراطية المُزَيَّفة!
- في فلسفة الموت والحياة !
- طلّقها يا بني!
- فسادُ الكتابة!
- القيمة وأهميتها الإقتصادية عند ماركس!
- أسباب وأوجه الأزمة في تعريف -الحقيقة-!
- أحْكَم الناس في الحياة أناس علَّلوها، فأحسنوا التعليل!
- الطبيعة كما تقدم نفسها إلينا!
- كيف تكون -الوحدة الجدلية العليا- بين الفلسفة والعلم
- الإرادة ما بين المثالية والمادية في الفهم والتفسير!
- نسبية الحقيقة لا تتعارَض مع موضوعيتها!
- الوحدَّةُ بينَ الفلسفةِ والعلم!
- شيءٌ في الديالكيك!


المزيد.....




- خطة سحب سلاح المخيمات.. حسابات ما بعد -دبور-
- دمشق تشكل لجنة تحقيق في أحداث السويداء
- بعد وفاة شاب وإصابة 6 بحفلة محمد رمضان يزعم: كانت محاولة اغت ...
- المبعوث الأميركي يشيد بالشرع وإسرائيل توجه رسالة لدمشق
- ويتكوف يزور غزة.. وإسرائيل تلمّح إلى إمكانية توسيع عمليتها
- حماس وفصائل أخرى: الطريق إلى الحل يبدأ بوقف الحرب
- بشرى لمرضى الشلل.. شريحة في الدماغ قد تتيح التحكم بالأدوات
- لقاء سوري إسرائيلي جديد.. بين رسم تفاهمات وتصفير المشكلات
- دمشق تعلّق على -اللقاء التاريخي- بين بوتين والشيباني
- وزارة العدل السورية تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - هل الوعي البشري هو الذي اخترع اللغة؟