أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - مسرحة الموروث الشعبي -قراءة في مسرحيات (هيلا يارمانه) لطلال حسن-















المزيد.....



مسرحة الموروث الشعبي -قراءة في مسرحيات (هيلا يارمانه) لطلال حسن-


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 8016 - 2024 / 6 / 22 - 09:43
المحور: الادب والفن
    


وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الموصل
مركز دراسات الموصل



مسرحة الموروث الشعبي
"قراءة في مسرحيات (هيلا يارمانه) لطلال حسن"


الدكتور
علي أحمد محمد العبيدي



1433هـ 2012م

المقدمة:
مشكلة البحث: تعد عملية مسرحة الموروث الشعبي عملية إيجابية لاسترداد الذات واكتشافها، وإنه لمن حق الأديب أن يلجأ لموروث بشرط ألا يكون مجرد ناقل، إذ يشكل الموروث الشعبي أهم المنابع التي ينهل منها المبدع، إلا أن التفاعل الإبداعي مع المنجز كان كبيرا، لأنه تحول إلى نص ثقافي شامل يولد نصوصاً في مختلف الأنواع الأدبية وهذا ما نتج عنه ما يسمى بالتوالد النصي، أما لماذا يمسرح المبدع الموروثات الشعبية؛ فلأنها حية في الذات الجماعية، عندئذ يتحول الموروث عنده إلى مجموعة من الأقنعة يحاور من خلالها القارئ. فالدعوة إلى الارتباط بالموروث واستلهامه في الأعمال الفنية، تمثل خطاً مؤكداً لاسترداد الذات وإعادة اكتشافها، ومن هنا تكمن مشكلة البحث في تحديد آلية ارتباط الموروث بالمسرح من خلال مسرحة الموروث الشعبي في مسرحيات (هيلا يا رمانة) لطلال حسن.
هدف البحث: يهدف البحث إلى بيان الموروث الشعبي في عمل الكاتب طلال حسن والمدى الذي استطاع عبره أن يحقق الخصوصية المحلية، من خلال مسرحة الموروث الشعبي.
أهمية البحث: تأتي أهمية البحث لكشف وبيان دور الموروثات الشعبية في تحقيق حالة من التواصل بين المضمون التقليدي لها والتوظيف العصري الذي ينسجم أو يعبر عن قضايا العصر برؤية جديدة كاشفة وناقدة .
حدود البحث: يتحدد البحث في قراءة في مسرحيات (هيلا يا رمانة) لطلال حسن.
هيكــلية البحث: تشكلت هيكلية البحث في:
التمهـــيد: - آلية ارتباط الموروث الشعبي بعناصر البناء الدرامي.
- طلال حسن (سيرة وإبداع)
المبحث الأول: الصراع. المبحث الثاني: الشخصية.
المبحث الثالث: الحوار.
التمهـــيد: - آلية ارتباط الموروث الشعبي بعناصر البناء الدرامي.
لعب القصخون دوراً هاماً في بلدان الشرق قبل ظهور السينما والتلفزيون، فقد كان يعتلي المنبر كل مساء ليقص للجالسين نوادر الحكايات محترفاً التمثيل والتأويل والإيهام والتقمص مستهدفاً جمهوره الايجابي ومتفاعلاً معهم في معمعة الرواية، وكان المنبر هو المسرح والقصخون هو المخرج والممثل . وهو شكل بدائي للنتاج الفني المسرحي أيام زمان، وما من شيء ذي بال في الفن والأدب سوى الجديد، وللوصول إليه في المسرح لا بد من التجريب. ومغامرة التجريب لا تعني الانزياح عن الذاكرة الشعبية، فالعملية هي عملية إبداع أكثر مما هي عملية ابتداع. (1)
ثمة نقطة مرجعية دائماً للانطلاق: قد تكون فكرة أو حكاية قديمة أو أغنية شعبية أو مثلاً شائعاً أو لعبة طفلية أو غير ذلك مما تختزنه الذاكرة الجمعية، ثم إن كثيراً من الموروثات الغنائية مادة جديرة بالتسجيل والإذاعة بين الناس, ونحن بحاجة أحيانا لنرى صوراً من ماضينا لنذكر أجيالنا القادمة بالجذور الضاربة في عمق التاريخ. ولا بد للمسرحي أن يدرك أولاً هذه الحقول المعرفية السحرية التي تختزن تجارب إنسانية، وأن يؤمن بخصوبة المادة التراثية، ويتبين مدى طواعيتها للتشكيل المسرحي، وسيكون لديه دائماً ما يقوله من خلال هذه المادة وهذا التشكيل؛ لأن الهدف ليس الاسترجاع وإنما هو تقديم رؤية فكرية وجمالية فنية. وإن حمل الموروث من مرجعيته وجماهيريته إلى عمل مسرحي هو التأصيل بعينه، وهو جوهر التجريب.‏ (2)
يبدأ الكاتب المسرحي عمله بانتقاء مادته من الموروث الشعبي، يقع عليه مصادفة أو من خلال مطالعاته أو بحكم شعبيته- الموروث-، لكنه وحده بوصفه مبدعاً يدرك الإمكانات الدلالية والدرامية فيه والتي تحقق طموحاته في تقديم رؤيته الفكرية والفنية على منصة التشخيص. ‏وغالباً ما يبحث عن مادة الموروث الشعبي أو الديني ليعبر من خلالها عن نظرته إلى الحياة وعن قلقه الفلسفي واستشرافه للآتي، وإذا كان للموروث سحره وحصانته الماضوية وشيوعه، فإن الكاتب المسرحي يمتلك عناصر عديدة يمكن أن يؤكد من خلالها آراءه ورؤاه الفنية، وليحقق ذلك لا بد أن يكون مزوداً بمخزون ثقافي تراثي ممتاز.(3) ‏وإذا كانت بعض الموروثات الشعبية من أمثال وأقوال وحكايات تلخص تجارب إنسانية، فإن الأغاني الفولكلورية والشعبية تبقى محببة للمتلقي، وبخاصة الطفولية منها، وتعد الألعاب الشعبية من أهم أنواع الفنون الشعبية لأي أمة من الأمم, أكثر مما يظنه البعض عند نظرتهم الأولى لها. فهي من أقدم مظاهر النشاط البشري, وهي أول صورة لنشاط الإنسان في طفولته. كما أنها صدىً لانفعالاته ومعرض ملذاته وفرحه، وتبسط أمام المسرحي مدى رحباً في الإفادة منها، وذلك يرجع لعدة أمور:‏ (4)
- جماهيريتها واحتفاليتها واستمرار الحياة فيها.‏
- غناها وتنوع موضوعاتها التي تعبر عن دقائق من المشاعر الإنسانية أو جزئيات من الحياة اليومية.‏
- صيرورتها وتحولاتها الدلالية والمشهدية مع بقاء عنصر ثابت يكون المرتكز اللحني والمدخل اللغوي، إذ يحافظ على نص المقطع الأول كلازمة مع التبديل أو الزيادة في نصوص المقاطع التالية بما يلائم المشهد ويساهم في إغناء الحدث والشخصية والموضوع.‏
- لها جذورها في الذائقة، ولذا طرز طلال حسن نصه المسرحي بمقاطع ووصلات غنائية من الموروث الشعبي الموصلي، وبخاصة أغاني الألعاب الشعبية، وذلك تلبيةً لحاجات ذائقة(الفتيان) مما أدى الى استدعاءها في نصه المسرحي.‏ انسجاماً مع ما توافر من معطيات فلكلورية ذات صبغة شعبية تتعلق بأعراف وتقاليد مدينة الموصل بعضها مكتسب من ثقافات تلاقحت مع ثقافة المدينة كونها مكاناً يستقطب ثقافات عديدة، وتعامل معها بوضعها في سياقها الثقافي الممتد منذ تخلقها والمنتهي في الزمن الحاضر، وصياغتها صياغةً فنيةً لا تطمس معالمها ولا تفرغها من محتواها الرئيس.


طلال حسن (مسيرة إبداع):
طلال حسن، مبدع عراقي مثابر ومتميز، اختصاصه الكتابة للأطفال، فهو في مسيرته الإبداعية التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود كتب القصة والرواية والمسرحية والسيناريو، ونشر أكثر من ألف نتاج موزع بين الأجناس الآنفة الذكر. في مختلف الصحف والمجلات العراقية والعربية منها: المزمار،مجلتي، المسيرة، تموز، بانيبال (العراق) … وسام، حاتم، براعم عمان، الدستور (الأردن)، أسامة (سورية). أحمد ( لبنان)، ماجد (الإمارات)، الحياة المسرحية (سورية)، البيان (الكويت)، أفكار (الأردن). وطلال حسن: عضو في اتحاد الأدباء العراقيين والعرب، ونقابة الفنانين العراقيين ونقابة الصحفيين العراقيين، ونقابة الدراميين، وعضو مجلس أول رابطة للأدباء والفنانين في العراق. كتب صدرت له:
1- الحمامة دار ثقافة الأطفال بغداد 1976
2- البحر مطبعة الجمهور الموصل 1978
3- ليث وملك الريح دار ثقافة الأطفال بغداد 1980
4- حكايات قيس وزينب كتاب أسامة الشهري دمشق 1983
5- الفراء دار ثقافة الأطفال بغداد 1984
6- نداء البراري دار ثقافة الأطفال بغداد 1985
7- عش لاثنين اتحاد الأدباء العرب دمشق 1986
8- العش دار ثقافة الأطفال بغداد 1989
9- من يوقظ الشمس اتحاد الكتاب العرب دمشق 1993
10- مغامرات سنجوب دار ثقافة الأطفال بغداد 1995
11- دروس العمة دبة دار ثقافة الأطفال بغداد 1997
12- حكايات ليث دار كنده عمان 1998
13- انكيدو اتحاد الكتاب العرب دمشق 1999
14- داماكي والوحش دار التوحيدي حمص 2001
15- الضفدع الصغير والقمر أبو ظبي 2001
16- زهرة بابنج للعصفورة اتحاد الكتاب العرب دمشق 2002
17- جلجامش دار الشؤون الثقافية بغداد 2004
18- الإعصار اتحاد الكتاب العرب دمشق 2005
19- هيلا يارمانه (خمس مسرحيات للفتيان) مركز دراسات الموصل/جامعة الموصل/2012 .
المبحث الأول: الصراع.
يثير الحديث عن الصراع تساؤلات تتعلق بماهيته أو تقسيمات مساراته أو مكوناته، إذ يبدأ بالفعل حسب تحديد أرسطو بقوله "وأهم هذه الأجزاء تركيب الأفعال، لأن المأساة لا تحاكي الناس بل تحاكي الفعل والحياة". (5)
فالفعل مدلول للتعبير عن إرادة إنسانية، وقد كانت الدراما في أصلها طقوسا ترفع شعائرها إلى الإلهة، وتحولت مع الأيام إلى شكل حواري بين طيب وخبيث، ومنه نشأ الصراع الدرامي بوصفه جوهر الحدث المسرحي، الذي هو كل ما يحدث على المسرح تصورا كان أم تصويرا، فليس هناك فعلاً يكون أصلا ونتيجة في آن واحد، بل كل شيء ينتج من شيء غيره، ولا يمكن أن ينشأ الفعل عن نفسه.(6)
وبما أن الفعل نوع من النشاط، فإن الفعل المسرحي لا يعتمد على ما تفعله الشخصية، بل على معنى ما تفعله، وربما هذا ما يميز بين الفعل الدرامي والنشاط، إذ قد يتطلب الفعل الدرامي اقل ما يمكن من النشاط الجسماني، ليقرر معنى الفعل، ولكن تكمن مشكلته في العثور على الخواص اللازمة والنشاط اللازم(7). فالفعل الدرامي يقوي ويرفع من درجة صراع الإرادة، والحديث بين شخصين قد يعطي الدرجة المطلوبة من النشاط في مشهد معين، ولكن المهم ليس قلة الحركة بل نوعها، ودرجة التوتر، وكذلك درجة التعبير(8).
وربما يكون الحديث ذا قيمة كبيرة في خلق الصراع بوصفه نوعاً من أنواع الفعل، لأن الفعل الدرامي نشاط يجمع بين الحركة الجسمانية والحديث، إذ يتضمن التطلع والإعداد والتحقيق لتغيير التوازن، وهذا التغيير هو جزء من مجموعة متغيرات(9).
والصراع اصطلاحاً هو علاقة ضدية بين شيئين "متحركين يقتربان سوية من نقطة واحدة، أو يبتعدان عنها.(10) وغالبا ما يكون الصراع المعنوي أقوى من المادي، لأنه يصادم نسيج الحركة الذهنية للاحتمالات الإنسانية، كما انه لا يتم إلا من اجل تحقيق مبدأ الحاجة أو إشباع رغبة معينة، فهو حالة انفعالية تنتج حينما تتداخل عقبه ما في سبيل إشباع تلك الرغبة.(11) وتكمن ضرورته في تمييز الكائن المتصارع لإنسانيته المدركة للواقع، لإثبات وجوده، إذ تكون أهدافه داخل الفرد الذي يحاول أن يحقق التوافق المقيم للحدث، باتخاذ القرارات بطريقة شعورية أو دون الكثير من الوعي.(12) والصراع النفسي، هو حدوث اندفاعين (أو أكثر) متضادين في الوقت ذاته، ويبدو أن هذا الطرح يمكن أن يبين قيمة الصراع سواء أكان إيجابيا أم سلبيا، وذلك بتحديد اتجاهه وتعيين حالة الضغوط التي تعكس السلوك الفعلي للفرد، لأنه يحاول أن يسعى "للحصول على أقصى قدر ممكن من الثواب وأقل قدر ممكن من العقاب في البيئة الخارجية والاتجاهات التي تكتسب في خدمة وظيفة التوافق أما أن تكون وسيلة للحصول على هدف مرغوب فيه أو إلى تجنب هدف غير مرغوب فيه" (13)كون الفعاليات الإنسانية تعمل بوسائل دفاعية متعددة، وتعكس الفعل وتنظم أجزاءه، فيتألف في ماضي النوع (الغريزة) وفي ماضي الفرد (العادة) وأغلب الظن أن الصراع الداخلي يقع بين هذين الماضيين.
أما الصراع الخارجي فهو ظاهرة حتمية تجسد التضارب أو التصادم في المصالح والمبادئ والأفكار والسياسات والبرامج، ويميز كثيراً من التفاعلات التي تحدث داخل الأنظمة السياسية أو بين بعضها البعض.(14) فالصراع يمثل أحد الأشكال الرئيسة للتفاعل، ويتميز بكونه شعورياً ومباشراً فهو نشاط كلي يتنازع فيه الأفراد مع بعضهم من اجل هدف معين، وتعد هزيمة الخصم شرطا ضرورياً للتوصل إلى الهدف.(15) وبما أن الفرد وليد بيئة اجتماعية، فإنه يبذل منذ طفولته أقصى جهده للإفادة من هذه البيئة: (العائلة/ الأشياء، خارج البيت/ النظام في العالم، المؤسسات … الخ) فهو في محاولة دائمة لتحديد مركزه في المجتمع وعلاقته به.(16)
ويبدو من خلال ما تقدم أن الفعل الدرامي هو المكون الأساس للصراع الذي هو جوهر الدراما، ولابد من وجوده مهما اختلفت أشكال الصراع سواء أكان داخلياً أم خارجياً.
ففي مسرحية (هيلا يا رمانه) نجد صراعاً داخلياً يحدث في شخصية (جلال) بطل المسرحية، عندما يتمتم مع نفسه وهو يكتب نصاً مسرحياً يحاكي فيه مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير، فيقول في نفسه"أريد عملاً حياً، فيه نبض من حياتنا" يرمي القلم على المنضدة، كفى آلهة وملوكاً وفرساناً. تتناهى أصوات من بعيد كأنها الحلم:
"الأصوات: كاز.. كاز.. هيلا يارمانه،..هيلا يمة، عتيق للبيع.. عتيق للبيع، فرارات.. فرارات، كشك وعدس ماأحبوا.. يويا، من مال الله.. عندي أيتام، نامليت..نامليت بارد يخلي العجوز تطارد، زلابية وبقلاوة وشعر بنات،وين اولي وين أبات، دقومي وأدحرجي.. من دوشك العاليا، والتلبسوا مالا.. والتشلحوا مالا..وأبوها تاجر حلب..شيال الحمالا."(17)
يبدأ النص المسرحي منذ البداية بانتقاء مادته من المأثور الشعبي لمدينة الموصل من خلال الصراع بينه وبين ذاته، أثناء عدم تواصله مع النص الذي كان يكتبه، وما أحدثه المونولوج في خلجات الذات أثناء التأمل. ويستمر الصراع في التصاعد ليصل بينه وبين زوجته (ليلى) وهو صراع اجتماعي، تحقق من خلال الحوار بينهما" تدخل الزوجة وتقف مقطبة عند الباب
الزوجة: جلال
جلال:"لاينتبه إليها"...
الزوجة: "بصوت أعلى" جلال.
جلال: "ينتبه فتتلاشى أصوات الأطفال" ليلى..
الزوجة: حمداً لله فأنت مازلت تذكر اسمي.
جلال "يرفع نظارته متضايقاً"..
الزوجة: اعتبرني واحدة من مخلوقاتك المسرحية، وتحدث إلي، لأنك لاتكاد تخاطبني اليوم بطوله.."(18)
إن المتأمل لنص هذه المسرحية(هيلا يارمانة) قد يقع في الفخ عند قراءته الأولى لها، وقد يقع في وهم أن هناك انزياحاً دلالياً في الشخصيات الشعبية الموروثة فيستفز، ثم ما يلبث أن يدرك أن الغرض هو إبراز مفارقات ساخرة بين واقع مترد وماض مجيد، وهذا ما فعلته المسرحية في صنع شخصية معاصرة تحمل اسم جلال متكئاً على خلفية من الأحداث الموروثة المرتبطة بأحداث معاصرة في لحمة من المفارقات المتداخلة.‏ وربما اختار الكاتب اسم (جلال) ويعني به جلال الماضي، أو أنه يقابل اسمه رسماً (طلال).
" جلال: (يقف عند النافذة ويزيح الستار مترنماً بصوت خافت) .. هيلا يارمانه ..هيلا يمه ..من هي الزعلانه "ينظر عبر النافذة" لقد تغير كل شيء، حتى الأطفال، إنني لاأسمع هذه الأيام، طفلاً يغني إلا في الراديو أو التلفزيون" يصمت والأغنية مستمرة" منذ المساء وهذه الأغنية تتردد في داخلي، بدو..، لقد كبرت وأبيض فؤادي وبدور مازالت طفلة تدور مع صديقاتها.. تغني وتضحك.."(19)










المبحث الثاني: الشخصية:
يهتم هذا المطلب بالشخصية التراثية في النص المسرحي، فالشخصية هي أهم عنصر في بنية النص المسرحي فهي التي تبنى عليها الفكرة التي يريد الكاتب المسرحي إيصالها إلى القارئ والجمهور المسرحي، فالشخصية المسرحية تبين لنا النص المسرحي وتسرد الأحداث المسرحية ، فالشخصيات مهما كانت وظيفتها في الحياة وكان جنسها تجدد الدراما، وهذا لا يتحقق إلا بوجود مصارع أمامها تحمل إحدى كفتي الصراع تاريخياً لتكشف عن تاريخ سلوك المسرحية ، ولانعدها نصاً بل نعدها جواز مرور لعظمة الشخصية الدرامية وإحيائها في الواقع المعاش والافتخار بها وتحفيز المتلقي بهذه الشخصيات التي تتصارع لسرد الأحداث.
ففي مسرحية (ياسامعين الصوت) التي تبدأ بصوت امرأة تنادي بصوت حزين:(20)
المرأة: ياسامعين الصوت
صلوا عالنبي
أولكم محمد وتاليكم علي
ياسامعين الصوت
صلوا عالنبي
أولكم محمد وتاليكم علي
اللقى بنت...
يخفت صوت المرأة، يرتفع صوت فتيات يلعبنّ ويغنين
الفتيات: ويص ويص يولادي
لاتطلعوا عالوادي
لاتخطفكم خجاوه
لاتقليكم بالطاوه
نجد في هذه المسرحية حضوراً لشخصيات محدودة تصل الى عشرة شخصيات، والشخصية الرئيسة والمطورة في المسرحية هي شخصية(خجاوة) ، وعدا ذلك شخصيات مسطحة ، وتوصف الشخصيات في هذه المسرحية بالاعتدال.
تدخل امرأة رثة الثياب، وتقف مقطبة وسط الباحة(21)
الأم: "تحتضن ابنتها مرعوبة" ياويلي، خجاوه.
المرأة: "بصوت متهدج" خجاوه.
الأم: تعالي ندخل، يابنيتي، تعالي"تدخل بابنتها وتغلق الباب"
المرأة: "تهز رأسها" ...
البنات: يتابعنها صامتات...
المرأة: "تنظر الى البنات" خجاوه.
البنات: "يتراجعن خائفات" ...
المرأة: لا..لا" تشير لهن أن يبقين" لست خجاوه، إنني أم، ولي ابنة في عمركنّ" تقترب منهن" أهي بينكن؟
تدخل شخصية (خجاوه) بِنِيَةٍ مبيتة من قبل موروثنا الشعبي، لتعطي صورة مشوهة للمرأة في هذه الشخصية، وتدخل الى مسرح الحدث بوصفها امرأة شريرة، وربما كان الأمر يتعلق بانعكاس صورة المرأة الكريهة كما تصورها العقلية الشعبية، إلا أن المسرحية قد هذبت شخصية (خجاوه) وأخرجتها عن مدلولها الشعبي المتعارف عليه، وارتبط عنصر التشويق المرتبط بمثل هذه الأحداث الى عنصر التشويق الذهني المرتبط بالجو العام للمسرحية عند القراءة، وحسناً فعل طلال حسن من تحويل هذه الشخصية من واقعها الشرير في الذاكرة الشعبية، ونقلها من المعتدية، الى شخصية معتدى عليها. فمن خلال الحوار بين شخصية (خجو) وشخصية أم فيصل، نجد بأن (خجو) تبحث عن ابنتها التي فقدتها، لاكما تصورها الأغنية الشعبية التي يرددها الأطفال، نقلاً عن ألسنة أمهاتهم بتخويفهم من (خجاوه) التي تخطف وتأكل الأطفال.
خجو: إنني أنتظر ابنتي..
أم فيصل: "تحدق فيها" ...
خجو: لن أدخل البيت حتى تعود..
أم فيصل: "تهز رأسها" ...
خجو: ابنتي موجودة..
أم فيصل: نعم.
خجو: سأموت إذا لم تعد ابنتي..سأموت إذا لم تعد"تتجه نحو البيت" سأموت.. سأموت.. سأموت. (22)









المبحث الثالث: الحوار
إن الحوار للشخصيات يضيف على جمالها الواقعي في المسرحية لتتمتع الشخصية بحوارها المفعم وأحاسيسها الداخلية قد تكون مرحة وغاضبة وغير ذلك، لأن الغرض الرئيسي من الحوار هو توصيل المعلومات اللازمة بوضوح، حتى يتأثر الجمهور بهذه الشخصية للاقتداء بها واتخاذ قرار من واقعه المعاش لدراسة السلبيات والإيجابيات بما تحمله الشخصيات من أفكار وسلوك قد يطابق واقعه المعاش، فاختلاف الحوار من شخصية إلى أخرى واختلاف أبعادها النفسية والاجتماعية وقوة تأثيرها على المتلقي لإعطاء النص المسرحي قصة،(23) فقوة الشخصية يكون في قوة حوارها سواء أكانت الشخصية من التراث أم من الحياة الواقعية التي نعيشها، وعلى المؤلف المسرحي مراعاة ذلك في بنية نصه المسرحي فهناك الشخصية المركبة وهي التي تتغير من حاله نفسية إلى أخرى ومن موقف درامي لآخر، وتعد من الشخصيات الأساسية في المسرحية والتي تصارع من أجل فكرة ما، وشخصيات ثنائية أو مساعدة تخدم النص للإلمام بفكرة الموضوع وتوضيح عقدته. فالشخصيات هي التي تثير الجمهور وتجعله في حالة انسجام مستمر وذلك عن طريق متابعة الحوار وسرد الأحداث والأغاني والرقصات والحكايات الشعبية المعروفة.(24)
إن الأطفال غالباً مايستخدمون الحوار في ألعابهم الشعبية التي يمارسونها، إما جماعة أو منفردين، وهم بذلك يعبرون عن المواقف الحياتية التي يمرون بها، وخبراتهم في خلق عالمهم الخاص، وتعد الألعاب الشعبية ذات الطابع الحواري من أكثر الفنون التصاقاً بالبيئة والعادات والتقاليد.
ففي مسرحية (طلعت الشميسة) يتشكل الحوار من خلال الاحتكاكات الخارجية للشخصيات، والتي يمثلها مجموعة صبية، وهم يرددون الأغنية الشعبية الموصلية:
طلعت الشميسة
على قسط عيشة
عيشة بنت الباشا
تلعب بالخرخاشة (25)
نلحظ في هذه المسرحية توظيفات المؤلف من خلال الحوار لبعض مجريات الأحداث الحالية، كما في أصوات الإنفجارات التي حصلت أثناء اللعبة، ولكن مفارقة الحوار هنا في اللعبة أن الشمس لا تظهر، إذ تتلاشى من خلال الكسوف.
الريح: أعزائي كما أن الأرض تدور حول الشمس، كذلك القمر.
سالم: يدور حول الشمس؟
الريح: وحول الأرض أيضا.
سالم: حسنٌ، صدقت، وبعد..
الريح: وأثناء هذا الدوران، يقع القمر بين الأرض والشمس، فتختفي الشمس جزئياً أو كلياً، ولفترة محدودة عن الأرض، هذه ظاهرة طبيعية.
سالم: آه من القمر، ألا يكفي أنه صخور قاحلة جرداء؟
الريح: وهذه الظاهرة تسمى الكسوف.
سالم: لكن جدتي تقول..(26)
يحاول طلال حسن أن يخلق منظومة حوارية بين الأطفال، تعمل على ترسيخ ظاهرة طبيعية معينة، ولعله يبتغي بذلك إبراز الجانب التعليمي في المسرحية. كما نجد أن المسرحية تعتمد على الحوار الخارجي فقط، دون دخول المنولوج فيها.



الخاتمة:
- عمل طلال حسن الى تحويل النص الشعبي الى مسرحية بحرفية تمثلت في تحويله الى لغة مسرحية فصيحة.

- عزز طلال حسن خطابه المسرحي الذي يعكس مناداة الماضي في استدعاء غير مباشر لأهداف المسرحية التربوية، كما حاول أن يسهم في إضفاء صفة التعليمية على مسرحه ، وتمثل ذلك في مسرحية(طلعت الشميسة).
-
- قام طلال حسن بتحويل شخصيات مسرحياته من واقعها الشرير في الذاكرة الشعبية، ونقلها من المعتدية، الى شخصية معتدى عليها. وتمثل ذلك في شخصية(خجاوة).

- طرز طلال حسن نصه المسرحي بمقاطع ووصلات غنائية من الموروث الشعبي الموصلي، وبخاصة أغاني الألعاب الشعبية، وذلك تلبيةً لحاجات ذائقة(الفتيان) مما أدى الى استدعاءها في نصه المسرحي.‏ انسجاماً مع ما توافر من معطيات فلكلورية ذات صبغة شعبية تتعلق بأعراف وتقاليد مدينة الموصل.






هوامش البحث:
(1) من قضايا الإبداع المسرحي/ محمد مصطفى القباج/ 26 .
(2) محاورات في التجريب/ مجدي فرج /77 .
(3) التحويلية واستدعاء الموروث الحكائي للسرد المعاصر/عبد الرحمن الوهابي/
(4) ألعاب الأطفال وأغانيها في الموصل منتصف القرن العشرين(المضامين والدلالات) علي أحمد محمد/ مجلة دراسات موصلية/ العدد(31) 2010/
(5) فن الشعر /20 .
(6) فن كتابة المسرحية/ لاجوس آجري/ 240 .
(7) الدراما بين النظرية والتطبيق /487-490 .
(8) م. ن/ 490 .
(9) م . ن /493 .
(10) المعجم الفلسفي/ جميل صليبا/ 318 .
(11) مدخل علم النفس / ليندا . ل . دافيدوف / 617.
(12) م .ن /620 .
(13) الاتجاهات والحياة/ياسين طه طاقة /37-38 .
(14) قاموس التحليل الاجتماعي/ فيصل السالم/46
(15) قاموس علم الاجتماع /82
(16) النظرية الاجتماعية/ج.د.ه- كول/5 .
(17) هيلا يارمانه( مسرحيات للفتيان) طلال حسن /95-96 .
(18) هيلا يارمانه / 97 .
(19) م . ن/98 .
(20) م . ن /29 .
(21) هيلا يارمانه /33 .
(22) هيلا يارمانه / 43 .
(23) الحوار في الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح/ طه عبد الفتاح مقلد/ 13.
(24) م.ن/ 15.
(25) هيلا يا رمانة/ 49.
(26) م.ن/ 60-61.
المصادر والمراجع:
_ الاتجاهات والحياة/ ياسين طه طاقة /شركة آيد للطباعة الفنية/ بغداد/ العراق/1989 .
_ ألعاب الأطفال وأغانيها في الموصل منتصف القرن العشرين(المضامين والدلالات) علي أحمد محمد/ مجلة دراسات موصلية/ جامعة الموصل/ مركز دراسات الموصل/ العدد(31) 2010. _التحويلية واستدعاء الموروث الحكائي للسرد المعاصر/عبد الرحمن الوهابي/مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الآداب والعلوم الإنسانية/ مج(17) العدد (1) 2009/ عن المكتبة الافتراضية العلمية العراقية https://www.ivsl.org
- الحوار في القصة والمسرحية والإذاعة والتلفزيون/ طه عبد الفتاح مقلد/ مكتبة الشباب/ القاهرة/ 1975 .
- الدراما بين النظرية والتطبيق/ حسن رامز محمد رضا/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/1972 .
- فن الشعر / أرسطو طاليس/ ترجمة: إبراهيم حمادة/ مكتبة الأنجلو المصرية(د.ت)
- فن كتابة المسرحية/ لاجوس آجري/ ترجمة: دريني خشبة/ القاهرة، 1992

- قاموس التحليل الاجتماعي/ فيصل السالم/ مجموعة أبحاث الشرق الأوسط/ الكويت/ جامعة الكويت/ط1/1980 .
- قاموس علم الاجتماع/ محمد عاطف غيث/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ القاهرة/1979.
- محاورات في التجريب/ مجدي فرج / المجلس الأعلى للثقافة / القاهرة /1998 .
- مدخل علم النفس / ليندا . ل . دافيدوف /ترجمة: سيد عبد المرضي وآخرون/ الاتجاهات الثقافية للنشر والتوزيع/ القاهرة/ 1983 .
- المعجم الفلسفي/ جميل صليبا/ الشركة العالمية للكتاب/ بيروت/1994 .
- من قضايا الإبداع المسرحي/ محمد المصطفى قباج/ مطبعة النجاح/ الدار البيضاء/ المغرب/2000 .
- النظرية الاجتماعية/ج.د.ه- كول/ترجمة: عبد الوهاب الكيالي/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ القاهرة/1988 .
- هيلا يا رمانه (خمس مسرحيات للفتيان) طلال حسن/منشورات مركز دراسات الموصل/ جامعة الموصل/2012 .



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمس مسرحيات من التراث الموصلي ...
- رواية للفتيان الغزالة ...
- قصص قصيرة جداً أنا الذي رأى ...
- رواية للفتيان الملكة كوبابا ط ...
- مطاردة حوت العنبر
- سيناريوهات قصيرة قيس وزينب طلال حسن
- سيناريو عرس النار طلال حسن
- علي بابا
- رواية للأطفال الثعلب العجوز ...
- رواية للأطفال بيت بين الأشجار ...
- رواية للفتيان روح الغابة طلال حسن
- مسرح صفحات مطوية من الحركة المسرحي ...
- قصص للأطفال عصافير من مخيمات نينوى ...
- رواية للفتيان شبح الاهوار ...
- مسرحية للأطفال الكبش الأحمق طلال حسن
- قصة للأطفال شيشرون ...
- صندوق الدنيا طلال حسن
- قصة للأطفال ماما قصة : طلال ح ...
- الدبة الصغيرة
- الاوركا الحوت القاتل ...


المزيد.....




- هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!
- رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ يبحث عن ...
- رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري
- على طريقة الأفلام.. فرار 8 أشخاص ينحدرون من الجزائر وليبيا و ...
- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - مسرحة الموروث الشعبي -قراءة في مسرحيات (هيلا يارمانه) لطلال حسن-