أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للأطفال الثعلب العجوز طلال حسن















المزيد.....



رواية للأطفال الثعلب العجوز طلال حسن


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7947 - 2024 / 4 / 14 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


رواية للأطفال




الثعلب العجوز






طلال حسن





أميرة النهر

خرج التمساح من النهر , بعد أن التهم بطةً , وسمكتين كبيرتين . وتمدد فوق الشاطئ , وقد فتح فمه على سعته .
ورأى الزقزاق التمساح , فأسرع بالهبوط من عشه , ودخل
فمه , وراح يلتقط بقايا الطعام المحشورة بين أسنانه .وما إن شبع الزقزاق , حتى خرج من فم التمساح , ووقف على مقربة منه , ثم قال : أراك صامتاً ؟
فتنهد التمساح , وقال : إنني أفكر .
وضحك الزقزاق قائلاً: أعرف فيمن تفكر .
ومن بين أسنانه ,غمغم التمساح : العجوز اللعين .
فقال الزقزاق : دعك من هذا الثعلب .
وتمتم التمساح , وعيناه تلتمعان : الأميرة !
فهز الزقزاق رأسه , وقال : نعم , أميرة النهر , وقد سمعت أنها
انتهت من وضع سؤالها , الذي ستطرحه على من يريد الزواج منها.
وتساءل التمساح منفعلاً: أتعرفه ؟ السؤال .
فرد الزقزاق قائلاَ: لا , لم أعرفه بعد .
وبشيء من الغضب , قال التمساح : مهما يكن فلن يتزوجها أحد غيري .
وهمّ الزقزاق أن يقول شيئاً , لكنه لمح مجموعة من القراد , تنتشر بين حراشف ظهر التمساح , فهب من مكانه , وحط فوق ظهر التمساح , وراح يلتقط القراد الواحدة بعد الأخرى .
وأغمض التمساح عينيه , وأستغرق في تفكير عميق . وتوقف الزقزاق عن التقاط القراد , حين رأى السلحفاة تخرج من النهر .وتابعها بنظره , وهي تسير ببطء فوق الشاطئ , حتى اختفت وراء كثيب من الرمال .
وكاد التمساح يغط في النوم , حين شعر بالزقزاق ينقره على رأسه , ففتح عينيه متوجساً , وتساءل : ماذا ؟ الصياد ؟
فمال الزقزاق عليه , وهمس قائلاً : لا ترفع صوتك , أنظر , إنه أمامك . ونظر التمساح أمامه , وإذا الثعلب العجوز يقف بعيداً بين الأشجار , يتطلع اليه , وقد علت وجهه ابتسامة ساخرة . ولم يتمالك التمساح نفسه , فقال من بين أسنانه : لن يفلت مني , مهما كلفني الأمر , فقد جعلني أضحوكة على إمتداد النهر .
ثم صاح بأعلى صوته : أيها اللعين , لن تفلت مني .
واستدار الثعلب العجوز ملوحاً بذيله الكث , ومضى يتبختر حتى توارى بين الأشجار , فتمتم التمساح من بين أسنانه: قتلني هذا الذيل الكث , ولن أرتاح حتى أقطعه والتهمه ,أمام عيني صاحبه, الثعلب العجوز .
















السؤال


مرت الأيام ، والتمساح يتحين الفرص للإمساك بالثعلب العجوز ، وهو لا يفتأ يردد : لن يفلت اللعين مني، لن يفلت مني أبداً .
وطالما قبع تحت الماء , قرب ضفة النهر , لا يكاد يظهر منه غير عينيه الناريتين , لعل الثعلب العجوز يعطش , فيأتي النهر ,ليروي عطشه .
وأخيراً حانت الفرصة ,إنها الظهيرة , والشمس تتوقد وسط السماء , وها هو الثعلب العجوز , يقبل بحذره المعهود , وينحدر متلفة نحو ضفة النهر .
وتوقف متردداً , في أول الشاطئ , ورفع رأسه الى عش الوقواق , ربما ليتأكد من عدم وجود التمساح , لكن الزقزاق لم يكن في عشه .
وتلفت حوله بحذر ,ثم تطلع الى النهر , ولم يلحظ ما يثير الريبة ,فتقدم ببطء حتى وصل الضفة . ها هو الماء .. عذب .. وبارد ..و .. ما هذا ؟
وخفق قلبه بشدة .. أهو جذع شجرة .. أم ..؟ وفجأة انشق ماء الضفة عن فكين رهيبين , وسرعان ما وجد الثعلب العجوز نفسه , سجيناً بين أسنان التمساح .
وصعق الثعلب العجوز , وراح يتأتئ متوسلاً : مهلاً يا صديقي , مهلاً , مهلاً .
وضغط التمساح عليه بأسنانه وقال : سأطحنك بأسناني , وألتهمك , والأن أسكت .
ولم يسكت الثعلب العجوز , بل قال : لكنك ستطحن معي فرصتك في الفوز بأميرة النهر .
واحتد التمساح قائلاً : صه , لن تخدعني .
فتابع الثعلب العجوز : أعرف السؤال الذي ستطرحه أميرة النهر على من يريد الزواج منها .
وتراءت أميرة النهر للتمساح , تسبح رشيقة مزهوة ً, وسط النهر . فأرخى أسنانه عن الثعلب العجوز , وقال : حسن , ما هو هذا السؤال ؟
فأجاب الثعلب العجوز : السؤال هو , هل التمساح من البيضة , أم البيضة من التمساح ؟
وفتح التمساح فاه , هذه هي عادته حين يفكر ,لكنه شعر بالثعلب العجوز ينسل من بين فكيه , فأطبق عليه أسنانه متمتماً :عرفت الجواب , عرفته .
وتململ الثعلب العجوز , وقال : هذا يفرحني , لن يفوز بأميرة النهر أحد غيرك .
وأستطرد التمساح من بين أسنانه متمتماً : التمساح من البيضة .
وتساءل الثعلب العجوز : والبيضة ؟
ففتح التمساح فاه , وصاح : من .. التمساح .
وانتهز الثعلب العجوز الفرصة , وأخذ ينسل من بين فكي التمساح . وشعر التمساح بانسلاله , فأطبق أسنانه بسرعة , محاولاً الإمساك به . ورغم أنه شعر بجسمه , كث الشعر , يتلوى بين أسنانه , إلا أنه رأى الثعلب العجوز , يركض صارخاً , حتى توارى بين الأشجار .
وخرج التمساح من النهر , وتمدد على الشاطئ , وفتح فاه مفكراً : هل التمساح من البيضة , أم البيضة من التمساح ؟ آه يا للحيرة .













الزقزاق


أفاق الزقزاق على التمساح يناديه : أيها الزقزاق .
وتملكته الدهشة , فليس من عادة التمساح أن يناديه , في مثل هذا الوقت . ونهض عن بيضاته , وأطل من العش , وإذا التمساح يتمدد فوق الشاطئ , وقد فتح فمه على سعته .
وهبط الزقزاق , ودخل فم التمساح , ثم قال , يبدو أنك لم تأكل أي شيء .
فرد التمساح قائلاَ : ولا أريد أن أكل شيئاً .
وخرج الزقزاق من فم التمساح , وقال : ليتك تنسى الثعلب العجوز , وخداعه لك .
فحدق التمساح فيه , وقال : أنت أيضاً شاركت في خداعي .
ورد الزقزاق : لقد قلت ما سمعته .
وشفت عينا التمساح , وهو ينظر عبر النهر , وقال : سنلتقي اليوم , أنا وأميرة النهر قبل المساء , على شاطئ الضفة الأخرى .
وصمت لحظة , ثم التفت الى الزقزاق , وقال : لابد أن أنتقم من الثعلب العجوز , وعليك أنت أن تساعدني . وتراجع الزقزاق قليلاً , وهو يهز رأسه , فتابع التمساح قائلاً :استدرجه الى ضفة النهر , واترك الباقي لي .
وحلق الزقزاق عائداً الى عشه , وهو يقول : عفواً , هذه ليست مهمتي , أنا زقزاق .
ونهض التمساح , ومضى نحو النهر , يتمتم مغتاظاً : لولا حاجتي الى هذا الزقزاق اللعين , لطحنته بأسناني , وألحقته بذيل الثعلب العجوز .
ووصل الزقزاق العش , وكاد يحط على بيضاته , حين لمح ريشةً ناعمة ملونة , فوق العشب .وتراءى له صغاره , وقد خرجوا من البيض , يرقدون على حشية من الريش الناعم الملون . وبدون تردد , هبط من العش, ومد منقاره لالتقاط الريشة , وإذا الثعلب العجوز , يثب عليه من حيث لا يدري , ويأسره بين فكيه , آه هذه الريشة إذاً شرك .
وتململ الزقزاق متألماً , وقال :دعني أمضي , لابد لي أن أعود الى بيضاتي .
ورد الثعلب العجوز : سأدعك , وأعطيك ريشاً ملوناً إذا أطعتني وهز الزقزاق رأسه , فتابع الثعلب العجوز قائلاً: لقد أعددت للتمساح شركاً عميقاً , وراء هذه الأشجار , وما عليك إلا أن تستدرجه .
فقال الزقزاق : عفواً , هذه ليست مهمتي , أنا زقزاق .

وزام الثعلب العجوز بغضب , فتابع الزقزاق قائلاً : على أ ن أحذرك , أنت تعرفه .
وألقى الثعلب العجوز نظرة خاطفة الى ما تبقى من ذيله , وقال :لينتظر , سيدفع الثمن غالياً .
وهنا صاح الزقزاق : أهرب .. التمساح .
وفتح الثعلب العجوز فاه صارخاً : آ .آ.آ.
وأطلق سيقانه للريح , وسرعان ما تسمر في مكانه , حين سمع الزقزاق يهتف به : الى اللقاء .
ورفع رأسه الى أعلى الشجرة , وإذا الزقزاق يرقد في عشه مرتاحاَ , فلوح بيده مهدداً , وصاح : أيها اللعين , لن تفلت مني سأنتقم منك , ومن رفيقك الأرعن .. التمساح .









الموعد


تمدد التمساح على الشاطئ , منتظراً بفارغ الصبر, موعده مع الأميرة . وما إن مالت الشمس للغروب , حتى هب من مكانه, وانسل الى النهر , وراح يجذف بقوائمه ذات النسيج الشبكي , متجهاً نحو الضفة الأخرى .
وتراءت له أميرة النهر ،تنتظره متلهفة، فوق الشاطئ, وافاق على بطة ، تهب من عشها ، وتنطلق مذعورة ، لتتوارى بين أعواد القصب . ورفع رأسه ، يبحث على امتداد الشاطئ عن أميرته ،دون أن يعثر لها على أثر.
وصعد من النهر , ووقف على الشاطئ , يتلفت حوله , ثم تنهد قائلاً : لا بأس , إنها أميرة , فلأنتظرها .
وتمدد فوق الشاطئ , وفتح فمه على سعته , وبدون أن يدري ,راح يفكر : هل التمساح من البيضة أم البيضة من التمساح ؟ وهز رأسه , كأنما يريد إبعاد السؤال عن ذهنه, لكن السؤال عاد يلح عليه ثانية : هل التمساح من البيضة ؟ أم البيضة .. ,وأفاق على صوت أذابه : مساء الخير .
وفتح عينيه متمتما ً : أميرة النهر !
وتقدمت أميرة النهر رشيقة مزهوة , وقالت : عفواً , تأخرت قليلاً .فرد التمساح مضطرباً :لا عليك .
وحاول أن يبتسم قائلاً : الجو هنا رائع .
وصمت لحظة , ثم قال : لابد أنك كنت مشغولة بوضع السؤال.
وهمهمت أميرة النهر مبتسمة : هم م م م .
وتطلع التمساح اليها متردداً وقال : أرجو أن لا يكون صعباً .
فقالت أميرة النهر : الحق أنه صعب , صعب جداً .
وأرخت عينيها , وقالت : لكني لن أساله إلا لتمساح واحد.
وتطلع التمساح اليها , وقلبه يخفق بشدة , فقالت : هل تحبني ؟
ولاذ التمساح بالصمت , وقد تملكته الحيرة والحرج , فمالت عليه أميرة النهر , وقالت : السؤال واضح ؟
فرد التمساح : كل الوضوح .
ومال عليها بدوره , وقال : هل تريدين أن أجيبك عليه الأن ؟
فرفعت أميرة النهر اليه , وفرحتها ترفرف في عينيها , وقالت :لقد أجبتني .
ولاذا بالصمت فرحين , وسرعان ما تمددا جنباً الى جنب, على الشاطئ . وأطرق التمساح لحظة , ثم راح يتململ ,مغالباً ضحكته , كأن أحداً يدغدغه . ونظرت أميرة النهر اليه متسائلة ,فقال : اللعين .. تذكرته .. لا أدري لماذا.
وابتسمت أميرة النهر , وقالت : الثعلب العجوز ؟
فهز التمساح رأسه وقال : نعم , إنه الأن كالأرنب , بلا ذيل , اللعين , لقد أوهمني أنك وضعت سؤالاً محيراَ .
ونظرت اليه مستفهمة , فاستطرد قائلاً : هل التمساح من البيضة أم البيضة من التمساح ؟
ولاذت أميرة النهر بالصمت لحظة , ثم قالت : التمساح من البيضة ..أم البيضة من ... يا الله .. سيكون لنا بيض.. وسياتي منها تماسيح صغيرة جميلة .. لكن ..هذا اللعين .. التمساح من .. آه يا له من سؤال .
وعند منتصف الليل , أطل القمر من بين الأشجار ,ورأى التمساح وأميرة النهر , يتمددان جنباً الى جنب , على الشاطئ وتوارى خلف غيمة كبيرة , فمن أين له أن يعرف أنهما يفكران في : التمساح من البيضة أم البيضة من التمساح ؟





التماسيح الصغيرة


اقترن التمساح بأميرة النهر , وتناسيا في البداية الثعلب العجوز , وسؤاله المحير حول البيضة والتمساح, وقضيا أياماً حلوة , يسنحان معاً في النهر , او يتمددان جنباً الى جنب , على الشاطئ .
وطوال هذه المدة ،ظل الثعلب العجوز يترصد ردهما ، ويتحين الفرص للانتقام ، فقد اقسم أن ينتقم لذيله من التمساح ، أو ممن يمت إليه بأية صلة .
وذات يوم , رأى الثعلب العجوز أميرة النهر , تحفر حفرة قليلة العمق , في رمل ضفة النهر , وتضع فيها أكثر من عشرين بيضة , وتغطيها بالرمل . ولأنه لم يستطع أن يتصدى للتمساح , أو لأميرة النهر , فقد قرر أن يتصدى للبيوض ويحطمها الواحدة بعد الأخرى .
وعلى هذا , راح يحوم خلسة في الجوار , يتحين الفرصة للوصول الى البيوض , لكن دون جدوى . فقد كان التمساح وأميرة النهر ,يتناوبان على حراستها . وانت الفرصة , بعد أكثر من خمسة أسابيع حين مضى التمساح وأميرة النهر للنزهة في الضفة الأخرى . وانتهز الثعلب العجوز هذه الفرصة , فأسرع الى الحفرة , وأزاح منها الرمال , حتى ظهرت البيوض.
آه حانت ساعة الانتقام , لقد جعل التمساح منه أضحوكة, ثعلب بلا ذيل , حتى زوجته العجوز , لم تتمالك نفسها , وصاحت ضاحكة : حقاً , أصبحت أرنباً .
ورفع يده غاضباً , إنه ليس أرنباً , ولن يكون أرنباً , وها هو ينتقم لذيله من .. , وهمّ أن يهوي بيده على إحدى البيوض , حين أقبل الزقزاق يصيح : لا ..لا.. لا.
والتفت الثعلب العجوز إليه , وقال بحنق : لم تقل لا هكذا ,حين قطع التمساح ذيلي , وابتلعه .
واقترب الزقزاق منه قليلاً, وقال : هذه البيوض بريئة لا ذنب لها.
فرد الثعلب العجوز قائلاً :ذيلي أيضاً كان بريئاً ,فأين هو؟
وصرّ على أسنانه , وقال : سأكسرها ,وإذا اعترضتني, سأكسر معها عنقك .
وتراجع الزقزاق قليلاً , وصاح : أهرب , التمساح .
لكن الثعلب العجوز لم يهرب , ونظر اليه محنقاً , ثم قال: لن تخدعني هذه المرة ,التمساح وأميرة النهر يلهوان معاً, على الضفة الأخرى .
والتفت الى الحفرة , وأخذ منها بيضة , ونقر بأصبعه فوقها , فتفطرت وكأنها بيضة حمامة .وقهقه متشفياً , ونقر ثانية فوق البيضة , فغاصت إصبعه في داخلها , وفجأة كف عن القهقهة ،,وجحظت عيناه , وسحب إصبعه وهو يصرخ ,وإذا تمساح صغير يتعلق متلوياً بطرف إصبعه .
ونفض الثعلب العجوز يده مرتعباً , فتهاوى التمساح الصغير على الأرض , لكنه سرعان ما وقف على قوائمه الصغيرة ,وأطلق صيحةً عاليةً .
وعلى الفور , تفطرت البيوض جميعها , واندفعت منها تماسيح صغيرة . وشهق الثعلب العجوز متسمراً في مكانه , لا يدري ماذا يفعل . وانتفض الزقزاق , وحلق مبتعداً , وهو يصيح : أهرب .. أهرب .
وكأن الثعلب العجوز كان ينتظر هذه الصيحة , فقد تراجع مضطرباً الى الوراء , ثم أطلق سيقانه للريح.









حان الموعد


فزّ الثعلب العجوز , قبيل الفجر على التماسيح الصغيرة , تنشد من جديد :حان الموعد .. حان الموعد.
لقد صدق الزقزاق ،انهم يكادون ينتهزون من تدريباتهم، وهاهي ضربات أقدامهم ، و أصوات أناشيدهم ، ترتفع متوعدة ، يوما بعد يوم.
وتلفت حوله مرتعبا , ثم نظر إلى زوجته, وصاح: كفى, شخيرك يكاد يصيبني بالجنون.
فردت زوجته قائلة :إنني أشخر..
وصاح بزوجته ثانية: اصمتي, لا أريد أن اسمع صوتك.
وارتفعت من بعيد أصوات التماسيح الصغيرة, تنشد: حان الموعد.. حان الموعد. فقالت زوجته: اسمع أصواتهم.
واعتدلت في فراشها, وقالت: لو لم تتصدّ للبيوض ، وتحاول تحطيمها ، لربما كنت الآن مرتاحاً .
وهب من مكانه ، ومضى مسرعاً إلى الخارج ، وهو يصيح : لن أرتاح ، وذيلي قد ..
فهزت زوجته رأسها ، وقالت : يا إلهي لقد فقد عقله ، منذ أن فقد ذيله ..
وتوقف الثعلب العجوز ، على مقربة من بيته ، متردداً ، حائراً ، لا يدري أين يتجه . وكمنت السلحفاة ، بين الأعشاب ، تترصده متمتمة : لعله هو ، نعم ، فمن يحاول تحطيم بيوض التمساح ، لن يتورع عن تحطيم بيوض سلحفاة مثلي .
وارتفعت أصوات التماسيح الصغيرة ، تنشد : حان الموعد .. حان الموعد .. حان الموعد .
فاستدار خائفاً ، منفعلاً ، وانطلق نحو الغابة ، يسير على غير هدى . ومرّ بالأرنب ، وسط الغابة ، دون أن يلتفت إليه . وقهقه الأرنب ، وصاح : مرحباً ، يا أخي .
وتوقف الثعلب العجوز ، مغالباً انفعاله ، فأشار الأرنب نحو الشاطئ ، وقال : اسمع ، إنهم يتدربون ، منذ أيام ، بإشراف التمساح وأميرة النهر .
فرد الثعلب العجوز قائلاً : هذا ليس شأني .
فقال الأرنب ساخراً : عفواً ، عفواً ، يا أخي ، لقد نسيت أنك لم تعد ثعلباً .
وكشر الثعلب العجوز عن أنيابه ، وهم بالانقضاض على الأرنب . فانتفض الأرنب ، ومضى يتقافز ضاحكاً ، وهو يقول : مهما يكن ، فأنت أخي تعال إلي ، حين تجوع ، لدي الكثير من الجزر .
ووقف الثعلب العجوز ، يتلفت حوله حائراً لا يدري ماذا يفعل ، وإلى أين يمضي ، وكما تتجه الفراشة نحو النار ، اتجه الثعلب نحو النهر .
ومن مكان مرتفع ، أطل على الشاطئ , وإذا التماسيح الصغيرة ، تمر في صفوف منتظمة ، أمام التمساح وأميرة النهر ، منشدة : حان الموعد .. حان الموعد .. حان الموعد .
ولسبب ما ، أحس التمساح ، أن الثعلب العجوز ، يقف فوق المرتفع ، فالتفت إليه ، و حدجه بعينين ناريتين ، ثم رفع يده مهدداً ، وصاح : أيها اللعين ، لن تفلت ، سألتهمك ، و ألحقك بذيلك .










ما العمل ؟

لم ينسى الثعلب العجوز ، ولن ينسى ، كيف حدجه التمساح بعينين ناريتين ، وصاح مهدداً : لن تفلت مني ، سألتهمك ، والحقك بذيلك .
وعبثاً قاطع النهر ، ولاذ ببيته ، فقد راح التمساح ، ينقض عليه في المنام ، ويلتهمه ، فيهب من نومه صارخاً : لا أرجوك ، لا تلتهمني .
وضجت منه زوجته ، وخاطبته مؤنبة : تماسك ، وإلا أصبحت أضحوكة للثعالب .
فرد قائلاً : لو رأيت عينيه لما قات لي .. تماسك .
وتأففت زوجته ، وقالت : ستفقد عقلك إذا بقيت على هذه الحال .
وتهاوى الثعلب العجوز ، وقال : ما العمل ؟ أخبريني ، أريد حلاً .
وحدقت زوجته فيه ، ثم قالت : صالحه .
وتمتم مذهولاً : أصالحه !
فردت زوجته قائلة : هذا هو الحل .
ولاذ بالصمت برهة ، ثم نهض متمتماً : الزقزاق .
وفي الحال ، انطلق الثعلب العجوز مسرعاً . ولحسن حظه ، وجد الزقزاق يرقد في عشه ، وحوله صغاره يلهون ، فبادره قائلاً : صديقي العزيز ، جئتك في حاجة .
وأطل الزقزاق من العش ، وقال : خيراً .
فرد الثعلب العجوز : : كل خير ، يا صديقي ، أريد أن أصالح التمساح .
ورغم دهشته ، ابتسم الزقزاق ، إنه خير حقاً .
وتابع الثعلب العجوز قائلاً : وأريدك ، أنت بالذات ، أنت تتوسط بيننا .
وبدون تردد ، نهض الزقزاق ، وحلق متقدماً الثعلب العجوز ، قائلاً : هيا ، عسى أن يعم السلام بينكما أخيراً .
فأسرع الثعلب العجوز في إثره ، وهو يقول : هذا ما آمله.
وعلى الشاطئ ، وجدا التمساح متمدداً وحده ، وقد فتح فمه على سعته ، وتوقف الثعلب العجوز خائفاً ، فقال الزقزاق : انتظرني هنا .
فتمتم الثعلب العجوز : أشكرك .
ومضى الزقزاق وحده ، فرمقه الثعلب بنظرة خاطفة ، وقال : أرى اللعين معك .
ورد الزقزاق قائلاً : لا .. لا .. لا .
وسمعه الثعلب العجوز ، فقال متوسلاً : أرجوك دعنا نتصالح .
فرد التمساح قائلاً : لا للقاء ، ولا للصلح ، ولا .. آه .. نسيت ألا الثالثة ، مهلاً سأتذكرها ..
وصمت لحظة ، ثم قال : لدي حل ، تعال ..
ووقف الثعلب العجوز متوجساً ، فنهض التمساح ، وقال:
سأكلمك ، صحيح أنني لا أستطيع أن أعيد لك ذيلك ، لكني أستطيع أن ألحقك به .
وقبل أن ينتهي التمساح من كلامه ، انطلق الثعلب العجوز عائداً إلى البيت ، متمتماً بحنق : لا للقاء .. ولا للصلح .. ولا .. آه .. وجدت لائي الثالثة .. لا لزوجتي المجنونة ، لا بد أن أقطع ذيلها ، فقد كادت تلحقني بذيلي.















التمساح الصغير

هزته زوجته ، وقالت :لقد انتصف النهار .
فأعتدل الثعلب العجوز , وقال متثائباَ : لينتصف , أنا أفضل الصيد ليلاَ.
وتنهدت زوجته بمرارة وقالت : ليلاً! أنت لم تعد تصطاد شيئاً ,
لا في الليل ولا في النهار , ولولاي لمت من الجوع .
وأطرق الثعلب العجوز رأسه , وقد لاذ بالصمت , فقالت زوجته: يا إلهي , هذا لا يطاق ,لن أبقى هنا ،سأعود الى اهلي في الجبال.
ونهض الثعلب العجوز , وغادر البيت , دون أن يرد عليها بكلمة واحدة . وسار في الغابة , يبحث دون جدوى عما يصطاده. حقاً لقد شاخ , وضعفت قواه , وفوق ذلك بدأت زوجته تهدده بأنها ستتركه , وتعود الى أهلها .
وفي نهاية المطاف , قادته أقدامه المتعبة كالعادة الى النهر , وأطل خلسة من كثيب مرتفع ,وقلبه يخفق بشدة . ولم يشعر بشيء من الاطمئنان ,إلا حين رأى التمساح وأميرة النهر ,يتمددان جنباً الى جنب ,على الضفة الأخرى .
وجلس فوق الكثيب , وراح يراقب التماسيح الصغيرة , تطارد الأسماك وسط النهر . وتمنى لو يصطاد سمكة , فهو لم يذق طعم السمك منذ أشهر عديدة , لكن هذا مستحيل , ما دامت كل هذه التماسيح تترصده طول النهار.
وحانت منه نظرة , فلح على الطرف البعيد من الشاطئ, تمساحاً صغيراً يرقد على الرمال . ولسبب ما بدا له , أن هذا التمساح , يختلف عن التماسيح الأخرى ,فنهض من مكانه ,وتسلل نحوه على حذر , وقلبه يحدثه بأنه قد يذوق أخيراً طعم السمك .
واقترب الثعلب من التمساح الصغير , وأقعى على مسافة أمنة منه , وحياه قائلاً: مرحباً يا بني .
فالتفت التمساح الصغير اليه , وحدق فيه ملياً , ثم قال: أنت تريد سمكة .
وتملكته الدهشة , لكنه سارع يهز رأسه موافقاً . فابتسم التمساح الصغير , وقال : هذا ما خمنته .
ونهض التمساح الصغير , فأجفل الثعلب العجوز , وكاد يطلق سيقانه للريح . وابتسم التمساح الصغير ثانية , وقال : تبدو متوتراً , أجلس , لا داعي للخوف .
واتجه الى النهر , وهو يغمز للثعلب العجوز قائلاً : انتظر, سآتيك بسمكة تشبعك .
واسل الى الماء، يجذف بقوائمه الصغيرة ،ودار وسط النهر ،ثم غاص الى الاعماق .وسرعان ما ظهر ثانية، وفي فمه تتخ سمكة متوسطة الحجم ،اراه الثعلب العجوز، فاشرق وجهه فرحا ،ومنى نفسه بوجبة طيبة.
وخرج التمساح الصغير من النهر ,و ألقى السمكة قريباً من الثعلب العجوز ، وقال : تفضل .
وبدون تردد ، أسرع الثعلب العجوز إلى السمكة ، وفتح فمه لالتقاطها ، وإذا التمساح الصغير ، ينقض عليه ويطبق على أذنه. فانتفض الثعلب العجوز صارخاً ، وانطلق بسرعة إلى البيت .
ودفع الباب وصاح مولولاً : آ .. ه .. أين أنت .. يا زوجتي ؟ تعالي انظري .. ما يجري لي .
وصمت لحظة ، وهو يتلفت حوله ، ثم تمتم : يبدو أنها نفذت تهديدها هذه المرة ، وذهبت إلى أهلها في الجبال .
وتهاوى متحسساً ما تبقى من أذنه ، وقال : يا ويلتي ، سأنتهي حتماً على أيديهم ، إنهم يلتهمونني قطعة بعد قطعة .






السلحفاة

بعد أن هجرته زوجته ، لم يعد للثعلب العجوز من رفيق سوى الجوع . وطالما جلس ليلاً ، فوق الكثيب المطل على شاطئ النهر ، يفكر في طريقة ، يحصل بها على ما يحتاجه من الطعام .
وذات ليلة مقمرة ، مرت به السلحفاة ، وهي في طريقها إلى النهر ، وحيته قائلة : مساء الخير .
فرد عليها باقتضاب : أهلاً .
وتوقفت السلحفاة متنهدة ، وقالت : إنني متعبة ، لولا الوليمة لبقيت في البيت .
وتطلع الثعلب العجوز إليها ، دون أن يتفوه بكلمة ، لكن أمعاءه الخاوية ، دمدمت شاكية نيابة عنه ، فقالت السلحفاة : تبدو جائعاً.
وتململ الثعلب العجوز ، وقال : ليس كثيراً .
فقالت السلحفاة : تعال معي ، وستشبع .
ولاذ الثعلب العجوز بالصمت ، فقالت السلحفاة : هذه الوليمة لا تفوّت ، هيا معي ، هيا .
وانحدرت السلحفاة نحو الشاطئ وتلفت الثعلب العجوز حوله ، ثم انحدر في إثرها ، وقال : أين تقام هذه الوليمة؟


فتوقفت السلحفاة عند حافة النهر ، وقالت : في الضفة الأخرى .
وتوقف الثعلب العجوز خائفاً ، وقال : في الضفة الأخرى! يا إلهي ، إنني لم أعبر النهر من قبل .
فالتفتت السلحفاة إليه ، وقالت : لا تخف ، ستعبره فوق ظهري ، تعال .
وتقدم الثعلب العجوز ، وتكوم فوق ظهرها ، وقال متأتئاً: أرجوك يا عزيزتي .. لا تسرعي .. اسبحي ببطء .
وخاضت السلحفاة في الماء ،والثعلب العجوز يتمايل خائفاً ، فوق ظهرها ، ثم راحت تسبح مبتعدة عن الشاطئ، وهي تقول : اطمئن ، إن ما تبقى منك بين يدي.
ولاذ الثعلب العجوز بالصمت ، رغم أنه لم يرتح للهجة السلحفاة ، وفي منتصف النهر توقفت السلحفاة ، وقالت : هنا يبلغ العمق ذروته .
وسكتت لحظة ، ثم قالت : علمت أنك كسرت بيوضي .
فشهق الثعلب العجوز متأتئاً : أ .. أ .. أنا !
وردت السلحفاة : هذا ما أخبرني به التمساح .
فصاح الثعلب العجوز : لا تصدقيه ، إن التمساح هو أكبر كذاب على امتداد النهر .
وقبل أن ينتهي من كلامه ، انشق ماء النهر عن التمساح ، فتمتم الثعلب العجوز مرتعباً : آه يا إلهي ، سيلتهم ما تبقى مني .
وفتح التمساح فمه على سعته ، وبدت أسنانه تتلامع في ضوء القمر ، ثم قال : انظر ، أهذا فم يكذب ؟
وتطلع الثعلب العجوز إلى التمساح ، وقد أخرسه الخوف، فقال التمساح : لن ألتهمك ، وأريحك ، بل سأجعلك تصيح وتستغيث ، دون جدوى ، حتى البحر .
ودار في النهر ، ثم عاد يدفع أمامه جذع شجرة . والتقط بفمه الثعلب العجوز ، ووضعه فوق جذع الشجرة ، فتشبث الثعلب العجوز بالجذع ، وصاح متوسلاً : أرجوك .. سامحني .
ودفع التمساح جذع الشجرة ،وقال :اذهب ،ان القروش تنتظرك في البحر.
وراح الثعلب العجوز يصيح ويستغيث, متراقصا بين الامواج ،حتى ابتلعه الظلام .


29/ 5/ 1987



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية للأطفال بيت بين الأشجار ...
- رواية للفتيان روح الغابة طلال حسن
- مسرح صفحات مطوية من الحركة المسرحي ...
- قصص للأطفال عصافير من مخيمات نينوى ...
- رواية للفتيان شبح الاهوار ...
- مسرحية للأطفال الكبش الأحمق طلال حسن
- قصة للأطفال شيشرون ...
- صندوق الدنيا طلال حسن
- قصة للأطفال ماما قصة : طلال ح ...
- الدبة الصغيرة
- الاوركا الحوت القاتل ...
- حوارات مع أديب الأطفال ... طلال حسن
- رواية للفتيان مرجانه ...
- قصص للأطفال عصر الديناصورات ...
- قصة للفتيان اب ...
- قصة للأطفال الغرير الصغير ...
- قصص قصيرة جداً عبارة الموت ...
- ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
- محطاتي على طريق أدب الأطفال ...
- أسد من السيرك


المزيد.....




- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للأطفال الثعلب العجوز طلال حسن