أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الثالث)














المزيد.....

إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الثالث)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7992 - 2024 / 5 / 29 - 01:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- هل نحن دائما منطقيون أصلا دون أن نعرف؟
لا يقتصر الهوس الليفيناسي بالفكرانية على الظواهر فحسب، بل على أي مقاربة تتطلب وجود معطيات واعية حتى نتمكن من فهم محيطنا. لذلك، ليس الامتياز الممنوح للمقاربة الانعكاسية تجاه العالم هو ما يعارضه ليفيناس فحسب، بل أيضا خضوع هذه العلاقة لوجود المعطيات المعرفية التي تمثلها. إنه لا يثق في فكرة أن الحياة الفكرية لها الأسبقية على الحياة المعاشة، وبالتالي تسجنها في الخلايا المثالية لعقولنا المكونة. ومع ذلك، ومن المفارقة أن هذا النقد لأولوية الفكر يتحول عندما يسلط ليفيناس الضوء على موضوع الدلالة الذي بفضله يتم رفض دور وساطة التمثيل لإفساح المجال لوساطة الحواس. وهو يرى أن الأطروحة المقاصدية تتحرر بالتالي من شرط التمثيل لأنه من خلال المعاني نستهدف أولاً الأشياء. هذه الملاحظة، التي يحركها نقاش ليفيناسي داخلي يتحدى مناهضته للفكرانية، تكشف عن مزايا الفلسفة التي تحررنا من القيود الغنوصية أو الوجودية. لكي نرتبط بأشياء العالم، لا نحتاج بالضرورة إلى معرفتها أو تمثيلها أو تأكيد وجودها: يكفي أن نستهدفها رمزيا من خلال معاني مثالية.
إن نقطة التحول الحاسمة هذه التي جلبتها النظرية الفينومينولوجية للمعنى تقدم إعادة تأهيل محتملة للنظرية الهوسرلية، ولكنها تستمر في تفعيل أي اتجاه عقلاني-مثالي يتخذ الجهة المنطقية كنقطة انطلاق في العلاقة مع محيطنا.
هكذا، لم يؤاخذ ليفيناس الشاب هوسرل كثيرا على رغبته العلمية في توضيح طريقتنا في الوجود من خلال وصف ما يحدث في الوعي، بقدر ما لامه على كونه عندما لم يذهب كفاية بعيدا في رفضه لأي افتراض (حتى ولو كان مهما)، أسس لسيادة روح مجثتة، منفية من الحياة التي مع ذلك تكيفه.
إذن، المنزع النظري في حد ذاته ليس مدعاة للملامة في نظر ليفيناس.
أمام قارئ منزعج بإدانة ليفيناس للفكرانية (وإلا لماذا يتنصل في الواقع من موقف متأصل في طريقتنا في الوجود؟)، يجب علينا أن نتجنب أن ننسب إليه عدم ثقة فلسفية زائفة ونسلم بأن ليفيناس يعترف بسهولة بمزايا النظرية والمعرفة. تمنح الكفاءة المقاصدية، وفقا له، قدرا معينا من الاستقلالية والحرية الروحية، اللتين تشيران إلى قوتنا على التأكيد حيال العالم، رغم عدم كفايتهما على المستوى العملي للفعل. في التواصل الاجتماعي، يبدو الموقف النظري ضروريًا بالنسبة له لأنه أساس العدالة. لكي نكون منصفين، يجب أن نكون قادرين على المقارنة والحكم على الأشخاص، الأمر الذي يستوجب اللجوء أولا إلى عقلنا ومعرفتنا ثم بعد ذلك فقط إلى شعورنا الأخلاقي بالمسؤولية.
بالإشارة إلى ما يسميه هوسرل بـ "القبحملي"، أي الفكرة التي نكونها عن موضوع سابق لنشاط الحكم المنطقي المحض، يستحضر ليفيناس الإعلان الهوسرلي الشهير: "نحن دائما منطقيون أصلا دون أن نعرف ذلك". في نفس العبارة تقريبا التي اعتاد ليفيناس على استحضارها باللغة الألمانية: « wir sind schon Logicker, ohne es zu wissen»، يتلخص دور النظرية الذي لا يمكن إنكاره. إن التجربة المقاصدية التي تسبق أي تأكيد على الصدق أو الكذب تجعل من الممكن تفسير إدراك الأحداث قبل إخضاعها للاستدلال. لأنه قبل أي تمثيل، وعلى مستوى الإدراك الحسي، فإننا نمتلك بالفعل جميع الاستعدادات اللازمة لنصبح منطقيين ولتوضيح الأحداث ووصفها. بفضل القصد الذي يصاحب دلالة فعل فكري (القصد الدلالي)، فإن تصور رجل في الشارع، والذي يعطيه هوسرل كمثال، يوفر فكرة قبحملية عن الرجل؛ يتعلق الأمر بإلمام عقلي معين يتم تصحيحه لاحقا عندما نقترب منه، نلاحظ أنه دمية في الواجهة ( التجربة والحكم). وهكذا، كما يقول ليفيناس، قبل الإنجاز الذي يؤكد أو ينفي توقعاتنا، وقبل تدخل الحكم الذي يقيم الدليل، فإننا نمتلك أصلا القوة العقلية للتعبير عن العالم (عن حق أو عنىخطإ).
يبقى أن صعوبة قبول فكرة أن علاقتنا بالعالم مؤهلة في المقام الأول لتكون منطقية أو نظرية هي التي تحدد تساؤل ليفيناس، تساؤل يضعف الفرضية الفكرانية، وخاصة القناعة الموضوعانية لدى هوسرل، وكذا غلبة الشريحة التأملية. يتعلق الأمر بإشكاليات شديدة التنوع حتى لو كانت جميعها تعنى بنفس الافتراض النظري الذي لم يتوقف أبدا عن إزعاج ليفيناس. تشهظ على ذلك الرسالة التي وجهها إلينا الأستاذ جاك كوليت:
«قرأت في ملاحظاتي: هل الفينومينولوجي ساذج إلى هذه الدرجة؟ من خلال النزول إلى أعماق الإدراك، سندرك ببساطة أن كل شيء منطقي اصلا بحكم الأمر الواقع. لماذا نعتبر أنه من الضروري أن يكون الروحي دائما واعيا بشيء ما؟ ألا توجد مقتضيات أخرى سابقة على الوجود المعطى؟ هذه بعض الأسئلة النادرة التي صاغها [ليفيناس] بشكل تلميحي، في ندوات هذه الفترة التي كانت تهدف فقط إلى شرح نصوص هوسرل”.
ليست إذن القدرة البشرية الرائعة التي تستمد مصادرها من عالم الدوكسا هي ما سعى ليفيناس إلى التشكيك فيه، بل الدور الأساسي الممنوح لهذه القدرة النظرية هو الذي يجعلنا أسرى لأولوية فكرنا الخاص. إنها إذن المفارقات الفلسفية التي تأتي من فكرة أن الموقف النظري يشكل المصدر بامتياز لفهمنا للعالم هي التي يجب وضعها في الواجهة لكشف العناصر الليفيناسية الأصلية التي انطلاقا منها ينتظم فكره. لا تهدف هذه الاعتراضات إلى اتهام هوسرل بتفضيل الوعي في العلاقة مع العالم فحسب، بل إنها تكشف أيضا أسباب قلب النموذج الهوسرلي الخاص بكتابات نضوج ليفيناس. تلك أسباب تكون أحيانا موضع شك نظرا لقراءته للفينومينولوجيا، ولكنها تسمح لنا أيضا باكتشاف طريق يأتي من ضفة أخرى، في ما وراء التأملات.
(يتبع)
المرجع: https://www.cairn.info/revue-internationale-de-philosophie-2006-1-page-35.htm



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدار البيصاء: تفاصيل ومعلومات عن انهيار عمارة حي بوركون
- لقاء لتكريم روح إدمون عمران المالح، نصير التنوع
- الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يوجه رسالة إلى الجهات ا ...
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج ...
- الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تنظم ندوة صحافية حول تطورات و ...
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج ...
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة (2/2)
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين المرأة والرجل (2/1)
- جاك دريدا وعبد الكبير الخطيبي ارتبطا بعلاقة صداقة من نوع خاص
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/2)
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي
- غزة: كيف السبيل إلى خروج إسرائيل منها؟
- النقابة الوطنية للإعلام والصحافة/ كدش تدعو كافة الصحافيين لل ...
- الحرب على غزة: كيف السبيل إلى الخروج منها؟
- سوق السبت: كلمة عادل البوعمري في إحياء الجمعية الوطنية للمعط ...
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/1)
- المرصد المغربي لمناهضة التطبيع يوضح كيف انفجر الوسام في وجه ...
- مترجم/ جان كافاييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشك ...
- مترجم/ جان كافييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشكل ...


المزيد.....




- اللحظة -الأخطر- منذ الحرب الباردة.. كيف تعمل إيران وروسيا وا ...
- -لن يفلت أي مخطئ من العقاب-.. السلطات المصرية تحقق بحادث تصا ...
- مصر وحوادث السكك الحديدية.. قاطرة تصطدم بقطار للمسافرين في ص ...
- هل يجب حظر حزب -البديل-؟ - انقسام في الرأي العام الألماني
- -حزب الله- ينفذ عددا كبيرا من العمليات ضد الجيش الإسرائيلي ا ...
- غالانت: بقي لدى -حزب الله- أقل من ثلث صواريخه وقذائفه وسندمر ...
- ميلوني لنتنياهو: قصف قوات الـ-يونيفيل- في لبنان غير مقبول
- صربيا تدرس مسألة الانضمام إلى مجموعة بريكس
- السوداني يجدد تحذيره من توسعة الصراع في المنطقة
- عراقجي: بذلنا جهودا هائلة لاحتواء حرب شاملة بالمنطقة ولا خطو ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الثالث)