أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الثاني)















المزيد.....

إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الثاني)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7990 - 2024 / 5 / 27 - 00:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- حواجز الفكرانية الفلسفية
إن المكانة الخاصة التي تتمتع بها الفينومينولوجيا، وهي النظرية التي تكشف الحياة، تحللها وتميزها مع احترام طبيعتها الخاصة، أكسبتها إعجابا كبيرا من لدن الفيلسوف الشاب الذي كان يستعد ليكون أحد الرواد الذين جاءوا بالفكر الهوسرلي إلى فرنسا. وهكذا، من أجل تناول نشأة فكره انطلاقا من تجذره الهوسرلي يجب التأكيد على التغيير المفاجئ في موقف ليفيناس تجاه الفينومينولوجيا، التي تعتبر، من ناحية، منهجا نظريا لا يشوه الإحساس بالواقع فحسب، بله غير قادر على التحرر من حكم مسبق فكراني يحدده ليفيناس على النحو التالي:
"الموقف الأول والأساسي تجاه الواقع موقف نزيه، تأمل خالص، تأمل يعتبر الأشياء مجرد أشياء . المحمولات القيمية، خصائص الشيء المعتاد، بما هو معتاد، هي خلفية فقط. إن عالم النظرية أولي".
قادت اعتبارات العلاقة ذات-عالم ليفيناس إلى اتهام الفينومينولوجيا بإهمال المعنى الذاتي والخاص الذي يحمله كل شيء بالنسبة إلينا من أجل تفضيل دلالته الموضوعية الأكثر انتشارا والمقبولة بشكل عام. إن موضوعية الأفاهيم مثل المعتاد، الجمالي، الضروري مثلا، تحل محل الجانب الذاتي البحت الذي تحمله خصائص الشيء بالنسبة إلينا. إن أساس هذا الاتهام بالتشييء المفرط لا يرجع بالتالي إلى عدم الاهتمام المفاجئ في هذه المقاربة بما يتعلق بالواقع الفعلي، لأننا رأينا للتو أن أصالتها ترتكز على لقاء حقيقي بين عالم الحياة وعالم الروح؛ بالفعل، الفينومينولوجيا ليست سوى تنظير حول عناصر العالم التي تعطي نفسها لنا كما هي. إن حكم ليفيناس النقدي يرجع بالأحرى إلى حقيقة أن الفينومينولوجيين يعودون إلى المفاهيم المكونة (الماهيات) للأشياء، متناسين قيمتها الشخصية – العاطفية أو النفعية أو غير ذلك – وبالتالي ثروتها الحقيقية لذات الفرد. فرغم تبعية العلوم للمعطيات التي توفرها لها التجربة، ورغم الموقع الثانوي لهذه العلوم بالنسبة لاكتساب المعطيات، إلا أنه يبدو أن الفينومينولوجيا، إذا ما اعتبرت هنا نموذجا للمنهج النظري، لا تستطيع أن تحرر نفسها تماما من موقفها التأملي.
ومن أجل تجنب مثل هذا الموقف تجاه العالم، تبنى ليفيناس مقاربة مختلفة عن تلك التي اقترحه هوسرل، ولكن دون اقتراح بديل آخر في كتاباته وتعليقاته. البديل الوحيد الذي قدمه يظهر بعد ذلك في إشارة موجزة إلى المفهوم الهايدجري عن الاهتمام، معتبرا الحياة مجالا للنشاط وليس مجالا للاستثمار المقاصدي. فرغم التقدم الذي حققته الفينومينولوجيا الهوسرلية والذي سمح لها بالحفاظ على الاتصال بالجانب الحي والماموس للحياة، إلا أن هذا المنظور ظل ينظر إلى الوجود انطلاقا من وجهة نظر نظرية وليس انطلاقا من وجهة نظر نشطة، مشاركة في الوجود ومرتبطة بالوجود. إن مثل هذا الموقف يوفر منهجا علميا صالحا على نحو كوني، لكنه لا يكفي للتساؤل الفلسفي لأنه يتطلب أولاً المرور عبر النظرية لاكتشاف أسرار اتصال الإنسان بالطبيعة. إن طريقة مثل تلك التي قدمها هوسرل تفحص العالم انطلاقا من تعبيراته في الوعي (المعاني المقصودة التي تنتظر تحقيقها عن طريق الحدس) وليس انطلاقا من نشاط التدخل المتبادل (بين الذات والعالم) والتعامل مع الذات. ولذلك تظل أولوية المثال (eidos) والعلم على الواقع المعاش أسيرة، في نظر ليفيناس، لاعتبار انعزالي تجاه العالم:
"لكن هنا مرة أخرى، يمكن لنا أن ننتقد هوسرل بسبب فكرانيته. فإذا وصل إلى فكرة عميقة جدا مفادها أن عالم العلم في النظام الأنطولوجي متأخر عن عالم الإدراك الملموس والغامض، ويتوقف عليه، فربما كان مخطئا عندما يرى، في هذا العالم الملموس، عالما من الأشياء المدركة قبل كل شيء. هل موقفنا الأول تجاه الواقع هو موقف التأمل النظري؟ ألا يقدم العالم نفسه، في جوهره، كمركز للفعل، كمجال للنشاط أو الاهتمام، على حد تعبير مارتن هايدجر؟".
يشير مفهوم الاهتمام هنا بشكل خاص إلى الفكرة الهايدجرية المتمثلة في الوجود مع الآخر. بطريقة غريبة شيئا ما، سمح هايدجر لليفيناس بأن ينسب إلى هوسرل أطروحة ليست له، من خلال المزج بين وجهتي نظر متعارضتين: الأولى تدعي أن كل اتصال بالعالم يخضع أولاً لاعتبار العقل (المنظور الهوسرلي) و وترى الأخرى أنه يكفي استخدام الشيء بهدف اللجوء إليه دون الحاجة إلى التعرف عليه مسبقا (المنظور الهايدجري). وهكذا يستخدم ليفيناس الموقف الهيدجري لانتقاد هوسرل، معتقدا أن الأشياء، كونها في متناولنا، موجودة أولاً لتثير "اهتمامنا" وتشجعنا على استخدامها. في مثال هايدجر، يضرب الحداد الحديد بالمطرقة طوال اليوم دون أن يفكر فيها عند كل مرة يرفع فيها يده ليضرب بها مجددا الحديد، وبالتالي يضحي بمبدأ الانعكاس الفينومينولوجي، أي النية السابقة على الاستخدام. بيد أن ليفيناس أوضح على الفور أنه من خلال تفضيل وجهة النظر هذه، فإننا نخاطر بفقدان الوجود المصطنع للعالم والمشاركة الملموسة للإنسان في عالم الحياة. وفي مقابل “الفلسفة الفكرانية” التي “تسعى إلى معرفة الإنسان ولكنها […] تترك جانباً فعالية الوجود الإنساني ومعنى هذه الفعالية”، يضع ليفيناس بالتالي في النقام الأول فلسفة “هايدغر [الني] جلبت فكرة الفهم الذي لا يختلف فعله عن التأثير وفعالية الواقعة". لكن السؤال الرئيسي، وهو ما إذا كان الاتصال الأصلي بالعالم هو تنظيري (مقصود) أو غير تنظيري (عملي، وظيفي، محسوس أو غير ذلك) ما يزال مهما. وهذا هو السبب وراء ظهورها مرة أخرى في جميع مراحل الفلسفة الليفيناسية، وخاصة في العمل الناضج "الشمولية واللامحدودية" (196)، حيث نجد المستوى الأول من الانعكاسية المسبقة، الفعالة، في الاستمتاع المحسوس بالطعام. هنا، صادفنا الشرط الأول لليفيناس وهو الوقوف على أرضية الملموس؛ ويبقى لنا أن نرى كيف تتم إعادة ترجمته لاحقا على مستوى ما قبل الانعكاسي في شكل لا هو أنطولوجيا ولا هو نظري، بل مجرد تجربة.
(يتبع)
المرجع: https://www.cairn.info/revue-internationale-de-philosophie-2006-1-page-35.htm



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تنظم ندوة صحافية حول تطورات و ...
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج ...
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة (2/2)
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين المرأة والرجل (2/1)
- جاك دريدا وعبد الكبير الخطيبي ارتبطا بعلاقة صداقة من نوع خاص
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/2)
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي
- غزة: كيف السبيل إلى خروج إسرائيل منها؟
- النقابة الوطنية للإعلام والصحافة/ كدش تدعو كافة الصحافيين لل ...
- الحرب على غزة: كيف السبيل إلى الخروج منها؟
- سوق السبت: كلمة عادل البوعمري في إحياء الجمعية الوطنية للمعط ...
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/1)
- المرصد المغربي لمناهضة التطبيع يوضح كيف انفجر الوسام في وجه ...
- مترجم/ جان كافاييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشك ...
- مترجم/ جان كافييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشكل ...
- مترجم/ جان كافاييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشك ...
- المكتب التنفيذي لكدش وهو يستحضر ذكرى النكبة الفلسطينية يدعو ...
- ظاهرة التسول في المغرب: حجمها ومخارجها وفق المجلس الاقتصادي ...
- الطبقة الوسطى في المجتمع المغربي، هل تشهد نموا أم انكماشا؟


المزيد.....




- ضابط روسي: تحرير -أوليانوفكا- ساهم بانهيار خط دفاع أوكراني ب ...
- تصريح غريب ومريب لماكرون عن سبب عدم فرنسا من مشاركة إسرائيل ...
- طهران للوسطاء: لا تهدئة قبل استكمال الرد الإيراني على إسرائي ...
- فيديو.. الأمن الإيراني يطارد -شاحنة تابعة للموساد-
- إسرائيل تقلص قواتها في غزة لأقل من النصف.. ما علاقة إيران؟
- إسرائيل.. ارتفاع عدد القتلى بعد انتشال جثتين من تحت الأنقاض ...
- -منتدى الأعضاء السبعة-.. متى وكيف قررت إسرائيل ضرب إيران؟
- فيديو.. قتلى ومصابون في هجوم إيراني جديد على إسرائيل
- فيديو.. صاروخان إيرانيان يشعلان النار بمحطة طاقة في حيفا
- تقرير -مخيف- عن الدول التسع المسلحة نوويا.. ماذا يحدث؟


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الثاني)