أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمدون - براويز فارغة














المزيد.....

براويز فارغة


محمود حمدون

الحوار المتمدن-العدد: 7970 - 2024 / 5 / 7 - 03:45
المحور: الادب والفن
    


" براويز فارغة"
====
-أنتظرك منذ ساعتين.
قلت: لم أتأخر, لعلك استعجلت وأتيتَ مبكرًا عن الموعد المتفق عليه لا أكثر, فما طلبك؟
-جئت أطلب السلّم الخشبي القصير, الذي استعرته منّي منذ عشرة أيام مضت, أذكر أنك تعهّدت بردّه خلال يومين, غير أنك لم تفِ بوعدك. أربأ بك أن يكون فيك خصلة من نفاق.
تجهمت من وقاحته, لم أشأ أن أوبخه وهو الكهل الذي يفوقني عمرًا, لذلك أشرت له بيدي أن تعالى, فجاء خلفي يتعثر في مشيته, يحجل برجله اليمنى, يمسح عرقه بكم جلبابه المتسخ.
ظللت أرمقه بطرف عيني, أتعجب من ظهوره المفاجئ, يزداد عجبي أكثر وأقول لنفسي: كيف باغتني النسيان هكذا حتى نسيت ردّ الأمانة لأهلها!,
ثم تذكرت أنني لم أره حين استعرت السلّم قبل أيام, لم يكون هناك وقتها, فكيف علم بالأمر؟ لعلهم استدعوه, فمثله يصلح لهذه المهام, علمي أنه رهن الإشارة دائمًا! سمج كذبابة لا تفارق وجهًا حطّت عليه, كذلك هو لا ينسى أحدًا رآه ولو مرة واحدة , ولو بموقف عارض. يلازم المقترض كقرينه, لا يتركه حتى ينال ما جاء خلفه. أصبحت أسير ظله المرافق لي, رائحته التي تتسلل إلى أنفي على رغم منّي.
حين وصلنا إلى باب شقتي, أفسحت له الطريق و دعوته للدخول, لكنه تردّد بخجل, همس بلعثمة: خلاص, "مش مهم دلوقت", أمرّ عليك في وقت آخر.


نهرته بلطف, قلت: البيت بيتك, دفعته أمامي دفعًا, أنا أرحّب به قائلًا: أهلًا بك, جذبت له كرسيًّا خشبيًّا, فجلس عليه, يضم ساقيه من فرط التوتر.
أشفقت عليه, أومأت له ناحية السلّم المركون جوار الحائط. عندما لمحه نهض سريعًا, وجهه يطق بالسعادة. خطفه بيد واحدة على رغم الهزال البادي على جسده, ثم اتجه للخروج,
لم ينتظر أن أشكره, لكنه على عتبة الباب, بينما ساقه اليمنى في الخارج والأخرى للوراء, التفت إليّ, قال: تسمح أسألك؟ ما هذه البراويز الفارغة المعلّقة على الجدار؟ متأسف لكن..
اقتربت منه, بأبوّة حقيقية ربّت على كتفه, مسحت بقايا قطرات عرق تتسلل من جبينه لرقبته, بمنديل ورقيّ أخرجته من علبة في جيبي,
ثم قلت: عزيزي " جاب الله", أتعرف أن من يدركون الصورة الكاملة يقلّون في عددهم عن أصابع اليدين, أن الترفّع عملة نادرة, الغوص مهنة من يعشقون السباحة في البرك والمستنقعات.
جذبت " جاب الله " ناحيتي, احتضنته برقة, أكملت حديثي إليه, قلت: لذلك أقدّر من يقف عند الخطوط العريضة, يترك لغيره التفاصيل. وهي كثيرة جدًا, ترتيبها في صور قليلة العدد أمر شاق على النفس فما بالك بمن لا يحب أن يساعده أحد!
ثم عدلْت من وضع ياقة جلبابه القذر, همست له: لطالما احترمت من لا يتجاوز الشارع الرئيس, يعفّ عن الانحدار في الأزقة والحواري, يترك للصغار اللهو فيها.




هزّ رأسه يسايرني في حديثي, يزم شفتيه, يغمض عينيه قليلًا, ثم عاد بهما لطبيعتهما ذات النظرة شديدة الدهشة, قال: أتعني أن السلّم حقق الغرض من بقائه كل هذه المدة هنا؟
-نعم.
بلهجة متعجرفة لم أرها منه من قبل, قال: إذن لن تراه ثانية, لن أستجيب لطلب لك مرة أخرى, ثم هبط يجرجر السلم الخشبي خلفه, قوائمه الخشبية الواهنة تكاد تتطاير وتنخلع مساميره من شدة التخبط في الدرجات والجدران الإسمنتية.
كنت أشفق على السلّم من مصير مؤسف يوشك أن يقع له, أكاد أجزم أني أسمع أنينه من قسوة الارتطام, غير أنني تجاوزت تلك التفصيلة الدقيقة, ارتقيت بنفسي عن الصغائر, عُدت للداخل من أجل رؤية أشمل وأعم.



#محمود_حمدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في مجموعة - أنفاس مستعملة - للقاصة : غادة صلاح الدين
- الحق في التظاهر
- يونيه
- متعة النظر من ثقب إبرة
- عبقرية الردّ
- - ولم تشرق الشمس- -حين يصبح عنوان الرواية مدخلًا قويًّا يدعو ...
- برّاد حامد الشريف
- نار الرغبة
- الغوص في الرمال – رحلة بحث عن حُشيفة الحقيقي
- المياه الجوفية
- قراءة في فقه الانقراض
- حين يصبح المخلوق خالقًا
- أبو سبعة
- لا تتحدث مع الغرباء
- مجرد -سحابة صيف-, ل:نادي جاد
- مرور عابر على - أنفاس مستعملة -, للقاصة - غادة صلاح الدين-
- إيقاع راقص
- نسخة مكرّرة
- سيكوباتي
- لغة جديدة


المزيد.....




- روسيا.. تصوير مسلسل تلفزيوني يتناول المرحلة الأخيرة من حياة ...
- اعلان توظيف وزارة الثقافة والفنون والتخصصات المطلوبة 2024 با ...
- هل تبكي عندما تشاهد الأفلام؟.. قد تكون معرضا بشكل كبير للموت ...
- مهرجان نواكشوط السينمائي الدولي يطلق دورته الثانية
- “نزل Wanasah الجديد” تش تش ???? وقت الدش.. تردد قناة وناسة ن ...
- فنان غزة الذي لا يتكلم بصوته بل بريشته.. بلال أبو نحل يرسم ح ...
- هاريس فرحت بدعم مغنية لها أكثر من دعم أوباما وكلينتون.. ما ا ...
- -الغرفة المجاورة- لبيدرو ألمودوفار يظفر بجائزة الأسد الذهبي ...
- النيابة تواجه صعوبة في استدعاء الفنان المصري محمد رمضان للتح ...
- فيلم اليكترا: تجربة بصرية وحسية لأربع ممثلات وكاتبة في بيروت ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمدون - براويز فارغة