آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 7961 - 2024 / 4 / 28 - 22:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت بعض الدول تمارس الاحتفال العقابي لفئة من رعاياها، أو المخالفين لتوجهها العقائدي، كإرغامهم على إرتداء ثياب له لون معين وشكل محدد، لإصدار إشارات ورموز احتفالية مهيجة محتقرة أو متعاطفة من الجمهور المنمط أو القطيعي، المحتفل بتنظيم العلاقات الانقسامية بينهم.
على سبيل المثال:
كان اليهود والنصارى أو الصابئة في الدولة الإسلامية مجبرين على ارتداء ثياب معينة تحددها الدولة لهم، حسب الوثيقة العمرية، ويمنع عليهم ركوب الحصان، حتى إلى فترة السلطنة العثمانية.
إنه قصاص ظالم، صامت، مستمر، خفيف العقاب، بيد أن وقعه على المخالف شديد القسوة، له مظهر استعراضي مذموم، يقسم المجتمع انقسامًا عموديًا وأفقيًا، أو يشير إشارة قاسية إلى هذا الانقسام.
هو تذكير بقوة السلطة وحلفاءها، قطيعها المتجانس، قدرتها على إيقاع الألم المعنوي والنفسي، بكل من تسول له نفسه أن ينقلب عليها أو يسير في طريق مخالف لطريق سيرها.
الدولة كبنية متجانسة ومفكك في تكوينها وعمقها، تذهب إلى تكريس التجانس القطيعي لمن يقع تحتها.
كل مرحلة زمنية، ونتيجة للتحولات في آلية الدولة، في حركتها المستمرة، تأخذ أشكال وألوان، تعبر فيه عن الاحتفال العقابي لمن لا يتجانس معها أيديولوجيًا أو تكوينيًا.
إذا كان الإنسان لا يستطيع القبض على زمانه ومكانه، وحياته كلها حيازة مؤقته، لماذا هذا الجنون في محاولة القبض على الذات، ذاته الهاربة من يديه؟
جميع الناس في مهب الريح، تحركها أشياء كثيرة من خارجهم، بالرغم من أنهم الفاعلين فيها
حتى نقدم على بناء نظام سياسي ديمقراطي نحتاج إلى نقلات عميقة، اعتبرها تحولات في بنية المجتمع، في كل مجالات الحياة، منها إخراج الدين من السياسة، مجتمع مدني، قوى تؤمن بتداول السلطة.
هل هذا متحقق في بلادنا؟
من الصعب أن نبني نظاما ديمقراطيا في ظل نظام عالمي متوحش لا يرى في الديمقراطية الا مصالحه.
الديمقراطية تحتاج إلى شروط موضوعية لترسيخها، وهذه الشروط غير متوفرة في بلادنا.
نقول، أن نتحاور، هذا لا يعني أنت مع الديمقراطية وأنا ضدها، أنا قاتلت من أجلها وسجنت من أجلها.
أنت ماذا قدمت؟
أنا أوصف التجربة في وقتها. وهل الوطنية يجب أن تمر بالضرورة عبر الديمقراطية؟
وهل الديمقراطية هي وصفة سحرية لحل كل المشاكل.
في بلاد مثل بلادنا ربما تكون كارثة لأن الواقع غير جاهز.
الكثير من الذين جاؤوا الى السويد وأوروبا يكرهون أي شيء له علاقة بالديمقراطية.
صلاح جديد، سجن 23 سنة وقتل في السجن على يد حافظ الأسد، من المعيب أن يأتي واحد لم يقرأ كتاب واحد في حياته، يأتي ليبيض علينا ويعلمنا.
قلنا لك ضحينا في السجن من أجل الديمقراطية وما زلن ا، وهذه الديمقراطية لا تتطور وتتغير بالعلاك الفارغ، والحكي الفارغ.
كان الواجب عليك وعلى غيرك أن تدافع عنها في بلدك، أم أنك، أنكم تحككون عنها وأنتم في خارج سوريا، ومرتاح، لهذا فإن كلامك نافل لا قيمة.
نحن كحزب، الحزب الشيوعي، رياض الترك، طلقنا الايديولوجية في العام 1979، تحولنا الى حزب ديمقراطي، طرحنا تداول السلطة كبديل عن الايديولوجية، وكنا موضع ترحيب من قبل الدول الاوروبية.
من المعيب أن نقارن صلاح جديد بحافظ الاسد.
كل واحد خط سياسي وكل واحد له اخلاق ومبادئ مختلفة.
هل أنا الأرمني من الأكثرية أم الأقلية؟ لم أطرح هذا السؤال على نفسي في السابق، أثناء العمل السياسي، وتعرضت للتعذيب والسجن ولم أفكر في هذه الثنائية السيئة. ولا أعرف لماذا قفز إلى ذهني اليوم هذا السؤال بعد أن أخذ الكثير من المحسوبين على الثورة هذه القضية النافلة.
يفترض في المواطنين الذين ينتمون إلى ثقافة واحدة، ومكان واحد، أن يشعروا أنهم في مركب واحد، وما يجمعهم أكبر مما يفرقهم.
نلجأ إلى الغرب من أجل كسب هذا الشعور، المواطنة، في بيئة وثقافة مختلفة، ونقبلها ونستمتع بها، بيد أن الحمولة الثقافية التي تفرقنا تدفعنا نحو العطالة والمراوحة في المكان ذاته.
لا تاريخ للبشر خارج السلطة. والسلطة لا تراكم لها تاريخًا لأنها تنزاح جانبًا لتستقي من المجتمعات البشرية تاريخها. فأي تاريخ هذا هو تاريخنا, إذا كان مربوطًا بنخب المال والقوة والنفوذ. وإلى أين نتجه وعلى مزاج من وأهداف من ومصالح من؟
في معرض السؤال:
يقولون أن النظام في سورية يحمي الاقليات؟
قلت:
السلطة ليس من مهامها حماية أي كائن إلا بما يدر عليها المكاسب.
السلطة ولدت وجاءت من أجل مصالح النخبة ومكاسبهم. وهي تملك العنف لتدافع عن تلك المصالح وتلك الفئات التي يمثلونها وليس نحن.
أنا أرمني وكان بيننا الكثير من الأرمن في السجن, ومعنا الكثير من الأكراد والسريان والكثير من المسيحيين والعلويين ومن كل الطوائف.
لماذا سجننا هذا النظام ما دام الكتير من السوريين حريصون علينا، على أننا أقل منهم، ويعتبروننا من الطوائف؟
لماذا سجن العلوي قبل أن أقول غير ذلك؟
السلطة تحمي العبيد، عبيدها, الذليل الذي يريد أن يبقى تحت قدميها. ومن يرفع رأسه فهو لا يمثل بالنسبة لها إلا مشروع موت وقتل.
في السياسة لا يوجد هذا احسن وذاك سيء. جميعنا سيئيين, وجميعنا جيدين. الاحس والأسوأ نواظم دينية لها علاقة بقيم الخير والشر. وجاءت لنا قبل اكتشاف علم الاجتماع والصراع السياسي.
لكي ندخل العصر علينا أن نرمي هذه الأفكار والمقولات جانبًا ونفكر كما يفكر الإنسان المعاصر.
في سجن عدرا بدمشق، العام 1988 استيقظ المعتقل مصطفى الشيخ حسن من نومه، سعيدًا، متلهفًا. وبعد أن غسل وجهه مضى يصرخ:
ـ افراج يا شباب، افراج، ضبوا حقائبكم.
وقفنا ننظر إلى بعضنا باستغراب. قلنا له:
شو القصة يا زميل، يا ابو اسطيف، قال:
رأيت حلمًا، أننا سنخرج من السجن اليوم. هناك افراج. والله العظيم افراج.
جلب حقيبته، ووضع ثيابه فيها وحزمها بالكامل، ثم خرج بها من المهجع رقم 12 إلى الممر، وأكمل طريقه إلى أن وصل إلى مفرزة الأمن السياسي، وجلس هناك بانتظار الضابط.
رأه الشرطي جالسًا على حقيبته، سأله:
خير يا الشيخ حسن، شو الموضوع. قال:
ـ اليوم افراج، هذا ما جاء في الحلم. أنا متاكد أنه حقيقي، وانتظر خروجنا من السجن.
مناسبة هذا الحديث، في يدي رواية اسمها الروائيون، لغالب هلسا، يتحدث عن مجموعة من البرلمانيين، من حزب الوفد المنحل في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، وشكل عدة وزارات أيام الليبرالية منذ العام 1924 إلى العام 1952.
حلم أحد هؤلاء النواب، اسمه سعيد بيه، أنه سيخرج من السجن يومها. ولم يقبل أن يدخل المهجع. وبعد اجباره على الدخول أغمي عليه، وهو لم يكن قد مر على وجوده في السجن سوى أسبوعين.
يبدو أن الهذيان متقارب بين الأمس، ومنتصفه، واليوم.
ما زال ذاك الحب يقبع على تلك النافذة العتيقة، يشير إلى موعد قدومها.
قدماي ترتجفان وجسدي يرتعش، وتتصاعد إلى الأعلى صوت أنفاسي لتلتحم بالسماء، ويغمر قلبي الاضطراب والقلق:
ـ تأخرت، مضت دقيقة، دقيقتان، ثلاث دقائق ولم تأت.
آه، أنني أرى طيفها الملون من هنا وهناك، ظلها اللذيذ يتمايل، يتكسر على الحيطان الراجفة.
شيء ما قال لي:
ـ للحب هيبة، وقار، قلق وصعود إلى أعالي الكون.
إنه طيران في الذات وإلى الذات
في السابق, واكب الأدب والفن سير المعارك والحروب الحقيقية, عرى الظلم والوجع الإنساني والطغاة وصناع القتل.
الأن, يجلس القاتل وراء الشاشة ينظم الجريمة على بعد آلاف الكيلومترات دون أن ترصده أو تتهمه بأي شيء.
كيف يستطيع الأدب والفن أن يدخلا هذه الممرات المعتمة, يعريا هذا المجرم الجالس وراء مكتبه بأدب جم. كيف يمكن أن يسلطا الضوء على هذه المهزلة, لهذا المرض الخطير, الغير مرئي, الشبح, المأجور الذي يتحرك وفق مصالح أسياده دون أن تتلوث يداه بالدم والموت.
عندما ترى قاتلك وجها لوجه, تعرفه من ملامحه, تقف أمام التاريخ, تملأ قلبك بالبحث عن مخارج, أن تكتب أو ترسم للوصول إلى أن تغير حياتك وحياة الأخرين. أما أن يكون عدوك شبح, هلامي الملامح, لا تراه ولا تمسك به ولا ترى يديه وعينيه, لمن ستوجه سهام حقدك وقهرك, وأنت تدرك أن القاتل هو ذاك, بيد أنه غير موجود على الأرض, أنه غير موجود أصلا.
التاريخ مهزلة. عندما نقف وجها لوجه أمامه ونحلل ونعري ونعرف. لقد صبغت أرض الدول والشعوب التي احتلتها روسيا القيصرية باللون الأحمر، لون الدم والقهر والموت من أجل الاحتلال والسيطرة.
ثم يأتي رجلا سكران، يلتسن، ويفرط فيها بكأس فودكا. ويفرط بالعقد الوهمي، ثمنه مئات السنين من النار والبارود والقتل والموت.
هذا ليس دفاعا عن المجرمين، أنما تعرية للمهزلة التاريخية، للتاريخ، لحياة الإنسان الضائعة هدرا. هل تعلمنا، نتعلم، من عيوبنا شيئا، لا اعتقد.
الشمولية لا تكتفي بأكل أبناءها وهرسهم في مطحنتها، بل تعمل في امتدادها على أكل كل من يقف في طريق توسعها الهمجي. وتأكل الأخضر واليابس وتحول الحياة إلى يباس. وعندما تترهل، وترتد على نفسها في حالة نكوص وتقوقع، تنقسم أو تنشطر، تتحول إلى أشلاء منغلقة على نفسها.
وعندما يستيقط العقلاء منهم بعد خراب البصرة، يكتشفوا إنهم مجرد قطع محطمة، عظم متكلسة، وأحلام منكسرة.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟