هواجس في الثقافة مقتطفات 130

آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 17:59
المحور: الادب والفن
    

بقعة ورد
في العام 1975 بينما كان محافظ، محافظة الحسكة في سوريا، يقوم في جولة تفقدية حول المجمع الحكومي الواسع جدًا في مدينة القامشلي توقف أمام فسحة أرضية صغيرة، بحدود المترين في ثلاثة أمتار.
هذه المساحة كانت مزروعة بالورود بألوان مختلفة، وقف مندهشًا في بيئة أسمنتية صادة للنفس، تمتد على مساحة المكان كله.
وقف طويلًا يحرك رأسه مستمتعًا بالجمال، جمال هذه الفسحة الآلهية، قال:
ـ المكان الوحيد الذي أدهشني في هذا المجمع الكبير الحديث جدًا، هو هذه الورود، هذه الزينة، لقد أبهجت المكان كله، وأردف:
ـ من زرع هذا الجمال في هذا المكان الجاف؟
قالوا له:
ـ لدينا سائق في مصلحة الإصلاح الزراعي، هو الذي جلب التراب والسماد العضوي من القرى وزرعها، وكل يوم يسقيها ويغني لها.
ـ ويغني لهم، للورد؟
ـ نعم يغني لهم.
ـ يغني لهم.
أمر ذاك المحافظ أن يقدموا لوالدي خمسة وعشرين ليرة سورية كهدية له، لأنه حول المكان إلى قطعة من الجمال.
وفي المصلحة ذاتها، الإصلاح الزراعي، لكن مدينة أخرى، أسمها رأس العين، كان هناك حوش، مساحة كبيرة، خلاء، حولها والدي إلى قطعة من الجنة، رزعها بكا أنواع الورود والزهور والرياحين والنعنع.
كان يأخذنا ليلًا إلى هناك، نفرش الأرض الأسمنتية بالبطانيات ونجلس تحت ظلال الورد الذي كان يزرعها والدي كل صيف، وفيه شجرتي توت.
نسقي الورود والزهور بالماء ونهز الشجرتان، نملأ المكان بالتوت الأحمر اللذيذ.
نتعشى هناك ونأكل التوت، برفقة الراديو، نسمع الأغاني والأخبار.
في ذلك الوقت لم يكن لدينا مسجلة، لكن الحياة في الستينات كان بسيطة، هموم التكنولوجيا لم تكن قد استيقظت بعد، ويا ليتها لم تستيقظ.

مفهوم السلطة
هل مفهوم السلطة قائم بذاته ولذاته؟
هل التراتبية الاجتماعية قائم بذاته ولذاته، أي أنهما جزء من جدلية قانون الطبيعة كما يقول الرأسماليون؟
إن تأكيد الأسئلة اللي طرحنا هو تأكيد لهزيمة المثقف ومناصري البحث عن الحق والعدالة والحقيقة.
كان شغف التكوين النفسي للإنسان هو تحقيق العدالة وكسر التراتبية، هل هذا ممكن؟
هل يمكن تكسير السلطة وإلغاءها؟
لدينا حدين مشروعين للاسئلة والبحث.

بايدن الخرفان
الرئيس بايدن، رئيس أقوى دولة في العالم في أغلب المجالات، الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، دولة لا مثيل لها في عصرنا.
دولة عظمى بكل المقاييس، السؤال:
الرجل مريض، لديه ذهان وربما خرف أو زهايمر، يقوم بحركات غريبة، أصبح مثار سخرية من الكثير من الناس، كيف يسمح له قيادة دولة مثل الولايات المتحدة.
البارحة بعد خطاب له في الجامعة، مد يده ليصافح الوهم أو الريح، وبحركات لا يخفى على أحد.
لقد تكرر هذا الامر كثيرًا، وبتقديري أن بايدن لديه ذهان، اي أن إنعدام التصرفات الاعتيادية الطبيعية، هذا واضح بل أكثر من واضح، وفقدان الاتصال مع الواقع.

الأحياء الأموات
هناك أناس يموتون أمام أعيننا، وهم أحياء.
تتحسر على خسارتهم، تبكي بصمت. تحزن، تمزق ثيابك على أنزياحهم عن عالمك.
يموت الإنسان في داخلك عندما يموت حبك له.
وتذبل قامته أمام عينيك عندما تراه، وكأنك ترى تمثال من وهم.

الخصية
الخصية هي رمز الحضارة والقوة، بامتياز.
عليك أن تبقى قويًا تحت سقف الخصية، أن تملك المفاتيح، مفاتيح القوة أينما ذهبت، أليس العلم قوة، الثروة، المال، السلطة، أليس الناس جميعًا يرفرفون تحت الرمز.
الإنسان كمفهوم عام لا قيمة له، إنه أجرد في غياب، الرمز، الرموز.
القيمة للأدوات والرموز التي يحوز عليها ويتحرك من خلالها.
اكتشاف الرموز، مدخل إلى اكتشاف قوة الخصية.

الطيور رمز الخصب والحياة
البلاد التي لا تحافظ على طيورها وأشجار ومياهها، مآلها الخراب أو الموت.
الأوطان تُقيم بالحياة، بالأشجار الخضراء الوارفة الظلال، بالطيور المهاجرة والقاطنة أو المقيمة، بالمياه الجارية والينابيع.
من يكره هذه الإبداعات الآلهية أو الطبيعية عليه أن يرحل إلى الصحراء أو البيداء، لأنه إذا رحل إلى المناطق الخضراء سيحرق الجمال هناك، الأمر ليس بيده، هذا تكوينه النفسي والعقلي.
من يحب الطبيعة النابضة بالحياة، يحب الحياة وسيساهم في الحفاظ عليها

الجهل خصاء
سنبقى في حالة خصاء عقلي طالمنا نتعامل مع النص كمتلقين.
النقد هو المدخل إلى العالم الواقعي.
إن قراءة أي نص يجب يبدأ بالشك، بالبحث والتمحيص لمعرفة غاياته وأبعاده.
النصوص ليست بريئة أنها حمولة.
من يقرأ النص للتسلية أو لتزجية الوقت، هذا سيشكل عبئًا عليه، على نفسه، أنه مثل ذاك الذي يقبض الريح، والريح راحلة إلى ريح أخرى.
في الحضارة القائمة، عليك أن تحمل خصيتك معك أينما ذهبت، فهي مركز القوة والخصب والإنتاج، وهذه الخصية هي المجد، لهذا لن تدعك تبقى بريئًا أو مسكينًا أو معزولًا أو بعيدًا عنها، أنخرط فيها من أجل المكسب والربح والنجاح، هذا ضروري جدًا، لهذا فإنه عليك أن تتزود بالقوة، والمعرفة قوة، والنقد هو مدخل إلى المعرفة.

عن الإبادة
في رسالة إلى أختي كتبت هذا النص.
إن اعتراف العالم السياسي بالإبادة يا أختاه يخيفني جدًا.
الدول لا ينطلقون في أعمالهم من موقع أخلاقي أو إنساني، وأنما من خلال مصالحهم.
من الممكن أن يكون هذا الاعتراف فخ. وممكن يكون لتأديب تركيا والحصول على مكاسب منها.
القضية الأرمنية يجب أن تحل في تركيا، وأن تتولى الدولة والمجتمع التركي إلى المبادرة في الاعتراف بالإبادة وحل هذه القضية سياسيًا وإنسانيًا، لأن هذه القضية هي قضية داخلية تركية تحديدًا، لأن الأرمن كانوا مواطني هذه الدولة، وجرى التنكيل بهم على يد دولتهم.
إن الإنكار هو إهانة للدولة التركية لأنها تتخلى عن مواطنيها، ضحاياها.
عندما تم اغتيال الكاتب والصحفي هرانت دينك، المواطن التركي من أصل أرمني على يد المخابرات التركية جرت له جنازة في استانبول، جرى في مسيرة نعشه مواكب من البشر، قدر عدد المشاركين فيها بمليون تركي، وهتفوا ضد دولتهم وطالبوا بمحاسبة الدولة.
وهرانت كان يطالب الدولة، دولته التركية الاعتراف بالإبادة.
هناك كتاب وفلاسفة وعلماء وشعراء وفنانين أتراك وقفوا ويقفون مع الأرمن، مع إعادة الاعتبار للضحايا الارمن وإعادة حقوقهم بعد الاعتراف بالإبادة.
أنا اراهن على هذا وليس على اعتراف الدول؟
محبتي.

الوحش
دون سياسة يتحول الإنسان إلى وحش قاتل، يقتل بعضه دون ضوابط أو قيود، وبوجود السياسة يتم ترويضه، ليتحول إلى عبد خاضع.
وما بين السياسة، ودونها، يعيش الإنسان أزمة ذاتية مؤلمة لا يعرف لها مخرجًا.
في الحالتين لا يستطيع أن يكون طبيعيًا، أو حرًا، لهذا يبقى متذمرًا غريبًا موجوعًا، مشتت التفكير، خائف.

الزنزانة
أدخل المفتاح في القفل بهدوء وأداره قال لي: جهز نفسك سيدي الرائد يريدك تعال معي. مسكني من يدي وأخذني إلى غرفة التحقيق مرة أخرى في صباح اليوم التالي.
كان الرائد علي محسن في الثلاثينات من العمر واقفاً وراء الطاولة يبتسم كداعرة ممحونة، تنساب من فمه قطرات النذالة وتتزاحم أمام بؤبؤة عينيه، قال بلغة متقنة، مسبقة الصنع:
ـ أنت أرمني، قلت:
ـ نعم، أنا أرمني. قال:
ـ أرمني! لماذا تعمل ضدنا؟ على الأرمن أن لا يعملوا ضدنا، عليهم أن يقفوا إلى جانبنا. لا تنس أننا أنقذناكم من المذابح، والآن نحميكم من الآخرين، قلت:
ـ أنا لا أعمل ضد أحد، وهذا الوطن وطني، ولدت فيه وعشت فيه ولا مكان لي غيره. ثم من هم الآخرون الذين تحمونا منهم! قال:
ـ أنتم مهددون مثلنا، يجب أن تكون يدك في يدنا، سنحميك وندعمك، سيكون لك شأنٌ في هذا البلد أن تتعاون معنا، قلت:
ـ لم يسبق أن تعرضت لأي أذى من الناس في بلدي. لقد عشت في الحسكة ورأس العين والقامشلي وتل كيف والمناجير وغيرها من المدن والقرى السورية ولم أحس في يوم من الأيام أن لي مشكلة مع أحد، سواء كانوا مسلمين أومسيحيين أوغيرهم من الشرائح الاجتماعية المختلفة في وطني، أما عن دعمكم لي فلا أريده.
تغيرت ملامح علي محسن فجأة، حلت سطوة القوة وشهوتها محل الهدوء المصطنع. ما هي إلا لحظات قصيرة حتى استيقظ المارد القابع في داخله من غفوته، غرغرت الدماء القذرة في وجنتيه وصعدت إلى رأسه. خلال برهة قصيرة جرى تحول خطير عليه، نقلته من عالم إلى آخر، رغى وأزبد في سورة غضب وانفعال واضح. دمدم بعلامات فاقعة، امتقع وجهه باللون الأحمر المزرق أوالكحلي المائل للسواد. بدأت أساريره تنقبض وتنكمش على بعضها رويدا رويدا إلى أن أصبح يسبح في دوامة ملفوفة شديدة السرعة، قال:
ـ يبدو أن رأسك يابس ولا تعرف مصلحتك بشكل جيد. حسناً لدينا كل الوثائق التي تجعلنا نبقيك هنا مدة طويلة. الشيء الوحيد الذي يرحمك ويفتح لك باب الزنزانة هو تعاونك معنا وغير ذلك لا تحلم به. نحن لم نستعمل وسائلنا الحقيقية معك التي بالتأكيد تعرفها، الساعات والأيام القليلة القادمة ستعلمك كيف تتكلم مع أسيادك يا حقير.
خذوه الآن، سنفرجيك يا حقير!

الشعوب اللاتاريخية
مشكلة الكثير من الأصدقاء أنهم يحاكمون الكاتب أو المؤلف أو الروائي أو الشاعر. يتركون النص الذي كتبه, ويذهبون إلى شخصه, في محاولة تحقيره أو إذلاله أو التهجم عليه.
هذه, الشعوب اللاتاريخية, تكره كل من يقترب من قيئها وأمراضها وعقدها الدونية المستوطنة في ذاكرتها الجمعية

غياب ثقافة حب الحيوان
ليس لدينا ثقافة حب الحيوان والأشجار.
منذ كنت صغيرا أسمع كلمات لها مدلول كبير, هو احتقار الحيوان وإلغاء وجوده من الطبيعة. كأن يقول أحدنا بفخر:
ـ قتلنا غزالًا، شويناه، كان لحمه طريًا أو قتلنا ثعلبًا, لاحقناه من مكان إلى مكان إلى أن مات, ذبحنا أرنبًا, رأيناه في البرية بجانب كومة تراب, أطلقنا عليه النار, وهكذا.
أما بالنسبة للكلب أو القط فحدث ولا حرج.
الشعوب التي لا تحترم الحيوان, الشجر والنبات والماء والنهر لا يمكن أن تستمر في الحياة إلى ما لا نهاية.
إنه لأمر غريب أن يكون هناك عداوة بيننا وبين هذه الكائنات, لهذا انقرضت من أراضينا.
منذ القديم, كان في بلادنا, التمساح السوري, الأسد والنمر والذئب والغزال والثعلب والأرنب ووحيد القرن والكركدان والجمل العملاق, والغابات التي كانت تغطي أراضينا كلها.
في الستينيات، كنا نعيش في مزرعة اسمها، المناجير، وفي مدينة راس العين.
كنّا، نسمع صوت الطيور المهاجرة بالملايين، أسراب وراء اسراب، صوت البط، والزرازير والدرغ والقطا والحجل.
كلهم مضوا إلى المجهول. ثم مات الخابور والأشجار، والأن جاء دور البشر. يبدو أن أرض وطننا احترق أو في طريقه للاحتراق الكامل.

#آرام_كربيت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات