أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حبش كنو - حدثتهم عن حلب وعن بنات حلب















المزيد.....

حدثتهم عن حلب وعن بنات حلب


محمد حبش كنو

الحوار المتمدن-العدد: 7946 - 2024 / 4 / 13 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


حدثتهم عن حلب وعن بنات حلب ..!!!!

التف الأطفال المراهقون حولي وهم يسألونني عن رحلتي إلى حلب .. كان ذلك في شتاء عام 1992 حين كنت عائدا من حلب فرأيت أصدقاء المدرسة ممن لم يسعفهم الحال والمآل لإكمال تعليمهم فتركهم أهلهم عند صاحب مخرطة حديد يتعلمون فيها صنعة تنفعهم .

لمحتهم في الطريق وأنا عائد من الكراج وقد أشعلوا نارا في تنكة مثقوبة بعدة ثقوب من الأسفل كي تسمح بدخول الهواء وتهييج النار بعد أن وضعوا قليلا من الحطب والمازوت وزيت السيارات المحروق .

عرجت إليهم من البرد وتدفأت بنارهم فسألوني من أين مقدمك فقلت من حلب فسألني أحدهم وهل تعرف كيف تمشي وتدور في حلب فقلت أعرفها شارعا شارعا حارة حارة وبعد أن سألوني بضعة أسئلة عن حواري حلب قالوا لي حدثنا عن بنات حلب ..؟؟؟

نظرت إليهم بعيون جريئة وقلت :

بناتها ملبن .. وجوههن أنقى من الحليب و عيونهن سود كدجى الليل ورموشهن مقوسة طويلة كالخناجر ولي صديقة حلبية خرجت معها إلى الحديقة العامة وقضينا وقتا ممتعا وقبلتها من ثغرها فكأنه الشهد والعسل .. لها شعر طويل كثيف يقارب ركبتيها وتلبس تنورة قصيرة تظهر سيقانا بيضاء من فرط بياضها ترى العروق فيها ولها نهدان خالطتهما النشوة حديثا كأنهما تفاحتان يانعتان آن قطافهما .

كان الأطفال جاحظي الأعين يسيل اللعاب من فمهم ويقولون أكمل كلما توقفت وكان هذا شيئا طبيعيا في مجتمع قروي محافظ وهم في أوج مراهقتهم .

استأذنتهم في الذهاب رغم أنهم تمسكوا ببقائي فقلت لهم للحديث بقية في الأيام القادمة ثم مشيت إلى البيت وقد تركتهم مجموعة يحرقهم الحسد .

في الطريق إلى البيت كنت أشعر بالبرد والجوع وأرتجف رغم أنني بدوت متماسكا أمامهم فقط كي أكمل كذبتي عن حلب ففي الحقيقة كنت عائدا من سجن العزيزية التابع للأمن السياسي .

بدأت القصة قبلها بأربعة أيام حين شرح الأستاذ لنا مفهوم انتخابات مجلس الشعب في سوريا قائلا بأنها مثل الشورى في الإسلام وأنها قمة العدالة والديمقراطية .

لم أكن أحب الكذب والنفاق رغم حداثة سني ورغم أن الطلاب كلهم صمتوا فأنا لم أصمت وقلت هذه انتخابات مزيفة تأتي أسماء المرشحين مسبقا فنهرني الأستاذ وأسكتني وخلت أن الأمر مر مرور الكرام .

في اليوم الثاني استيقظت متأخرا فلم أستطع الإفطار فذهبت للمدرسة سريعا وبعد أن عدت ظهرا رأيت أمي تطبخ الغداء فلم أصبر ووضعت صحنين من الزيت والزعتر ومع أول لقمة طرق الباب وقال لي الأولاد بأن سيارة فيها ناس غرباء يطلبونك .

ذهبت إليهم فتم اعتقالي وذهبوا بي إلى فرع الأمن السياسي في كوباني وكان فوق المركز الثقافي وقتها وكانت هذه أول مرة في حياتي أدخل دائرة حكومية فقد كنت في الصف التاسع ولم ينبت الشعر بعد في وجهي ولم أكن قد استخرجت الهوية أساسا .

في الليل قيدوني بالكلبجة مع شخص آخر وذهبوا بنا إلى منبج وهناك استقبلونا بالركل والضرب والشتم كتحية لنا ثم وضعونا في مرحاض يعادل مترا في متر وكنا ستة أشخاص في ذلك المرحاض الضيق ولم نستطع النوم حتى الصباح لأننا بقينا واقفين كما أن أصوات تعذيب السجناء كانت مرعبة على نغمة صياحهم مشان الله مشان محمد مشان حافظ الأسد لكن لا مستجيب .

في صباح اليوم التالي رحبوا بنا ترحيب الصباح عبر الركل والشتم والصفعات ثم حولونا إلى فرع الأمن السياسي في حلب وهناك بعد أن فكوا خيوط الخف الذي ألبسه والحزام الذي أرتديه وهذا اجراء يتخذونه خوفا من انتحار السجين بسبب التعذيب رحبوا بي كما يليق عبر الضرب المبرح ثم رموني في زنزانة منفردة .

بقيت يومين في المنفردة لا أرى سوى جدران السجن ووحشة المكان وخيالات لا تنتهي ثم فتحوا الباب أخيرا وقالوا لي أتى موعد التحقيق وكان لا بد من وجبة ضرب أخرى حتى أكون جاهزا للتحقيق .

وصلت بين يدي المحقق طفلا هزيلا نحيلا خائفا وقد كان رجلا مرعبا ضخم الجثة كبير الكرش حاد الصوت يشبه فرس النهر ففاجأني باتهامي مباشرة :

- أنت متهم بالخيانة لقلب نظام الحكم في سوريا .

جحظت عيناي كمن انفجر موقد نار في وجهه وقلت في نفسي عجبا هل يكلمني أنا أم يكلم أحدا غيري ..؟؟؟

عرفت فيما بعد أنه أسلوب يتبعونه لتضخيم التهمة كي تعترف بأصغر منها كما أن ذلك مبرر للاختفاء خلف القضبان والسجن الطويل .

سألني بالتفصيل عن حادثة المدرسة والانتخابات فأنكرت كل شيء ولا أعرف من أين أتتني كل تلك القوة فرغم الضرب والتعذيب وأساليبهم الخبيثة لم أعترف ولعل الجوع أفادني كثيرا لأن الإنسان مع الجوع يفقد الإحساس بالألم وتصفى نفسه ولذلك يستخدم الصيام الطويل في الرياضات الروحية واليوغا وحتى السحر حيث تصبح أكثر تحكما في الأشياء أثناء الجوع .

كان أبي أيضا قد وجد بضع وساطات للإفراج عني ومع دفع المبالغ و صمودي وعدم اعترافي تركوني في اليوم التالي فأخذت تاكسيا من أمام باب الفرع وقلت له أوصلني إلى الكراج الشرقي .

في الطريق نظر إلي السائق وكأنه عرف حالي فقال ما خطبك ..؟؟

فتذكرت المقولة التي تقول بأن غالبية سائقي التكاسي يعملون مع المخابرات خاصة أنه حملني من أمام باب الفرع وكان أبلق العينين مترهل الخدين فقلت له :

كنت متهما ظلما بأني تكلمت على الدولة فقال لي كيف تتكلم على السلطة ودولتنا أفضل دولة وأصبح يبيعني من الوطنيات ما أثار حفيظتي فانفجرت فيه وقلت لعنة الله عليك وعلى الدولة وعلى الأسد أنزلني فورا قبل أن أقتلك .؟؟؟

خاف الرجل فيما يبدو من عصبيتي فأنزلني سريعا فأخذت تكسيا آخر وذهبت إلى الكراج ومن هناك عدت إلى كوباني .

في طريقي إلى البيت والبرد والجوع والقهر يخنقون أنفاسي رأيت شلة الأصدقاء في محل الخراطة يلتفون حول تلكم النار فعرجت إليهم فسألوني من أين مقدمك فقلت من حلب ثم حدثتهم عن جمال نساء حلب .

حاولت أن أحلل لماذا كذبت عليهم رغم أنني لا أكذب عادة فعرفت فيما بعد أنها كانت ثورة على الواقع فمن المفروض في دولة تحترم نفسها أن يكون المراهق في حديقة يقطف الورود لصديقته لا حبيس أفرع الأمن يركلونه ويضربونه ويصفعونه ويسبونه ويهينون كرامته .

كان ذلك ثورة عنيدة على الواقع ورفضا له و مكابرة على النفس ولذلك وبكل عزة نفس حدثتهم عن حلب وعن بنات حلب .



#محمد_حبش_كنو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا تضرب أمريكا وكلاء أيران بجدية ..؟؟
- قرابين على مذبح الأوهام
- عن الصراصير والنووي والبنات والكاكاو وأشياء أخرى
- ذات حضن
- ما ضاع حق وراءه مشاغب
- إن يكن قلبي جريحا .. موشح على الطراز الأندلسي
- الحجاب عادة أم عبادة . نظرة تاريخية على ضوء قضية شهيدة الحجا ...
- رواية سفر الرجوع
- سوريا والتحركات الكردية بين واشنطن وموسكو .. حلول مؤجلة كردي ...
- وطن أحمر
- حينها أدركت بأنني كردي
- إلا رسول الله كلمة حق يراد به باطل
- البرلمان هو الحل المنقذ لأكراد سوريا
- فلسفة الوجود واللاوجود
- عن كورونا والسياسة والقمح والشعير
- حرب المعابد
- الأزمة السورية وملاحم آخر الزمان
- معركة إدلب الكبرى بين الوهم والحقيقة
- حتى لا يتحول الكرد إلى السمكة الثالثة
- دراسة عن تنظيم القاعدة والعمال الكردستاني كنموذجين في الحرب ...


المزيد.....




- بعد إطلاق صندوق -Big Time-.. مروان حامد يقيم الشراكة الفنية ...
- انطلاق مهرجان أفلام السعودية في مدينة الظهران
- “شاهد الحقيقة كامله hd”موعد عرض مسلسل المتوحش الحلقة 32 مترج ...
- -سترة العترة-.. مصادر إعلامية تكشف أسباب إنهاء دور الفنانة ا ...
- قصيدة (مصاصين الدم)الاهداء الى الشعب الفلسطينى .الشاعر مدحت ...
- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حبش كنو - حدثتهم عن حلب وعن بنات حلب