أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الكتابة عن الدم والأشلاء















المزيد.....

الكتابة عن الدم والأشلاء


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7937 - 2024 / 4 / 4 - 12:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1 - عندما نعاين ما يحدث في غزة منذ أكثر من خمسة أشهر الآن، في هذه الحرب التدميرية على شعب فلسطين، من قتل وتشريد وإرهاب وتهجير وإبادة جماعية، لا يمكنه إلا أن يتسائل بجدية قاتلة : ما فائدة الكتابة وما فائدة الفكر والأدب والفلسفة، ما فائدة التنديد، ما فائدة الغضب، ما فائدة البكاء والنواح، ما فائدة الصراخ .. ولا يمكننا إلا إن نسخر بحزن من كل هذه الآلاف والملايين من الكلمات والخطب والمواعظ والتحاليل التي تملأ الكتب والصحف والمجلات وصفحات الويب وبلاتوهات التلفزيون بكل أشكالها وألوانها، ولا يمكنه إلا أن يتخذ موقف ديوجين بخصوص إفلاطون الذي كان يسخر منه سخرية لاذعة متسائلا عن فائدة رجل قضى حياته كلها في ممارسة الفلسفة، دون أن يزعج أي أحد. وهذا التساؤل عن عبثية الكتابة أشار إليه أحد المفكرين اليهود، ثيودور أدورنو، في منتصف القرن الماضي بخصوص إستحالة كتابة الشعر بعد المحرقة النازية ومحاولتهم لإبادة اليهود. ونطرح نفس السؤال اليوم، هل هناك ما يمكن أن يقال، علما بأنه أثناء كل كلمة أو جملة تكتب يموت فيها فلسطيني أو فلسطينية تحت قنابل الجيش الإسرائيلي الديموقراطي؟ 

2 - كان ثيودور أدورنو - Theodor W. Adorno عضواً بارزاً في مدرسة فرانكفورت النقدية، وارتبطت أعماله بالعديد من المُفكرين البارزين مثل إرنست بلوخ Ernst Bloch، والتر بينجامين W-alter-Benjamin، ماكس هوركهايمر Max Horkheimer، هيربرت ماركوس Herbert Marcuse، إيريك فروم Erich Fromm وغيرهم من مدرسة فرانكفورت، ويعتبر على نطاق واسع أحد أهم المُفكِّرين في القرن العشرين في الفلسفة وعلم الجمال. بالإضافة لمقالاته الكثيرة ومحاضراته، نشر العديد من الكتب التي انتقد فيها الفاشية وأثَّر من خلالها بشكلٍ كبير في اليسار الأوربي الجديد مثل كتاب الديالكتيك في عصر التنوير سنة Dialectic of Enlightenment ،1947، الديالكتيك السلبي، سنة Negative Dialectics-1966.
بعد وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا، هاجر أدورنو‘ بإعتباره يهوديا، مع العديد من الأساتذه التابعين للجامعات الألمانية بعد منعهم من التدريس إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا. 
وبعد خمسة عشرة عاما من المنفى، في سنة 1949، عاد أدورنو إلى ألمانيا بعد نهاية الحرب وهزيمة النظام النازي حيث ألتحق بجامعة فرانكفورت. في ذلك الوقت كانت ألمانيا محطمة ومهزومة، تحاول نسيان الفترة النازية وإلقاء غطاء يخفي الحرب المجنونة ومخلفاتها المادية والنفسية على المجتمع الألماني، وبذل كل الجهود المادية والثقافية للنهوض بألمانيا بعد الهزيمة والإلتحاق بالأنظمة الأوروبية.
وفي محاضرة ألقاها سنة 1949 بعنوان " نقد الثقافة والمجتمع" والتي نشرت في سنة 1951، كتب أدورنو : "حتى الوعي الأكثر حدة بالكارثة قد يتحول إلى ثرثرة. نقد الثقافة نفسه يتحول في نهاية الأمر إلى جدلية بين الثقافة والهمجية : كتابة قصيدة بعد أوشفيتز Auschwitz هي عمل همجي "To write poetry after Auschwitz is barbaric"، وهذه الحقيقة تؤثر حتى على المعرفة التي تفسر لماذا أصبح من المستحيل كتابة الشعر اليوم."

3 - بطبيعة الحال، هذا الحكم لم يكن نهائيا ولم يكن الغرض منه القضاء على الشعر أو الأدب والفن، وإنما التعبير عن رفضه لنسيان الشعب الألماني للجرائم التي أرتكبها النظام النازي بإسمه. ولكن اليوم تغير الموقف تغيرا جذريا، وأصبحت محرقة اليهود رمزا عالميا وإنسانيا ضد الأنظمة الشمولية والعنصرية يدرس في كل مدارس أوروبا ويحيي ذكراها في كل أنحاء الدول الغربية، وأصبح الشعب اليهودي، ممثلا في دولة إسرائيل يمثل "المسيح المصلوب" في ديانة عالمية جديدة تقودها إسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا. وأصبح إنتقاد دولة إسرائيل أو إنتقاد الإيديولوجية الصهيونية يمثل نوعا من الكفر والزندقة يعاقب بأقصى العقوبات التي تسمح بها هذه الأنظمة التي تدعي الديموقراطية والإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان. أما بخصوص الشعب الفلسطيني فإنه يمثل بالنسبة لإسرائيل الخطر الوحيد الذي قد يهدد هيمنتها وسيطرتها على كل منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن ياسر عرفات قد قضى على فكرة المقاومة واستسلم في أوسلو للديانة الإسرائيلية مقابل رئاسة دولة وهمية، إلا أن إسرائيل تعتبر كل من يقاوم الإحتلال إرهابيا ومعاديا للسامية ويمكن القبض عليه وتعذيبه وسجنه وإغتياله في أي بقعة من العالم.
وعليه ماذا يمكن أن يفعل الفلسطيني في مواجهة هذه الآلة الجهنمية المقدسة ؟ كيف يمكنه الحياة وهو محاصر ومكبل اليدين والقدمين ؟ وقد وجد الشعب الفلسطيني في غزة جوابا على هذه التساؤلات ممثلا في حركة حماس الإسلامية، لأن كل الحركات التقدمية تفسخت الواحدة بعد الأخرى، بمساعدة الكيان الصهيوني وبمساعدة الدول العربية الغارقة في الرجعية والتعاون والتطبيع، مثل السعودية ومصر وبقية قبائل ومشايخ الخايج. لأن إسرائيل كان من مصلحتها وجود حماس في غزة، لخلق الإنشقاق بين الفلسطينيين من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة تَضْليل وخِداع العَالم بخلق صدام مفتعل بين الإسلام واليهودية وصَرْف اِنْتِباهه عن الإحتلال والتهجير بإفتعال حرب دينية، أو حرب بين الديموقراطية والإرهاب.

4 - للأسف الشديد، يمكن إعتبار كل هذا الكلام مجرد ثرثرة زائدة عن اللزوم، فالموقف الذي يتواجد فيه اليوم الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى الكلام أو الخطب وإنما إلى الفعل الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد قلنا هذا الكلام منذ اليوم الأول، غير أن الكيان الدولي والإسلامي والعربي، كيانات تعيش في غيبوبة في غيبوبة أهل الكهف، حيث لا يمكن للجثت أن تتحرك ولا للأموات أن تقوم بأي شيء سوى أن تضل مستلقية على الأرض يأكلها العار والدود والذباب.
فقد اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، السبت 11 نوفمبر في أعقاب إعلان البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية المنعقدة في الرياض، أن قرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة " "قرارات القمة جيدة وقوتها تكمن في صدورها عن 57 دولة عربية وإسلامية، وهي تبرز موقفها الضاغط على مؤيدي إسرائيل"، علما بأن هذه القرارات - 31 قرارا، لا تخرج عن الثرثرة الركيكة التي تعود عليها العرب منذ عشرات السنين : نرفض، ندين وندد ونشجب، نطالب، نستنكر، ندعم، نؤكد، إعادة التأكيد وإعادة التنديد، التشديد على ..، الدعوة إلى ..، إلى آخر قائمة هذه الأماني التقليدية والتي لا تعبر سوى عن الفقر الفكري والسياسي والتواطؤ مع الإمبريالية العالمية الذي تعاني منه هذه الطبقة المزرية من الرؤساء والملوك والسلاطين والشيوخ، والذين لا يخجلون من إخراج مثل هذه البيانات الطفولية، وهم الذين يمثلون قوة عالمية تضم أكثر من 57 دولة، وأكثر من ملياري نسمة، لا يجرأون على إتخاذ أي قرار عملي حقيقي ضد إسرائيل وأمريكا والغرب عموما، مثل قطع العلاقات الدبلوماسية أو إيقاف ضخ النفط لإيقاف المجزرة الدموية في غزة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الفراغ اليابانية
- الفكر المنغلق
- عن فلسفة النقل
- من بقايا أوراق السيد نون
- السؤال الذي يقتل
- الفلسفة بين الشرق والغرب
- التصوير أثناء الحرب
- الذي يكون والذي لا يكون
- الرصاصة ورقصة الغجرية
- أوليس وقوة الخداع
- أليس وأوليس
- عودة إلى ظاهرة الإرهاب
- الشعر وفلسفة التكوين
- الفكر والخيال واللغة
- المقص يأكله الصدأ
- تجار الحشيش وشيوخ النفط
- إنتحار الكلمات
- محمود درويش والحصار
- آخر أبطال الأوديسة
- طاعون الهزيمة


المزيد.....




- غراب أبيض اللون..مصور يوثق مشهدًا نادرًا في ألاسكا
- طالب بجامعة كولومبيا في أمريكا يصف ما يحدث وسط المظاهرات.. ش ...
- ما السر وراء الشبه الكبير بين حارس مقبرة أخناتون والفرعون ال ...
- أسرار -أبرامز- الأمريكية في أيدي المتخصصين الروس
- شاهد لحظة طعن سائح تركي شرطي إسرائيلي في القدس
- -بسبب رحلة للغلاف المغناطسي-.. أشعة كونية ضارة قصفت الأرض قب ...
- متطوعون يوزعون الطعام في مخيم المواصي للنازحين الفلسطينيين ف ...
- محكمة العدل الدولية تصدر قرارها اليوم في دعوى تتهم ألمانيا ب ...
- نجم فرنسا: لهذا السبب لا يناسب زيدان بايرن ميونيخ
- نتنياهو عازم على دخول رفح والشرطة تقتل تركياً طعن شرطياً


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الكتابة عن الدم والأشلاء