أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - فلسفة الفراغ اليابانية














المزيد.....

فلسفة الفراغ اليابانية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7936 - 2024 / 4 / 3 - 13:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٧٢ - فلسفة الفراغ

ألقائمة الطويلة لأعلام الفكر والفلسفة التي ذكرها روبرت نيفيل، والتي تحتاج لحياة كاملة لدراستها والخوض في تفاصيلها، ذكرناها فقط للتذكير بأهمية وضرورة الإنفتاح والإهتمام بالثقافات المختلفة وذلك لإغناء الفكر وتهوية العقل لمواصلة الخلق والإبداع ومواصلة الحوار مع الآخر رغم إختلاف اللغة وغرابة المفاهيم وإستحالة ترجمتها من لغة إلى أخرى. فهناك على سبيل المثال مفهوم فلسفي في غاية الأهمية في الفلسفة "اليابانية"، لم يكتشفه العالم الغربي إلا في نهاية القرن الماضي، رغم أهميته وكونه يطبق في أغلب مجالات الحياة يسمى الـ "ما - Ma". وقد اكتشف الغرب هذا المفهوم الغائب خلال معرض "ما - الزمان - المكان في اليابان - MA - espace-temps au Japon" في مهرجان الخريف بباريس عام 1978، وهو معرض نظمه المهندس المعماري الياباني أراتا إيسوزاكي Arata Isozaki. ثم سافر المعرض حول العالم لمدة عشرين عامًا تقريبًا لإيصال هذا المفهوم الجديد للأوساط الثقافية والفكرية والفنية في كل أوروبا الغربية وأمريكا. وجاء في إعلان المعرض: “في اليابان، يتم توحيد مفهومي الزمان والمكان في مفهوم واحد تترجمه كلمة MA. لا يوجد فرق بين مفهومي الزمان والمكان كما يراهما الأوروبيون. هذا المفهوم هو الأساس الذي تقوم عليه البيئة والإبداع الفني والحياة اليومية لدرجة أن الهندسة المعمارية والفن التشكيلي والموسيقى والمسرح وفن الحدائق كلها تسمى فنون MA- ما. »
إن الصعوبة الكبرى التي يواجهها الغربيون الذين يقتربون من الثقافة الشرقية تكمن في الرؤية المنطقية الأرسطية ثم العقلانية الديكارتية القوية التي تقودنا إلى عمليات عقلانية لا يمكن للشرقيين فهمها بسهولة. ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر روعة في هذا اللقاء مع الشرق يتمثل في قراءة الفلسفات التي يقوم عليها المشروع الفكري لأي مجتمع، والذي، حتى لو كانت اليوم تتخلله محاولات المصالحة الثقافية والإندماحية بين الرؤى المتباينة للشرق والغرب، فهناك مفاهيم ومقولات ومواقف من العالم لا تبتعد أبدًا عن الجذور أو الأصول أو التربة التي تميز الأماكن التي انبثقت وترعرعت فيها.
‏間 هذا الشكل البسيط والغريب يمثل ويرمز إلى مفهوم الـ "ما" وهو المفهوم الذي من الصعب إدراكه بشكل ملموس لمن ليس له دراية بالثقافة اليابانية، والذي تتوفر له أدبيات ودراسات وأطروحات متنوعة غنية لمحاولة الإحاطة به وتفسيره من قبل الباحثين الغربيين. يأخذ هذا الرسم التوضيحي في اليابان معان مختلفة: المسافة، والتوقف المؤقت، والفاصل الزمني، والانقطاع، والعلاقة بين الأجزاء. غير أن أفضل ترجمة محتملة لا بد أن تربط هذا المفهوم بالمكان والزمان.
"ما" هو مصطلح ياباني يعني "الفاصل الزمني"، "الفضاء"، "المدة"، "المسافة"، "الفراغ" أو "ما بين". كانجي kanji الكلمة أو رمزها بالكتابة اليابانية المذكور سابقا هو عبار عن مصراعي بوابة مفتوحة على رمز قرص الشمس في وسطها 間. وربما يذكرنا هذا الكانجي بطريقة غريبة وغير متوقعة ببداية قصيدة بارمينيدس والبوابة المغلقة التي فتحتها ديكي بماتيحها السحرية ليندفع الشاب بعربته التي تقودها بنات الشمس نحو الحقيقة.
يُستخدم هذا المصطلح كمفهوم جمالي، فهو يشير إلى الاختلافات الذاتية للفراغ الزمني والمكاني (الصمت، والفضاء، والمدة، وما إلى ذلك) الذي يربط ويفصل في نفس الوقت بين شيئين أو ظاهرتين. يتم التعبير عن هذا المفهوم في العديد من الفنون: الهندسة المعمارية، والرسم، وفنون الدفاع عن النفس، وفنون الطهي وفن طقوس الشاي، والمسرح، والموسيقى، وغيرها من الفنون. وعلى الرغم من أن الكلمة قديمة في الثقافة اليابانية، إلا أنه لم يتم استخدام مفهوم الـ ma في الخطاب النقدي الياباني إلا منذ ثلاثينيات القرن العشرين. وفي هذا يختلف عن المفاهيم الأخرى المميزة للجماليات اليابانية مثل وابي سابي wabi-sabi أو مونو نو أوار mono no aware، والتي هي فلسفة جمالية تركز على رؤية الجمال وسط كل شيء، بالتالي هي فلسفة ترمي لتقبل الأشياء كما هي وعلى طبيعتها، بعيوبها وبشوائبها وبترهلاتها وبتآكلاتها وحتى بفنائها. فهذه الفلسفة، الوابي سابي، تعرف أحياناً بأنها: «إيجاد الجمال في عدم الكمال» أو «الاكتفاء بعدم الاكتمال». وهو مفهوم مشتق من تعاليم البوذية التي تنادي بالعلامات الثلاث للوجود وهي التغير أو إستمرارية تبدل الحال، ثم المعاناة وأخيرا مبدأ الفراغ أو الخواء. من الناحية الفلسفية، تشير "ما" إلى فترة زمنية - أو بشكل أكثر عمومية، مساحة محددة بداهة - والتي تكون فارغة في طبيعتها الأولية وفي كثير من الأحيان في مستقبلها وصيرورتها، في حين أنها توفر فعليًا إمكانية الملء والإقامة. يمكن أن تصبح الـ "ما" أيضًا مساحة أو فضاء مسرحي صامت أو بدون حركة تنتظر فعلًا استثنائيًا ربما لن يحدث أبدًا. ومن المناسب التمييز بين الفترة الزمنية أو الفراغ المكاني الذي يمكن أن تحدث فيه الظواهر وهو "ما"، وتلك التي تباعد الأشياء نفسها والتي تسمى " آيدا l’aida" والتي ترتبط إرتباطا وثيق بالـ "ما". وعندما يتداخل الاثنان، فإن الأول هو «الحاوية»، حتى بيئة الظهور الافتراضية أو المتوقعة، والثاني يقتصر تحديداً على الارتباط الهيكلي للمسافة وللفراغ بين الظواهر.
الفكرة المركزية وراء مفهوم "ما" هي احتضان الفضاء السلبي، لرؤية العدم كشيء كائن، بل وضروري. قد يبدو الأمر صعبًا في البداية لتقبل هذه الفكرة ولكن عندما نمارس هذه الرياضة الفكرية نكتشف أهميتها وواقعيتها وفعاليتها في إثراء وتحفيز الفكر.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر المنغلق
- عن فلسفة النقل
- من بقايا أوراق السيد نون
- السؤال الذي يقتل
- الفلسفة بين الشرق والغرب
- التصوير أثناء الحرب
- الذي يكون والذي لا يكون
- الرصاصة ورقصة الغجرية
- أوليس وقوة الخداع
- أليس وأوليس
- عودة إلى ظاهرة الإرهاب
- الشعر وفلسفة التكوين
- الفكر والخيال واللغة
- المقص يأكله الصدأ
- تجار الحشيش وشيوخ النفط
- إنتحار الكلمات
- محمود درويش والحصار
- آخر أبطال الأوديسة
- طاعون الهزيمة
- مربعات الكآبة


المزيد.....




- بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. وهذا ما قاله مص ...
- -ديلي تلغراف- البريطانية للبيع مجددا بعد معركة حول ملكيتها م ...
- مصرية -تبتسم وتتمايل- بعد الحكم بإعدامها (فيديو)
- بيضتان لـ12 أسيرا.. 115 فلسطينيا يواجهون الموت جوعا يوميا في ...
- متظاهرو جامعة كولومبيا في تحدٍّ للموعد النهائي لمغادرة الحرم ...
- كيف تتصرف إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء؟
- البرلمان الفرنسي يعترف بـ-إبادة- العثمانيين للآشوريين-الكلدا ...
- منافس يصغره بثلاثين عاما .. تايسون يعود للحلبة في نزال رسمي ...
- دراسة تكشف نظام غذاء البشر قبل ظهور الزراعة!
- فصيل فلسطيني يعرض مشاهد من قصف تحصينات الجيش الإسرائيلي في غ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - فلسفة الفراغ اليابانية